هذه قصة مثيرة من أيام العرب المشهورة أرتأيت أن أدعوكم لقراءتها لما فيها من الإثارة والتشويق ومعرفة الأخلاق التي كان يتمتّع بها العرب.
…. خرج دريد بن الصمّة في فوارس من بني جشم حتى إذا كانوا في وادي يقال له الأخرم وهم يريدون الإغارة على بني كنانة إذ ظهر لهم رجل في ناحية الوادي بعيد عنهم وكانت معه ظعينة فوق البعير فأمر دريد أحد فرسانه: صح به أترك الظعينة وانجُ بنفسك.أي أمره أن يأتيه بالظعينة دون قتل الرجل. فلمّا وصل إليه الفارس صاح به ولكن الرجل لم يكن ليترك امرأته ويُبقي على حياته فلمّا ألح عليه ألقى زمام الراحلة وقال للظعينة:
سيري على رسلك سير الآمن ــــ سير رداح ذات جأش ساكن
إن انثنائي دون قرني شاءني ـــــ أبلي بلائي أخبري وعايني
ثم تقاتل هو والفارس الذي بعثه دريد فقتله.
فلمّا أبطأ على دريد بعث دريد فارسا آخر فلمّا وصل وجد صاحبه صريعا فصاح به وكرّ عليه . فقال له ذلك الرجل:
خلّ سبيل الحرّة المنيعةــــــــــ إنّك لاق دونها ربيـــــعة
في كفه خطية مطيـــعه ــــــــ أولا فخذها طعنة سريعة
والطعن في الوغى من الشريعة
وتقاتلا فقتل الرجل فارس دريد بن الصمة.
فلمّا أبطأ هوالآخر بعث دريد فارسا آخر ولم يكن يتوقع أنّ الرجل الذي مع المرأة يصرع فرسانه.
فلمّا انتهى الفارس الثالث إلى الرجل رأى الرجل مكملا طريقه يجرّ رمحه و معه ظعينته وخلفه الفارسين صرعى. فصاح به الفارس الثالث خلّ سبيل الظعينة.
فقال له الرجل:
ماذا تريد من شتيم عابس ــــــ ألم تر الفارس بعد الفارس.
أرداهما عامل رمح يابس
ثمّ حمل عليه فقتله وانكسر رمحه وأكمل طريقه.
ثمّ ارتاب دريد فلحق بنفسه بالرجل فوجد فرسانه صرعى الفارس بعد الآخر فأُعجٍب بشجاعة الرجل وقوّته فقال له : أيها الرجل إن مثلك لا يقتل ولا أرى معك رمحا والخيل ثائرة بأصحابها فدونك هذا الرمح فإني منصرف إلى أصحابي فمثبّطهم عنك.
فانصرف دريد إلى أصحابه وقال لهم إنّ فارس الظعينة قد حماها وقتل فرسانكم وأخذ رمحي ولا مطمع لكم فيه فانصرفوا فانصرف القوم فقال دريد:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثلــــــه ــــــــ حامي الظعينة فارس لم يقتــل
أردى فوارس لم يكونوا نــــــهزة ــــــــ ثمّ استمرّ كأنه لم يفعـــــــــــل
متهللا تبدو أسرة وجهــــــــــــــه ــــــــ مثل الحسام جلته كفّ الصيقل
يزجي ظعينته ويسحب رمـــــحه ــــــ متوجّها يمناه نحو المنـــــــزل
وترى الفوارس من مخافة رمحه ـــــ مثل البغاث خشين وقع الأجدل
يل ليت شعري من أبوه وأمـــــه ـــــــ ياصاح من يك مثله لا يجهـــل
وقال الفارس:
إن كان ينفعك اليقين فسائلـــي ــــــــ عنّي الظعينة يوم وادي الأخرم
إذ قال لي أدنى الفوارس مـيتة ــــــــ خلّ الظعينة طائعا لا تنـــدم
فصرفت راحلة الظعينة نحوه ـــــــــــ عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرمح الطويل إهابه ــــــــــــ فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت إخر بعده جياشـــــه ــــــــــــ نجلاء فاغرة كشدق الأصجم
ولقد شفعتهم بإخر ثـــــــالث ـــــــــ وأبى الفرار لي الغداة تكرّمي
غير متصل
