منتديات سبيع الغلباء

منتديات سبيع الغلباء (https://www.sobe3.com/vb/index.php)
-   منتدى الخواطر والحكم والالغـــاز (https://www.sobe3.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا (https://www.sobe3.com/vb/showthread.php?t=18479)

جعد الوبر 11 - 01 - 2008 19:49

أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا
 
[size=5][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : إليكم قصيدة الشاعر / ابن زيدون ذي الوزارتين والتي قالها في ولاّدة بنت المستكفي :

[poem=font="Traditional Arabic,7,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا= وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا

ألا وقد حان صبح البيـن صبحنـا = حيـن فقـام بنـا للحيـن ناعينـا

من مبلـغ الملبسينـا بانتزاحهمـو = حزناً مع الدهـر لا يبلـى ويبلينـا

أن الزمان الـذي مـا زال يضحكنـا= أُنساً بقربهمـو قـد عـاد يبكينـا

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعـوا = بأن نغـص فقـال الدهـر آمينـا

فانحـل ما كـان معقـوداً بأنفسـنـا= وأنبت ما كـان موصـولاً بأيدينـا

وقـد نكـون وما يخشـى تفرقـنـا= فاليـوم نحـن وما يرجـى تلاقينـا

يا ليت شعري ولم نعتـب أعاديكـم = هل نال حظاً من العتبـى أعادينـا

لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاء لكـم = رأيـاً ولـم نتقلـد غيـره ديـنـا

ما حقنا أن تُقـرّوا عيـن ذي حسـد = بنـا ولا أن تسـرّوا كاشحـاً فينـا

كنا نرى اليأس تسلينـا عوارضـه= وقـد يئسنـا فما لليـأس يغريـنـا

بنتم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحنـا = شوقـاً إليكـم ولا جفـت مآقيـنـا

نكـاد حيـن تناجيكـم ضمائرنـا = يقضي علينا الأسى لـولا تأسّينـا

حالـت لفقدكمـو أيامنـا فـغـدت = سوداً وكانت بكـم بيضـاً ليالينـا

إذ جانب العيش طلـقٌ مـن تآلفنـا= ومورد اللهو صافٍ مـن تصافينـا

وإذ هصرنا فنون الوصـل دانيـة = قطافهـا فجنينـا منـه ماشيـنـا

ليسق عهدكمو عهد السـرور فمـا = كنتـم لأرواحـنـا إلا رياحيـنـا

لا تحسبـوا نأيكـم عنـا يغيـرنـا= إن طال مـا غيّـر النـأى المحبينـا

والله ما طلبـت أهـواؤنـا بــدلاً= منكم ولا انصرفت عنكـم أمانينـا

ولا استفدنا خليـلاً عنـك يشغلنـي = ولا اتخذنـا بديـلاً منـك يسلينـا

يا ساري البرق غاد القصر واسق به = من كان صرف الهوى والود يسقينا

واسأل هنالك هـل عنـى تذكرنـا = إلفـاً تـذكـره أمـسـى يعنّيـنـا

ويا نسيـم الصبـا بلـغ تحيتـنـا = من لو على البعد حيّا كـان يحيينـا

فهل أرى الدهر يقضينـا مساعفـةً = منه وإن لـم يكـن غِبّـاً تقاضينـا

ربيـب ملـك كـأن الله أنـشـأه = مسكاً وقدر إنشـاء الـورى طينـا

أو صاغه ورقـاً محضـاً وتوّجـه = من ناصع التبر إبداعـاً وتحسينـا

إذا تــأوّد آدتـــه رفـاهـيـة = تؤم العقـود وأدمتـه البـرى لينـا

كانت له الشمس ظئـراً فـي أكِلّتـه= بـل ما تجلـى لهـا الا أحاييـنـا

كأنما أُثبتت فـي صحـن وجنتـه = زهر الكواكـب تعويـذاً وتزيينـا

ما ضر أن لم نكـن أكفـاءه شرفـاً = وفي المـودة كـافٍ مـن تكافينـا

يا روضةً طالمـا أجنـت لواحظنـا = ورداً جلاه الصبا غضـاً ونسرينـا

ويا حـيـاة تمليـنـا بزهـرتـهـا= منـىً ضروبـاً ولـذات أفانيـنـا

ويا نعيماً خطرنـا مـن غضارتـه = في وشي نُعمى سحبنا ذيلـه حينـا

لسنـا نسميـك إجـلالاً وتكرمـةً = وقدرك المعتلـى عـن ذاك يغنينـا

إذا انفردت وما شوركت فـي صفـة= فحسبنا الوصف إيضاحـاً وتبيينـا

يا جنـة الخلـد أُبدلنـا بسدرتـهـا= والكوثر العـذب زقومـاً وغسلينـا

كأننـا لـم نبـت والوصـل ثالثنـا= والسعد قد غضّ من أجفان واشينـا

إن كان قد عزّ في الدنيا اللقـاء بكـم= في موقف الحشر نلقاكـم ويكفينـا

سرّان في خاطر الظلمـاء يكتمنـا = حتى يكاد لسـان الصبـح يفشينـا

لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت= عنه النّهى وتركنا الصبـر ناسينـا

إنا قرأنا الأسى يوم النـوى سـوراً = مكتوبـة وأخذنـا الصبـر تلقينـا

أمـا هـواك فلـم نعـدل بمنهلـه = شِرباً وإن كـان يروينـا فيظمينـا

لم نجف أفق جمـال أنـت كوكبـه = سالين عنـه ولـم نهجـره قالينـا

ولا اختياراً تجنبنـاه عـن كثـب = لكن عَدَتنـا علـى كـرهٍ عوادينـا

نأسى عليـك إذا حُثّـت مشعشعـة = فينـا الشمـول وغنّانـا مغنيـنـا

لا أكؤس الراح تبـدي مـن شمائلنـا= سيما ارتياح ولا الأوتـار تلهينـا

دومي على العهد ـ مادمنا ـ محافظةً = فالحر من دان إنصافـاً كمـا دينـا

فما استعضنا خليـلاً منـك يحبسنـا= ولا استفدنـا حبيبـاً عنـك يثنينـا

ولو صبا نحونا من عُلـوِ مطلعـه = بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينـا

أولي وفاءً وإن لـم تبذلـي صلـةً = فالذكـر يقنعنـا والطيـف يكفينـا

وفي الجواب متاع إن شفعـت بـه = بيض الأيادي التي مازلـت تولينـا

عليـك منـا سـلام الله ما بقـيـت = صبابـة بـك نُخفيهـا فتخفيـنـا [/poem]

منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size]

خالد الشماسي 11 - 01 - 2008 20:07

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
بيض الله وجهك ولا قصرت



قصيدة رائعة و شامخة تحكي لنا جمال شعرنا الفصيح وقوته




طابت ايامك يا جعد الوبر

جعد الوبر 11 - 01 - 2008 20:27

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[B][size=4][align=center]أخي الكريم / أبو عمر خالد الشماسي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكر لمرورك الكريم ورحم الله ابن زيدون ذي الوزارتين ووجهك أبيض والقصور يولي والله يطيب أيامك واسلم وسلم والسلام .[/align][/size][/B]

حزم الجلاميد 24 - 01 - 2008 03:21

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[B][size=4][align=center]مشكور اخوي جعد الوبر على القصيدة مع اطيب الامنيات والسلام [/align][/size][/B]

خيَّال الغلباء 25 - 02 - 2008 15:21

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[B][size=4][align=center]أخي الكريم / جعد الوبر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على هذه القصيدة الجزلة لابن زيدون مع أطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .[/align][/size][/B]

خيَّال الغلباء 10 - 03 - 2008 00:18

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

" ابن زيدون " بين الإبداع والطموح وفاته: 1 من رجب 463هـ أبو الوليد / أحمد بن زيدون المخزومي الأندلسي ، برع " ابن زيدون " في الشعر كما برع في فنون النثر ، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خيالا، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة ، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي .

الميلاد والنشأة :

ولد الشاعر " أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي " سنة [394هـ= 1003م] بالرصافة من ضواحي قرطبة ، وهي الضاحية التي أنشأها " عبد الرحمن الداخل " بقرطبة ، واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه ، ونقل إليها النباتات والأشجار النادرة ، وشق فيها الجداول البديعة حتى صارت مضرب الأمثال في الروعة والجمال ، وتغنّى بها الكثير من الشعراء .

وفي هذا الجو الرائع والطبيعة البديعة الخلابة نشأ ابن زيدون ؛ فتفتحت عيناه على تلك المناظر الساحرة والطبيعة الجميلة ، وتشربت روحه بذلك الجمال الساحر ، وتفتحت مشاعره ، ونمت ملكاته الشاعرية والأدبية في هذا الجو الرائع البديع .

وينتمي " ابن زيدون " إلى قبيلة " بني مخزوم " العربية ، التي كانت لها مكانة عظيمة في الجاهلية والإسلام ، وعرفت بالفروسية والشجاعة .

وكان والده من فقهاء " قرطبة " وأعلامها المعدودين ، كما كان ضليعًا في علوم اللغة العربية ، بصيرًا بفنون الأدب ، على قدر وافر من الثقافة والعلم .

أما جده لأمة " محمد بن محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي " فكان من العلماء البارزين في عصره ، وكان شديد العناية بالعلوم ، وقد تولى القضاء بمدينة " سالم "، ثم تولى أحكام الشرطة في " قرطبة ".

كفالة الجد :

وما كاد " ابن زيدون " يبلغ الحادية عشرة من عمره حتى فقد أباه ، فتولى جده تربيته ، وكان ذا حزم وصرامة ، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربيته لحفيده ، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التي قد يتعرض لها الأيتام من ذوي الثراء .

واهتم الجد بتربية حفيده وتنشئته تنشئة صحيحة وتعليمه العربية والقرآن والنحو والشعر والأدب ، إلى غير ذلك من العلوم التي يدرسها عادةً الناشئة ، ويقبل عليها الدارسون .

وتهيأت لابن زيدون - منذ الصغر - عوامل التفوق والنبوغ ، فقد كان ينتمي إلى أسرة واسعة الثراء ، ويتمتع بالرعاية الواعية من جده وأصدقاء أبيه ، ويعيش في مستوى اجتماعي وثقافي رفيع ، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ ، وما فطره عليه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب .

ابن زيدون متعلمًا :

ومما لا شك فيه أن " ابن زيدون " تلقى ثقافته الواسعة وحصيلته اللغوية والأدبية على عدد كبير من علماء عصره وأعلام الفكر والأدب في الأندلس ، في مقدمتهم أبوه وجده ، ومنهم كذلك " أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح " النحوي المتوفى سنة [433هـ=1042م] وكان رجلاً متدينًا ، وافر الحظ من العلم والعقيدة ، سالكًا فيها طريق أهل السنة ، له باع كبير في العربية ورواية الشعر .

كما اتصل " ابن زيدون " بكثير من أعلام عصره وأدبائه المشاهير ، فتوطدت علاقته - في سن مبكرة - بأبي الوليد بن جَهْور الذي كان قد ولي العهد ثم صار حاكمًا ، وكان حافظًا للقرآن الكريم مجيدًا للتلاوة ، يهتم بسماع العلم من الشيوخ والرواية عنهم ، وقد امتدت هذه الصداقة بينهما حتى جاوز الخمسين ، وتوثقت علاقته كذلك بأبي بكر بن ذَكْوان الذي ولي منصب الوزارة ، وعرف بالعلم والعفة والفضل ، ثم تولى القضاء بقربة فكان مثالا للحزم والعدل ، فأظهر الحق ونصر المظلوم ، وردع الظالم .

ابن زيدون وزيرًا :

كان " ابن زيدون " من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ؛ ومن ثم فقد كان من الطبيعي أن يشارك في سير الأحداث التي تمر بها .

وقد ساهم " ابن زيدون " بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة ، كما شارك في تأسيس حكومة جَهْوَرِيّة بزعامة " ابن جهور "، وإن كان لم يشارك في ذلك بالسيف والقتال ، وإنما كان له دور رئيسي في توجيه السياسة وتحريك الجماهير ، وذلك باعتباره شاعرًا ذائع الصيت ، وأحد أعلام " قرطبة " ومن أبرز أدبائها المعروفين ، فسخر جاهه وثراءه وبيانه في التأثير في الجماهير ، وتوجيه الرأي العام وتحريك الناس نحو الوجهة التي يريدها .

وحظي " ابن زيدون " بمنصب الوزارة في دولة " ابن جهور "، واعتمد عليه الحاكم الجديد في السفارة بينه وبين الملوك المجاورين ، إلا أن " ابن زيدون " لم يقنع بأن يكون ظلا للحاكم ، واستغل أعداء الشاعر ومنافسوه هذا الغرور منه وميله إلى التحرر والتهور فأوغروا عليه صدر صديقه القديم ، ونجحوا في الوقيعة بينهما ، حتى انتهت العلاقة بين الشاعر والأمير إلى مصيرها المحتوم .

ابن زيدون وولادة :

كان ابن زيدون شاعرًا مبدعًا مرهف الإحساس ، وقد حركت هذه الشاعرية فيه زهرة من زهرات البيت الأموي ، وابنة أحد الخلفاء الأمويين ، وهي " ولادة بنت المستكفي "، وكانت شاعرة أديبة ، جميلة الشكل ، شريفة الأصل ، عريقة الحسب ، وقد وصفت بأنها " نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا ".

وأثنى عليها كثير من معاصريها من الأدباء والشعراء ، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها ، وسرعة بديهتها ، وموهبتها الشعرية الفائقة ، فقال عنها " الصنبي " : " إنها أديبة شاعرة جزلة القول ، مطبوعة الشعر ، تساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء ".

وبعد سقوط الخلافة الأموية في " الأندلس " فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء ، وجعلت منه منتديًا أدبيًا ، وصالونًا ثقافيًا ، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذين ببيانها الساحر وعلمها الغزير .

وكان " ابن زيدون " واحدًا من أبرز الأدباء والشعراء الذين ارتادوا ندوتها ، وتنافسوا في التودد إليها ، ومنهم " أبو عبد الله بن القلاس "، و" أبو عامر بن عبدوس " اللذان كانا من أشد منافسي ابن زيدون في حبها ، وقد هجاهما " ابن زيدون " بقصائد لاذعة ، فانسحب " ابن القلاسي "، ولكن " ابن عبدوس " غالى في التودد إليها ، وأرسل لها برسالة يستميلها إليه ، فلما علم " ابن زيدون " كتب إليه رسالة على لسان " ولادة" وهي المعروفة بالرسالة الهزلية ، التي سخر منه فيها ، وجعله أضحوكة على كل لسان ، وهو ما أثار حفيظته على " ابن زيدون "؛ فصرف جهده إلى تأليب الأمير عليه حتى سجنه ، وأصبح الطريق خاليًا أمام " ابن عبدوس " ليسترد مودة " ولادة ".

الفرار من السجن :

وفشلت توسلات " ابن زيدون " ورسائله في استعطاف الأمير حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى " إشبيلية "، وكتب إلى ولادة بقصيدته النونية الشهيرة التي مطلعها :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
= وناب عن طيب لقيانا تجافينا

وما لبث الأمير أن عفا عنه ، فعاد إلى " قرطبة " وبالغ في التودد إلى " ولادة "، ولكن العلاقة بينهما لم تعد أبدًا إلى سالف ما كانت عليه من قبل ، وإن ظل ابن زيدون يذكرها في أشعاره ، ويردد اسمها طوال حياته في قصائده .

ولم تمض بضعة أشهر حتى توفي الأمير ، وتولى ابنه " أبو الوليد بن جمهور " صديق الشاعر الحميم ، فبدأت صفحة جديدة من حياة الشاعر ، ينعم فيها بالحرية والحظوة والمكانة الرفعية .

ولكن خصوم الشاعر ومنافسيه لم يكفوا عن ملاحقته بالوشايات والفتن والدسائس حتى اضطر الشاعر ـ في النهاية ـ إلى مغادرة " قرطبة " إلى " إشبيلية " وأحسن " المعتضد بن عباد " إليه وقربه ، وجعله من خواصه وجلسائه ، وأكرمه وغمره بحفاوته وبره .

في إشبيلية :

واستطاع " ابن زيدون " بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن يأخذ مكانة بارزة في بلاط " المعتضد "، حتى أصبح المستشار الأول للأمير ، وعهد إليه " المعتضد "، بالسفارة بينه وبين أمراء الطوائف في الأمور الجليلة والسفارات المهمة ، ثم جعله كبيرًا لوزرائه ، ولكن " ابن زيدون " كان يتطلع إلى أن يتقلد الكتابة وهي من أهم مناصب الدولة وأخطرها ، وظل يسعى للفوز بهذا المنصب ولا يألو جهدًا في إزاحة كل من يعترض طريقه إليه حتى استطاع أن يظفر بهذا المنصب الجليل ، وأصبح بذلك يجمع في يديه أهم مناصب الدولة وأخطرها وأصبحت معظم مقاليد الأمور في يده .

وقضى " ابن زيدون " عشرين عامًا في بلاط المعتضد ، بلغ فيها أعلى مكانة ، وجمع بين أهم المناصب وأخطرها .

فلما توفي " المعتضد " تولى الحكم من بعده ابنه " المعتمد بن عباد "، وكانت تربطه بابن زيدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة ، وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه طوال عشرين عامًا ، وكان بينهما كثير من المطارحات الشعرية العذبة التي تكشف عن ود غامر وصداقة وطيدة .

المؤامرة على الشاعر :

وحاول أعداء الشاعر ومنافسيه أن يوقعوا بينه وبين الأمير الجديد ، وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى " المعتمد " العرش خلفًا لأبيه ، فدسوا إليه قصائد يغرونه بالفتك بالشاعر ، ويدعون أنه فرح بموت " المعتضد "، ولكن الأمير أدرك المؤامرة ، فزجرهم وعنفهم ، ووقّع على الرقعة بأبيات جاء فيها :

كذبت مناكم ، صرّحوا أو جمجموا
= الدين أمتن ، والمروءة أكرم

خنتم ورمتم أن أخون ، وإنما
= حاولتموا أن يستخف " يلملم "

وختمها بقوله محذرًا ومعتذرًا :

كفوا وإلا فارقبوا لي بطشةً
= تلقي السفيه بمثلها فيحلم

وكان الشاعر عند ظن أميره به ، فبذل جهده في خدمته ، وأخلص له ، فكان خير عون له في فتح " قرطبة "، ثم أرسله المعتمد إلى " إشبيلية " على رأس جيشه لإخماد الفتنة التي ثارت بها ، وكان " ابن زيدون " قد أصابه المرض وأوهنته الشيخوخة ، فما لبث أن توفي بعد أن أتمّ مهمته في [ أول رجب 463هـ= 4 من إبريل 1071م] عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عامًا .

غزليات ابن زيدون :

يحتل شعر الغزل نحو ثلث ديوان " ابن زيدون "، وهو في قصائد المدح يبدأ بمقدمات غزلية دقيقة ، ويتميز غزله بالعذوبة والرقة والعاطفة الجياشة القوية والمعاني المبتكرة والمشاعر الدافقة التي لا نكاد نجد لها مثيلا عند غيره من الشعراء إلا المنقطعين للغزل وحده من أمثال " عمر بن أبي ربيعة "، " وجميل بن مَعْمَر "، و" العبّاس بن الأحنف ".

ومن عيون شعره في الغزل تلك القصيدة الرائعة الخالدة التي كتبها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى " إشبيلية "، ولكن قلبه جذبه إلى محبوبته بقرطبة فأرسل إليها بتلك الدرة الفريدة ( النونية ) التي يقول في مطلعها :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
= وناب عن طيب لقيانا تجافينا

الوصف عند ابن زيدون :

انطبع شعر " ابن زيدون " بالجمال والدقة وانعكست آثار الطبيعة الخلابة في شعره ، فجاء وصفه للطبيعة ينضح بالخيال ، ويفيض بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الجياشة ، وامتزج سحر الطبيعة بلوعة الحب وذكريات الهوى ، فكان وصفه مزيجًا عبقريًا من الصور الجميلة والمشاعر الدافقة ، ومن ذلك قوله :

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
= والأفق طلق ، ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله
= كأنه رق لي فاعتل إشفاقًا

والروض عن مائة الفضي مبتسم
= كما شققت عن اللبات أطواقًا

نلهو بما يستميل العين من زهر
= جال الندى فيه حتى مال أعناقًا

كأنه أعينه ـ إذ عاينت أرقي ـ
= بكت لما بي ، فجال الدمع رقراقا

ورد تألق في ضاحي منابته
= فازداد منه الضحى في العين إشراقًا

سرى ينافحه نيلوفر عبق
= وسنان نبه منه الصبح أحداقًا

الإخوانيات الشعرية عند ابن زيدون :

كان " ابن زيدون " شاعرًا أصيلا متمكنا في شتى ضروب الشعر ومختلف أغراضه ، وكان شعره يتميز بالصدق والحرارة والبعد عن التكلف ، كما كان يميل إلى التجديد في المعاني ، وابتكار الصور الجديدة ، والاعتماد على الخيال المجنح ؛ ولذا فقد حظي فن الإخوانيات عنده بنصيب وافر من هذا التجديد وتلك العاطفة ، ومن ذلك مناجاته الرقيقة لصديقه الوفي " أبي القاسم ":

يا أبا القاسم الذي كان ردائي
= وظهيري من الزمان وذخري

هل لخالي زماننا من رجوع
= أم لماضي زماننا من مكرِّ ؟

أين أيامنا ؟ وأين ليال
= كرياض لبسن أفاق زهر ؟

الفنون النثرية عند ابن زيدون :

اتسم النثر عند " ابن زيدون " بجمال الصياغة ، وكثرة الصور والأخيلة ، والاعتماد على الموسيقا ، ودقة انتقاء الألفاظ حتى أشبه نثره شعره في صياغته وموسيقاه ، وقد وصف " ابن بسام " رسائله بأنها " بالنظم الخطير أشبه منها بالمنثور ".

وبالرغم من جودة نثر " ابن زيدون " فإنه لم يصل إلينا من آثاره النثرية إلا بعض رسائله الأدبية ، ومنها : الرسالة الهزلية : التي كتبها على لسان " ولادة بنت المستكفي " إلى " ابن عبدوس " وقد حمل عليه فيها ، وأوجعه سخرية وتهكمًا ، وتتسم هذه الرسالة بالنقد اللاذع والسخرية المريرة ، وتعتمد على الأسلوب التهكمي المثير للضحك ، كما تحمل عاطفة قوية عنيفة من المشاعر المتبانية : من الغيرة والبغض والحب ، والحقد ، وتدل على عمق ثقافة " ابن زيدون " وسعة اطلاعه .

وقد شرحها " جمال الدين بن نباتة المصري " في كتابه : " سرح العيون "، كما شرحها " محمد بن البنا المصري " في كتابه : " العيون ".

الرسالة الجدية : وقد كتبها الشاعر في سجنه في أخريات أيامه ، يستعطف فيها الأمير " أبا الحزم " ويستدر عفوه ورحمته ، وهي أيضًا تشتمل على الكثير من الاقتباسات والأحداث والأسماء .

ومع أن الغرض من رسالته كان استعطاف الأمير إلا أن شخصية " ابن زيدون " القوية المتعالية تغلب عليه ، فإذا به يدلّ على الأمير بما يشبه المنّ عليه ، ويأخذه العتب مبلغ الشطط فيهدد الأمير باللجوء إلى خصومه .

ولكن الرسالة ـ مع ذلك ـ تنبض بالعاطفة القوية وتحرك المشاعر في القلوب ، وتثير الأشجان في النفوس .

وقد شرحها " صلاح الدين الصفدي " في كتابه : " تمام المتون "، و" عبد القادر البغدادي " في كتابه : " مختصر تمام المتون ".

بالإضافة إلى هاتين الرسالتين فهناك رسالة الاستعطاف التي كتبها الشاعر بعد فراره من سجنه وعودته من " إشبيلية " إلى " قرطبة " مستخفيًا ينشد الأمان ، ويستشفع بأستاذه " أبي بكر مسلم بن أحمد " عند الأمير .

وهذه الرسالة تعد أقوى رسائل " ابن زيدون " جميعًا من الناحية الفنية ، وتمثل نضجًا ملحوظًا وخبرة كبيرة ودراية فائقة بأساليب الكتابة ، وبراعة وإتقان في مجال الكتابة النثرية .

ولابن زيدون كتاب في تاريخ بني أمية سماه " التبيين " وقد ضاع الكتاب ، ولم تبق منه إلا مقطوعتان ، حفظهما لنا " المقري " في كتابه الكبير : " نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ". منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size][/B]

جعد الوبر 31 - 05 - 2008 21:09

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[B][size=4][align=center]أخوي خيال الغلباء مشكور على المرور بابن زيدون وعلى الاضافات المفيدة مع أطيب أمنياتي وخالص تحياتي [/align][/size][/B]

جعد الوبر 05 - 06 - 2008 20:59

رد : أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا
 
أخوي حزم الجلاميد مشكور على المرور بابن زيدون مع أطيب أمنياتي وخالص تحياتي

ابو سعود 99 06 - 06 - 2008 01:08

رد : أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا
 
[color=#0000FF][size=6]الأخ جعد الوبر شكراً على عرض هذه القصيدة الرائعة للشاعر ابن زيدون كما نشكر الأخ خيال الغلباء على هذه الأضافات التي اوردها بحق هذا الشاعر الرائع[/size][/color]

جعد الوبر 20 - 07 - 2008 14:18

رد : =: (( أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا = وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا )) :=
 
[QUOTE=خيال الغلباء;139263][B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

" ابن زيدون " بين الإبداع والطموح وفاته: 1 من رجب 463هـ أبو الوليد / أحمد بن زيدون المخزومي الأندلسي ، برع " ابن زيدون " في الشعر كما برع في فنون النثر ، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خيالا، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة ، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي .

الميلاد والنشأة :

ولد الشاعر " أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي " سنة [394هـ= 1003م] بالرصافة من ضواحي قرطبة ، وهي الضاحية التي أنشأها " عبد الرحمن الداخل " بقرطبة ، واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه ، ونقل إليها النباتات والأشجار النادرة ، وشق فيها الجداول البديعة حتى صارت مضرب الأمثال في الروعة والجمال ، وتغنّى بها الكثير من الشعراء .

وفي هذا الجو الرائع والطبيعة البديعة الخلابة نشأ ابن زيدون ؛ فتفتحت عيناه على تلك المناظر الساحرة والطبيعة الجميلة ، وتشربت روحه بذلك الجمال الساحر ، وتفتحت مشاعره ، ونمت ملكاته الشاعرية والأدبية في هذا الجو الرائع البديع .

وينتمي " ابن زيدون " إلى قبيلة " بني مخزوم " العربية ، التي كانت لها مكانة عظيمة في الجاهلية والإسلام ، وعرفت بالفروسية والشجاعة .

وكان والده من فقهاء " قرطبة " وأعلامها المعدودين ، كما كان ضليعًا في علوم اللغة العربية ، بصيرًا بفنون الأدب ، على قدر وافر من الثقافة والعلم .

أما جده لأمة " محمد بن محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي " فكان من العلماء البارزين في عصره ، وكان شديد العناية بالعلوم ، وقد تولى القضاء بمدينة " سالم "، ثم تولى أحكام الشرطة في " قرطبة ".

كفالة الجد :

وما كاد " ابن زيدون " يبلغ الحادية عشرة من عمره حتى فقد أباه ، فتولى جده تربيته ، وكان ذا حزم وصرامة ، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربيته لحفيده ، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التي قد يتعرض لها الأيتام من ذوي الثراء .

واهتم الجد بتربية حفيده وتنشئته تنشئة صحيحة وتعليمه العربية والقرآن والنحو والشعر والأدب ، إلى غير ذلك من العلوم التي يدرسها عادةً الناشئة ، ويقبل عليها الدارسون .

وتهيأت لابن زيدون - منذ الصغر - عوامل التفوق والنبوغ ، فقد كان ينتمي إلى أسرة واسعة الثراء ، ويتمتع بالرعاية الواعية من جده وأصدقاء أبيه ، ويعيش في مستوى اجتماعي وثقافي رفيع ، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ ، وما فطره عليه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب .

ابن زيدون متعلمًا :

ومما لا شك فيه أن " ابن زيدون " تلقى ثقافته الواسعة وحصيلته اللغوية والأدبية على عدد كبير من علماء عصره وأعلام الفكر والأدب في الأندلس ، في مقدمتهم أبوه وجده ، ومنهم كذلك " أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح " النحوي المتوفى سنة [433هـ=1042م] وكان رجلاً متدينًا ، وافر الحظ من العلم والعقيدة ، سالكًا فيها طريق أهل السنة ، له باع كبير في العربية ورواية الشعر .

كما اتصل " ابن زيدون " بكثير من أعلام عصره وأدبائه المشاهير ، فتوطدت علاقته - في سن مبكرة - بأبي الوليد بن جَهْور الذي كان قد ولي العهد ثم صار حاكمًا ، وكان حافظًا للقرآن الكريم مجيدًا للتلاوة ، يهتم بسماع العلم من الشيوخ والرواية عنهم ، وقد امتدت هذه الصداقة بينهما حتى جاوز الخمسين ، وتوثقت علاقته كذلك بأبي بكر بن ذَكْوان الذي ولي منصب الوزارة ، وعرف بالعلم والعفة والفضل ، ثم تولى القضاء بقربة فكان مثالا للحزم والعدل ، فأظهر الحق ونصر المظلوم ، وردع الظالم .

ابن زيدون وزيرًا :

كان " ابن زيدون " من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ؛ ومن ثم فقد كان من الطبيعي أن يشارك في سير الأحداث التي تمر بها .

وقد ساهم " ابن زيدون " بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة ، كما شارك في تأسيس حكومة جَهْوَرِيّة بزعامة " ابن جهور "، وإن كان لم يشارك في ذلك بالسيف والقتال ، وإنما كان له دور رئيسي في توجيه السياسة وتحريك الجماهير ، وذلك باعتباره شاعرًا ذائع الصيت ، وأحد أعلام " قرطبة " ومن أبرز أدبائها المعروفين ، فسخر جاهه وثراءه وبيانه في التأثير في الجماهير ، وتوجيه الرأي العام وتحريك الناس نحو الوجهة التي يريدها .

وحظي " ابن زيدون " بمنصب الوزارة في دولة " ابن جهور "، واعتمد عليه الحاكم الجديد في السفارة بينه وبين الملوك المجاورين ، إلا أن " ابن زيدون " لم يقنع بأن يكون ظلا للحاكم ، واستغل أعداء الشاعر ومنافسوه هذا الغرور منه وميله إلى التحرر والتهور فأوغروا عليه صدر صديقه القديم ، ونجحوا في الوقيعة بينهما ، حتى انتهت العلاقة بين الشاعر والأمير إلى مصيرها المحتوم .

ابن زيدون وولادة :

كان ابن زيدون شاعرًا مبدعًا مرهف الإحساس ، وقد حركت هذه الشاعرية فيه زهرة من زهرات البيت الأموي ، وابنة أحد الخلفاء الأمويين ، وهي " ولادة بنت المستكفي "، وكانت شاعرة أديبة ، جميلة الشكل ، شريفة الأصل ، عريقة الحسب ، وقد وصفت بأنها " نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا ".

وأثنى عليها كثير من معاصريها من الأدباء والشعراء ، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها ، وسرعة بديهتها ، وموهبتها الشعرية الفائقة ، فقال عنها " الصنبي " : " إنها أديبة شاعرة جزلة القول ، مطبوعة الشعر ، تساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء ".

وبعد سقوط الخلافة الأموية في " الأندلس " فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء ، وجعلت منه منتديًا أدبيًا ، وصالونًا ثقافيًا ، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذين ببيانها الساحر وعلمها الغزير .

وكان " ابن زيدون " واحدًا من أبرز الأدباء والشعراء الذين ارتادوا ندوتها ، وتنافسوا في التودد إليها ، ومنهم " أبو عبد الله بن القلاس "، و" أبو عامر بن عبدوس " اللذان كانا من أشد منافسي ابن زيدون في حبها ، وقد هجاهما " ابن زيدون " بقصائد لاذعة ، فانسحب " ابن القلاسي "، ولكن " ابن عبدوس " غالى في التودد إليها ، وأرسل لها برسالة يستميلها إليه ، فلما علم " ابن زيدون " كتب إليه رسالة على لسان " ولادة" وهي المعروفة بالرسالة الهزلية ، التي سخر منه فيها ، وجعله أضحوكة على كل لسان ، وهو ما أثار حفيظته على " ابن زيدون "؛ فصرف جهده إلى تأليب الأمير عليه حتى سجنه ، وأصبح الطريق خاليًا أمام " ابن عبدوس " ليسترد مودة " ولادة ".

الفرار من السجن :

وفشلت توسلات " ابن زيدون " ورسائله في استعطاف الأمير حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى " إشبيلية "، وكتب إلى ولادة بقصيدته النونية الشهيرة التي مطلعها :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
= وناب عن طيب لقيانا تجافينا

وما لبث الأمير أن عفا عنه ، فعاد إلى " قرطبة " وبالغ في التودد إلى " ولادة "، ولكن العلاقة بينهما لم تعد أبدًا إلى سالف ما كانت عليه من قبل ، وإن ظل ابن زيدون يذكرها في أشعاره ، ويردد اسمها طوال حياته في قصائده .

ولم تمض بضعة أشهر حتى توفي الأمير ، وتولى ابنه " أبو الوليد بن جمهور " صديق الشاعر الحميم ، فبدأت صفحة جديدة من حياة الشاعر ، ينعم فيها بالحرية والحظوة والمكانة الرفعية .

ولكن خصوم الشاعر ومنافسيه لم يكفوا عن ملاحقته بالوشايات والفتن والدسائس حتى اضطر الشاعر ـ في النهاية ـ إلى مغادرة " قرطبة " إلى " إشبيلية " وأحسن " المعتضد بن عباد " إليه وقربه ، وجعله من خواصه وجلسائه ، وأكرمه وغمره بحفاوته وبره .

في إشبيلية :

واستطاع " ابن زيدون " بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن يأخذ مكانة بارزة في بلاط " المعتضد "، حتى أصبح المستشار الأول للأمير ، وعهد إليه " المعتضد "، بالسفارة بينه وبين أمراء الطوائف في الأمور الجليلة والسفارات المهمة ، ثم جعله كبيرًا لوزرائه ، ولكن " ابن زيدون " كان يتطلع إلى أن يتقلد الكتابة وهي من أهم مناصب الدولة وأخطرها ، وظل يسعى للفوز بهذا المنصب ولا يألو جهدًا في إزاحة كل من يعترض طريقه إليه حتى استطاع أن يظفر بهذا المنصب الجليل ، وأصبح بذلك يجمع في يديه أهم مناصب الدولة وأخطرها وأصبحت معظم مقاليد الأمور في يده .

وقضى " ابن زيدون " عشرين عامًا في بلاط المعتضد ، بلغ فيها أعلى مكانة ، وجمع بين أهم المناصب وأخطرها .

فلما توفي " المعتضد " تولى الحكم من بعده ابنه " المعتمد بن عباد "، وكانت تربطه بابن زيدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة ، وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه طوال عشرين عامًا ، وكان بينهما كثير من المطارحات الشعرية العذبة التي تكشف عن ود غامر وصداقة وطيدة .

المؤامرة على الشاعر :

وحاول أعداء الشاعر ومنافسيه أن يوقعوا بينه وبين الأمير الجديد ، وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى " المعتمد " العرش خلفًا لأبيه ، فدسوا إليه قصائد يغرونه بالفتك بالشاعر ، ويدعون أنه فرح بموت " المعتضد "، ولكن الأمير أدرك المؤامرة ، فزجرهم وعنفهم ، ووقّع على الرقعة بأبيات جاء فيها :

كذبت مناكم ، صرّحوا أو جمجموا
= الدين أمتن ، والمروءة أكرم

خنتم ورمتم أن أخون ، وإنما
= حاولتموا أن يستخف " يلملم "

وختمها بقوله محذرًا ومعتذرًا :

كفوا وإلا فارقبوا لي بطشةً
= تلقي السفيه بمثلها فيحلم

وكان الشاعر عند ظن أميره به ، فبذل جهده في خدمته ، وأخلص له ، فكان خير عون له في فتح " قرطبة "، ثم أرسله المعتمد إلى " إشبيلية " على رأس جيشه لإخماد الفتنة التي ثارت بها ، وكان " ابن زيدون " قد أصابه المرض وأوهنته الشيخوخة ، فما لبث أن توفي بعد أن أتمّ مهمته في [ أول رجب 463هـ= 4 من إبريل 1071م] عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عامًا .

غزليات ابن زيدون :

يحتل شعر الغزل نحو ثلث ديوان " ابن زيدون "، وهو في قصائد المدح يبدأ بمقدمات غزلية دقيقة ، ويتميز غزله بالعذوبة والرقة والعاطفة الجياشة القوية والمعاني المبتكرة والمشاعر الدافقة التي لا نكاد نجد لها مثيلا عند غيره من الشعراء إلا المنقطعين للغزل وحده من أمثال " عمر بن أبي ربيعة "، " وجميل بن مَعْمَر "، و" العبّاس بن الأحنف ".

ومن عيون شعره في الغزل تلك القصيدة الرائعة الخالدة التي كتبها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى " إشبيلية "، ولكن قلبه جذبه إلى محبوبته بقرطبة فأرسل إليها بتلك الدرة الفريدة ( النونية ) التي يقول في مطلعها :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
= وناب عن طيب لقيانا تجافينا

الوصف عند ابن زيدون :

انطبع شعر " ابن زيدون " بالجمال والدقة وانعكست آثار الطبيعة الخلابة في شعره ، فجاء وصفه للطبيعة ينضح بالخيال ، ويفيض بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الجياشة ، وامتزج سحر الطبيعة بلوعة الحب وذكريات الهوى ، فكان وصفه مزيجًا عبقريًا من الصور الجميلة والمشاعر الدافقة ، ومن ذلك قوله :

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
= والأفق طلق ، ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله
= كأنه رق لي فاعتل إشفاقًا

والروض عن مائة الفضي مبتسم
= كما شققت عن اللبات أطواقًا

نلهو بما يستميل العين من زهر
= جال الندى فيه حتى مال أعناقًا

كأنه أعينه ـ إذ عاينت أرقي ـ
= بكت لما بي ، فجال الدمع رقراقا

ورد تألق في ضاحي منابته
= فازداد منه الضحى في العين إشراقًا

سرى ينافحه نيلوفر عبق
= وسنان نبه منه الصبح أحداقًا

الإخوانيات الشعرية عند ابن زيدون :

كان " ابن زيدون " شاعرًا أصيلا متمكنا في شتى ضروب الشعر ومختلف أغراضه ، وكان شعره يتميز بالصدق والحرارة والبعد عن التكلف ، كما كان يميل إلى التجديد في المعاني ، وابتكار الصور الجديدة ، والاعتماد على الخيال المجنح ؛ ولذا فقد حظي فن الإخوانيات عنده بنصيب وافر من هذا التجديد وتلك العاطفة ، ومن ذلك مناجاته الرقيقة لصديقه الوفي " أبي القاسم ":

يا أبا القاسم الذي كان ردائي
= وظهيري من الزمان وذخري

هل لخالي زماننا من رجوع
= أم لماضي زماننا من مكرِّ ؟

أين أيامنا ؟ وأين ليال
= كرياض لبسن أفاق زهر ؟

الفنون النثرية عند ابن زيدون :

اتسم النثر عند " ابن زيدون " بجمال الصياغة ، وكثرة الصور والأخيلة ، والاعتماد على الموسيقا ، ودقة انتقاء الألفاظ حتى أشبه نثره شعره في صياغته وموسيقاه ، وقد وصف " ابن بسام " رسائله بأنها " بالنظم الخطير أشبه منها بالمنثور ".

وبالرغم من جودة نثر " ابن زيدون " فإنه لم يصل إلينا من آثاره النثرية إلا بعض رسائله الأدبية ، ومنها : الرسالة الهزلية : التي كتبها على لسان " ولادة بنت المستكفي " إلى " ابن عبدوس " وقد حمل عليه فيها ، وأوجعه سخرية وتهكمًا ، وتتسم هذه الرسالة بالنقد اللاذع والسخرية المريرة ، وتعتمد على الأسلوب التهكمي المثير للضحك ، كما تحمل عاطفة قوية عنيفة من المشاعر المتبانية : من الغيرة والبغض والحب ، والحقد ، وتدل على عمق ثقافة " ابن زيدون " وسعة اطلاعه .

وقد شرحها " جمال الدين بن نباتة المصري " في كتابه : " سرح العيون "، كما شرحها " محمد بن البنا المصري " في كتابه : " العيون ".

الرسالة الجدية : وقد كتبها الشاعر في سجنه في أخريات أيامه ، يستعطف فيها الأمير " أبا الحزم " ويستدر عفوه ورحمته ، وهي أيضًا تشتمل على الكثير من الاقتباسات والأحداث والأسماء .

ومع أن الغرض من رسالته كان استعطاف الأمير إلا أن شخصية " ابن زيدون " القوية المتعالية تغلب عليه ، فإذا به يدلّ على الأمير بما يشبه المنّ عليه ، ويأخذه العتب مبلغ الشطط فيهدد الأمير باللجوء إلى خصومه .

ولكن الرسالة ـ مع ذلك ـ تنبض بالعاطفة القوية وتحرك المشاعر في القلوب ، وتثير الأشجان في النفوس .

وقد شرحها " صلاح الدين الصفدي " في كتابه : " تمام المتون "، و" عبد القادر البغدادي " في كتابه : " مختصر تمام المتون ".

بالإضافة إلى هاتين الرسالتين فهناك رسالة الاستعطاف التي كتبها الشاعر بعد فراره من سجنه وعودته من " إشبيلية " إلى " قرطبة " مستخفيًا ينشد الأمان ، ويستشفع بأستاذه " أبي بكر مسلم بن أحمد " عند الأمير .

وهذه الرسالة تعد أقوى رسائل " ابن زيدون " جميعًا من الناحية الفنية ، وتمثل نضجًا ملحوظًا وخبرة كبيرة ودراية فائقة بأساليب الكتابة ، وبراعة وإتقان في مجال الكتابة النثرية .

ولابن زيدون كتاب في تاريخ بني أمية سماه " التبيين " وقد ضاع الكتاب ، ولم تبق منه إلا مقطوعتان ، حفظهما لنا " المقري " في كتابه الكبير : " نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ". منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size][/B][/QUOTE]

[size=5][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : إليكم قصيدة الشاعر / ابن زيدون ذي الوزارتين والتي قالها في ولاّدة بنت المستكفي :

أضحى التنائي بديـلاً مـن تدانينـا
= وناب عن طيـب لقيانـا تجافينـا

ألا وقد حان صبح البيـن صبحنـا
= حيـن فقـام بنـا للحيـن ناعينـا

من مبلـغ الملبسينـا بانتزاحهمـو
= حزناً مع الدهـر لا يبلـى ويبلينـا

أن الزمان الـذي مـا زال يضحكنـا
= أُنساً بقربهمـو قـد عـاد يبكينـا

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعـوا
= بأن نغـص فقـال الدهـر آمينـا

فانحـل ما كـان معقـوداً بأنفسـنـا
= وإنبت ما كـان موصـولاً بأيدينـا

وقـد نكـون وما يخشـى تفرقـنـا
= فاليـوم نحـن وما يرجـى تلاقينـا

يا ليت شعري ولم نعتـب أعاديكـم
= هل نال حظاً من العتبـى أعادينـا

لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاء لكـم
= رأيـاً ولـم نتقلـد غيـره ديـنـا

ما حقنا أن تُقـرّوا عيـن ذي حسـد
= بنـا ولا أن تسـرّوا كاشحـاً فينـا

كنا نرى اليأس تسلينـا عوارضـه
= وقـد يئسنـا فما لليـأس يغريـنـا

بنتم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحنـا
= شوقـاً إليكـم ولا جفـت مآقيـنـا

نكـاد حيـن تناجيكـم ضمائرنـا
= يقضي علينا الأسى لـولا تأسّينـا

حالـت لفقدكمـو أيامنـا فـغـدت
= سوداً وكانت بكـم بيضـاً ليالينـا

إذ جانب العيش طلـقٌ مـن تآلفنـا
= ومورد اللهو صافٍ مـن تصافينـا

وإذ هصرنا فنون الوصـل دانيـة
= قطافهـا فجنينـا منـه ماشيـنـا

ليسق عهدكمو عهد السـرور فمـا
= كنتـم لأرواحـنـا إلا رياحيـنـا

لا تحسبـوا نأيكـم عنـا يغيـرنـا
= إن طال مـا غيّـر النـأى المحبينـا

والله ما طلبـت أهـواؤنـا بــدلاً
= منكم ولا انصرفت عنكـم أمانينـا

ولا استفدنا خليـلاً عنـك يشغلنـي
= ولا اتخذنـا بديـلاً منـك يسلينـا

يا ساري البرق غاد القصر واسق به
= من كان صرف الهوى والود يسقينا

واسأل هنالك هـل عنـى تذكرنـا
= إلفـاً تـذكـره أمـسـى يعنّيـنـا

ويا نسيـم الصبـا بلـغ تحيتـنـا
= من لو على البعد حيّا كـان يحيينـا

فهل أرى الدهر يقضينـا مساعفـةً
= منه وإن لـم يكـن غِبّـاً تقاضينـا

ربيـب ملـك كـأن الله أنـشـأه
= مسكاً وقدر إنشـاء الـورى طينـا

أو صاغه ورقـاً محضـاً وتوّجـه
= من ناصع التبر إبداعـاً وتحسينـا

إذا تــأوّد آدتـــه رفـاهـيـة
= تؤم العقـود وأدمتـه البـرى لينـا

كانت له الشمس ظئـراً فـي أكِلّتـه
= بـل ما تجلـى لهـا الا أحاييـنـا

كأنما أُثبتت فـي صحـن وجنتـه
= زهر الكواكـب تعويـذاً وتزيينـا

ما ضر أن لم نكـن أكفـاءه شرفـاً
= وفي المـودة كـافٍ مـن تكافينـا

يا روضةً طالمـا أجنـت لواحظنـا
= ورداً جلاه الصبا غضـاً ونسرينـا

ويا حـيـاة تمليـنـا بزهـرتـهـا
= منـىً ضروبـاً ولـذات أفانيـنـا

ويا نعيماً خطرنـا مـن غضارتـه
= في وشي نُعمى سحبنا ذيلـه حينـا

لسنـا نسميـك إجـلالاً وتكرمـةً
= وقدرك المعتلـى عـن ذاك يغنينـا

اذا انفردت وما شوركت فـي صفـة
= فحسبنا الوصف إيضاحـاً وتبيينـا

يا جنـة الخلـد أُبدلنـا بسدرتـهـا
= والكوثر العـذب زقومـاً وغسلينـا

كأننـا لـم نبـت والوصـل ثالثنـا
= والسعد قد غضّ من أجفان واشينـا

إن كان قد عزّ في الدنيا اللقـاء بكـم
= في موقف الحشر نلقاكـم ويكفينـا

سرّان في خاطر الظلمـاء يكتمنـا
= حتى يكاد لسـان الصبـح يفشينـا

لاغرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت
= عنه النّهى وتركنا الصبـر ناسينـا

انا قرأنا الأسى يوم النـوى سـوراً
= مكتوبـة وأخذنـا الصبـر تلقينـا

أمـا هـواك فلـم نعـدل بمنهلـه
= شِرباً وإن كـان يروينـا فيظمينـا

لم نجف أفق جمـال أنـت كوكبـه
= سالين عنـه ولـم نهجـره قالينـا

ولا اختياراً تجنبنـاه عـن كثـب
= لكن عَدَتنـا علـى كـرهٍ عوادينـا

نأسى عليـك إذا حُثّـت مشعشعـة
= فينـا الشمـول وغنّانـا مغنيـنـا

لا أكؤس الراح تبـدي مـن شمائلنـا
= سيما ارتياح ولا الأوتـار تلهينـا

دومي على العهد ـ مادمنا ـ محافظةً
= فالحر من دان إنصافـاً كمـا دينـا

فما استعضنا خليـلاً منـك يحبسنـا
= ولا استفدنـا حبيبـاً عنـك يثنينـا

ولو صبا نحونا من عُلـوِ مطلعـه
= بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينـا

أولي وفاءً وإن لـم تبذلـي صلـةً
= فالذكـر يقنعنـا والطيـف يكفينـا

وفي الجواب متاع إن شفعـت بـه
= بيض الأيادي التي مازلـت تولينـا

عليـك منـا سـلام الله ما بقـيـت
= صبابـة بـك نُخفيهـا فتخفيـنـا

منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .

أخوي الكريم / أبو سعود شكر لمرورك على ابن زيدون ذي الوزارتين مع أطيب أمنياتي وخالص تحياتي .[/align][/size]


الساعة الآن 15:58.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها