الكتابة في الأنساب
[B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
كتبه الشريف / محمد بن حسين الصمداني في مجلة العرب الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلنين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : فإنّ علم النسب وما يتعلق به شغل شاغل لكثير من الناس ، عامة وخاصة ، وهو من العلوم التي تحتاج إلى تأصيل وتقعيد ؛ إذ السائم فيه كثير . وهذا المقال خطوة نحو " تأصيل هذا العلم "؛ وذلكم ببيان معنى " النسب " في اللغة ، والاصطلاح ، وتعريف الناسب والنساب والنسابة . وهي خطوة أولى في طريق طويل ، تحتاج إلى خطوات متممة ومشاركة ، وذلك بتأصيل مسائل النسب من جهة الفقه ، وعلاقة بعض مسائله بعلم العقائد والفِرق ، وبحث شواهده التفصيلية من كتب الفتاوى والتاريخ والتراجم وعلوم الاجتماع والطب وغيرها . ( تابع ص 740 ) (4) مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ، مج 30/1955م، 164، وردُّ المحقق جاء في هامش الصفحة . (5) السابق ، 165. (6) مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ، مج 30/1955م ، 164. (7) السابق ، 166. (8) الديوان ، ط3 ، دار صادر ، بيروت ، 1996م ، 52 . أوّلاً : النسب في اللغة : النسب بالتحريك واحد الأنساب ، وقياس هذه الكلمة : " اتصال شيء بشيء " (1). ولهذا أوردوا في بيان معناه كل ما يحتمل معنى الصلة والاتصال . ولما كان " النسب " يطلق على " الصلة " و " الاتصال " كان بعض اللغويين يعبّر عنه بأنه معروف ؛ ولذا نقل الزبيدي في شرح القاموس عن اللبلي في شرح الفصيح قوله : " النسب : معروف ". ثم لك أن تديره على ما تشاء من أنواع الصلة ، ومنها : 1- صلة الأبناء بالآباء والأمهات : فالنسب إذا : اتصال الأبناء بالآباء ، فجاز أن يطلق من جهة الأمّ والأب على معنى الصلة والمتات ؛ ولهذا لا يشكل قول ابن السكيت عندما قال عن " النسب " : " يكون مِن قِبل الأمّ والأب "، فإنّ قوله محمود على الإطلاق اللغوي . أما حمل عمود النسب ، فليس للأمّ ؛ إذ إنّ النسب مختص في الشرع بالآباء لقوله تعالى : " وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ"، وقوله : " ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ " الآية . وقد انعقد الإجماع على ذلك كما نقله غير واحد من الفقهاء ، وليس هذا محل بسط هذه المسألة (2). 2- الصلة بالقبائل والأجداد البعيدين : وهي صلة المرء بأب له قديم ، فيقال فيه : " نسبه من قبيلة كذا ، أو هو من آل فلان ؛ ولهذا يعرف بعضهم النسب بذلك ، فيقولون - في النسب -: هو أن تذكر الرجل ، فتقول هو : فلان بن فلان ، أو تنسبه إلى قبيلة . ويقال عندهم : نسبت فلانًا أنسبه بالضم نسبًا إذا رفعت نسبه إلى جده الأكبر . وأشهر ما يعرف به " النسب " : القرابة ، وعد الآباء وما يتصل بهم . قال في شرح القاموس : " والنسب : القرابة ، أو هو : في الآباء خاصة ". 3- ومنه الصلة والاتصال ببلد أو حرفة أو صناعة أو تجارة ، أو جهل أو علم ، أو صفة خلقية . قال الإمام الشافعي رحمه الله ورضي عنه - وهو ممن يستشهد بكلامه ولفظه -: " والنسب اسم جامع لمعانٍ مختلفة ، فينسب الرجل إلى العلم وإلى الجهل ، وإلى الصناعة ، وإلى التجارة ، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل " (3). 4- ومنه : إطلاق شعر " النسيب " في النساء ، ووجه تسميته بذلك " أنه ذِكْر يتصل بها ، ولا يكون إلاّ في النساء "، قاله ابن فارس (4). ثم تتابعوا في كتب " المعاجم والتعريفات والمصطلحات " على إدراك هذا المعنى من أنّ النسب يعني " الاتصال "، فمدوا رواقه إلى معان وتقييدات مبتكرة جديدة ، وهو تفنن أشبه وأوثق صلة بالمصطلحات منه بالتعاريف (5). فهذا المناوي يقول في مهمات التعاريف : " النسب والنسبة : اشتراك من جهة أحد الأبوين ، وذلك ضربان : - نسب بالطول : كالاشتراك بين الآباء والأبناء . - ونسب بالعرض : كالنسب بين الإخوة وبني الأعمام . وفلان نسيب فلان ، أي : قريبه . وتستعمل " النسبة " في مقدارين متجانسين بعض التجانس ، يختص كل منهما بالآخر (6). وقال الفيومي في المصباح المنير : " ...، ثم استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة ، فيقال : بينهما نسب ، أي : قرابة ...، ومن هنا : استعير النسبة في المقادير ، لأنها وصلة على وجه مخصوص ، فقالوا : تؤخذ الديون من التركة والزكاة من الأنواع بنسبة الحاصل ، أي : بحسابه ومقداره ، ونسبة العشرة إلى المائة : العشر ، أي : مقدارها : العشر ، والمناسب : القريب ، وبينهما مناسبة ، وهذا يناسب هذا ، أي : يقاربه شبهًا ، ونسب الشاعر بالمرأة ينسب - من باب ضرب - نسيبًا : عرَّض بهواها وحبها ". أهـ (7). ثانيًا : " علم النسب " في الاصطلاح : قال حاجي خليفة في كشف الظنون : علم الأنساب : وهو علم يتعرّف منه أنساب الناس ، وقواعده الكلية والجزئية ، والغرض منه : الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص " (8). ثم قال : " وهذا العلم مِن زياداتي على مفتاح السعادة ، والعجب مِن ذلك الفاضل كيف غفل عنه مع أنه علم مشهور ، طويل الذيل ، وقد صنفوا فيه كتبًا كثيرة " (9). أقول : قد نصّ طاش كبري زاده في مفتاح السعادة على أنّ " علم التواريخ " يدخل فيه العلم بالأنساب ، لكنه - رحمه الله - لم يفرده على وجه الاستقلال (10). وعرّفه عبد القادر بن محمد الطبري في عيون المسائل من أعيان الرسائل بقوله : " علم النسب " يبحث فيه عن اتصال الآباء بالأبناء . وموضوعه : شعوب العجم وقبائل وأسباط بني إسرائيل . وفائدته : بقاء التعارف . واستمداده : من الكتاب والسنّة ، وعِلم السِّيَر ، والأخبار . وحُكْمُه : أنه يفترض معرفة نسب رسول الله . ويفترض كفاية لمعرفة رواة الأثر ، وحَمَلَة الشرع المطهّر . ويجب لصلة الأرحام ومعرفة قرابة النسب والرضاع " أهـ (11). وقوله رحمه الله : " إنّ موضوعه :... " إلخ ، فيه إعواز ، إذ إنه اقتصر على أنساب العجم وقبائل بني إسرائيل ! وموضوع النسب أعمّ مَن ذلك ". وعرفه الآلوسي في بلوغ الأرب بأنه : " علم يتعرف به أنساب الناس " (12). وعبارة حاجي خليفة والطبري أوفى بالمعنى . وتحليل عبارتهما يؤخذ منها أنّ علم النسب يقوم على أصلين : الأول : المعرفة المجردة بأنساب الناس . الثاني : معرفة قواعد النسب الكلية والجزئية . مادة الأصل الأول يمكن استمدادها مِن كتب النسب المصنفة المطبوعة والمخطوطة ، ومِن مشجرات الأنساب ، وكُتب الرحلات ، ومِن مصادر الاستمداد : القيام بالرحلات الميدانية وتتبع الأُسَر وأخبارها ، والاستماع للرواة ، كما تستمد مِن علم التاريخ والأخبار والتراجم والسِّيَر ، وغير ذلك مِن مصادر الاستمداد . أما مادة الأصل الثاني ، فيمكن استمدادها مِن عدة علوم متنوعة ، مدارها على العلوم الخادمة للكتاب والسنّة ، مثل : علوم الحديث المتنوعة ؛ ففيها قطعة صالحة من قواعد هذا الفن ، وعلم الفقه والخلاف ، وعلم اللغة ، وعلوم العقائد . فإنّ مَن استقرأ هذه العلوم خرج بجملة وافرة من قواعد هذا الفن ، فمجرد المعرفة والنقل من كتب الأخبار والنسب لا تكفي لتصحيح الأنساب والكلام فيها ، بل لا بد من استمداد الناسب ما يكفيه مِن مواد الأصل الثاني ، كتابًا وسنّة وما يخدمهما . ولذا ، فما قام الدليل على بطلانه من الكتاب أو السنّة لا يقبل ، ولو قاله مَن قاله مِن النسابين ، وذلك مثل القول بنظرية " الطوطم " وما يتعلق بها ، و " النسب الأمومي ". ومِن هذا الجنس ما تحيله بدائه العقول والفِطَر السليمة ؛ كمن يثبت بعض الأنساب من جهة ما يعرف بـ " أخبار المعمرين "، وهو واد مِن أودية الضلال ، زلّت فيه أقدام ، فسقطت على أمّ رأسها ، وضاع سعيها ، نعوذ بالله مِن الخذلان . ويؤخذ من التعريف المتقدم أنّ أسعد الناس حظًّا به هم أهل الفقه ، فإنهم أعلم الناس بقواعد النسب الشرعية ، وهي المطلب الرئيس في هذا العلم ، فإن رُزِق الفقيه سعادة ، ووُفّق للاستبحار والتوسع في العلوم الأخرى التي يستمد منها علم النسب قواعده ، كان كلمة إجماع في النسب ، ولهذا نجد الناس يلجأون عبر مر العصور والأجيال إلى الفقهاء إذا جدّت عندهم نوازل النسب ، وذلك لمسيس الحاجة إلى تأصيل الشرع . وقد جرت العادة أنّ نوازل النسب من رباع الفقهاء وصفوهم ، لا مدخل فيها لأحد مِن النسابين معهم ، فهم أهله ا، وأحق بها ! وبما تقدّم تعلم أنّ مجرد الأخذ مِن كُتب التراجم والتاريخ لا يكفي في إثبات الأنساب حتى يعرض على الأصل الثاني ، وهو موافقته للقواعد الكلية والجزئية للفن . ولذا يستنكر على جمع مِن الناس إثباتهم للأنساب مِن كُتب التراجم والأخبار دون تحقيق لأصل النسب ، ومن مشاهير هؤلاء العلاّمة محمد مرتضى الزبيدي ، رحمه الله تعالى ؛ فإنه ممن يعتمد على هذه الطريقة ، وقد جرى على هذه الطريقة جمع من المتأخرين والمعاصرين في تأليف كتبهم في الأنساب وتدوين مشجرات أنسابهم ، فتراهم ينقلون ما يجدون في كتب التراجم والأخبار دون عرض لذلك على القواعد الكلية والجزئية للفن ، وهل هناك ما ينقض تلك الأنساب بتلك الأعمدة أم لا ؟ ولا ريب أنّّ في هذه الطريقة مِِن الزلل والخطأ ما لا يخفى على منصف !. وعلى قدر معرفة الناسب بهذه العلوم التي يستمد منها " علم النسب "، يصح أن يقال فيه إنه : " ناسب "، أو " نساب "، ويكون لقوله وكتابته وزن يعتدّ به . ثالثًا : تعريف الناسب والنساب والنسابة : 1- الناسب : على قدر التتبع ، لم أعثر على مَن عرَّف " الناسب "، أو " النسابة " على وجه الاصطلاح ، كما هو متعارف عليه عند أهل الفنون . وربما كان مردّ ذلك أنّ المعنى الاصطلاحي غايته أن يكون مشربًا في المعنى اللغوي ، فيستفاد مِن جهته . ولهذا المعنى - والله أعلم - لم يفردوه بالتعريف لئلا يفضي إلى التكثر والتكلف . ولهذا إذا ضبط معنى " علم النسب " أمكن تعريف " الناسب " و" النساب ". وبما تقدم ، يمكن القول : إنّ " الناسب : هو المشتغل بعلم الأنساب"، ولك أن تقول : " هو العالم بالأنساب ". فيجتمع فيه إذًا أمران : 1- العلم بأنساب الناس وأخبارهم . 2- العلم بقواعد النسب الكلية والجزئية . وقد بحث القلقشندي في نهاية الأرب ، ومِن بعده الآلوسي في بلوغ الأرب بعضًا مما يجب على الناظر في علم النسب ، وذاكرًا فيه بعض الأمور المهمة في النسب ، وهي مهمة في تعريف الناسب والنسابة ، إلاّ أنهما لم يتوسعا ، وإنما اكتفيا بذكر نزر يسير منها (13). ولم يلتفتا إلى تعريف هذا العلم مع أهمية ضبطه ، وما ذكراه مِن المباحث تختصره عبارة حاجي خليفة السابقة الذكر في تعريف " علم الأنساب ". وممن شارك في ضبط بعض قواعد هذا الفن ، ابن خلدون في مقدمته ، وتاريخه ، فله الفضل في ابتداء العمل ببعض القواعد واعتماد بعض الضوابط. . 2- النسّاب : صيغة مبالغة على وزن فعّال ، فكأنه بلغ الغاية في العلم بالنسب ، وإذا أرادوا مدحه أضافوا له " التاء " للمدح والمبالغة لا للتأنيث ، كما يقال في " العالِم " : " علاّمة " مدحًا ومبالغة . قال ابن الأثير : " النسابة : البليغ العِلم بالأنساب . والهاء فيه للمبالغة ، مثلها في العلاّمة ". أهـ (14). وقال في القاموس : " النسّاب والنسّابة : العالم بالنسب " (15). وقال الزبيدي في " شرحه " : النسّاب والنسّابة : البليغ العالِم بالنسب . جمعُ الأول : النسّابون . وأدخلوا الهاء في نسّابة للمبالغة والمدح ، ولم تلحق لتأنيث الموصوف ، وإنما لحقت لإعلام السامع أنّ هذا الموصوف بما (16) هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية ، فجعل تأنيث الصفة إمرة لما أريد مِن تأنيث الغاية والمبالغة . وهذا القول مستقصى في " علاّمة ". وتقول : عندي ثلاثة نسّابات وعلاّمات ، تريد : ثلاثة رجال ، ثم جئت بنسّابات نعتًا لهم " (17). خاتمـة : بما سلف ، تعلم أنّ الناسبين درجات في هذا الشأن ، فمنهم مَن لا يكتب له مِن علم النسب إلاّ المعرفة المجردة بأنساب الناس دون تحقيق لقواعد علم النسب الكلية والجزئية ؛ ومنهم مَن لا يلمح منه إلاّ العصبية ، فهو في وحلها وخبالها يتمرغ ؛ ومنهم مَن يتعلم أحكامه وبعض قواعده ليتوصل إلى الطعن في الأنساب ؛ ومنهم مَن يجعل مجرد معرفته بالناس سُلّمًا لجمع المال والبحث عن الجاه والصدارة في المجالس ؛ ومنهم مَن يلمح جلالة الفن ، ويهوله ضخامة القدر ، فيأخذه مِن أبوابه ، وقد أعدّ لكل باب مفتاحه ، وهؤلاء الكبريت الأحمر في الناسبين . وإذا نظرت في طبقات النسابين وجدت أنها تجمع بين السنيّ الطيّب والبدعيّ الخبيث ، والعالِم المبارك والجاهل المشارك ، والخاص الفاضل والعامي السافل . وعلى هذا ، فكلمة " الناسب " أو " النسّاب " : واد تسوم فيه دواب كثيرة ، فمنهم مَن يمشى على بطنه ، ومنهم مَن يمشي على رِجْلين ، ومنهم مَن يمشي على أربع ، يخلق الله ما يشاء ، وما مثلهم إلاّ كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة " ! وأختم بما قاله أبو الطيب المتنبي في بعض نسّابي زمانه (18) : وماذا بمصر مِن المضحكات = بها نبطي مِن أهـل السواد ولكنه ضحـكٌ كالبكا = يدرسُ أنسابَ أهل الفلا ! الهوامش : الظهران ، المملكة العربية السعودية . (1) معجم مقاييس اللغة 5/423-424. (2) انظر : إعلام الموقعين لابن القيّم ، 2/66-67، وزاد المعاد 5/400-401، والفروع لابن مفلح 5/529 ، فقد رمز للمسألة بـ" ع "، وهي في مصطلحه تعني : الإجماع ، كما نص عليه في أول الكتاب . (3) الأم للإمام الشافعي ، 4/131. (4) معجم مقاييس اللغة 5/423-424، تحقيق عبدالسلام هارون . (5) توجد كلمات كثيرة ومصطلحات تتردد في كلام العلماء والناسبين تحتاج إلى جمع وبحث . (6) ص696. (7) المصباح المنير ، 230. (8) كشف الظنون 1/178، ونقله عنه في أبجد العلوم 2/99، دار الكتب العلمية . (9) الكشف 1/178. (10) مفتاح السعادة 1/. (11) نقلا عن : مقدمة في النسب لعبدالستار الدهلوي ، مخطوط (ق 3). (12) 3/182. (13) نهاية الأرب للقلقشندي 13-32، دار الكتب العلمية ، 7-23، تحقيق الأبياري ؛ وانظر : بلوغ الأرب 3/191-192. (14) النهاية في غريب الحديث 5/46؛ ومجمع بحار الأنوار 4/692. (15) 176. (16) العبارة في الأصل قلقة ، وفي طبعة الخيرية ( تصوير صادر ) : " وإنما لحقت لإعلام السامع أنّ هذا الموصوف مما هي فيه ،... ". وفي الهامش إحالة في هذا الموضع تقول : " قوله مما ، الظاهر : " بما "؛ وقوله : تأنيث الغاية المبالغة "، كذا بخطه ، ولعل هنا كلمة ساقطة يدل عليها الكلام ". أهـ (1/483). (17) تاج العروس 4/263، الكويت ، تحقيق عبدالعليم الطحاوي ، سنة 1968. (18) يعني بالنبطي الوزير الكاتب بمصر ، وكان عالِمًا ، رحلة ، قصده الدارقطني وغيره ؛ ومع هذا لم يرتضه المتنبي فكيف بغيره ؟ !. انظر : المتنبي لمحمود شاكر ، 366. وفي الختام رحم الله الشيخ حمد الجاسر وشكرا للشريف الكاتب منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size][/B] |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
[size=3][color=#00FF00]
بارك الله لك في علمك اخي المبارك ...... اللهم آمين :shokr: [/color][/size] |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
يعطيك العافيه اخوي مخايل الغربي ولك مني جزيل الشكر
|
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوة الافاضل ناصر ومدهال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد اشكركم على المرور وانتم سالمين وغانمين والسلام |
رد : الكتابة في الأنساب
[B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
نحو ضبط لعلم الأنساب : معالم ضرورية لطالب علم النسب بقلم : عبدالعزيز بن سعد الدغيثر العنوان / ص ب 242230 الرياض 11322 لكل علم قواعده التي تضبطه ، ومصطلحاته الخاصة به ، إلا أن علم النسب مع كثرة الكتابة فيه مؤخرا لم يكن له حظ كافٍ في التأليف في قواعده ومصطلحاته ليكون سببا في كبح جماح المتعجلين ، ممن ينقل من هنا وهناك فيدفعه للمطبعة ولا ينظر إلا نتائج ما كتب . ولا تعجب إذا رأيت أن كثيرا من أولائك الكتبة ليس لهم إلا ذلك التأليف في نسب قبيلة أو تاريخ بلدة . والتأليف له آدابه ، وأعرافه التي من أهمها احترام عقلية القارئ وعدم ذكر أي دعوى بلا برهان من رواية صادقة أو نقل معتبر . ولذا فمن المحتم ذكر بعض المحاذير التي قد يقع فيها المشتغل بعلم الأنساب والتنبيهات التي لا بد له من مراعاتها فمن ذلك : 1. أن المشتغل في النسب قد يدَّعي نسبا بلا حجة أو ينفي نسب أحد بلا برهان ، والدافع إلى ذلك إما أن يكون الهوى أو العجلة وعدم التثبت ، والعجلة في مثل مباحث الأنساب مزلة أقدام ، وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرف أو جحده وإن دق ) . وفي رواية أحمد :" كفر تبرؤ من نسب وإن دق أو ادعاء إلى نسب لا يعرف " ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة له على الملأ :" كفر بالله ادعاء إلى نسب لا يعرف ، وكفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق" . 2. الإيغال في الأنساب القديمة وقد روى خليفة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا أنتسب إلا إلى معدّ وما بعده لا أدري ما هو . وروى عن عكرمة قال : أضلت نزار نسبها من عدنان وأضلت اليمن نسبها من قحطان . وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتهى في النسب إلى معد بن عدنان أمسك ثم قال : كذب النسابون ، قال تعالى : ( وقرونا بين ذلك كثيرا ) . وورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ولو شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لعلمه ، وقال : بين معد بن عدنان وبين إسماعيل ثلاثون أبا . وورد عنه أنه لما وصل إلى عدنان قال : كذب النسابون . وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ... ) ،فقال : كذب النسابون . وذكر ابن كثير في ترجمة الإمام أحمد نسبه إلى إبراهيم عليه السلام ثم ذكر عن صالح بن الإمام أحمد أنه قال : رأى أبي هذا النسب في كتاب لي ، فقال : وما تصنع بهذا ؟ ولم ينكر النسب . فقد يكون أنكر ثبوت النسب بعد عدنان وقد يكون إنكاره لاشتغال ابنه بالنسب عما هو أهم منه . وقد كان العرب يعيبون من يجهل نسبه إلى عدنان ، ويدلك على هذا قول لبيد : فإن لم نجد من دون عدنان والدا = ودون معد فلترعك العواذل 3. أنه قد يؤدي إلى الإعجاب بالنسب أو بشرف الآباء ، ولو تفكر العبد لوجد أن الناس كلهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته وما أقل نفعه قيهم وفيهم كل عيب وكل فاسق ، والعامة تقول في أمثال هذا المعجب بآبائه : كالخصي يُزهـى بذكر أبيه ، وأبو لهب من هو في قربه وشرف نسبه ولم ينفعه ذلك ، وأبو إبراهيم وابن نوح لم ينفعهم شرف نسبهم وقربهم من أنبياء الله . والإعجاب بالنسب لا يدفع جوعا ولا يستر عورة ولا ينفع في الآخرة ، فهو بحق ضعف عقل وقلة دين ، وقد قال شيخ الإسلام : فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة فلا يكون حظه استشعار فضل نفسه والنظر إلى ذلك فإنه مخطئ في هذا لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص ، فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش . وقد روى ابن عمر رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : " فتنة الأحلاس هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدم رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون ... " ، فشرف النسب لا يدل على شرف الشخص . 4. أن معرفة المرء لعلو نسبه قد يؤدي به إلى ترك اكتساب الآداب والفضائل اتكالا على حسبه وما أحسن قول ابن الرومي : وما الحسب الموروث لا درَّ درُّه = بمحتسب إلا بآخر مكتسب فلا تتكل إلا على ما فعلته = ولا تحسبن المجد يورث بالنسب فليس يسود المرء إلا بنفسه = وإن عد آباء كراما ذوي حسب إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة = من المثمرات اعتدَّه الناس في الحطب وللمجد قوم ساوروه بأنفس = كرام ولم يعبوا بأم ولا أب والعاقل من يكون عصاميا لا من يكون عظاميا كما قال المتنبي : لا بقومي شرفت بل شرفوا بي = وبجِدِّي سموت لا بجدودي وما أصدق قول الشاعر : حسبي فخاراً وشيمتي أدبي = ولست من هاشم ولا العرب إن الفتى من يقول ها أنا ذا = ليس الفتى من يقول كان أبي وقول الآخر : كن ابن من شئت واكتسب أدبا = يغنيك موروثه عن النسب إن الفتى من يقول ها أنا ذا = ليس الفتى من يقول كان أبي وقد كان والد أبي الفتح عثمان بن جني النحوي اللغوي المشهور عبدا روميا ، وقد عُيِّـر بذلك فقال : فإن أصبح بلا نسب = فعلمي في الورى نسبي على أني أؤول إلى = قُـرُومٍ سادة نجب قياصرة إذا نطقوا = أرَم َّ الدهر ذو الخطب أولائك دعا النبي لهم = كفى شرفا دعاء نبي ومما ينسب إلى علي رضي الله عنه : لكل شيء زينة في الورى = وزينة المرء تمام الأدبْ قد يشرف المرء بآدابه ف = ينا وإن كان وضيع النسبْ ويؤكد الشافعي هذا المعنى فيقول : لا يعجبنك أثواب على رجل = دع عنك أثوابه وانظر إلى الأدب فالعود لو لم تفح منه روائحه = لم يفرق الناس بين العود والحطب وليس يسود المرء إلا بنفسه وإن عد آباء كراما ذوي حسب إذا العود لم يثمر ولو كان شعبة = من المثمرات اعتدَّه الناس من الحطب والنسب مع الجهل لا يجدي شيئا كما قال الشاعر : العلم ينهض بالخسيس إلى العلا والجهل يقعد بالفتى المنسوب وما أحسن أن يجمع المرء بين شرف النسب وشرف العلم والأدب ويكون كعبدالله بن معاوية حين قال : لسنا وإن أحسابنا كرمت = يوما على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني = ونفعل مثل ما فعلوا ولما قرئت هذه الأبيات على الملك عبدالعزيز رحمه الله قال : فوق ما فعلوا فوق ما فعلوا . وقال الأصمعي : أنشدنا أبوعمرو بن العلاء لعامر بن الطفيل – قال : وهو من جيد شعره - إني وإن كنت ابن سيد عامر = وفارسها المشهور في كل موكب فما سودتني عامر من وراثة = أبى الله أن أسمو بأم ولا أب ولكنني أحمي حماها وأتقي = أذاها وأرمي من رماها بمنكب وما أجمل ما قاله الرصافي في قصيدة نحن والماضي حيث يقول : وما يجدي افتخارك بالأوالي = إذا لم تفتخر فخرا جديدا فما بلغ المقاصد غير ساعٍ = يردد في غدٍ نظرا سديدا وأسس في بنائك كل مجدٍ = طريف واترك المجد التليدا فشر العاملين ذوو خمول = إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا وخير الناس ذو حسب قديم = أقام لنفسه حسبا جديدا إذا الجهل خيم في بلاد = رأيت أسودها مسخت قرودا 5. أن علم النسب قد يستخدم للسب وانتقاص الآخرين ، ولذا نجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إياكم وتعلم الأنساب ، والطعن فيها . وقد روى ابن عبدالبر بإسناده إلى يحيى بن طلحة قال : جئت سعيد بن المسيب فسلمت عليه فرد عليَّ ، فقلت : علمني النسب ، فقال : أنت تريد أن تسابَّ الناس ، ثم قال لي : من أنت ؟ فقلت : أنا يحي بن طلحة , فضمني إليه وقال : ائت محمدًا ابني فإن عنده ما عندي ، إنما هي شعوب وقبائل وبطون وعمائر وأفخاذ وفصائل . فإذا كان المرء يعلم من نفسه نزوعا إلى انتقاص الآخرين فليصلحه وليبتعد عن كل ما يزيد هذا الخلق الدنيء من القراءة في أخبار القبائل وأنسابها . وقد أحسن علماء الإسلام في طي مثالب القبائل ومن وجدوه ألف في المثالب فإن كتابه يطوى ولا يروى لعظيم ضرره . 6. أن علم النسب قد يشغل عما هو أنفع منه ، وهذا كثير مشاهد ، فكم رأينا ممن يشار إليهم بالبنان من طلبة العلم اتجهوا إلى علم الأنساب وتركوا ما هو أنفع للأمة منه ، ولذا نجد الإمام أحمد يصرف طلابه إلى العلم الأكثر نفعا ، فقد سأله رجل يقال له عامر فقال : يا أبا عبدالله بلغني أنك رجل من العرب فمن أي العرب أنت ؟ قال لي : يا أبا النعمان نحن قوم مساكين ، وما تصنع بهذا ؟ فكان ربما جاءني أريده على أن يخبرني فيعيد عليَّ مثل ذلك الكلام ولا يخبرني بشيء . 7. أن المشتغل بالأنساب قد يمدح ظالما أو معروفا بمخالفة الشرع من أقاربه وقد يفخر بالانتساب إليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما : أنا ابن فلان بن فلان حتى عدَّ تسعة فمن أنت لا أم لك ؟ قال : أنا فلان بن فلان ابن الإسلام ، فأوحى الله إلى موسى أن قل لهذين المنتسبين : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم في النار ، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة ) . 8. من كمال العقل حسن اختيار ما نسب إلى السابقين الأخيار ونقل ما جاء فيها من أخبار ، قال ابن الجوزي رحمه الله : " وإنما أنقل عن القوم محاسن ما نقل ولا أنقل كل ما نقل إذ لكل شيء صناعته وصناعة العقل حسن الاختيار " ، فما كان فيها مما يحسن تركه فليترك . 9. لا بد من معرفة رأي العلماء في المصنفات التي يرجع إليها الباحث ، فعلى سبيل المثال نقل السخاوي عن النووي رحمه الله أنه أثنى على الاستيعاب لابن عبدالبر رحمه الله لولا ما شانه من ذكر كثير مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم وحكايته عن الإخباريين والغالب عليهم الإكثار والتخليط " . 10. كما لا بد من ترك التعجل في الاستنباطات كربط الأماكن بالقبائل التي كانت قد حلت بها ، لأن من الملعوم أن طبيعة العيش في البلاد العربية تحتم على القبائل التنقل لأسباب كثيرة منها وقوع حروب فيما بينهم ، أو وقوع قتل ممن ينتسب للقبيلة وتعجز القبيلة عن دفع دياتهم ، ويصعب عليها أن تدفع القاتل لذوي القتيل . وقد يقع على القبيلة ظلم من الولاة والملوك فيرتحلوا طلبا للسلامة ، كما أن قلة المطر وشدة القحط من أقوى الدوافع للارتحال كما في قدوم بني حنيفة لليمامة . وقد تنتقل القبيلة عن موطنها بسبب كوارث طبيعية مثل سيل العرم الذي فرق قبائل قحطانية كثيرة فالأوس والخزرج نزلوا المدينة ، وطيء نزلت جبلي أجا وسلمى . وقد تضيق المنطقة بأهلها فتنتقل القبيلة أو بعضها إلى مكان أرحب . 11. من أهم مبادئ علم النسب معرفة طبقات النسب عند العرب ، قال ابن حجر : الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك هو قول مجاهد أخرجه الطبري عنه وذكر أبو عبيدة مثال الشعب مضر وربيعة ومثال القبيلة من دون ذلك وأنشد لعمرو بن أحمر من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا . وقال ابن الكَلْبيّ : الشَّعب أكبرُ من القَبيلة ثم العِمَارة ثم البَطْن ثم الفَخِذ ثم العَشِيرة ثم الفَصِيلة . وقال غيرُه : الشّعوبُ العَجَم والقبائل العرب ، وإنما قيل للقَبيلة قبيلة لتقابُلها ، وتناظرُها ، وأن بعضَها يُكافئ بعضاً . وقيل للشَّعْب شَعْب لأنه انشَعب منه أكثر مما آنشعب من القَبيلة ، وقيل لها عَمائر ، من الاعتمار والاجتماع ، وقيل لها بُطون ، لأنها دون القبائل ، وقيل لها أفخاذ ، لأنها دون البُطون ، ثم العَشيرة ، وهي رَهط الرجل ، ثم الفَصيلة ، وهي أهلُ بيت الرجل خاصة . قال تعالى : " وفَصِيلتِهِ التي تُؤويه ". وقال تعالى : " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الأقْرَبِينَ ". 12. معرفة المصطلحات الشائعة في كتب النسب ومشجرات العوائل أمر في غاية الأهمية ، وقد أفرد محمد سعيد كمال رسالة في مجموعة الرسائل الكمالية في مصطلحات النسابة ، وهي جيدة في بابها . 13. التثبت في ما يرد من قصص وأخبار فيما هو مخالف للشرع أمر لازم وواجب على المؤرخ والمتحدث في النسب أن يحرص عليه ، وخصوصا إذا كان الحديث عمن عرف بالخير ، وتطبيق المنهج الحديثي في سند الرواية ؛ امتثالا لقوله سبحانه : " ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " . 14. العصمة للأنبياء ، وكلنا خطاء ، وقد قال سعيد بن المسيب رحمه الله : " ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل – يعني من غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - إلا وفيه عيب ، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه ، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله " . وقد صح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذكروا هلكاكم إلا بخير " . 15. ينبغي لمن يتصدى لتأريخ الأعلام أن يتجنب الألفاظ الجارحة ، قال المزني : سمعني الشافعي يوما وأنا أقول : فلان كذاب ، فقال لي : أحسِنها ، لا تقل كذاب ، ولكن قل : حديثه ليس بشيء . ونحوه عن البخاري وأيوب رحم الله الجميع . وذلك حتى لا يتعود لسانه على هذه الألفاظ الجارحة . 16. لا يعرف تاريخ الدول الحق في وقتها ، وقد ذكر المؤرخ الذهبي رحمه الله إعراض أهل الجرح والتعديل عن الكلام في الخلفاء وآبائهم وأهليهم خوفا منهم. قال : وما زال هذا في كل دولة قائمة ، يصف المؤرخ محاسنها ويغضي عن مساوئها " . 17. من كمال الأدب مع الأعلام المسلمين ، من أهل الفضل والخير أن نترحم عليهم عند ذكرهم ، وقد قال رزق الله التميمي الحنبلي رحمه الله ( ت 488هـ ) : يقبح بكم أن تستفيدوا منا ثم تذكرونا ولا تترحموا علينا " . 18. من المعلوم أن النوازع النفسية تؤثر على الإنسان ، ومن الأهمية بمكان أن يعلم طالب النسب أن كل متكلم في النسب سواء أكان في كتاب أم خطاب فإن القليل النادر من يتجرد من الأهواء الشخصية ، ويمكن ملاحظة ذلك بأمور : • تجده إذا اختار من الأخبار فإنه يبرز ما يروق له ولمن يواليه ، ويحذف أو يحرف ما لا يرضاه ، وقد يورده بصورة مشوهة ، فليكن طالب النسب على حذر من ذلك ، بأن يعدد مصادر التلقي ، ويقارن بين الكتب ، ويعرف من عرف عنه التعصب أو التحريف من أهل التصنيف . • كما تحده يذكر مثالب بعض القبائل والعوائل لشيء في نفسه ، ولكننا ولله الحمد نجد أن المسلمين الشرفاء ، لم يحفلوا بتلك المصنفات حتى فقدت ولم يبق منها إلا أسماؤها ، وبقي عا تصنيفها على مصنفيها ككتب علان الشعوبي وغيره . وما أحسن أن يدعو كل باحث بدعاء الصالحين : " وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " (الحشر/10). • ومنها أن يبرز المواقف السيئة للأشخاص المنتسبين إلى العوائل مما يشكل حساسية وحرجا لبقية عائلته أو قومه ، مع أن الله تعالى قال : " ولا تزر وازرة وزر أخرى "، إلا أن الناس يعيرون القبيلة بذنب الفرد ، ولذا فإن تسمية من حصل له الموقف دون نسبته أفضل إلا إذا اشتهر وعرف وكثر ذكره . • ومنها أن يذكر هجاء الشعراء للقبائل القديمة ، وكلنا يعرف كيف فعل بيت جرير في قبيلة بني نمير ، ولكننا لم نتساءل عن مسؤولية كلمته أمام الله تعالى ، عندما ظلم قبيلة كاملة بسبب مهاجاة بينه وبين شاعر ، وقد ذهب الجميع وبقي الهجاء إلى يوم الدين ، فما أعظم مسؤولية الأديب . وليعلم أن الناقل مسؤول عن نقله ، لقوله تعالى : " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ". ومن كمال عقل العجاج أنه قيل له :إنك لا تحسن الهجاء ، فقال : إن لنا أحلاما تمنعنا من أن نظلم ، وأحسابا تمنعنا من أن نُظلم . وهل رأيت بانيا لا يحسن أن يهدم . ولو طبق لحكام الدول الإسلامية السابقون حكم الله في الهجائين لما رأينا القصائد الكثيرة المخجلة في الهجاء المقذع غير المبرر ، ولذا نجد أنه لما هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر سجنه عمر رضي الله عنه ، فاستعطفه بأبيات وشفع له ابن عوف وعمرو بن العاص رضي الله عنهما فأخرجه عمر وهدده بقطع لسانه إن عاد يهجو أحدا . • ومن المعلوم أن من علوم الأخبار ما هو محرم البحث فيها والنظر والكتابة وذلك في أربع مجالات ذكرها السخاوي رحمه الله وهي : 1. ذكر الخرافات المنسوبة إلى الأنبياء 2. البحث فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم لأن ذلك مفضٍ إلى الوقوع فيهم . 3. البحث فيما جرى من الأكابر من شرب للخمور واقتراف للمحرمات وذلك لأنها من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا والكذب فيها كثير . 4. ذكر مساوئ السابقين ومثالبهم لحديث " اذكروا محاسن موتاكم " وحديث " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ". والمتحدث في الأنساب يحتاج إلى أن يجعل هذا الحديث نصب عينيه دائما . منقول مع التحيه للكاتب جعل الله ذلك في ميزان حسناته وأنتم سالمون وغانمون السلام .[/align][/size][/B] |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
الله يعطيك العافيه اخي الكريم على هذا الجهد الكبير المميز الذي تقدمه لقبيلتك
|
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
المكرم الاخ ناصر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد كل عام وانتم بخير واشكرك على المرور وانت سالم وغانم والسلام |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
[B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
التأليف في الأنساب بين المعايير والمحاذير «22» / فائز بن موسى البدراني الحربي مقدمة محاضرة / فايز موسى البدراني بالنادي الأدبي بأبها تمهيد : الحمد لله رب العالمين ، الذي خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين القائل في كتابه المبين : { ّهٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا } والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيد الخلق أجمعين نبينا محمد الأمين القائل ( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام )، وبعد : لا يخفى على المتابع للإصدارات الأدبية والتراثية في الآونة الاخيرة تزايد الاهتمام بعلم الأنساب من خلال كثرة المصنفات والموسوعات المتعلقة بأنساب القبائل العربية والأسر المحلية «2»، حتى تحولت هذه الظاهرة إلى قضية مثيرة للجدل ، وربما للقلق والانزعاج ، مما ادى إلى ظهور بعض الأصوات المنادية بالحد من هذه الظاهرة نتيجة لبروز الكثير من سلبيات الاندفاع وراء هذا الموضوع من بعض المتعصبين للأنساب والمبالغين فيها ، او من خلال تحول التأليف في هذا العلم إلى تجارة يمارسها اصحاب المؤلفات التجميعية ، مستغلين رواج هذه الكتب في الأوساط العامية والشعبية . ويدور محور هذا البحث حول إلقاء الضوء على ظاهرة تزايد التأليف في الأنساب ، وكثرة الإصدارات والمؤلفات فيه خلال العقود الثلاثة الاخيرة . ولابد قبل مناقشة هذه القضية من التوقف عند بعض النقاط المهمة مثل : أصل هذا العلم وفضله : اهتمام العرب بأنسابهم . موقف الإسلام . أسباب الاهتمام بعلم النسب : « أسباب غريزية / أسباب حضارية / أسباب اخرى ». اهتمام المستشرقين بالأنساب : « دراسة المؤلفات ونشرها / مشجرات الأنساب / الدوريات العلمية ». أهم معوقات علم الأنساب . أهم المحاذير التي يقع فيها الباحثون في الأنساب . أهم المعايير والضوابط المقترحة . التوصيات والاستنتاجات . 1- أصل هذا العلم وفضله : أ- اهتمام العرب بأنسابهم : إن من يطلع على تاريخ العرب قبل الإسلام يدرك مدى اهتمامهم بحفظ أنسابهم واعراقهم ، وانهم تميزوا بذلك عن غيرهم من الأمم الاخرى ، ولا يعزى ذلك كله إلى جاهليتهم ، كما لا يعزى عدم اهتمام غيرهم كالفرس والروم إلى تحضرهم ، وسيتضح لنا ذلك من خلال ما سنعرض له من جوانب في هذا البحث ، وإن كان الجهل قد أفرز عصبية بغيضة اساءت إلى علم النسب سواء في ذلك العصر او حتى في عصور الإسلام المتأخرة . وقد عزى ابن عبد ربه سبب اهتمام العرب بأنسابهم لكونه سبب التعارف ، وسلم التواصل ، به تتعاطف الأرحام الواشجة ، وعليه تحافظ الاواصر القريبة ، وهو موئل يائسهم ، ومرجع بائسهم ، به يشد الأزر ، ويأمن الخائف ، فلا عجب ان جعلوه حصناً لهم ، وامنا يعتزون به ، ويحافظون عليه «3». لقوله تعالى : {ّ هٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا } [الفرقان : 54] . وقوله تعالى : { يّا أيها الناس إنَّا خّلّقًنّاكٍم مٌَن ذّكّرُ وّأٍنثّى" وّجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وّقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا } [الحجرات : 13] . وإذا كانت جاهلية العرب قد أساءت إلى علم النسب احياناً بسوء استخدامه ، فإنها قد اساءت اليه ايضاً من ناحية عدم التدوين الذي تميز به العصر الجاهلي ، ولذلك فقد تأخر تدوين الأنساب ، ولم يبدأ الا مع بداية العصر الإسلامي . وبسبب غياب التدوين اضطر العرب إلى حفظ انسابهم والعناية بها عن طريق الحفظ والمشافهة ، فاشتهر بذلك عدد من أبناء العرب ، ينقلون هذا العلم ، وينقل عنهم إلى أن جاء عصر التدوين فأخذ عنهم علماء النسب الأوائل «4». ومع هذا فينبغي ان لا نغفل بعض الانتقادات الموجهة لقدامى النسابين كابن الكلبي وابن هشام والهمداني وغيرهم ، غير أنه يجب التمييز بين جهودهم في حفظ الأنساب وبين بعض الهنات والروايات الضعيفة في مروياتهم «5» ب موقف الإسلام من علم النسب : وقف الإسلام من علم النسب موقفاً إيجابياً فاكتسب هذا العلم فضلاً وشرفاً تمثل بعناية نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وحث صحابته الكرام على تعلمه ، وشهادته لابي بكر رضي الله عنه بالتمكن من هذا العلم . وقد روي عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال « كنت عند رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقال : من كان من معدّ فليقمْ ، فقمت ، فقال لي : اجلس . فعل ذلك ثلاثاً ، قلت : يا رسول الله ممن نحن ؟ قال : من قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ » «6» وغير ذلك من الأمثلة . لكن الإسلام نهى عن سوء استخدام الأنساب ، والمفاخرة بها لعصبية جاهلية ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : « ليس منا من دعا الى عصبية ، وليس منا من قاتل عصبية ، وليس منا من مات على عصبية » «7». وكان علم النسب في البداية واحداً من فروع علم التاريخ ثم ما لبث ان صار علماً مستقلاً له اصوله وفنونه واربابه . وانبرى للاشتغال به كثير من علماء الامة امتداداً لاشتغالهم بعلم التاريخ الذي لا يستغني عن علم الأنساب والإحاطة به لمن اراد ان يعرف أمته واعلامها من الصحابة والتابعين والقواد الفاتحين والعلماء والمحدثين وغيرهم . وقد تواتر عن علماء الأمة التأكيد على اهمية هذا العلم ، وبسطوا القول في فضله والترغيب به في مقدمات مؤلفاتهم في الأنساب . فالإمام ابن حزم لم يكتف ببيان فضل هذا العلم ومشروعيته لكنه رد بحزم على من قال : إن العلم به لا ينفع والجهل به لا يضر . ويقول الإمام السمعاني في مقدمة كتابه الأنساب : « وكان علم المعارف والأنساب لهذه الامة من اهم العلوم التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيهم ». ثم ساق رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم : « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به ارحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الاهل مثراة في المال منسأة في الاثر » «8». وقال ابن الاثير « ت 630هـ » في مقدمته : « وهو مما يحتاج طالب العلم إليه ، ويضطر الراغب في الأدب والفضل إلى التعويل عليه ». فهو ليس علماً مباحاً فقط ولكنه مستحب شرعاً إذا كان القصد منه تحقيق مراد الله سبحانه وتعالى في التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى . ولهذا فقد عني به علماء الأمة قديماً وحديثاً ، ولعل هذا العلم يكفيه شرفاً وفخراً أن يكون ابو بكر الصديق رضي الله عنه من اول المهتمين به والمتضلعين فيه ، ثم توارثه الصحابة والعلماء من بعده فكان من اول من ألف فيه من الرعيل الأول الإمام الزهري « ت 124هـ ». وامتد هذا الاهتمام إلى عصرنا الحاضر فألف فيه علماء كبار منهم من هو من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية «9»، او قدموا لمؤلفات في الأنساب لغيرهم «10». 2 أسباب الاهتمام به في هذا العصر : اولاً : الأسباب الغريزية : ويكتسب علم الأنساب اهميته لدى الفرد بوصفه سنة كونية وغريزة إنسانية لقوله تعالى : { يّا أّيٍَهّا الناس إنَّا خّلّقًنّاكٍم مٌَن ذّكّرُ وّأٍنثّى" وّجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وّقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا } [الحجرات: 13] . وقوله تعالى: { وّهٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا } [الفرقان : 54] . فكلمة جعل اذا جاءت في القرآن الكريم في مثل هذا الموضع وفاعلها الحق سبحانه وتعالى فإنها تدل على سنة كونية من سنن الخلق وصفة ملازمة للمخلوق وستظل كذلك إلى أن تقوم الساعة ، وذلك مثل قوله تعالى : { أّلّمً نّجًعّلٌ الأّرًضّ مٌهّادْا > <ه6ه> وّالًجٌبّالّ أّوًتّادْا } وقوله تعالى{ وّجّعّلًنّا نّوًمّكٍمً سٍبّاتْا > <ه9ه> وّجّعّلًنّا الليل لٌبّاسْا }. اما الدليل على أن البشر خلقوا على هذه الصفة التي تقوم على صلة النسب ، وسيظلون عليها إلى أن تقوم الساعة فهو قوله تعالى :{ فّإذّا نٍفٌخّ فٌي الصور فّلا أّنسّابّ بّيًنّهٍمً يّوًمّئٌذُ وّلا يّتّسّاءّلٍونّ } [المؤمنون : 101] . وقد بين الحق سبحانه وتعالى الحكمة من خلق الناس على هذا الحال ، وهي حاجتهم إلى التعارف ، وما يترتب عليه من فوائد ومصالح تحتاجها الأمة . وكذلك حاجة الإنسان إلى فئة ينصرونه ويشدون ازره ، قال تعالى { وّفّصٌيلّتٌهٌ التي تٍؤًوٌيهٌ }[المعارج : 13] . إذاً فهذه الغريزة التي تدفع الإنسان إلى معرفة اصوله وجذوره ، وهي التي تجعل كتب الأنساب تحظى بهذا الإقبال وهذا الرواج ، ليس عند العرب فقط بل عند كثير من الأمم ، مهما بلغوا من العلم والتقدم كما سنرى . ثانياً : أسباب حضارية : يقصد بالأسباب الحضارية انه كلما زاد تحضر المجتمعات وازدهرت العلوم فيها فإن الاهتمام بعلم الأنساب يزداد ، والبحث في هذا الموضوع يزدهر نتيجة للازدهار العلمي الذي تزداد معه الدراسات والابحاث لكل مجالات الحياة بما فيها دراسة احوال السكان وتاريخهم ، والتعمق في معرفة جذورهم وسلالاتهم وعلاقة الجماعات بما فيها الافراد والاسر والقبائل والطوائف ببعضها . وهذا بخلاف ما يعتقد البعض من ان الحضارة تقضي على موضوع الاهتمام بالانساب . والدليل على ذلك أن العرب في جاهليتهم مع ما هم عليه من شدة التعصب ومعرفتهم بأنسابهم ومحافظتهم عليها وتفاخرهم بها لم يؤلفوا الكتب في انسابهم ولم يتفننوا في رسم مشجرات العائلة والقبيلة ويضعونها على مداخل بيوتهم ، كما هو الحال في عصرنا الحاضر ، ومن أدلة ذلك ايضاً ان ازدهار التأليف في علم الانساب انما ظهر في عصور ازدهار الامة الإسلامية ، فكثرت المؤلفات والمصنفات في العهد العباسي ، ثم تراجع هذا الاهتمام في عصور الانحطاط، ثم عاد الاهتمام مرة ثانية في عصرنا الحاضر . ونتيجة لانحطاط الامة الإسلامية وضعفها في القرن التاسع عشر في حين كانت اوروبا في اوج نهضتها العلمية فقد تخاذل المسلمون عن تحقيق ما خلفه اوائلهم من امهات كتب الانساب ليقوم الاوروبيون بتلك المهمة . والدليل أن معظم كتب الانساب المعروفة اليوم التي اصبحت مصادر لهذا العلم إنما ألفت في عصور تفوق الامة وقوتها ، ومن ذلك على سبيل المثال : جماهير القبائل ، لمؤرج السدوسي « ت 195هـ ». نسب معد الكبير ، لابن الكلبي ، ت « 204هـ ». انساب حمير وملوكها ، لابن هشام « ت 213هـ ». الطبقات ، لابن سعد « 231هـ ». الجمهرة ، لابن حزم « ت 456هـ » وغيرهم . ولو استعرضنا كتاب طبقات النسابين للدكتور بكر ابو زيد لوجدنا أن اعداد النسابين كانت تأخذ شكل العلاقة الطردية مع وضع الأمة الإسلامية ، ومن ذلك مثلاً : إن عدد النسابين المترجم لهم بلغ 47 نسابة في القرن الاول ، و 58 في القرن الثاني ، و 82 في القرن الثالث ، و 88 في الرابع ، و 101 في الخامس ، و 48 في السادس ، و 46 في السابع ، و 35 في الثامن ، و 31 في التاسع ، و 17 في العاشر . وهكذا يبدأ التنازل الى حد الانقطاع لمدة ثلاثة قرون تقريباً ، ثم ينبعث مرة اخرى في العصر الحديث . لكن عصر انحطاط المسلمين وتراجع الحركة العلمية في القرون الإسلامية المتأخرة لم يقف اثره على التراجع الواضح في الكتابة بهذا العلم بل تعدى ذلك إلى إهمال المؤلفات التي كتبت عبر القرون السابقة «11» وكان من نتيجة هذا الإهمال ان قام عدد من علماء الغرب في عصر نهضتهم الحديثة بدراسة ونشر امهات كتب التراث الإسلامي ، ومنها كتب أنساب القبائل العربية «12». اما في البلاد العربية فلم تبدأ العناية بهذا الجانب الا في القرن الرابع عشر الهجري « العشرين الميلادي » حيث ظهرت بعض المحاولات المحدودة لبعض الباحثين العرب لطباعة بعض كتب الانساب ونشرها امثال : سليمان الدخيل « ت سنة 1364هـ » ، الذي قام سنة 1332هـ بطبع كتاب : « نهاية الارب في معرفة انساب العرب » للقلقشندي . وطبع كتاب : « سبائك الذهب » للبغدادي . والاستاذ احمد وصفي زكريا « ت1384هـ » الذي الف كتاب : « عشائر الشام »، وطبع سنة 1363هـ، كما قام الاستاذ رضا كحالة بتأليف كتاب : « معجم قبائل العرب »، وطبع بالشام سنة 1368هـ. ثم توالت بعد ذلك جهود نشر كتب الأنساب وتحقيقها في البلاد العربية ، حيث ظهر اهتمام بعض الكتاب العرب بالتأليف في أنساب القبائل العربية ، كما قام كل من الاستاذ محب الدين الخطيب سنة 1368هـ بطبع الجزء العاشر من كتاب « الإكليل ». ثم العالم الاستاذ محمد شاكر الذي حقق كتاب : « جمهرة نسب قريش » للزبير بن بكار ، وصدر سنة 1381هـ. وفي العراق الف الاستاذ عباس العزاوي كتاب « عشائر العراق »، وطبع سنة 1365هـ. وفي اليمن عُني العلامة محمد بن علي الأكوع بتحقيق كتاب « الإكليل » وطبع الجزء الاول سنة 1383هـ. اما في البلاد السعودية فقد كان الشيخ حمد الجاسر هو الرائد في إحياء هذا العلم واستنهاض الهمم في التأليف والتحقيق فيه من خلال ما نشره في تحقيقات ومراجعات علمية لمخطوطات كتب الأنساب ، وكذلك من خلال مؤلفاته الموسوعية مثل : « معجم قبائل المملكة » و « جمهرة انساب الاسر المتحضرة » وغيرهما . ثالثاً : أسباب أخرى : هناك أسباب اخرى وراء اهتمام بعض الكتاب والباحثين بالتأليف في مجال الانساب واصدار الكتب والموسوعات ، وقد يكون من تلك الاسباب على سبيل المثال البحث عن الثروة او الشهرة والمكانة التي يحققها الباحث في هذا المجال . وهذا النوع من اسباب الكتابة هو اخطر الاسباب لانه لا يصب في خانة المؤلفات العلمية التي تقوم على المنهج البحثي الصحيح . وللأسف الشديد ايضاً فإن معظم المؤلفات المعاصرة التي ادت إلى ظاهرة زيادة اصدار كتب الأنساب تندرج تحت هذا النوع من المؤلفات ، وذلك أن هذا العصر الذي سهل فيه التأليف وتيسرت الطباعة قد اتاح الفرصة للباحثين عن الشهرة من خلال التأليف ، حيث وجدوا مجالاً يهم شريحة كبيرة من السكان ، فاندفعوا يكتبون بلا ضوابط ولا قيود ولا معايير . كما أن هناك اسباباً اخرى تتمثل في البحث عن مثالب العرب . كما فعل بعض الشعوبيين . * نقاط مهمة : كثرة الموسوعات « التحفة الذهبية / الموسوعة الذهبية ». موسوعة القبائل العربية . موسوعة قبائل العرب . اهتمام المستشرقين بالأنساب : اهتم المستشرقون الغربيون بدراسة علم الأنساب ، اهتماماً ظاهراً ، وبرز هذا الاهتمام مع نهوض الحضارة الغربية ، حدث ذلك في الوقت الذي تقاعس عنه العرب والمسلمون في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين ، فالمستشرقون هم الذين ترجموا امهات كتب الأنساب العربية ، ومن ذلك على سبيل المثال : 1 في سنة 1854م قام المستشرق الالماني فردناند وستنفيلد بطبع كتاب « الاشتقاق » لابن دريد ، وهو كتاب في أنساب القبائل العربية . كما طبع في سنة 1899م كتاب « مختلف القبائل ومؤتلفها » تأليف : محمد بن حبيب . ووضع جداول مفصلة لانساب القبائل العربية . 2 في سنة 1883م قام المستشرق الالماني وليم اهلوارد « 1828م 1909م » بطبع الجزء الحادي عشر من كتاب « أنساب الاشراف للبلاذري » على الحجر بخطه . 3 في سنة 1936م قامت « الجامعة العبرية اليهودية » في القدس بطبع جزءين من الكتاب السابق ، الجزء الخامس بتحقيق المستشرق س.د.ف. جوتيين . 4 في سنة 1938م قامت الجامعة العبرية ايضاً بطباعة الجزء الثاني من القسم الرابع من الكتاب نفسه ، حققه المستشرق ماكس شتوسنجر . 5 في سنة 1948م قام الفرنسي ليفي بروفنسال بطبع كتاب « جمهرة أنساب العرب » لابن حزم . 6 في عام 1949م قام السويدي ك . و . سترستين بطبع كتاب « طرفة الاصحاب في معرفة الأنساب ». 7 في سنة 1951م قام ليفي بروفنسال ايضاً بطبع كتاب « نسب قريش » لمصعب بن عبدالله الزبيري «13». غير انه ينبغي الا ننسى أن بعض المستشرقين قد شككوا في علم النسب ، واثاروا شبهات كبيرة حول ما دونه علماء النسب الاقدمون الذين قامت على ايديهم مصادر علم الانساب ، فطعنوا بأمهات كتب الانساب ككتاب ابن الكلبي وغيره ، وكان على رأس هؤلاء المشككين نولدكه ، وروبرتسن سميث ، وغيرهما «14». وليس هنا مجال مناقشة آرائهم المبنية على تصورات بعيدة عن الواقع العربي ، وقد تصدى علماء العرب والمسلمين لهذه الهجمة التي ترمي الى تقويض علم النسب «15». 1- مشجرات النسب : كما أن من مظاهر الاهتمام بالنسب في هذا العصر «16» ظهور مشجرات الانساب التي اهتم بها الاوروبيون قبلنا ، فقد قام في اوائل القرن التاسع عشر الميلادي المستشرق النمساوي زامباور بتأليف كتابه : « معجم انساب الاسر الحاكمة في التاريخ الإسلامي » وقد طبع بالعربية في سنة 1951م بمطبعة جامعة فؤاد الاول بمصر ، وحاول فيه وضع مشجرات عائلية لجميع الزعماء والسلاطين في البلاد الإسلامية ، ثم تبعه لوريمر فرسم مشجرات دقيقة لعدد من الاسر الحاكمة في الجزيرة العربية . وقد كانت هذه المشجرات بداية لعصر التشجير في القرن الهجري الماضي ، فقد قام محمد أمين التميمي بوضع مشجرة لآل سعود سنة 1363هـ ثم اعادها سنة 1382هـ. ونلحظ هنا ان المشجرات في البداية كانت تتركز على الاسر الحاكمة ، لكنها ما لبثت في عصرنا الحالي أن انتشرت انتشاراً كبيراً ، بل صارت ظاهرة لدى كثير من الاسر السعودية خصوصاً في عصر الطفرة ، ولذلك فقد ازدهر فن إعداد المشجرات النسبية لدى الخطاطين والمطابع ، ومع ذلك فلم يظهر لهذا العلم ضوابط او معايير ، بل لا تزال هذه المهنة بلا قواعد او شروط ! وللدكتور عماد العتيقي من جامعة الكويت محاولة جيدة في هذا المجال ، فقد حاول وضع بعض الأسس المهمة في إعداد المشجرات من خلال كتابه : دليل إنشاء وتحقيق سلاسل الأنساب . 2- الدوريات المتخصصة في الأنساب : من المفارقات العجيبة أن يوجد في الولايات المتحدة وحدها الآن 53 مجلة ودورية متخصصة بعلم الأنساب والأصول حسب إحصائية منتصف عام 2000م «17». كما يوجد في كل ولاية امريكية رابطة للنسابين ، وفي واشنطن يوجد مجلس ترخيص النسابين . اضافة الى ذلك هناك العديد من الندوات والمؤتمرات التي تقام بكثافة عن الأنساب في امريكا واوروبا «18». ومع كل هذا الاهتمام في الغرب نجد انه لا يوجد عندنا دورية متخصصة واحدة بعد رحيل علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر ، وعدم مقدرة القائمين على مجلته على مواصلة ابحاثه بهذا الخصوص . كما أن علم الانساب في بلادنا لا يدخل في المناهج التعليمية ، ولا توجد جهة رسمية او غير رسمية لرعايته ، ولذا فهو لا يزال متأخراً ومتعثراً في مسيرته بسبب قلة الكتاب المتخصصين فيه وبسبب خوض غير المؤهلين للكتابة والتصنيف في هذا العلم الجليل والحساس جداً ، مما شوه صورته وادى الى وجود حالة شبه دائمة من الاعتراض والتذمر والاحتجاج على كثير مما يكتب حول الأنساب . 3- اهم معوقات علم الأنساب : ومما اود التنبيه إليه انه من خلال بحثي لاكثر من عشرين عاماً في الانساب فقد لاحظت ان هناك عدداً من العوامل والمعوقات التي يعود اليها السبب في صعوبة التمكن من هذا العلم ، وكثرة الاختلاف فيه ليس بين الباحثين فقط، وانما بين افراد الاسرة او القبيلة الواحدة ، ومن اهم تلك العوامل ما يلي : 1- قلة الاهتمام بتدوين انساب الاسر والقبائل وعدم حفظها كتابة في القرون الماضية بسبب الأمية وعدم الاستقرار الامني والمعيشي ، مما اوجد ثغرات كبيرة وانقطاعات في سلاسل النسب . 2- كثرة ما لحق بهذا العلم من الاوهام مما ادى الى الاختلاف الكبير في الانساب وعدم الاتفاق سواء بين الباحثين او الرواة ، وذلك بسبب عدم المام اولئك الكتاب بعلم الانساب ، وعدم احاطتهم بالانساب التي يتحدثون عنها ، ولعدم استنادهم على مراجع ومصادر يمكن إقامة الحجة بها ، وانما يعتمدون على ما يسمعونه من غيرهم ، ولا يفرقون بين المصدر المتخصص من غيره . وتتمثل أهمية هذه المسألة فيما اضيف لبعض القبائل من الانساب الخاطئة او المثالب المختلقة ، او الامجاد الكاذبة . 3- كثرة تشابه اسماء الافخاذ والقبائل ، وميل العامة إلى الاعتقاد بوجود علاقة بين الاسماء المتشابهة ، واختلاق القصص العامية لاثبات تلك العلاقة ، ومن ثم تصديقها بعد جيل او جيلين . وقد اشار علماء النسب قديماً وحديثاً كالهمداني ، والجاسر الى أن : « الاتفاق في الاسماء مدعاة للخلط في الأنساب . وان القبيلة عندما يوافق اسمها اسم قبيلة اخرى تنتسب اليها خطأ » «19». 4- جهل الكثير من الناس بأنسابهم ، وعدم ادراكهم لذلك ، وتعلقهم بالرواية العامية واعتقادهم ان ما توارثوه عن آبائهم هو الصحيح ، وقد ثبت بالتجربة ان الإنسان العامي لا يستطيع ان يحفظ تسلسل جدوده فيما بعد الجد الخامس بعدد مؤكد ، مالم يكن ذلك التسلسل موثقاً توثيقاً علمياً او شرعياً . 5- الانقطاع الزمني لبعض القبائل القديمة ، وظهور قبائل تنتسب اليها بعد عدة قرون ، وهذا الامر يحتاج الى توقف من الباحث ، وعدم الجزم بصحة الانتساب مالم تتوفر دلائل قوية ومقبولة . 6- قلة المتخصصين في الأنساب واعني بهم المتخصصين المؤهلين الذين يمكن الرجوع اليهم عند الحاجة البحثية ، والمشاهد ان الاهتمام في الانساب عندنا يقوم على اجتهادات شخصية ، وليس على دراسات اكاديمية ، كما أنه ليس له جهة مرجعية يمكن الاحتكام اليها . 4- اهم المحاذير التي يقع فيها مؤلفوا علم الأنساب : هناك بعض المحاذير او السلبيات التي يقع فيها كثير ممن يكتبون في الانساب ، والتي تتمثل في بعض الاساسيات والقواعد التي درج الناس على الاعتماد عليها في الانساب ، وارى ان الباحث في الانساب عليه ان يتعامل بحذر شديد مع تلك المعطيات ، والتي منها على سبيل المثال : أ قاعدة : الناس مؤتمنون على أنسابهم مما ينبغي توضيحه في البداية ان هذه العبارة قاعدة فقهية للإمام مالك هذا نصها : « الناس مؤتمنون على انسابهم مالم يدعوا شرفاًَ ». فهي في الاساس قاعدة فقهية تتعلق بإلحاق ولد الفراش ، والمواريث ونحو ذلك ، ولم ترد ابتداء في كتاب للأنساب ، وإنما في كتاب فقهي . لكن بعض الكتاب المتأخرين وكثيراً من العامة قد اقتبسوها وأسقطوا الجزء الثاني منها ، واتكأوا عليها في اثبات ما يعتقدونه من أنسابهم والرد على من يخالفهم (20). والدليل على عدم صحة هذه القاعدة ما نراه من مدى الاختلاف بين أفراد الأسرة الواحدة أو القبيلة الواحدة في كثير من الأحيان حول صحة انتسابهم الى جد مُعين . ولهذا فإن من تعمق في البحث قلت ثقته في تلك القاعدة المشهورة ، وأدرك أن الناس قد يجهلون أنسابهم . ب الاعتماد على الرواية العامية : ينبغي ألا يعول الباحث كثيرا على الرواية العامية في اثبات الأنساب ، بل يبحث عما يدعم الروايات أو يدحضها ، لأن الراوي العامي ليس حجة في اثبات الأنساب بسبب الجهل ، وبسبب التحيز وحب الذات ، وفي ذلك يقول الشيخ حمد الجاسر موضحاً ضعف الثقة بالرواية العامية : « .. وكل راوٍ يتحيز فيها الى قبيلته أو قبيلة يميل اليها ، وقد يلصق بمن لا يحب الصفات غير المحبوبة .. إلخ »(21). وقال في موضع آخر وهو يتحدث عن نسب بعض القبائل النجدية : « أما ما يتناقله العامة فلا يصح التعويل عليه » (22). ويندرج تحت ذلك ما يتناقله العامة من قصص متعلقة بالأنساب ، وأسباب نزوح الأسر والقبائل ، أو مسمياتها . ج التمسك برواية الآباء دون علم : درج الناس على التسليم بما توارثوه عن آبائهم وأجدادهم ، إلا أن الباحث يجب عليه ألا يسلم بكل ما ينقل عن الآباء والأجداد بلا تمحيص ولا تحقيق . وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من تقليد الأجداد تقليداً أعمى ، قال تعالى : { وّإذّا قٌيلّ لّهٍمٍ اتَّبٌعٍوا مّا أّّنزّلّ الله قّالٍوا بّلً نّتَّبٌعٍ مّا أّّلًفّيًنّا عّلّيًهٌ آبّاءّنّا }. د النقل عن المؤلفات بلا تمييز : يقع كثير من مؤلفي كتب الأنساب في مزلق النقل عن الكتب والمراجع الأخرى بلا تمييز بين جيدها وضعيفها ، وباختصار ؛ فإنه يمكن تصنيف مؤلفات الأنساب هنا ، وبشكل عام فإني أرى تقسيم المؤلفات في الأنساب الى ما يلي : الكتب الضعيفة : « كابن الكلبي، والمغيري ». الكتب المشكوك فيها : « تاريخ سيف بن عمر ». الكتيب غير المحققة : « كالكتب التجميعية ، الكتب بدون مصادر ». الكتب المصنوعة : « كإمتاع السامر ». ومما يضعف المصدر وإن كان صاحبه عالماً ؛ الكتابة عن بعد ، وذلك ان كثيراً ممن كتبوا في الأنساب يكتبون وهم بعيدون عن مواقع القبائل أو الأسر التي كتبوا عنها ، وأقرب مثال على ذلك كتاب الجمهرة لابن حزم الأندلسي ، فقد كتب عن قبائل الجزيرة مع أنه لم يطأ أرضها ، ولم يتتبع مواطن قبائلها . فكما انه ينبغي الحذر من بعض المدلسين ، والكذابين ، والوضاعين في علم الأنساب ، فإنه ينبغي الحذر من الروايات الضعيفة لدى المؤرخين المعروفين . ويقول الشيخ أبوعبدالرحمن الظاهري : « وما يدّعيه الصيادي ، أو ابن زيد ، أو غيرهما ، من وصل قبيلة ذات اسم جديد بقبيلة قديمة لا يقبل جزافاً ، ما لم يكن الاستناد الى مصادر وجادات متصلة التسلسل خلال القرون .. إلخ » (23). هـ رفع النسب الى جد بعيد : يتساهل كثير من الناس في رفع نسبه الى جد بعيد دون الاعتماد على اثبات من التدوين الصحيح ، وهذا مما لا ينبغي للباحث المحقق أن يقبله .. وهذا التحذير يستند على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن سلف الأمة من كراهية رفع النسب الى جد بعيد ، فقد روي عن الإمام مالك رحمه الله ان سئل عن الرجل يرفع نسبه الى آدم ، فكره ذلك ، وقال : من أين يعلم ذلك ؟، فقيل له : فإلى اسماعيل ، فكره وأنكر (24). والاعتماد على الشعر العامي : يعتمد كثير من العامة أو الكُتّاب على الشعر العامي في اثبات الأنساب ، وهذا منهج لا يحسن بالباحث المحقق . والسبب في التركيز على الشعر العامي هنا لأنه الأكثر ارتباطاً بالأنساب في هذا العصر ، وإلا فالشعر عموماً ليس حجة في الأنساب ، وقد قالت العرب : « أعذب الشعر أمثله .. » والسبب في خطورة الشعر على الأنساب هو ما يدخله من المبالغة والتحريف . ويعد العلامة الشيخ حمد الجاسر أول من انتبه الى هذا الأمر ، فطرح الاعتماد على الشعر العامي المعاصر جانباً ، وفي ذلك يقول في مقابلة مع : « مع الأسف الشديد ؛ منذ منتصف القرن الماضي أي من بعد عام 1350هـ الى يومنا هذا أصبح هذا النوع من الأدب ليس من الدرجة التي كان عليها قديماً ، لأن التزييف دخله ، والتغيير كثير منه » (25). وبالنسبة اليَّ فإن مصداقية الكتاب وعلميته تقل بحسب اكثار مؤلفه من الشعر العامي على غلافه وفي محتواه . 5 أهم المعايير والضوابط المقترحة : مع كل ما يحتله علم النسب من أهمية بالغة ومكانة مرموقة في التراث العربي والاسلامي ، وتراثنا المعاصر فإن المؤلفات التي تقنن هذا العلم وتضع له ضوابط وشروطا مهنية علمية لا تزال قليلة ، إن لم تكن معدومة ، كما أنه لا توجد لدينا جهة علمية متخصصة يكون لها القول الفصل في تقييم الدراسات والبحوث المتعلقة بالأنساب . إن الحاجة ملحة الآن لنفكر جدياً في وضع الضوابط اللازمة لوضع بحوث الأنساب في مسارها الصحيح . وهنا ينبغي التأكيد على أهمية التفريق بين الضوابط المعيارية لهذا العلم وبين وضع القيود والحد من الحريات الذي ربما يسارع بعض الباحثين المتقاعسين الى اشهاره في وجه الجهات الرقابية . وعموماً ؛ فإنه يمكن ايجاز أهم هذه الضوابط فيما يلي : 1 أن يكون الكاتب مؤهلاً للكتابة في الأنساب ، ومشهوداً له بالعلم والأمانة لدى أهل الاختصاص . 2 أن يكون البحث قائماً على منهج البحث العلمي من حيث أهمية البحث واثبات مصادره ، وموضوعيته . 3 أن لا ينشر الكاتب أخبارا تسيء الى الآخرين بتمجيد طرف على طرف أو الطعن أو نشر المثالب التي لا تحقق فوائد علمية ولا تضيف للتاريخ معلومات جديدة ، خاصة إذا كانت مبنية على تواتر غير محقق . 4 الابتعاد عن الاعتماد على الكتب والمؤلفات الضعيفة أو المشكوك فيها ، والتي يعرفها أهل الاختصاص ، وهذا يقتضي أن تدرج أسماء تلك المؤلفات في قوائم سوداء ليعرفها الباحثون المبتدئون ، وقد يكون من الأفضل ألا يفسح أي كتاب يعتمد على تلك المؤلفات لما في ذلك من تضليل وتدليس في الأنساب . التوصيات والاستنتاجات : في الختام فإنه يمكن ايجاز أهم الاستنتاجات والتوصيات فيما يلي : أولاً : التأكيد على أن علم الأنساب من أجل العلوم وأشرفها ، وهو ليس علماً اسلامياً وعربيا فحسب ، بل إنه من العلوم النظرية التي يكثر التأليف فيها في عصور الازدهار العلمي والحضاري ويقل بتراجع الأمة علميا وثقافيا . لذا فإنه ينبغي التنبيه الى وجوب التفرقة بين ما يمارسه البعض من سوء استخدام الأنساب ؛ سواء من خلال كتاباتهم ، أو من خلال سلوكهم الاجتماعي القائم على التفاخر بالأنساب والأحساب الذي لا يقره ديننا ولا يرضاه ، وبين فضل علم الأنساب ومشروعية المحافظة على معرفة الأصول والأرحام ، لأن الله جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف ، وسنظل كذلك الى أن تقوم الساعة . ثانياً : دراسة امكانية انشاء جمعية أو هيئة علمية تلحق باحدى المؤسسات الثقافية في كل دولة عربية ، تجمع الباحثين في هذا المجال ، وتكون مرجعاً فيه ، وتضع له قواعد ومعايير كغيره من العلوم ، وقد يكون من المناسب أن يصدر عنها دورية علمية محكمة متخصصة في علم الأنساب وبحوثه . ثالثاً : ايجاد آلية جديدة وعلمية لمعالجة ما قد ينشأ اعتراضات على الباحثين بهذا الخصوص ؛ من خلال احالة الشكوى أو الاعتراض إن وجد الى جهة شرعية أو الى لجنة علمية محايدة تنظر في مدى صحة ما يدَّعيه الطرفان وتطَّلع على اثباتات دعوى كل منهما ، فإن وجد أن الباحث على حق ، فلا يلتفت الى اعتراض العوام ، وإن وجد أنه على خطأ تم اتخاذ اللازم بشأن تصحيح الخطأ . إن تحقيق هذه الاقتراحات سوف يحقق أهدافاً علمية واجتماعية مهمة ، منها على سبيل المثال لا الحصر : 1 تطوير هذا العلم وازدهاره في هذه المرحلة المتطورة من مسيرتنا الثقافية والعلمية. 2 الاعتماد على الباحثين المحليين بدلا من الاعتماد على ما يكتبه الغير من البعيدين عن أنساب أسرنا وقبائلنا وتاريخ بلادنا . 3 تصحيح المفاهيم الخاطئة عن علم النسب والتي مفادها ان البحث فيه يثير المشاكل ويذكي العصبيات ، ويؤجج المفاخرات . 4 الحد من كثرة المصنفات التي لا تخضع للمعايير العلمية المطلوبة . 5 تصحيح الانتسابات الخاطئة التي تظهر بين الحين والآخر القائمة على أخطاء النسابين ، أو على روايات عامية متوارثة . 6 حماية الباحثين المحققين مما يواجهونه من تهديدات بعض الجهلة والعوام . 7 توعية جمهور القراء في هذا المجال ومساعدتهم في التمييز بين مؤلفات الأنساب الصحيحة والجيدة ، وبين المؤلفات التجميعية التجارية التي لا تقوم على أسس علمية . والله الموفق . *** الهوامش : 16 أقصد في هذا العصر ، أما المسلمون فقد سبقوا الأوروبيين في ذلك ، فقد وضع ابن طباطبا المتوفى سنة 449هـ كتابه : الأنساب المشجرة ، وغيره « انظرك طبقات النسابين ، لبكر أبوزيد ». 17 دليل انشاء وتحقيق سلاسل الأنساب ، تأليف : د . عماد العتيقي ، ط1، 2001م ، ص63. 18 المصدر السابق ص «62». 19 مجلة العرب ، س 25، ص «550». 20 انظر : ما كتبه الشيخ أبوعبدالرحمن الظاهري حول هذه العبارة في مقدمته لكتاب مثير الوجد في أنساب ملوك نجد ، لمؤلفه : راشد بن علي بن جريس ، منشورات دارة الملك عبدالعزيز ، الطبعة الثانية 1419هـ ، ص «15». 21 جريدة الرياض ، العدد «10549» في 6/1/1418هـ. 22 العرب ، س 29، ص «276». 23 في مقدمته لكتاب : بنو بكر بن وائل ، تأليف : د . عبدالرحمن الفريح ، ط 1، 1419هـ، ص «18». 24 انظر : مقدمة ابن خلدون ، ص «151». 25 العرب ، س 18، ص «767». * « مستشار بحوث تاريخية دارة الملك عبدالعزيز » * * محاضرة ألقيت في نادي أبها الأدبي . منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size][/B] |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
[B][size=4][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : الحمد لله الذي جعل للعرب جمالًا تتهافت عليه سائر الأمم وخصم من كثرة القبائل بما طلع لهم به في كل افق نجم ورفع لهم بكل قطر علم وأنالهم من الشرف الباذخ ما لا تمتد إلى مثله يد ولا تتخطى إلى نظيره قدم أحمده على أن جدد معالم العلم الدارسة باظهار مختفيها وأراج أسواقها الكاسدة بزيادة الرغبة ولله تعالى الحمد فيها وأعز جانبها بأجل عزيز ما شام برق فضيلته شائم الا انتجع غيثها ليستسقيها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقدع المخادع وتقمع المداهن وتورد قائلها اصفى الموارد فيدعى المحسن في اخلاصها أبا المحاسن وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده وسوله أفضل شيء طابت أرومته وأفصحت عن كرم المحتد جرثومته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين شرفت بالاعتزاء الى عنصره الشريف انسابهم وكرمت بالقرب إليه في الانتساب احسابهم صلاة تكشف بسح وابلها اللأوا وتجمع بشريف نسبتها بين شرف النسب وكرم التقوى وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد: فلما كان العلم بقبائل العرب وأنسابهم على جلالة قدره وعلو مكانه ورفعة ذكره قد درس بترك مدارسه معالمه وانقرض بانقراض علمائه من العصر الأول ملزومه ولازمه مع مسيس الحاجة إليه في كثر من المهمات ودعء الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات وكان المعز الاشرف العالي المولوي الأمير الكبيري النصيري الزعيمي النظامي المدبري المشيري الأصيلي الكفيلي العزيزي أبي المحاسن يوسف العثماني الأموي القرشي عزيز المملكة المصرية وسفيرها ومدير الممالك الاسلامية ومشيرها بلغه الله تعالى من منتهى أربه غاية الأمل ورفع قدره فوق السماكين وقد فعل قد ألقى إليه من الممالك الاسلامية مقاليدها ودانت له الاقطار المتقاعسة قريبها وبعيدها وانقادت له شم الانوف الأبية فأتوه طائعين وتليت عليهم زبر سطوته القاهرة فظلت أعناقهم لها خاضعين وغلت بكفه الاكف العادية واستؤصلت بسيفه القاضب شأفة أهل الفساد فهل ترى لهم من باقية وحمى الديار فلا يغلق بابه إلا ضعيف اليقين وأمنت بانتشار صيته المسالك فقيل سيروا فيها ليالي وأيامًا آمنين. وعود الليث مرتاعًا لسطوته = وحاذر الذئب قرب الشاة من رهب وصرفت بتصريفه أمور الدولة فجرت على السداد ونفذت بتنفيذه أمورها فأربت مقاصدها بحمد الله على المراد. وإن أمور الملك أضحى مدارها عليه كما دارت على قطبها الرحى وأتى من تدبيره الملك بما اطلع نجومه الأوافل وفرغ من فروض المملكة فأتى بالنوافل فأخذ في عمارة ما درس من المعزية القاهرة وباد وتجديد ما وهي من جوانبها بمر الزمان أو كاد. حتى فاقت ببهجته الاسكندرية التي بناها الاسكندر وقالت: ليت هذا الجمال وافاني حين قلدني عقد الترصيف جوهر وأبدل قصر الفاطميين من اللبن الخاشع جلامد الصخور وأعاضه من رث الصنعة ما يروق رونقه العيون ويشفى ببهجته الصدور وأعقبه من التشيع اكتساب السنة وكسبه رفض الرفض فكان له بذلك المنة: فحي هلا بالملزمات وبالعلى وحي هلا بالفضل والسؤدد المحض هذا وقد اقتفى سنن الملوك الماضية في الاعتناء بمآثر المعروف الباقية والاحتفال من صالح الاعمال بما لا ينقطع ثوابه من علم ينتفع به أو صدقة جارية فابتنى المدرسة الغراء التي عز في الوجود نظيرها وراق منظرها وأبهج نضيرها فصافحت كف الثريا بكف منارها وسامت النسر الطائر في الارتفاع برفيع مطارها وحطت بالتخوم أساسها فرست وتوالت مياه السقي على قلوب حجارتها المتراكبة فقسمت واشتملت من ابداع الصنعة على ما يزرى بشداد بن عاد وفازت من أحاسن المحاسن بما لو رآه ارم لقال ليتني لم أشرع في بناء ذات العماد. أحكام صنعتها شداد يغبطه ومن تشيدها الاهرام في خجل وحازت من نفيس الرخام ما يهزأ بالجواهر فأتت فيه من بديع الرونق بما لو عاينه السابق لقال كم ترك الأول للآخر: فلا اللئالئ من حسنٍ تقاربه ولا اليواقيت في وصفٍ تدانيه وأودعت من نفائس الكتب ما يتنافس فيه المتنافسون وانفردت من نوادر المصنفات بما لم يشاركها فيه غيرها من المدارس فيقال فيه شركاء متشاكسون مع مساعمته أعز الله انصاره في الانساي بكريم نسبه واشتماله من محبة العلم وأهله على ما يقضي بمتين دينه ووثاقة سببه أحببت أن أخدم خزانتها العالية عمرها الله تعالى ببقاء منشيها وأدام عزها بدوام أيام بانيها بتأليف كناب معرفة العرب والعلم بأنسابها يجدد الدروس رسومها ويطلع بافق الزمان بعد الأفول نجومها ليكون باختصاصه بوضعه كالغرة في وجه كتبه وتدخر بخزانته السعيدة لتصير كلمة باقية في عقبه فشرعت في ذلك بعد أن استخرت الله تعالى ولا خيبة لمستخير واستشرت فيه أهل المشورة ولا ندم للمستشير واصلًا كل قبيل من القبائل بقبيلة وملحقًا كل فرع من الفروع الحادثة بأصوله مرتبًا له على حروف المعجم ليكون أسها للاستخراج قبائله وأقرب إليه في الاقتطاف من تناوله. ثم إن هذا الكتاب وإن كان قد جمع فأوعى وطمع في الاستكثار فلم يكن بالقليل قنواعًا فأنه لم يأتي على قبائل العرب بأسرها ولم يتكفل على كثرة الجمع بحصرها فان ذلك يتعذر الاتيان عليه ويعز على المتطلب الوصول إليه غير أنه قد حصل من جميع القبائل ما يتعسر إليه من غير طريقة الوصول وحافظ على تمهيد أصولها أتم المحافظة والمطلوب حفظ الأصول وسميته "نهاية الأرب في معرفة أسناب العرب" والله يقرنه بالتوفيق ويرشد فيه إلى أوضح طريق وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة. المقدمة في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الانساب ومعرفة القبائل وفيها خمسة فصول. الفصل الأول: في علم الأنساب وفائدته ومسيس الحاجة إليه. الفصل الثاني: في بيان من يقع عليه اسم العرب وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك. الفصل الثالث: في معرفة طبقات الانساب وما يلتحق بذلك. الفصل الرابع: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الاقطار. الفصل الخامس: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الانساب. المقصد: في معرفة تفاصيل أنساب قبائل العرب وفيه فصلان. الفصل الأول: في ذكر عمود النسب النبوي وما يتفرع منه من الانساب. الفصل الثاني: في ذكر تفاصيل القبائل مرتبة مقفاة على حروف المعجم وما يتهيأ ذكره في الخاتمة: في ذكر أمور تتعلق باحوال العرب وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: في ذكر معرفة ديانات العرب قبل الاسلام. الفصل الثاني: في ذكر أمور من المفاخرات الواقعة بين القبائل وما ينجر إلى ذلك. الفصل الثالث: في ذكر الحروب الواقعة بين العرب في الجاهلية ومبادئ الاسلام. الفصل الرابع: في ذكر نيران العرب في الجاهلية. الفصل الخامس: في ذكر أسواق العر بالمعروفة فيما قبل الاسلام. الباب الأول مقدمة في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الأنساب ومعرفة القبائل وهي خمسة فصول الفصل الأول في فضل علم الأنساب وفائدته ومسيس الحاجة إليه لا خفاء أن المعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة والمعارف المندوبة لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية والمعالم الدينية فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضع. منها: العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلىالمدينة فانه لا بد لصحة الايمان من معرفة ذلك ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك. ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه ولا ينتسب إلى سوى أجداده وإلى ذلك الاشارة بقوله تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وانثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ": وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة فيحجب بعضهم بعضًا وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض واحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أوبعض الطبقات دون بعض وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك فلولا معرفة الانساب لفات ادراك هذه الامور وتعذر الوصول اليها. ومنها اعتبار النسب في الامامة التي هي الزعامة العظمى وقد حكى الماوردي في الاحكام السلطانية الاجماع على كون الامام قرشيا ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث شد فجوزها في جميع الناس فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأئمة من قريش ولذلك لما اجتمع الانصار يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة الانصاري احتج عليهم الصديق رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث فرجعوا إليه وبايعوه وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: قدموا قريشا ولا تتقدموها. قال أصحابنا الشافعية: فان لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانيًا من ولد كنانيا من ولد كنانة بن خزيمة فان تعذر اعتبر كونه من بني اسماعيل عليه السلام فإن تعذر اعتبر كونه من اسحاق فان تعذر اعتبر كونه من جرهم لشرفهم بصهارة اسماعيل بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش. فلولا المعرفة بعلم النسب لفاتت معرفة هذه القبائل وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة وحماية البيضة وكف الفتنة وغير ذلك من المصالح. ومنها اعتبار النسب في كفاءة الزوج للزوجة في النكاح عند الشافعي رضي الله عنه حتى لا يكافئ الهاشمية والمطلبية غيرها من قريش ولا يكافئ القرشية غيرها من العرب ممن ليس بقرشي وفي الكنانية وجهان أصحهما أنه لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي وفي اعتبار النسب في العجم أيضًا وجهان أصحهما الاعتبار فاذا لم يعرف النسب تعذرت معرفة هذه الاحكام ومنها مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة فقد اثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها فراعى صلى الله ومنها: التفريق بين جريان الرق على العجم دون العرب على مذهب يرى ذلك من العلماء وهو أحد القولين للشافعي رضي الله عنه فاذا لم يعرف النسب تعذر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى وقد ذهب كثر من الأئمة المحدثين والفقهاء كالبخاري وابن اسحاق والطبري إلى جواز الرفع في الأنساب احتجاجًا بعمل السلف فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم النسب بالمقام الأرفع والجانب الأعلى وذلك أول دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره وقد حكى صاحب الريحان والريعان عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال: كان أبو بكر رضي الله عنه نسابة فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوقف على قوم من ربيعة فقال: ممن القوم. قالوا: من ربيعة. قال: وأي ربيعة أنتم أمن هامتها أم من لهازمها قالوا: بل من هامتها العظمى. قال أبو بكر: ومن أيها. قالوا: من ذهل الأكبر. قال أبو بكر: فمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف. قالوا لا قال: أفمنكم بسطام بن قيس ذو اللواء أبو القرى ومنتهى الاحياء. قالوا لا قال: أفمنكم الحوفزان " الحارث بن ئريك " قاتل الملوك وسالبها نعمها وانفسها قالوا لا. قال: أفمنكم المزدلف " ابن أبي ربيعة ابن ذهل بن شيبان " الحر صاحب العمامة الفردة قالوا: لا. قال: أفمنكم الملوك من كندة قالوا: لا. قال: أفمنكم أصهار الملوك من فقام إليه غلام من شيبان يقال له دغفل وقد بقل وجهه فقال: إن على سائلنا أن نسأله والعبء لا تعرفه أو تحمله يا هذا إنك قد سألت فأخبرناك ولم نكتمك شيئًا من خبرنا فممن الرجل قال أبو بكر: أنا من قريش. قال بخ بخ أهل الشرف والرئاسة. فمن أي القرشيين أنت قال: من ولد تيم بن مرة. قال الفتى: امكنت والله الرامي من صفاء الثغرة. أفمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعى مجمعًا قال: لا. قال: أفمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه قال: لا. قال: أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الذي كأن وجهه قمر يضيء في الليلة الظلماء قال لا. قال أفمن المفيضين بالناس أنت قال: لا. قال: أفمن أهل الندوة أنت قال: لا. قال: أفمن أهل السقاية أنت قال: لا. قال: أفمن أهل الرفادة أنت قال: لا. قال: أفمن أهل الحجاجة أنت! قال: لا. واجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الفتى: صادف درأ السيل درأ يدفعه يهيضه حينًا وحينًا يصدعه أما والله يا أخا قريس لو ثبت لاخبرتك أنك من زمعات قريش ولست من الذؤائب أو ما أنا بدغفل. قال: فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم. فقال علي رضي الله عنه يا أبا بكر لقد وقعت من الغلام الاعرابي على باقعة. قال أجل يا أبا الحسن: ما من طامة إلا وفوقها طامة وإن البلاء مؤكل بالمنطق. ودغفل هذا هو دغفل بن حنظلة النسابة الذي يضرب به المثل في النسب وقد كان له معرفة بالنجوم وغيرها أيضًا من علوم العرب قدم مرة على معاوية إبن أبي سفيان في خلافته فاختبره فوجد رجلًا عالمًا فقال: بم نلت هذا يا دغفل. قال: بقلب عقول ولسان سؤول وآفة العلم النسيان. فقال اذهب إلى يزيد فعلمه النسب والنجوم. وقد ذكر أبو عبيدة أن ممن يقاربه في العلم بالانساب من العرب زيد ابن الكيس النمري من بني عوف بن سعد بن تغلب إبن وائل وفيه دغفل المقدم ذكره يقول مسكين بن عامر الشاعر. فحكم دغفلا وارحل إليه ولا تدع المطي من الكلال أو ابن الكيس النمري زيدًا ولو أمسى بمنخرق الشمال وممن كان مقدما في النسب من العرب النجار بن أوس بن الحارث بن سعيد ابن هذيم العذري من قضاعة. فقد قال أبو عبيدة: أنه أنسب العرب. وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جملة العلماء وأعيانهم كأبي عبيدة والبيهقي وابن عبد البر وابن هرم وغيرهم وهو دليل شرفه ورفعة قدره. في بيان ما يقع عليه اسم العرب وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك أما من يقع عليه اسم العرب فقد قال الجوهري في صحاحه العرب جيل من الناس وهم أهل الامصار والاعراب سكان البادية والنسبة إلى العرب عربي والى الأعراب أعرابي والذي عليه العرف العام اطلاق لفظة العرب مشتقة من الأعراب وهو البيان أخذًا من قولهم أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان سموا بذلك لأن الغالب عليهم البيان والبلاغة ثم أن كل من كان عدا العرب فهو عجمي سواء الفرس أو الترك أو الروم وغيرهم وليس كما تتوهمه العامة من اختصاص العجم بالفرس بل أهل المغرب إلى الآن يطلقون لفظ العجم على الروم والفرنج ومن في معناه. أما الأعجم فانه الذي لا يفصح في الكلام وإن كان عربيًا ومنه سمي زياد الأعجم الشاعر كان عربيًا. وأما أنواع العرب فقد اتفقوا على تنويعهم إلى نوعين عاربة ومستعربة. فالعاربة هم العرب الأولى الذي فهمهم الله اللغة العربية ابتداءٍ فتكلموا بها فقيل لهم عاربة أما بمعنى الراسخة في العروبية كما يقال ليل لائل وعليه ينطبق كلام الجوهري. وأما بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها لما كانت أول من تكلم بها. قال الجوهري: وقد يقال فيهم العرب العرباء. والمستعربة هم الداخلون في العروبية من بعد العجمة أخذًا من استفعل بمعنى الصيرورة نحو استنوق الجمل إذا صار في معنى الناقة لما فيه من الخنوثة واستحجر الطين إذا صار في معنى الحجر ليبسه. قال الجوهري وربما قيل لهم المستعربة ثم اختلف في العاربة والمستعربة فذهب ابن اسحاق والطبري إلى أن العاربة هم عاد وثمود وطسم وجديس واميم وعبيل والعمالقة وعبد صنم وجرهم وحضر موت وحضوراء وبنو ثابر والسلف ومن في معناهم. والمستعربة بنو قحطان بن عابر وبنو اسماعيل عليه السلام لأن لغة عابر واسماعيل عليه السلام كانت عجمية أما سريانية واما عبرانية فتعلم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمانهم وتعلم بنو اسماعيل العربية من جرهم ومن بني قحطان حين نزلوا عليه وعلى أمه بمكة. وذهب آخرون منهم صاحب تأريخ حماة إلى أن بني قحطان هم العاربة وأن المستعربة هم بنو اسماعيل فقط والذي رجحه صاحب العبر: الرأي الأول محتجًا بأنه لم يكن في بني قحطان من زمن نوح عليه السلام وإلى عابر من تكلم بالعربية وإنما تعلموها نقلًا عمن كان قبلهم من عاد وثمود ومعاصريهم ممن تقدم ذكرهم ثم قد قسم المؤرخون أيضًا العرب إلى بائدة وغيرها. فالبائدة هم الذين بادوا ودرست آثارهم كعاد وثمود وطسم وجديس وجرهم الأولى ويلحق بهم مدين فانهم ممن ورد القرآن بهلاكهم وغير البائدة وهم الباقون في القرون المتأخرة بعد ذلك كجرهم الثانية وسبأ وبني عدنان ثم منهم من باد بعد ذلك كجرهم ومن تأخر منهم إلى زماننا كبقايا سبأ وبني عدنان. الفصل الثالث في طبقات الأنساب : وما يلحق بذلك عد أهل اللغة طبقات الأنساب ست طبقات. الطبقة الأولى - الشعب بفتح الشين - وهو النسب الأبعد كعدنان مثلًا. قال الجوهري: وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه ويجمع على شعوب. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: وسمي شعبًا لأن القبائل تتشعب منه. وذكر الزمخشري في كشافه نحوه. الطبقة الثانية - القبيلة وهي ما انقسم فيها الشعب كربيعة ومضر. قال الماوردي: وسميت قبيلة لتقابل الأنساب فيها وتجمع القبيلة على قبائل وربما سميت القبائل جماجم أيضًا كما يقتضيه كلام الجوهري حيث قال: وجماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون. الطبقة الثالثة - العمارة بكسر العين - وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة ويجمع الطبقة الرابعة - البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم ويجمع على بطون وأبطن. الطبقة الخامسة - الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية ويجمع على أفخاذ. الطبقة السادسة - الفصيلة بالصاد المهملة - وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس قلت هكذا رتبها الماوردي في الأحكام السلطانية وعلى نحو ذلك جرى الزمخشري في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: " وجعلناكم شعوبًا وقبائل " إلا أنه مثل الشعب بخزيمة وللقبيلة بكنانة وللعمارة بقريش وللبطن بقصي وللفخذ بهاشم وللفضيلة بالعباس وبالجملة فالفخذ يجمع الفصائل والبطن يجمع الافخاذ والعمار تجمع البطون والقبيلة تجمع العمائر والشعب يجمع القبائل قال النووي في تحرير التنبيه: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة. قال الجوهري: وعشيرة الرجل هم رهطه الادنون. قال أبو عبيدة: عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ. فأقام الفصيلة مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ ولم ينكر ما يخالفه ولا يخفى أن الترتيب الأول أولى وكأنهم رتبوا ذلك على بنية الانسان فجعلوا الشعب بمثابة أعلى الرأس والقبائل بمثابة قبائل الرأس وهي القطع المشعوب بعضها إلى بعض تصل بها الشؤون وهي القنوات التي في القحف لجريان الدمع وقد ذكر الجوهري أن قبائل العرب إنما سميت بقبائل الرأس وجعلوا العمارة تلو ذلك إقامة للشعب والقبيلة مقام الاساس من البناء وبعد الاساس تكون العمارة وهي بمثابة العنق والصدر من الانسان وجعلوا البطن تلو العمارة لأنها الموجود من البدن بعد العنق والصدر وجعلوا الفخذ تلو البطن لأن الفخذ من الإنسان بعد البطن وجعلوا الفصيلة تلو الفخذ لأنها النسب الأدنى الذي يصل عنه الرجل بمثابة الساق والقدم إذ المراد بالفصيلة العشيرة الأدنون بدليل قوله تعالى: " وفصيلته التي تؤويه " أي تضمه إليها ولا يضم الرجل إليه إلا أقرب عشيرته واعلم أن أكثر ما يدور على الألسنة من الطبقات الست المتقدمة القبيلة ثم البطن وقل أن تذكر العمارة والفخذ والفصيلة وربما عبر عن كل واحد من الطبقات السب بالحي أما على العموم مثل أن يقال حي من العرب وأما على الخصوص مثل أن يقال حي من بني فلان. الفصل الرابع في ذكر مساكن العرب القديمة : التي درجوا منها إلى سائر الأقطار أعلم: أن مساكن العرب في ابتداء الأمر كانت بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور واعدل أماكنه وأفضل بقاعه حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الانام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما حول ذلك من الأماكن وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقا إلى أيلة ثم القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن حيث طي وزبيد وما داناهما ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القلزم المقدم ذكره من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة من ظفار وما حولها ومن جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين ثم إلى أطراف البصرة ثم إلى الكوفة من بلاد العراق ومن جهة الشمال الفرات آخذًا من الكوفة على حدود العراق إلى عانة إلى بالس بلاد الجزيرة الفراتية إلى البلقا من برية الشام حيث وقع الابتداء. والحاصل أن السائر على حدود جزيرة العرب فيه من أطراف برية الشام من البلقا جنوبًا إلى أيلة ثم يسير على شاطئ بحر القلزم وهو مستقبل الجنوب والبحر على يمينه إلى مدين إلى ينبع إلى البروة إلى جدة إلى أول اليمن إلى زبيد إلى أطراف اليمن من جهة الجنوب ثم يعطف مشرقًا ويسر إلى ساحل اليمن وبحر الهند على يمينه حتى يمر على عدن ويجاوزها حتى يصل إلى سواحل ظفار من مشاريق اليمن إلى سواحل مهرة ثم يعطف شمالًا ويسير على سواحل اليمن وبحر فارس على يمينه ويتجاوز سواحل مهرة إلى عمان من بلاد البحرين إلى جزيرة أوال إلى القطيف إلى كاظمة إلى البصرة إلى الكوفة ثم يعطف إلى الغرب ويفارق بحر فارس ويسير والفرات على يمينه إلى سليمة إلى البلقا حيث بدأ. ودور هذه الجزيرة على ما ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تقويم البلدان سبعة أشهر وأحد عشر يومًا تقريبًا بسير الأثقال فمن البلقا إلى الشراة ثلاثة أيام ومن الشراة إلى أيلة نحو ثلاثة أيام ومن أيلة إلى الحجاز وهي فرضة المدينة المنورة النبوية نحو من عشرين يومًا ومن الحجاز إلى ساحل الجحفة نحو ثلاثة أيام ومن ساحل الحجفة إلى جدة وهي فرضة لمكة ثلاثة أيام ومن ساحل جدة إلى عدن نحو من شهر ومن عدن إلى سواحل مهرة نحو من شهر ومن مهرة إلى عمان إلى البحرين نحو من شهر ومن هجر إلى عبادان من العراق نحو من خمسة عشر يومًا ومن عبادان إلى البصرة نحو يومين ومن البصرة إلى الكوفة نحو اثنى عشر يومًا ومن الكوفة إلى بالس نحو عشرين يومًا ومن بالس إلى سلمية نحو سبعة أيام ومن سلمية إلى مشاريق غوطة دمشق نحو أربعة أيام ومن مشاريق غوطة دمشق إلى مشاريق حوران نحو ثلاثة أيام ومن مشاريق حوران إلى البلقا نحو ستة أيام. واعلم - أن الجزيرة في أصل اللغة ما ارتفع عنه الماء آخذًا من الجزر الذي هو ضد المد ثم توسع فيه فأطلق على كل ما دار عليه الماء ولما كان هذا القطر يحيط به بحر القلزم من جهة المغرب وبحر الهند من جهة الجنوب وبحر فارس من جهة المشرق والفرات من جهة الشمال أطلق عليه جزيرة واضيفت إلى العرب لنزولهم لها ابتداءً وسكناهم فيها. قال المدائني: وجزيرة العرب هذه تستمل على خمسة أقسام: تهامة ونجد والحجاز والعروض واليمن فتهامة هي الناحية الجنوبية عن الحجاز. ونجد هي الناحية التي بين الحجاز والعراق. والحجاز: هو ما بين تهامة ونجد. وتهامة: جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام وسمي حجازًا لحجزه بين نجد وتهامة. والعروض: هي اليمامة ما بين تهامة إلى البحرين ويدخل في جزيرة العرب أيضًا قطعة من بادية الشام كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ثم في كل قطر من هذه الأقطار مدن وبلاد مشهورة. فأما الحجاز: ففيه من البلاد المشهورة المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وقيل هي من نجد وفيه أيضًا من البلاد خيبر والطائف. وأما تهامة: ففيها من البلاد المشهورة مكة المشرفة وقيل هي من الحجاز وفيها أيضًا من البلاد ينبع. وأما نجد: فقد قيل أن المدينة النبوية منها والراجح أنها من الحجاز على ما تقدم. وأما العروض: فيشتمل على ناحيتين. الناحية الأولى: اليمامة وقيل هي من الحجاز وهي مدينة دون مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في المقدار بينها وبين البصرة ست عشرة مرحلة وبينها وبين الكوفة أيضًا مثل ذلك وهي أكثر نخلا من سائر بلاد الحجاز وبها كان مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقتل في زمن أبي بكر رضي الله عنه. الناحية الثانية: بلاد البحرين وهي قطر متسع مجاور لبحر فارس كثير النخل والثمار والمشهور به من البلاد هجر بفتح الهاء والجيم وهي التي كانت قاعدة البحرين في الزمن المتقدم فخربها القرامطة عند استيلائهم على البحرين وبنوا مدينة الاحساء ونزلوها وصارت هي قاعدة البحرين وهي مدينة كثيرة المياه والنخل والفواكه وبينها وبين اليمامة نحو أربعة أيام إلى غير ذلك من البلاد المتسعة. وأما اليمن - فهو اقليم عظيم متسع الارجاء متباعد الأطراف وكانت قاعدته القديمة مدينة صنعاء وهي مدينة عظيمة تسبه مدينة دمشق في كثرة مياهها وأشجارها وهي في شرقي عدن في الجبال وهواؤها معتدل وكانت في الزمن المتقدم تسمى أزال وهي الآن بيد إمام الزيدية ياليمن داخلة تحت طاعته هي وما حولها وقد استحدث عليها حصن تعز فصار منزل لبني رسول ملوك اليمن الآن وهو حصن في الجبل مطل على النهائم وأراضي زبيد وفوقه منتزه يقال له - صعدة - قد ساق إليه صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها وبنى فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك وفرضة اليمن المشهورة في القديم والحديث عدن ويقال عدن ابين سميت بذلك باسم بانيها وهي مدينة على ساحل بحر الهند جنوبي باب المندب بميل إلى المشرق مورد وحط واقلاع لمراكب الهند ومصر وغيرهما وبينها وبين صنعاء ثلاث مراحل وهي في ذيل جبل كالسور عليها وتمامة سور إلى البحر ولها باب إلى البر وباب إلى البحر إلا أنها قشفة يابسة ينقل الماء على ظهور الدواب واليمن مدن كثيرة من مشاهيرها. زبيد - بفتح الزاي المعجمة - وهي قصبة التهايم وموضعها في مستوى من الأرض والبحر منها على أقل من يوم وبها مياه ونخل كثير وعليها سور دائر وفيها ثمانية أبواب وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلًا. ومن مشاهير بلادها نجران: بفتح النون وسكون الجيم وهي بلدة ذات نخيل وأشجار على القرب من صنعاء وهي بين عدن وحضرموت في جبال وهي من بلاد همدان بين قرى ومدائن وعمائر ومياه وبها كان أفعى بن الأفعى الجرهمي المعروف بأفعى نجران الذي تحاكم إليه مضر وربيعة وأياد وأنمار أولاد نزار بوصية من أبيهم. ومن مشاهير بلاده ظفار: بالظاء المعجمة المشالة والفاء. وهي مدينة على ساحل خور يخرج من بحر الهند ويطعن في الشمال نحو مائة ميل وهي على طرفه وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخًا وعلى شمالها رمال الاحقاف التي بها كانت عاد وهي قاعدة بلاد الشجر ويوجد في أرضها كثير من النبات الهندي مثل الرايخ والتنبل ولها بساتين وأسواق وفي سواحلها يوجد العنبر إلى غي رذلك من البلاد المتعددة. وأما بادية الشام: ففي جزيرة العرب منها مدينة تدمر. بفتح التاء وضم الميم وهي بلدة قديمة ببادية الشام من أعمال حمص وهي على شرقيها وأرضها سباخ وبها شجر ونخيل وزيتون وبها آثار قلعة عظيمة أزلية من الأعمدة والصخور ولها سور وقلعة وبينها وبين حمص نحو ثلاث مراحل وكذلك عن سلمية وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلًا وبينها وبين الزحمة مائة ميل وميلان وهي منزل عرب آل ربيعة ملوك العرب بالشام إلى الآن وكذلك من بادية الشام تيماء وهي حاضرة طي وبها الحصن المعروف بالأبلق الفرد المنسوب إلى السمؤل بن عاديا وتبوك وهي بلدة عظيمة بين الحجر أرض ثمود وبين الشام وبها عين ماء ونخيل ويقال أن بها كان أصحاب الأيكة الذين بعث الله اليهم شعيبا عليه السلام. قلت ومنها مدين: وكانت بها منازل العرب العاربة من عاد وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن هم في معناهم ثم انتقلت ثمود منها إلى الحجر بكسر الحاء المهملة وهي إلى الجنوب من دومة الجندل وهي من أرض الشام فكانوا بها حتى هلكوا كما ورد به القرآن الكريم. وهلك من هلك من بقايا العرب العاربة باليمن بمدين من عاد وغيرهم وخلفهم فيه بنو قحطان بن عابر فعرفوا بعرب مدين إلى الآن وبقوا فيه إلى أن خرج منه عمرو بن مزيقياء عند توقع سيل العرم ثم خرج منه بقاياهم وتفرقوا في الحجاز والعراق والشام وغيرها عند حدوث سيل العرم وكانت أرض الحجاز منازل لني عدنان إلى أن غزاهم بخت نصر ونقل من نقل منهم إلى الانبار من بلاد العراق ولم يزل العرب بعد ذلك كلهم في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الاسلامي فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرة الاندلس وبلاد السودان وملأوا الآفاق وعمروا الأقطار وصار بعض عرب اليمن إلى الحجاز فأقاموا به وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به وبقي من بقي منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن ومن تفرق منهم في الاقطار منتشرون . الفصل الخامس في بيان أمور يحتاجها الناظر في علم الأنساب إليها : وهي عشرة أمور الأول: قال الماوردي: إذاتباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبًا والعمائر قبائل. يعني: وتصير البطون عمائر والافخاذ بطونا والفصائل افخاذًا والحادث من النسب بعد ذلك فصائل. الثاني: قد ذكر الجوهري أن القبائل هي بنو أب واحد. وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلىأب واحد سوى ثلاث قبائل وهي تنوخ والعتق وغسان فان كان كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون وسيأتي بيان ذلك في الكلام على كل قبيلة من هذه القبائل الثلاث في موضعه إن شاء الله تعالى. نعم الأب الواحد قد يكون أبًا لعدة بطون ثم أبو القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو قبائل فينسب إليه من هو منهم ويبقى بعضهم بلا ولد أو يولد له ولم يشتهر ولده فينسب إلى القبيلة الأولى. الثالث: إذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر كهاشم وقريش ومضر وعدنان جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينتسب إلى الجميع فيجوز لبني هاشم أن ينتسبوا إلى هاشم وإلى قريش وإلى مضر وإلى عدنان فيقال في أحدهم الهاشمي ويقال فيه القرشي والمضري والعدناني بل قد قال الجوهري: إن النسبة إلى الأعلى تغني عن النسبة إلى الأسفل فاذا قلت في النسبة إلى كلب بن وبرة الكلبي: استغنيت عن أن تنسبه إلى شيء من أصوله وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العيا والطبقة السفلى ثم يرى بعضهم تقديم العليا على السفلى مثل أن يقال في النسب إلى عثمان بن عفان الأموي العثماني وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا فيقال العثماني الأموي. الرابع: قد ينظم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينتسب اليهم فيقال فلان حليف بني فلان أو مولاهم كما يقال في البخاري الجعفي مولاهم ونحوذلك. الخامس: إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل في قبيلة أخرى جاز أن ينتسب إلى فبيلته الأولى وأن ينتسب إلى القبيلة التي دخل فيها وأن ينتسب إلى القبيلتين جميعًا مثل أن يقال التميمي ثم الوائلي أو الوائلي ثم التميمي وما أشبه ذلك. السادس: القبائل في الغالب تسمى الأب الوالد للقبيلة كربيعة ومضر والأوس والخزرج ونحو ذلك وقد تسمى القبيلة باسم أم القبيلة كخندف وبجيلة ونحوهما وقد تسمى باسم خاص ونحو ذلك وقد تسمى القبيلة بغير هذا وربما وقع اللقب على القبيلة بحدوث سبب كغسان حيث نزلوا على ماء يسمى غسان فسموا به كما سيأتي بيانه عند ذكر قبيلتهم في حرف الغين المعجمة إن شاء الله وربما وقع اللقب على الواحد منهم فسموا به وقيل غير ذلك على ما سيأتي ذكره فيما يقال بلفظ الجمع في الألف واللام مع الراء المهملة إن شاء الله تعالى. السابع: أسماء القبائل في اصطلاح العرب على خمسة أضرب: أولها: أن يطلق على القبيلة لفظة الأب كعاد وثمود ومدين ومن شاكلهم وبذلك ورد القرآن كقوله تعالى: " وإلى عاد وإلى ثمود وإلى مدين " يريد بني عاد وبني ثمود ونحو ذلك وأكثر ما يكون ذلك في الشعوب والقبائل العظام لا سيما في الأزمان المتقدمة بخلاف البطون والافخاذ ونحوهما. وثانيهما: أن يطلق على القبيلة لفظ البنوة فيقال بنو فلان وأكثر ما يكون ذلك في البطون والافخاذ والقبائل الصغار لا سيما في الازمان المتأخرة. وثالثهما: أن ترد القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام كالطالبيين والجعافرة ونحوهما وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم. ورابعهما: أن يعبر عنها بآل فلان كآل ربيعة وآل فضل وآل علي وما أشبه ذلك وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة لا سيما في عرب الشام في زماننا والمراد بالآل الأهل. منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .[/align][/size][/B] |
رد : نحو تاصيل علم الانساب مجلة العرب
كلام البدراني عين الصواب
له تقديري وشكرا يامخايل |
الساعة الآن 01:50. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها