عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 3 )
المختار العروسي
عضو
رقم العضوية : 27701
تاريخ التسجيل : 13 - 06 - 2008
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : المختار العروسي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : رسائل الأنس مع القرآن الكريم مع الآية 177 من سورة البقرة بقلم المختار العروسي ال

كُتب : [ 21 - 06 - 2008 ]


تابع الآية 177 من سورة البقرة
بعد أن خلصنا إلى أن الجزء الأول من الآية فيه إشارة إلى كيفية بنا علاقة بالنفس ، وأن الجزء الثاني بين فيه تعالى كيفية بناء علاقة بالآخر فإن الجزء الثالث منها في قوله تعالى:{ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} يبين أن إقامة الصلاة متعلقة بالدين كله متعلقة بكل كلياته وجزئياته متعلقة بأدق التفاصيل وأعمها متعلقة بحياة المسلم في كل حركاته وسكناته، قال تعالى:{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) } العنكبوت، فالصلاة دلالة على الحضور الإلهي الرباني الدائم والمستمر من مراقبة الإنسان الله في كل ما يقدم عليه في الفكر والنظام والممارسة.وهنا نلاحظ بأن ربنا سبحانه وتعالى يشير إلى أن بداية الإقامة تكون بالصلاة التي تعبر عن ذلك الترسب والرسوخ العلمي بالله الواجب إظهاره عمليا بإتيان ما يترتب عليها من أداء للواجبات مما هو من المفروض أو من التطوع وفاء منا لما عاهدنا عليه الله تعالى وبايعنا عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، فالصلاة هي ذلك الدعاء المتمثل في السلوك العملي واللفظ القولي بحركاته وأقواله المخصوصة المبتدئة بتكبيرة الإحرام والمنتهية بالتسليم، ولا تتم إلا بما ارتبطت به وما اقتضته من صلة بالله صلة دائمة مستمرة باستمرار الحياة أي بناء علاقة بالله علاقة إيمانية عملية مؤسسة على أساس أخلاقي، لها المظهر الدائم في الممارسة ليتم منها تحقيق العبودية لله تعالى، وهنا ذكر الله تعالى للوفاء والصبر كقيمتين إيمانيتين أخلاقيتين عمليتين لما لهما علاقة بالممارسة ولا يكون الوفاء إلا من صبر لطبيعة الصبر، فالوفاء في ما كان صادرا من الإنسان في علاقته بنفسه اتجاه الآخر والأشياء أي قد يصاحبه فتور في الأداء في بعض الأحيان لطبيعة البشر الخلقية، والصبر فيما كان من تأثير الأشياء مادية كانت أو معنوية على الإنسان فيكون الصبر في كل الأوقات مع كل الأشياء وكما ذكرنا في كلمة سابقة أن الصبر قيمة خلقية مكتسبة برياضة النفس من تفعيل العقل لأجل الالتزام بالشرع، و هو انعكاس لمدى احتواء الظروف المحيطة في أوقات مختلفة ليست دائمة، و به يتم الانتقال إلى مرحلة الرضا، و الوصول إلى استيعاب الواقع بمختلف أشكاله، و من نتائجه التحكم في الحال بفراستها، و اكتساب الرؤية المستقبلية لما قد يكون من الحال. ويكون الصبر على إتيان الأمر كما يكون في الابتعاد عن النهي.وذلك لما جاء من معنى المدح للصابرين، وبصورة أخرى الصابر يأخذ معنى أن الصبر ملازم للإنسان في كل الأوقات مع جميع الأحداث بخلاف الوفاء بالعهد قد يتم وقد لا يتم وفائه بالعهد حسب الظروف الموضوعية والتاريخية المتعلقة بالفرد أو الجماعة.ثم إن قوله تعالى في هذا الجزء من الآية وأقام إلى غاية لفظ البأس دلالة على إتيان الدين منذ إسلام المرء إلى غاية موته وأسمى رجاء الموت في سبيل الله تعالى. وهذا إن دل فإنما يدل على استمرارية الدعوة لله تعالى انطلاقا من تحقيق العبودية له على المستوى الفردي ليكون منها ذلك الأثر الجماعي ومنه الدعوة وفق المتاح والموجود والقدرة والإرادة، التي لا تخرج عن أحكام الشارع الحكيم لبث وبعث الحق بالحق التزاما منا لتحقيق قول الله تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} الذاريات. ثم كان قول الله تعالى في آخر الآية :{ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} المتقون بعد أن كان الصدق فما التقوى؟ التقوى ندرك معناها من بعض الآيات ومنها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} آل عمران
قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)}التغابن
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)}الأحزاب
قال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)}الطلاق
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}الأنفال
فالتقوى شعور مُدرك من محاولة إتيان الالتزام الشرعي، مصحوب بالرجاء والخوف من الله وحبه طمعا في الجزاء الحسن طلبا لأفضله، ويلازمها البعد عن الفتنة في الدين والدنيا.
فهي إدراك للحق والعمل به من غير تردد. و الرجوع في قياس العمل إلى ما جاء في النصوص المبنية و الضابطة له طلبا للصلاح، فهي اقتناع فإتباع فطاعة فالتزام و لا يكون بناءها إلا على أساس الصدق. ومن هذا فما الصدق؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119) }التوبة
قال تعالى:{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) } الأحزاب
قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (21) }محمد
قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبا في المسلمين فقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام الأول وبكى أبو بكر فقال أبو بكر : سلوا الله المعافاة أو قال العافية فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا إخوانا كما أمركم الله تعالى
عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (إن الصدق يهدي إِلَى البر وإن البر يهدي إِلَى الجنة؛ وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند اللَّه صديقا، وإن الكذب يهدي إِلَى الفجور وإن الفجور يهدي إِلَى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابا) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ.
عَنْ أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال حفظت مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (دع ما يريبك إِلَى ما لا يريبك ؛ فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ وقال حديث صحيح.
إذن فالصدق: هو أصل شامل لمجموع القيم الإعتقادية الإيمانية و العملية كما تنضوي تحته كل القيم الأخلاقية، ولا يكون إلا وفق الالتزام التام بالتشريع المكتسب اقتناعا من إخلاص الموقف و الثبات عليه و فيه، و يكون مؤسسا على الابتعاد عن الوهم، فالوهم مدخل من مداخل التشتت و إحداث الفتنة داخل نفس الفرد أو بين الجماعة. فلا يخالف الإنسان نفسه مخبرا ومظهرا، ليبتعد بذلك عن التغيير و التزييف على مستوى القول و الفعل و التقرير، وإنما أن يرى الأحوال عما هي عليه، فيتفاعل معها بطمأنينة تامة، و يتعامل معها بما ترسب لديه من قناعات التشريع، و بذلك يصير متحملا لمسؤوليته برضا عما قام به.
ومن هذا فإن الله سبحانه وتعالى بذكره لأركان الإيمان توظيفا لها وتبيينا لها والتي يؤكد أن قيامها لا يكون إلا على أساس أخلاقي وأن الأصل في مكارم الأخلاق الصدق فهذه الآية تبين أسس الإيمان من خلال توظيف أركانه.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفار التواب الرحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


رد مع اقتباس