رد: شجرة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
كُتب : [ 28 - 01 - 2009 ]
زكريا ( عليه السلام ) :
تمنى عمران وزوجته أن يكون لهما ولد ، فأخذا يدعوان الله أن يرزقهما الذرية الصالحة ، فاستجاب الله لدعائهما ، وحملت امرأة عمران ، فنذرت أن تهب ما في بطنها لخدمة المسجد الأقصى ، ويتولى رعايته ، ويقوم على شئونه ، ولما ولدت أنثى ، قالت : { رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } [ آل عمران : 36 ] ثم أخذتها ، وذهبت بها إلى المسجد الأقصى حتى تعيش هناك ، وتتربى على التقوى والأخلاق الحميدة ، وتنشأ على عبادة الله منذ الصغر . وتقدم زكريا ليكفلها ويربيها ويقوم على رعايتها ، وقد كان زكريا نجارًا ، لكن الناس اختلفوا في ذلك ، وارتفعت أصواتهم كل ينادي ويطالب بتربية مريم ، وكل يرى نفسه أحق برعايتها من غيره ، فقام أحد عُبَّاد المعبد ليفض هذا النزاع الذي نشب بينهم في شأن كفالة مريم ، وقال : أقترح عليكم أن نذهب جميعًا إلى النهر ونرمى أقلامنا فيه ، والقلم الذي يجري خلاف جري الماء هو الذي يفوز صاحبه بكفالة مريم وينال شرف تربيتها . فاتفق الجميع على هذا الرأي ، وذهبوا إلى النهر ، ورمى كل واحد منهم قلمه فذهبت الأقلام جميعها مع التيار إلا قلم زكريا فهو وحده الذي سار خلاف جري الماء ، وفاز زكريا بكفالة السيدة مريم ، وبدأ زكريا - عليه السلام - في كفالة مريم والقيام على أمرها ، وخصص لها مكانًا في المسجد تعيش فيه ، ومحرابًا خاصًّا بها لتتعبد فيه ، وظلت السيدة مريم في المسجد وقتًا طويلا تعبد الله وتسبحه ، وتقدسه في مكانها الخاص ، لا تغادره إلا قليلاً . وكان زكريا يزورها من حين لآخر ، للاطمئنان عليها ، والقيام بأمرها ، وكلما دخل عليها المسجد ، وجد عندها طعامًا ، بل كان يجد فاكهة وألوانًا مختلفة من الأطعمة لا توجد في ذلك الوقت ، فتعجب زكريا ، وأخذته الدهشة ثم سألها : من أين لها بهذه الفاكهة ، وهذا الطعام ؟! فأخبرته السيدة مريم بأنه رزق من عند الله الذي يرزق من يشاء بغير حساب ، وكان زكريا قد كبرت سنه ، ولم يكن لديه ولد ولا ذرية ، لكنه لما رأى رزق الله لمريم بأشياء ليست في وقتها علم أن الله قادر أن يرزقه ولدًا ، وإن كانت امرأته عاقرًا ، فانصرف زكريا من عند مريم ، وتوجه إلى ربه - عز وجل - يدعوه أن يرزقه بولد صالح . وفي يوم من الأيام ، وبينما زكريا في محرابه يعبد الله ويسبحه ، تنزلت عليه الملائكة تبشره باستجابة الله لدعائه ، وأن الله سبحانه وهبه غلامًا اسمه يحيى ، وسيكون نبيًّا صالحًا ، فتعجب زكريا من ذلك فكيف يكون له غلام وقد كبرت سنه ، وامرأته عجوز عاقر ؟! فأخبرته الملائكة أن هذا أمر الله القادر على كل شىء ، عند ذلك طلب زكريا - عليه السلام - من الله تعالى أن يجعل له آية يستدل منها على أن زوجته بدأت تعاني من أعراض الحمل ؛ فجعل الله علامة ذلك أن يفقد حاسة النطق لمدة ثلاثة أيام ، وعليه في هذه الحالة أن يستحضر قلبه في الصباح والمساء في ذكر الله وعبادته وشكره . ثم بين له الله - عز وجل - أنه إذا أراد مخاطبة قومه خاطبهم بالإشارة ، وأمره الله - عز وجل - أن يطلب من قومه أن يسبِّحوا لله في الصباح والمساء ، ومرت فترة من الزمن ، وولد يحيى - عليه السلام - بعد شوق وانتظار ؛ وأقر الله به عين زكريا وفرح به فرحًا عظيمًا ، فتوجه إلى محرابه يصلي ، ويسجد لله عز وجل ، ويشكره على هذه النعمة العظيمة . وقد مات زكريا - عليه السلام - قتيلاً على يد بني إسرائيل ، وقيل : إنه قد مات ولم يقتل ، فالله أعلم .
يحيى ( عليه السلام ) :
يحيى - عليه السلام - نبي من أنبياء بني إسرائيل ، ظهرت آية الله وقدرته فيه حين خلقه ، حيث كان أبوه نبي الله زكريا - عليه السلام - شيخًا كبيرًا ، وكانت أمه عاقرًا لا تلد ، وكان يحيى - عليه السلام - محبًّا للعلم والمعرفة منذ صغره ، وقد أمره الله تعالى بأن يأخذ التوراة بجد واجتهاد ، فاستوعبها وحفظها وعمل بما فيها ، والتزم بأوامر الله سبحانه وابتعد عن نواهيه ، قال تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا } [ مريم : 12 ]. وقد ابتعد يحيى عن لهو الأطفال ، فيحكى أنه كان يسير وهو صغير إذ أقبل على بعض الأطفال وهم يلعبون فقالوا له : يا يحيى تعال معنا نلعب ؛ فرد عليهم يحيى - عليه السلام - ردًّا بليغًا فقال : ما للعب خلقنا ، وإنما خلقنا لعبادة الله ، وكان يحيى متواضعًا شديد الحنان والشفقة والرحمة وخاصة تجاه والديه ، فقد كان مثالاً للبر والرحمة والعطف بهما ، قال تعالى عن يحيى : { وحنانًا من لدنَّا وزكاة وكان تقيًّا . وبرًّا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًّا } [ مريم : 13-14 ]. وحمل يحيى لواء الدعوة مع أبيه ، وكان مباركًا يدعو الناس إلى نور التوحيد ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام ، وكان شديد الحرص على أن ينصح قومه ويعظهم بالبعد عن الانحرافات التى كانت سائدة حين ذاك ، وذات يوم جمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس ثم صعد المنبر ، وأخذ يخطب في الناس ، فقال : ( إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن ، وآمركم أن تعملوا بهن .. أولهنَّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا ، فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق ( فضة ) فقال : هذه داري ، وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟! وإن الله أمركم بالصلاة ، فإذا صليتم ، فلا تلتفتوا ، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ، وآمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك ، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله - تعالى - من ريح المسك ، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو ، فأوثقوا يده إلى عنقه ، وقدموه ليضربوا عنقه ، فقال : أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ، ففدى نفسه منهم ، وآمركم أن تذكروا الله ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا ، حتى إذا أتى على حصن حصين ، فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ) [ الترمذي ]. وكان يحيى يحب العزلة والانفراد بنفسه فكان كثيرًا ما يذهب إلى البراري والصحاري ، ليعبد الله عز وجل فيها وحده ، وروي أن يحيى - عليه السلام - لم يأت بخطيئة قطُّ، ولم يقبل على ذنب أبدًا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا ما هم بخطيئة ولا عملها ) [ أحمد ] ولقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحيى - عليه السلام - ليلة المعراج في السماء الثانية يجلس مع عيسى بن مريم ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( .... ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل من هذا ؟ قال : جبريل .. قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم .. فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت فردَّا ، ثم قالا : مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ) [ البخاري ] وروي أنه مات قتيلاً على يد بني إسرائيل . منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|