(( 8 ))
أما يوم الخميس فهو أشق يوم في الأسبوع ، حيث نصلي الفجر ومباشرة بعد صلاة الفجر نلبس البدل العسكرية ونتجه إلى مستودع السلاح ونأخذ الخوذة والسلاح كل يتم تسليمه سلاح حسب تدريبه وطاقته الجسمانية ، ومن ثم نلبس حاملة الشواجير الثلاثة على الصدر ويبلغ كل شاجور قرابة الكيلو ، ومن ثم نصطف جميعاً نحو المطبخ كي نحصل على نصف خبزة تميس وخمس تمرات عبارة عن التموين الغذائي لكل فرد منا طيلة اليوم ، ومن ثم ننطلق مع بعض المدربين وتبدأ مسيرة كل يوم خميس ، ولا يبقى في المعسكر إلا المرضى والمتعبين المعذورين صحياً يحرسون المخيم ..
وهذه المسيرة كل يوم خميس تبدأ كتدريب على سلوك طرق الغزو والتقدم في فتوحات المدن ، فنسلك طرق وعرة ومخيفة ، وشواهق من الجبال هاوية مخيفة ، ومن ثم نتدرب فيها على الكمائن بالذخيرة الحية ، فتجد من باغتنا من المدربين المختبئين في الجبال من فوقنا ومن خلفنا يباغتوننا بالرمي بالرصاص والذخائر الحية ومن ثم تحدث مواجهة وهمية وكيفية الانتشار وتقليل الخسائر في مثل هذه الحالات وتجارب مثيرة ورائعة
...
وتطول المسيرة حتى قرب أذان العصر دون أن يشرب أي أحد ماء ، ولا يأكل إلا ما تم إعطائه من نصف خبزة وخمس تمرات ، ولكم تبقى التمرة وصبرتها في الفم أكثر من نصف ساعة ...
نصلي العصر ومن ثم يسمح لنا مع الوضوء بشرب الماء ومن ثم نواصل طريق العودة إلى المعسكر من طريق آخر لا يخلو من الخطورة والمشاق أيضاً ..
وفي العودة غالباً ما نخوض الأنهار الباردة ونعود للمعسكر كتل من الثلج نتصبب ماءً ونكاد نهلك من البرودة ..
ويخبروننا المدربين أن تم من قام بتشريك المعسكر ببعض الصواعق كتدريب على فك تشريك المتفجرات ، فتجد أبواب الخنادق ودورات المياه وأغطية خزانات شرب الماء جميعها مشركة ، فنؤمر بفكها والبعض يسقط في الكمين فينفجر الصاعق فقط دون حشوة متفجرة لأنها تجريبية فقط .. وقد علمنا أن من قام بالتشريك سلفاً هم إخواننا في الدورات المتقدمة في أعلى الجبل الغربي وسوف أذكر لكم بعد قليل تفاصيل هؤلاء ..
وينتهي يوم شاق للغاية ومؤلم ، غير أننا وبعد العودة وفك التشريكات والكمائن ، نصطف على المطبخ كي نشرب العصير المعتاد والذي يتهرب منه البعض عنوة ومن شربه ولكن أين المفر لا بد من شربه
..
ونرتاح حتى العشاء ومن ثم نصلي العشاء ومن ثم توزيع الحراسات أيضاً ومن ثم نخلد للنوم وياله من نوم كنوم الأموات ..
يأتي يوم الجمعة ، يوم الفسحة والسرور ، يوم الراحة والطمأنينة ، يوم السباحة وغسل الملابس والمرح والسباقات والمزاح واللعب ، ويوم أكل اللحم ذلك اليوم الوحيد في الأسبوع ، ويوم الزيارات للمعسكرات الأخرى وبالطبع نادراً ما يزورنا أحد في معسكر الفاروق لأنه يمنع كل شيء للضيافة من أكل أو شرب أو شاي أو حتى بسكويت وغيره ، ويفتش أي زائر ولا يسمح له بإدخال أي نوع من الطعام .. في حين أن بعض المعسكرات يوجد فيها البوونتي والجالكسي والسنكرز ترسل من الشباب في السعودية وغيرها كهدايا لمعارفهم وبعض المعسكرات يسمحون بين فينة وأخرى شراء تموين خاص من بعض القرى المجاورة ، وقد كنت قد أتيت معي من السعودية بتموين كامل تم مصادرته حال وصولي معسكر الفاروق وقالوا عند خروجك من المعسكر تستطيع استلامه ..
وسوف أقص عليكم بعون الله قصة تهريب بعض المؤن من بسكويتات وشكولاتات للمعسكر والتي أكتشفت ولقينا ما لقينا من عقاب من جرائها ...
ومنها أنني في أحد الأيام أصبت بمرض الملاريا ، فتم إنزالي في مستشفى ميرم شاه على الحدود الباكستانية الأفغانية ، ومن ثم جلست قرابة الأسبوع للعلاج ، وأخبروني بعض الشباب في المعسكر قبيل ذهابي أن أشتري بعض البسكويتات والحلويات ووو غير ذلك ، وأثناء عودتي للمعسكر أرميها قبل الوصول للمعسكر بين الأشجار وفي الليل أثناء الحراسة نذهب ونأخذها ، وفعلت ويا ليتني لم أفعل فبعد عودتي تم اكتشاف الأمر حيث كنا نأكل وندفن القراطيس تحت الأرض كي لا أحد يراها وبعض الشباب يصرفونها بطريقتهم ، المهم في يوم من الأيام جمعنا قائد المعسكر في الساحة وفي يده قراطيس لبسكويت ، فقال من صاحب هذه ، ومن ثم أمر أمراً أميري لا يجب معصيته أن على الفاعل أو الفاعلين إن كانوا أكثر من واحد أن يتقدمون ، فتقدمنا سبعة أشخاص كلنا من خندق واحد منا اثنين أتراك ..
وكان العقاب أن قال : أتبصرون تلك الشجرة فوق ذلك الجبل في القمة : قلنا نعم ، قال تذهبون ويأتي كل واحد منكم منها بورقة ، فغبنا قرابة الساعة فالجبل شاهق وعدنا ، فقال حسناً فعلتم إذهبوا الآن وأعيدوا هذه الورقات عند الشجرة نفسها ,,, آه كان يوماً تمنينا أن لم نعرف فيه بعضاً ...
وهكذا هي الأيام في معسكر الفاروق ، كما خلية النحل لا توقف ولا وقوف في الظل ولا رضا بالدون ... وتبقى بعض الصور كثيرة لا يمكن حصرها هنا ..
وكي أصور لكم ما هو معسكر الفاروق : هو عبارة عن هضبة مستوية كبيرة تتوسط أربعة جبال وبين الجبال ممرات إلى ما خلفها من قرى أو معسكرات أو طرق ، ويشق المعسكر من ناحية الغرب نهر كبير ويزخر بالماء طيلة أيام السنة حيث أن الأمطار في ذلك الوقت كانت غزيرة ومتتالية ، وعلى كل رأس جبل تبة عبارة عن غرفة حراسة حصينة لحماية المخيم من الهجمات ، وعلى كل بوابة من بوابات المخيم الأربع حراسات أيضاً ، وهذه الهضبة مقسمة إلى أقسام عدة وكل قسم مجهز بخصوصيته ، فدورة المبتدئين على الأسلحة الخفيفة في جزء ، ودورة المدافع الثقيلة في جزء آخر ، ودورت التشريك والألغام والمتفجرات في جزء ، ووو هكذا
...
ومن ثم يوجد في المنطقة الشرقية من الهضبة وبجانب الجبل الخنادق الكبيرة المصطفة على شكل مستقيم والمحفورة بعمق في الأرض هي عبارة عن غرف للنوم ومستودعات للأسلحة ، ومن ثم المسجد الكبير في المعسكر ..
وبجانب النهر من الضفة الغربية للمعسكر توجد دورات المياه والمواضئ والمطبخ ومستودع الأغذية وحضيرة الحيوانات أعزكم الله ..
وأما في الجبل الغربي والذي هو في أعلى النهر فيوجد الشق الآخر من معسكر الفاروق وهم الذين وصلوا إلى درجات متقدمة في التدريب قاربت من فرقة الكاماندوز بعد تجاوزهم شهرين أو أربعة أشهر حسب الدورات ، وهم في الحقيقة يعيشون في هذا الجبل منفصلين تماماً عنا لا نعرف عنهم سوى مقابلتهم في المسيرة يوم الخميس و نراهم في يوم الجمعة ينزلون للصلاة سوياً فقط هذا في يوم الجمعة ، وفعلاً تجد عليهم هيئة الأشاوس الأبطال الذين تدربوا بقوة وجلادة ولا تكاد تجد منهم أحد إلا وذاق ويلات التدريب ...
وخالطنا البعض منهم ممن لم يصمدون في التدريبات ونزل إلى المعسكر في الأسفل ولكم حدثونا العجب ، وكم كنت في شوق كبير أن أنهي مدة الشهرين بسرعة كي أستطيع الالتحاق بهم في قمة الجبل الغربي .. على الأقل أطلع على حقيقة ما يجري هناك من تدريبات ، وكان أكثر من في هذه القمة هم من دول المغرب ومصر والجزائر وليبيا ودول آسيا ، وليس فيها سوى أربعة سعوديين وواحد كويتي فقط
.
وقد من الله علي ولله الحمد بعد شهرين بالانتهاء من الدورة ومن ثم التحقت بعدة دورات استمرت شهر ونصف ومن ثم التحقت بالدورة في رأس الجبل الغربي وسوف أحكي لكم القصة بعون الله قريباً مع بعض من تعرفت عليهم ...
هذا هو معسكر الفاروق في صورة مبسطة وعامة لم أتناول التفاصيل كثيراً فيها ولكني أحببت أن لا أختصر اختصار مخل ولا أن أطيل إطالة من ممل ..
تحياتي ......... وللحديث بقية من نبض .... خوروووووشيه .