منتديات سبيع الغلباء

منتديات سبيع الغلباء (https://www.sobe3.com/vb/index.php)
-   منتديات الـمـشـاهـيـر والقصص البطولية (https://www.sobe3.com/vb/forumdisplay.php?f=27)
-   -   حروب عامر بن صعصعة (https://www.sobe3.com/vb/showthread.php?t=14110)

سالم الهلالي 22 - 04 - 2007 14:47

حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#000000]ذكر قتل زهير بن جذيمة[/color]
وخالد بن جعفر بن كلاب والحارث بن ظالم المري وذكر يوم الرحرحان كان زهي بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس العبسي وهو والد قيس بن زهير صاحب حرب دحس والغبراء سيد قيس عيلان فتزوج إليه ملك الحيرة وهو النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر لشرفه وسؤدده فأرسل النعمان إلى زهير يستزيره بعض أولاده فأرسل ابنه شأسًا فكان أصغر ولده فأكرمه وحباه فلما انصرف إلى أبيه كساه حللًا وأعطاه مالًا طيبًا‏.‏
فخرج شأس يريد قومه فبلغ ماءً من مياه غني بن أعصر فقتله رباح بن الأشل الغنوي وأخذ ما كان معه وهو لا يعرفه وقيل لزهير‏:‏ إن شأسًا أقبل من عند الملك وكان آخر العهد به بماء من مياه غني‏.‏
فسار زهير إلى ديار غني وهم حلفاء في بني عامر ابن صعصعة فاجتمعوا عنده فسألهم عن ابنه فحلفوا أنهم لم يعلموا خبره قال‏:‏ لكني أعلمه فقال له أبو عامر‏:‏ فما الذي يرضيك منا قال‏:‏ واحدة من ثلاث‏:‏ إما تحيون ولدى وإما تسلمون إلي غنيًا حتى أقتلهم بولدي وإما الحرب بيننا وبينكم ما بقينا وبقيتم‏.‏
فقالوا‏:‏ ما جعلت لنا في هذه مخرجًا أما إحياء ولدك فلا يقدر عليه إلا الله وأما تسليم غني إليك فهم يمتنعون مما يمتنع منه الأحرار وأما الحرب بيننا فوالله إننا لنحب رضاك ونكره سخطك ولكن إن شئت الدية وإن شئت تطلب قاتل ابنك فنسلمه إليك أو تهب دمه فإنه لا يضيع في القرابة والجوار‏.‏
فقال‏:‏ ما أفعل إلا ما ذكرت‏.‏
فلما رأى خالد بن جعفر بن كلاب تعدي زهير على أخواله من غني قال‏:‏ والله ما رأينا كاليوم تعدي رجل على قومه‏.‏
فقال له زهير‏:‏ فهل لك أن تكون طلبتي عندك وأترك غنيًا قال‏:‏ نعم فانصرف زهير وهو يقول‏:‏ فلولا كلاب قد أخذت قرينتي بردّ غنيٍّ أعبدًا ومواليا ولكن حمتهم عصبة عامريّة يهزّون في الأرض القصار العواليا يقيمون في دار الحفاظ تكرّمًا إذا ما فنيّ القوم أضحت خواليا ثم إنه أرسل امرأةً وأمرها أن تكتم نسبها وأعطاها لحم جزور سمينة وسيرها إلى غني لتبيع اللحم بطيب وتسأل عن حال ولده‏.‏
فانطلقت المرأة إلى غني وفعلت ما أمرها فانتهت إلى امرأة رباح بن الأشل وقالت لها‏:‏ قد زوجت بنتًا لي وأبغي الطيب بهذا اللحم فأعطتها طيبًا وحدثتها بقتل زوجها شأسًا‏.‏
فعادت المرأة إلى زهير وأخبرته فجمع خيله وجعل يغير على غني حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ووقعت الحرب بين بني عبس وبني عامر وعظم الشر‏.‏
ثم إن زهيرًا خرج في أهل بيته في الشهر الحرام إلى عكاظ فالتقى هو وخالد بن جعفر بن كلاب‏.‏
فقال له خالد‏:‏ لقد طال شرنا منك يا زهير‏!‏ فقال زهير‏:‏ أما والله ما دامت لي قوة أدرك بها ثأراُ فلا انصرام له‏.‏
وكانت هوازن تؤتي زهير بن جذيمة الإتاوة كل سنة بعكاظ وهو يسومها الخسف وفي أنفسها منه غيظ وحقدٌ ثم عاد خالد وزهير إلى قومهما فسبق خالد إلى بلاد هوازن فجمع إليه قومه وندبهم إلى قتال زهير فأجابوه وتأهبوا للحرب وخرجوا يريدون زهيرًا وهم على طريقه وسار زهير حتى نزل على أطراف بلاد هوازن فقال له ابنه قيس‏:‏ انج بنا من هذه الأرض فإنا قريب من عدونا‏.‏
فقال له‏:‏ يا عاجز وما الذي تخوفني به من هوازن وتتقي شرها فأنا أعلم الناس بها‏.‏
فقال ابنه‏:‏ دع عنك اللجاج وأطعني وسر بنا فإني وكانت تماضر بنت الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية السلمية أم ولد زهير وقد أصاب بعض إخوتها دمًا فلحق ببني عامر وكان فيهم فأرسله خالد عينًا ليأتيه بخبر زهير فخرج حتى أتاهم في منزلهم فعلم قيس ابن زهير حاله وأراد هو وأبوه أن يوثقوه ويأخذوه معهم إلى أن يخرجوا من أرض هوازن فمنعت أخته فأخذوا عليه العهود ألا يخبرهم وأطلقوه فسار إلى خالد ووقف إلى شجرة يخبرها الخبر فركب خالد ومن معه إلى زهير وهو غير بعيد منهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا والتقى خالد وزهير فاقتتلا طويلًا ثم تعانقا فسقطا على الأرض وشد ورقاء بن زهير على خالد وضربه بسيفه فلم يصنع شيئًا لأنه قد ظاهر بين درعين وحمل جندح ابن البكاء وهو ابن امرأة خالد على زهير فقتله وهو خالد يعتركان فثار خالد عنه وعادت هوازن إلى منازلها وحمل بنو زهير أباهم إلى بلادهم فقال ورقاء بن زهير في ذلك‏:‏ رأيت زهيرًا تحت كلكل خالد فأقبلت أسعى كالعجول أبادر إلى بطلين يعتران كلاهما يريد رياش السيف والسيف نادر فشلّت يميني يوم أضرب خالدًا ويمنعه منّي الحديد المظاهر فيا ليت أنّي قبل أيّام خالدٍ وقبل زهير لم تلدني تماضر لعمري لقد بشّرت بي إذ ولدتني فماذا الذي ردّت عليك البشائر فطر خالدٌ إن كنت تستطيع طيرةً ولا تقعن إلاّ وقلبك حاذر أتتك المنايا إن بقيت بضربة تفارق منها العيش والموت حاضر وقال خالد يمن على هوازن بقتله زهيرًا‏:‏ أبلغ هوازن كيف تكفر بعدما أعتقتهم فتوالدوا أحرارا وقتلت ربّهم زهيرًا بعدما جدع الأنوف وأكثر الأوتارا وجعلت مهر نسائهم ودياتهم عقل الملوك هجائنًا وبكارا وكان زهير سيد غطفان فعلم خالد أن غطفان ستطلبه بسيدها فسار إلى النعمان بن امرئ القيس بالحيرة فاستجاره فأجاره‏.‏
فضرب له قبةً وجمع بنو زهير لهوازن فقال الحارث بن ظالم المري‏:‏ اكفوني حرب هوازن فأنا أكفيكم خالد بن جعفر‏.‏
وسار الحارث حتى قدم على النعمان فدخل عليه وعنده خالد وهما يأكلان تمرًا فأقبل النعمان يسائله فحسده خالد فقال للنعمان‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ هذا رجل لي عنده يد عظيمة قتلت زهيرًا وهو سيد غطفان فصار هو سيدها‏.‏
فقال الحارث‏:‏ سأجزيك على يدك عندي وجعل الحارث يتناول التمر ليأكله فيقع من بين أصابعه من الغضب فقال عروة لأخيه خالد‏:‏ ما أردت بكلامه وقد عرفته فتاكًا فقال خالد‏:‏ وما يخوفني منه فوالله لو رآني نائمًا ما ثم خرج خالد وأخوه إلى قبتهما فشرجاها عليهما ونام خالد وعروة عند رأسه يحرسه فلما أظلم الليل انطلق الحارث إلى خالد فقطع شرج القبة ودخلها وقال لعروة‏:‏ لئن تكلمت قتلتك‏!‏ ثم أيقظ خالدًا فلما استيقظ قال‏:‏ أتعرفني قال‏:‏ أنت الحارث‏.‏
قال‏:‏ خذ جزاء يدك عندي ‏!‏ وضربه بسيفه المعلوب فقتله ثم خرج من القبة وركب راحلته وسار‏.‏
وخرج عروة من القبة يستغيث وأتى باب النعمان فدخل عليه وأخبره الخبر فبث الرجال في طلب الحارث‏.‏
قال الحارث‏:‏ فلما سرت قليلًا خفت أن أكون لم أقتله فعدت متنكرًا واختلطت بالناس ودخلت عليه فضربته بالسيف حتى تيقنت أنه مقتول وعدت فلحقت بقومي فقال عبد الله بن جعدة الكلابي‏:‏ يا حار لو نبّهته لوجدته لا طائشًا رعشًا ولا معزالا شقّت عليه الجعفرية جيبها جزعًا وما تبكي هناك ضلالا فانعوا أبا بحر مجرّبٍ حرّان يحسب في القناة هلال فليقتلنّ بخالد سرواتكم وليجعلن لظالمٍ تمثالا تالله قد نبّهته فوجدته رخو اليدين مواكلًا عسقالا فجعل النعمان يطلبه ليقتله بجاره وهوازن تطلبه لتقتله بسيدها خالد فلحق بتميم فاستجار بضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم فأجاره على النعمان وهوازن فلما علم النعمان ذلك جهز جيشًا إلى بني دارم عليهم ابن الخمس التغلبي وكان يطلب الحارث بدم أبيه لأنه كان قتله‏.‏
‏.‏
ثم إن الأحوص بن جعفر أخا خالد جمع بني عامر وسار بهم فاجتمعوا هم وعسكر النعمان على بني دارم وساروا فلما صاروا بأدنى مياه بني دارم رأوا امرأةً تجني الكمأة ومعها جمل لها فأخذها رجلٌ من غني وتركها عنده‏.‏
فلما كان الليل نام فقامت إلى جملها فركبته وسارت حتى صبحت بني دارم وقصدت سيدهم زرارة بن عدس فأخبرته الخبر وقالت‏:‏ أخذني أمس قوم لا يريدون غيرك ولا أعرفهم‏.‏
قال‏:‏ فصفيهم لي‏.‏
قالت‏:‏ رأيت رجلًا قد سقط حاجباه فهو يرفعهما بخرقة صغير العينين وعن أمره يصدرون‏.‏
قال‏:‏ ذاك الأحوص وهو سيد القوم‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا قليل المنطق إذا تكلم اجتمع القوم كما تجتمع الإبل لفحلها أحسن الناس وجهًا ومعه ابنان له يلازمانه‏.‏
قال‏:‏ ذلك مالك بن جعفر وابناه عامر وطفيل‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا جسيمًا كأن لحيته محمرةٌ معصفرةٌ‏.‏
قال‏:‏ ذاك عوف بن الأحوص‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا هلقامًا جسيمًا‏.‏
قال‏:‏ ذاك ربيعة بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا أسود أخنس قصيرًا إذا تكلم عذم القوم عذم المخوس‏.‏
قال‏:‏ ذاك ربيعة بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا أقرن الحاجبين كثير شعر السبلة يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم‏.‏
قال‏:‏ ذاك جندح بن البكاء‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا صغير العينين ضيق الجبهة يقود فرسًا له معه جفيرٌ لا يفارق يده‏.‏
قال‏:‏ ذاك ربيعة بن عقيل بن كعب‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا معه ابنان أصبهان إذا أقبلا رماهما الناس بأبصارهم فإذا أدبرا كانا كذلك‏.‏
قال‏:‏ ذاك الصعق بن عمرو بن خويلد بن نفيل وابناه يزيد وزرعة‏.‏
قالت‏:‏ ورأيت رجلًا لا يقول كلمة إلا وهي أحد من شفرة‏.‏
قال‏:‏ ذاك عبد الله بن جعدة بن كعب‏.‏
وأمرها زرارة فدخلت بيتها وأرسل زرارة إلى الرعاء يأمرهم بإحضار الإبل ففعلوا‏.‏
وأمرهم فحملوا الأهل والأثقال وساروا نحو بلاد بغيض وفرق الرسل في بني مالك بن حنظلة فأتوه فأخبرهم الخبر وأمرهم فوجهوا أثقالهم إلى بلاد بغيض ففعلوا وباتوا معدين‏.‏
وأصبح بنو عامر وأخبرهم الغنوي حال الظعينة وهربها فسقط في أيديهم واجتمعوا يديرون الرأي فقال بعضهم‏:‏ كأني بالظعينة قد أتت قومها فأخبرتهم الخبر فحذروا وأرسلوا أهليهم وأموالهم إلى بلاد بغيض وباتوا معدين لكم في السلاح فاركبوا بنا في طلب نعمهم وأموالهم فإنهم لا يشعرون حتى نصيب حاجتنا وننصرف‏.‏
فركبوا يطلبون ظعن بني دارم فلما أبطأ القوم عن زرارة قال لقومه‏:‏ إن القوم قد توجهوا إلى ظعنكم وأموالكم فسيروا إليهم‏.‏
فساروا مجدين فلحقوهم قبل أن يصلوا إلى الظعن والنعم فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتلت بنو مالك بن حنظلة ابن الخمس التغلبي رئيس جيش النعمان وأسرت بنو عامر معبد بن زرارة وصبر بنو دارم حتى انتصف النهار وأقبل قيس بن زهير فيمن معه من ناحية أخرى فانهزمت بنو عامر وجيش النعمان وعادوا إلى بلادهم ومعبد أسير مع بني عامر فبقي معهم حتى مات‏.‏
وفي تلك الأيام أيضًا مات زرارة بن عدس‏.‏
وقيل في استجارة الحارث ببني تميم غير ذلك وهو أن النعمان طلب شيئًا يغيظ به الحارث بعد قتل خالد وهربه فقيل له‏:‏ كان قصد الحيرة ونزل على عياض بن ديهث التميمي وهو صديق له فبعث إليه النعمان فأخذ إبلًا له فركب الحارث وأتى الحيرة متخفيًا واستنقذ ماله من الرعاء ورده عليه وطلب شيئًا يغيظ به النعمان فرأى ابنه غضبان فضرب رأسه بالسيف فقتله وبلغ النعمان الخبر فبعث في طلبه فلم يدرك فقال الحارث في ذلك‏:‏ أخصيي حمار بات يكدم نجمةً أتؤكل جاراتي وجارك سالم فإن تك أذوادًا أصبت ونسوةً فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم علوت بذي الحيّات مفرق رأسه ولا يركب المكروه إلاّ الأكارم بدأت بتلك وانثنيت بهذه وثالثة تبيضّ منها المقادم حسبت أبا قابوس أنك مخفري ولّما تذق ثكلًا وأنفك راغم كذا قال بعضهم وقيل‏:‏ إن المقتول كان شرحبيل بن الأسود بن المنذر وكان الأسود قد ترك ابنه شرحبيل عند سنان بن أبي حارثة المري ترضعه زوجته‏.‏
فمن هناك كان لسنان مال كثير وكان ابنه هرم يعطى منه فجاء الحارث متخفيًا فاستعار سرج سنان ولا يعلم سنان ثم أتى امرأة سنان فقال‏:‏ يقول بعلك ابعثي بشرحبيل ابن الملك مع الحارث بن ظالم حتى يستأمن به ويتخفر به وهذا سرجه علامة‏.‏
فزينته ودفعته إليه فأخذه وقتله وهرب‏.‏
فغزا الأسود بني ذبيان وبني أسد بشط أربك فقتل فيهم قتلًا ذريعًا وسبى واستأصل الأموال وأقسم ليقتلن الحارث فسار الحارث متخفيًا إلى الحيرة ليفتك بالأسود فبينما هو في منزله إذ سمع صارخةً تقول‏:‏ أنا في جوار الحارث بن ظالم وعرف حالها وكان الأسود قد أخذ لها صرمةً من الإبل فقال لها‏:‏ انطلقي غدًا إلى مكان كذا وأتاه الحارث‏.‏
فلما وردت إبل النعمان أخذ مالها فسلمه إليها وفيها ناقة تسمى اللقاع فقال الحارث في ذلك‏:‏ إذا سمعت حنّة اللقاع فادعي أبا ليلى فنعم الداعي يمشي بعضبٍ صارمٍ قطّاعٍ يفري به مجامع الصّداع ثم أقبل يطلب مجيرًا فلم يجره أحد من الناس وقالوا‏:‏ من يجيرك على هوازن والنعمان وقد قتلت ولده فأتى زرارة بن عدس وضمرة بن ضمرة فأجاراه على جميع الناس‏




يتبع

سالم الهلالي 23 - 04 - 2007 00:17

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#000000]خبر الحارث وعمرو بن الاطنابة‏ [/color] ((هوازن لها لادور فعال في هذه الوقعة))
ثم إن عمرو بن الإطنابة الخزرجي لما بلغه قتل خالد بن جعفر وكان صديقًا له قال‏:‏ والله لو وجده يقظان ما أقدم عليه ولوددت أني لقيته‏.‏
وبلغ الحارث قوله وقال‏:‏ والله لآتينه في رحله ولا ألقاه إلا ومعه سلاحه فبلغ ذلك ابن الإطنابة فقال أبياتًا منها‏:‏ أبلغ الحارث بن ظالمٍ المو عد والناذر النّذور عليّا إنّما تقتل النيام ولا تق تل يقظان ذا سلاح كميّا فبلغ الحارث شعره فسار إلى المدينة وسأل عن منزل ابن الإطنابة فلما دنا منه نادى‏:‏ يا ابن الإطنابة أغثني‏!‏ فأتاه عمرو فقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ رجل من بني فلان خرجت أريد بني فلان فعرض لي قوم قريبًا منك فأخذوا ما كان معي فاركب معي حتى نستنقذه‏.‏
فركب معه ولبس سلاحه ومضى معه فلما أبعد عن منزله عطف عليه وقال‏:‏ أنائمٌ أنت أم يقظان فقال‏:‏ يقظان‏.‏
فقال‏:‏ أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب فألقس ابن الإطنابة سيفه وقيل‏:‏ رمحه وقال‏:‏ قد أعجلتني فأمهلني حتى آخذ سيفي‏.‏
فقال‏:‏ خذه‏.‏
قال‏:‏ أخاف أن تعجلني عن أخذه‏.‏
قال‏:‏ لك ذمة ظالم لا أعجلك عن أخذه‏.‏
قال‏:‏ فوذمة الإطنابة لا آخذه ولا أقاتلك‏!‏ فانصرف الحارث وهو يقول أبياتًا منها‏:‏ بلغتنا مقالة المرء عمروٍ فالتقينا وكان ذاك بديا فهممنا بقتله إذ برزنا ووجدناه ذا سلاح كميّا غير ما نائمٍ يروّع بالفت ك ولكن مقلّدًا مشرفيّا فمننّا عليه بعد علوّ بوفاء وكنت قدمًا وفيّا ثم إن الحارث لما علم أن النعمان قد جد في طلبه وهوازن لا تقعد عن الطلب بثأر خالد خرج متنكرًا إلى الشام واستجار بيزيد بن عمرو فأكرمه وأجاره‏.‏
وكان ليزيد ناقة محماة في عنقها مديةٌ وزناد وملح ليمتحن بذلك رعيته فوحمت زوجة الحارث واشتهت شحمها ولحمها ورفع منه‏.‏
وفقدت الناقة فطلبت فوجدت عقيرة بالوادي فأرسل الملك إلى كاهن فسأله عنها فذكر له أن الحارث نحرها فأرسل امرأةً بطيب تشتري من لحمها من امرأة الحارث فأدركها الحارث وقد اشترت اللحم فقتلها ودفنها في البيت‏.‏
فسأل الملك الكاهن عن المرأة فقال‏:‏ قتلها من نحر الناقة وإذا كرهت أن تفتش بيته فتأمر الرجل بالرحيل فإذا رحل فتشت بيته‏.‏
ففعل ذلك فلما رحل الحارث فتش الكاهن بيته فوجد المرأة وأحس بيته‏.‏
ففعل ذلك فلما رحل الحارث فتش الكاهن بيته فوجد المرأة وأحس الحارث بالشر فعاد إلى الكاهن فقتله فأخذ الحارث وأحضر عند الملك فأمر بقتله فقال‏:‏ إنك قد أجرتني فلا تغدر بي‏.‏
فقال‏:‏ إن غدرت بك مرة واحدة فقد غدرت بي مرارًا‏.‏
فقتله‏.‏
أيّام داحس والغبراء وهي بين عبس وذبيان وكان سبب ذلك أن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي سار إلى المدينة ليتجهز لقتال عامر والأخذ بثأر أبيه فأتى أحيحة بن الجلاح يشتري منه درعًا موصوفةً‏.‏
فقال له‏:‏ لا أبيعها ولولا أن تذمني بنو عامر لوهبتها منك ولكن اشترها بابن لبون‏.‏
ففعل ذلك وأخذ الدرع وتسمى ذات الحواشي ووهبه أحيحة أيضًا أدراعًا وعاد إلى قومه وقد فرغ من جهازه‏.‏
فاجتاز بالربيع بن زياد العبسي فدعاه إلى مساعدته على الأخذ بثأره فأجابه إلى ذلك‏.‏
فلما أراد فراقه نظر الربيع إلى عيبته فقال‏:‏ ما في حقيبتك قال‏:‏ متاع عجيب لو أبصرته لراعك وأناخ راحلته فأخرج الدرع من الحقيبة فأبصرها الربيع فأعجبته ولبسها فكانت في طوله‏.‏
فمنعها من قيس ولم يعطه إياها وترددت الرسل بينهما في ذلك ولج قيس في طلبها ولج الربيع في منعها‏.‏
فلما طالت الأيام على ذلك سير قيس أهله إلى مكة وأقام ينتظر غرة الربيع‏.‏
ثم إن الربيع سير إبله وأمواله إلى مرعى كثير الكلإ وأمر أهله فظعنوا وركب فرسه وسار إلى المنزل فبلغ الخبر قيسًا فسار في أهله وإخوته فعارض ظعائن الربيع وأخذ زمام أمه فاطمة بنت الخرشب وزمام زوجته‏.‏
فقالت فاطمة أم الربيع‏:‏ ما تريد يا قيس قال‏:‏ أذهب بكن إلى مكة فأبيعكن بها بسبب درعي‏.‏
قالت‏:‏ وهيفي ضماني وخل عنا ففعل‏.‏
فلما جاءت إلى ابنها قالت له في معنى الدرع فحلف أنهن لا يرد الدرع فأرسلت إلى قيس أعلمته بما قال الربيع فأغار على نعم الربيع فاستاق منها أربعمائة بعير وسار بها إلى مكة فباعها واشترى بها خيلًا وتبعه الربيع فلم يلحقه فكان فيما اشترى من الخيل داحس والغبراء‏.‏
وقيل‏:‏ إن داحسًا كان من خيل بني يربوع وإن أباه كان أخذ فرسًا لرجل من بني ضبة يقال له انيف بن جبلة وكان الفرس يسمى السبط وكانت أم داحش لليربوعي فطلب اليربوعي من الضبي أن ينزي فرسه على حجره فلم يفعل‏.‏
فلما كان الليل عمد اليربوعي إلى فرس الضبي فأخذه فأنزاه على فرسه فاستيقظ الضبي فلم ير فرسه فنادى في قومه فأجابوه وقد تعلق باليربوعي فأخبرهم الخبر فغضب ضبة من ذلك فقال لهم‏:‏ لا تعجلوا دونكم نطفة فرسكم فخذوها‏.‏
فقال القوم‏:‏ قد أنصف‏.‏
فسطا عليها رجل من القوم فدس يده في رحمها فأخذ ما فيها فلم تزد الفرس إلا لقاحًا فنتجت مهرًا فسمي داحسًا بهذا السبب‏.‏
فكان عند اليربوعي ابنان له أغار قيس بن زهير على بني يربوع فنهب وسبى ورأى الغلامين أحدهما على داحس والآخر على الغبراء فطلبهما فلم يلحقهما فرجع وفي السبي أم الغلامين وأختان لهما وقد وقع داحس والغبراء في قلبه وكان ذلك قبل أن يقع بيته وبين الربيع ما وقع‏.‏
ثم جاء وفد بني يربوع في فداء الأسرى والسبي فأطلق الجميع إلا أم الغلامين وأختيهما وقال‏:‏ إن أتاني الغلامان بالمهر والفرس الغبراء وإلا فلا‏.‏
فامتنع الغلامان من ذلك فقال شيخ من بني يربوع كان أسيرًا عند قيس وبعث بها إلى الغلامين وهي‏:‏ إنّ مهرًا فدى الرباب وجملًا وسعادًا لخير مهر أناس ادفعوا داحسًا بهنّ سراعًا إنّها من فعالها الأكياس دونها والذي يحجّ له النا س سبايا يبعن بالأفراس إنّ قيسًا يرى الجواد من الخيل حياةً في متلف الأنفاس يشتري الطّرف بالجراجرة الج لّة يعطي عفوًا بغير مكاس وقيل‏:‏ إن قيسًا أنزى داحسًا على فرس له فجاءت بمهرة فسماها الغبراء‏.‏
ثم إن قيسًا أقام بمكة فكان أهلها يفاخرونه وكان فخورًا فقال لهم‏:‏ نحوا كعبتكم عنا وحرمكم وهاتوا ما شئتم‏.‏
فقال ل عبد الله بن جدعان‏:‏ إذا لم نفاخرك بالبيت المعمور وبالحرم الآمن فيم نفاخرك فمل قيس مفاخرتهم وعزم على الرحلة عنهم وسر ذلك قريشًا لأنهم قد كانوا كرهوا مفاخرته فقال لإخوته‏:‏ ارحلوا بنا من عندهم أولًا وإلا تفاقم الشر بيننا وبينهم والحقوا ببني بدر فإنهم أكفاؤنا في الحسب وبنو عمنا في النسب وأشراف قومنا في الكرم ومن لا يستطيع الربيع أن يتناولنا معهم‏.‏
فلحق قيس وإخوته ببني بدر وقال في مسيره إليهم‏:‏ أسير إلى بني بدرٍ بأمرٍ هم فيه علينا بالخيار فإن قبلوا الجوار فخير قومٍ وإن كرهوا الجوار فغير عار أتينا الحارث الخير بن كعب بنجران وأي لجا بجار فجاورنا الذين إذا أتاهم غريبٌ حلّ في سعة القرار فيأمن فيهم ويكون منهم بمنزلة الشّعار من الدّثار وإن نفرد بحرب بني أبينا بلا جار فإنّ الله جاري ثم نزل ببني بدر فنزل بحذيفة فأجاره هو وأخوه حمل بن بدر وأقام فيهم وكان معه أفراس له ولإخوته لم يكن في العرب مثلها وكان حذيفة يغدو ويروح إلى قيس فينظر إلى خيله فيحسده عليها ويكتم ذلك في نفسه وأقام قيس فيهم زمانًا يكرمونه وإخوته فغضب الربيع ونقم ذلك عليهم وبعث إليهم بهذه الأبيات‏:‏ ألا أبلغ بني بدرٍ رسولًا على ما كان من شنإ ووتر بأنّي لم أزل لكم صديقًا أدافع عن فزارة كلّ أمر أسالم سلمكم وأردّ عنكم فوارس أهل نجران وحجر وكان أبي ابن عمّكم زياد صفيّ أبيكم بدر بن عمرو فألجأتم أخا الغدرات قيسًا فقد أفعمتم إيغار صدري فحسبي من حذيفة ضمّ قيس وكان البدء من حمل بن بدر فإمّا ترجعوا أرجع إليكم وإن تأبوا فقد أوسعت عذري فلم يتغيروا عن جوار قيس‏.‏
فغضب الربيع وغضبت عبس لغضبه ثم إن حذيفة كره قيسًا وأراد إخراجه عنهم فلم يجد حجةً وعزم قيس على العمرة فقال لأصحابه‏:‏ إني قد عزمت على العمرة فإياكم أن تلابسوا حذيفة بشيء واحتملوا كل ما يكون منه حتى أرجع فإني قد عرفت الشر في وجهه وليس يقدر على حاجته منكم إلا أن تراهنون على الخيل‏.‏
وكان ذا رأي لا يخطئ في ما يريده وسار إلى مكة‏.‏
ثم إن فتىً من عبس يقال له ورد ابن مالك أتى حذيفة فجلس إليه فقال له ورد‏:‏ لو اتخذت من خيل قيس فحلًا يكون أصلًا لخيلك‏.‏
فقال حذيفة‏:‏ خيلي خير من خيل قيس ولجا في ذلك إلى أن تراهنا على فرسين من خيل قيس وفرسين من خيل حذيفة والرهن عشرة أذواد‏.‏
وسار ورد فقدم على قيس بمكة فأعلمه الحال فقال له‏:‏ أراك قد أوقعتني في بني بدر ووقعت معي وحذيفة ظلوم لا تطيب نفسه بحق ونحن لا نقر له بضيمٍ‏.‏
ورجع قيس من العمرة فجمع قومه وركب إلى حذيفة وسأله أن يفكر الرهن فلم يفعل‏.‏
فسأله جماعة فزارة وعبس فلم يجب إلى ذلك وقال‏:‏ إن أقرقيس أن السبق لي وإلا فلا فقال أبو جعدة الفزاري‏:‏ آل بدرٍ دعوا الرّهان فإنّا قد مللنا اللجاج عند الرهان ودعوا المرء في فزارة جارًا إنّ ما غاب عنكم كالعيان ليت شعري عن هاشم وحصين وابن عوف وحارث وسنان حين يأتيهم لجاجك قيسًا رأي صاحٍ أتيت أم نشوان وسأل حذيفة إخوته وسادات أصحابه في ترك الرهان ولج فيه وقال قيس‏:‏ علام تراهنني قال‏:‏ على فرسيك داحس والغبراء وفرسي الخطار والحنفاء وقيل‏:‏ كان الرهن على فرسي داحس والغبراء‏.‏
قال قيس‏:‏ داحس أسرع‏.‏
وقال حذيفة‏:‏ الغبراء أسرع وقال لقيس‏:‏ أريد أن أعلمك أن بصري بالخيل أثقب من بصرك والأول أصح‏.‏
فقال له قيس‏:‏ نفس في الغاية وارفع في السبق‏.‏
فقال حذيفة‏:‏ الغاية من أبلى إلى ذات الإصاد وهو قدر مائة وعشرين غلوةً والسبق مائة بعير وضمروا الخيل‏.‏
فلما فرغوا قادوا الخيل إلى الغاية وحشدوا ولبسوا السلاح وتركوا السبق على يد عقال ابن مروان بن الحكم القيسي وأعدوا الأمناء على إرسال الخيل‏.‏
وأقام حذيفة رجلًا من بني أسد في الطريق وأمره أن يلقى داحسًا في وادي ذات الإصاد إن مر به سابقًا فيرمي به إلى أسفل الوادي‏.‏
فلما أرسلت الخيل سبقها داحس سبقًا بينًا والناس ينظرون إليه وقيس وحذيفة على رأس الغاية في جميع قومهما‏.‏
فلما هبط داحس في الوادي عارضه الأسدي فلطم وجهه فألقاه في الماء فكاد يغرق هو وراكبه ولم يخرج إلا وقد فاتته الخيل‏.‏
وأما راكب الغبراء فإنه خالف طريق داحس لما رآه قد أبطأ وعاد إلى الطريق واجتمع مع فرسي حذيفة ثم سقطت الحنفاء وبقي الغبراء والخطار فكانا إذا أحزنا سبق الخطار وإذا أسهلا سبقت الغبراء‏.‏
فلما قربا من الناس وهما في وعث من الأرض تقدم الخطار فقال حذيفة‏:‏ سبقك يا قيس‏.‏
فقال‏:‏ رويدك يعلون الجدد فذهبت مثلًا‏.‏
فلما استوت بهما الأرض قال حذيفة‏:‏ خدع والله صاحبنا‏.‏
فقال ثم إن الغبراء جاءت سابقة وتبعها الخطار فرس حذيفة ثم الحنفاء له أيضًا ثم جاء داحس بعد ذلك والغلام يسير به على رسله فأخبر الغلام فيسًا بما صنع بفرسه فأنكر حذيفة ذلك وادعى السبق ظالمًا وقال‏:‏ جاء فرساي متتابعين ومضى قيس وأصحابه حتى نظروا إلى القوم الذين حبسوا داحسًا واختلفوا‏.‏
وبلغ الربيع بن زياد خبرهم فسره ذلك وقال لأصحابه‏:‏ هلك والله قيس وكأني به إن لم يقتله حذيفة وقد أتاكم يطلب منكم الجوار أما والله لئن فعل ما لنا من ضمه من بد‏.‏
ثم إن الأسدي ندم على حبس داحس فجاء إلى قيس واعترف بما صنع فسبه حذيفة‏.‏
ثم إن بني بدر قصروا بقيس وإخوته وآذوهم بالكلام فعاتبهم قيس فلم يزدادوا إلا بغيًا عليه وإيذاءً له‏.‏
ثم إن قيسًا وحذيفة تناكرا في السبق حتى هما بالمؤاخذة فمنعهما الناس وظهر لهم بغي حذيفة وظلمه ولج في طلب السبق فأرسل ابنه ندبة إلى قيس يطالبه به فلما أبلغه الرسالة طعنه فقتله وعادت فرسه إلى أبيه ونادى قيس‏:‏ يا بني عبس الرحيل‏!‏ فرحلوا كلهم ولما أتت الفرس حذيفة علم أن ولده قتل فصاح في الناس وركب في من معه وأتى منازل بني عبس فرآها خاليةً ورأى ابنه قتيلًا فنزل إليه وقبل بين عينيه ودفنوه‏.‏وكان مالك بن زهير أخو قيس متزوجًا في فزارة وهو نازلٌ فيهم فأرسل إليه قيس‏:‏ أني قد قتلت ندبة بن حذيفة ورحلت فالحق بنا وإلا قتلت‏.‏
فقال‏:‏ إنما ذنب قيس عيه ولم يرحل فأرسل قيس إلى الربيع ابن زياد يطلب منه العود إليه والمقام معه إذ هم عشيرة وأهل فلم يجبه ولم يمنعه وكان مفكرًا في ذلك‏.‏
ثم إن بني بدر قتلوا مالك بن زهير أخا قيس وكان نازلًا فيهم فبلغ مقتله بني عبس والربيع بن زياد فاشتد ذلك عليهم وأرسل الربيع إلى قيس عينًا يأتيه بخبره فسمعه يقول‏:‏ أينجو بنو بدرٍ بمقتل مالك ويخذلنا في النائبات ربيع وكان زيادق قبله يتّقى به من الدهر إن يومٌ ألمّ فظيع فقل لربيعً يحتذي فعل شيخه وما النّاس إلاّ حافظٌ ومضيع وإلاّ فما لي في البلاد إقامةٌ وأمر بني بدرٍ عليّ جميع فرجع الرجل إلى الربيع فأخبره فبكى الربيع على مالك وقال‏:‏ منع الرّقاد فما أغمّض ساعةً جزعًا من الخبر العظيم الساري أفبعد مقتل مالك بن زهير يرجو النساء عواقب الأطهار من كان مسرورًا بمقتل مالكٍ فليأت نسوتنا بوجه نهار يضربن حرّ وجوههنّ على فتىً ضخم الدسيعة غير ما خوّار قد كنّ يكننّ الوجوه تستّرًا فاليوم حين برزن للنظّار وهي طويلة‏.‏
فسمعها قيس فركب هو وأهله وقصدوا الربيع بن زياد وهو يصلح سلاحه فنزل إليه قيس وقام الربيع فاتنقا وبكيا وأظهرا الجزع لمصاب مالك ولقي القوم بعضهم بعضًا فنزلوا‏.‏
فقال قيس للربيع‏:‏ إنه لم يهرب منك من لجأ إليه ولم يستغن عنك من استعان بك وقد كان لك شر يومي فليكن لي خير يوميك وإنما أنا بقومي وقومي بك وقد أصاب القوم مالكًا ولست أهم بسوء لأني إن حاربت بني بدر نصرتهم بنو ذبيان وإن حاربتني خذلني بنو عبس إلا أن تجمعهم علي وأنا والقوم في الدماء سواءٌ قتلت ابنهم وقتلوا أخي فإن نصرتني طمعت فيهم وإن خذلتني طمعوا في‏.‏
فقال الربيع‏:‏ يا قيس إنه لا ينفعني أن أرى لك من الفضل ما لا أراه لي ولا ينفعك أن ترى لي ما لا أراه لك وقد مال علي قتل مالك وأنت ظالم ومظلوم ظلموك في جوادك وظلمتهم في دمائهم وقتلوا أخاك بابنهم فإن يبؤ الدم بالدم فعسى أن تلقح الحرب أقم معك وأحب الأمرين إلي مسالمتهم ونخلو بحرب هوازن‏.‏
وبعث قيس إلى أهله وأصحابه فجاؤوا ونزلوا مع الربيع وأنشدهم عنترة بن شداد مرثيته في مالك‏:‏ فليتهما لم يطعما الدهر بعدها وليتهما لم يجمعا لرهان وليتهما ماتا جميعًا ببلدةٍ وأخطاهما قيسٌ فلا يريان لقد جلبا جلبًا لمصرع مالكٍ وكان كريمًا ماجدًا لهجان وكان إذا ما كان يوم كريهةٍ فقد علموا أنّي وهو فتيان وكنّا لدى الهيجاء نحمي نساءنا ونضرب عند الكرب كلّ بنان فسوف ترى إن كنت بعدك باقيًا وأمكنني دهري وطول زماني فأقسم حقًّا لو بقيت لنظرة لقرّت بها عيناك حين تراني وبلغ حذيفة أن الربيع وقيسًا اتفقا فشق ذلك عليه واستعد للبلاء‏.‏
وقيل‏:‏ إن بلاد عبس كانت قد أجدبت فانتجع أهلها بلاد فزارة وأخذ الربيع جوارًا من حذيفة وأقام عندهم‏.‏
فلما بلغه مقتل مالك قال لحذيفة‏:‏ لي ذمتي ثلاثة أيام‏.‏
فقال حذيفة‏:‏ ذلك لك‏.‏
فانتقل الربيع من بني فزارة‏.‏
فبلغ ذلك حمل بن بدر فقال لحذيفة أخيه‏:‏ بئس الرأي رأيت‏!‏ قتلت مالكًا وخلّيت سبيل الربيع ‏!‏ والله ليضرمنها عليك نارًا‏!‏ فركبا في طلب الربيع ففاتهما فعلما أنه قد أضمر الشر‏.‏
واتفق الربيع وقيس وجمع حذيفة قومه وتعاقدوا على عبس وجمع الربيع وقيس قومهما واستعدوا للحرب فأغارت فزارة على بني عبس فأصابوا نعمًا ورجالًا فحميت عبس واجتمعت للغارة فنذرت بهم فزارة‏.‏
فخرجوا إليهم فالتقوا على ماء يقال له العذق وهي أول وقعة كانت بينهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا وقتل عوف بن يزيد قتله جندب بن خلف العبسي‏.‏
وانهزمت فزارة وقتلوا قتلًا ذريعًا وأسر الربيع بن زياد حذيفة ابن بدر وكان حر بن الحارث العبسي قد نذر إن قدر على حذيفة أن يضربه بالسيف وله سيف قاطع يسمى الأصرم فأراد ضربه بالسيف لما أسر وفاء بنذره فأرسل الربيع إلى امرأته فغيبت سيفه ونهوه عن قتله وحذروه عاقبة ذلك فأبى إلا ضربه فوضعوا عليه الرجال فضربه فلم يصنع السيف شيئًا وبقي حذيفة أسيرًا‏.‏
فاجتمعت غطفان وسعوا في الصلح فاصطلحوا على أن يهدروا بدر بن حذيفة بدم مالك بن زهير ويعقلوا عوف بن بدر ويعطوا حذيفة عن ضربته التي ضربه حر مائتين من الإبل وأن يجعلوها عشارًا كلها وأربعة أعبدٍ وأهدر حذيفة دماء من قتل من فزارة في الوقعة وأطلق من الأسر‏.‏
فلما رجع إلى قومه ندم على ذلك وساءت مقالته في بني عبس وركب قيس بن زهير وعمارة بن زياد فمضيا إلى حذيفة وتحدثا معه‏.‏
فأجابهما إلى الاتفاق وأن يرد عليهما الإبل التي أخذ منهما وكانت توالدت عنده‏.‏
فبيناهم في ذلك إذ جاءهم سنان بن أبي حراثة المري فقبح رأي حذيفة في الصلح وقال‏:‏ إن كنت لا بد فاعلًا فأعطهم إبلًا عجافًا مكان إبلهم واحبس أولادها‏.‏
فوافق ذلك رأي حذيفة فأبى قيس وعمارة ذلك‏.‏
وقيل‏:‏ إن الابل التي طلبوها منه هي إبل كان قد أخذها سبقًا من قيس‏.‏
وقيل أيضًا‏:‏ إن مالك بن زهير قتل بعد هذه الوقعة المذكورة قال حميد ابن بدر في ذلك‏:‏ قتلنا بعوفٍ مالكًا وهو ثأرنا ومن يبتدع شيئًا سوى الحقّ يظلم وجعل سنان يحث حذيفة على الحرب فتيسروا لها‏.‏
ثم إن الأنصار بلغهم ما عزموا عليه فاتفق جماعةٌ من رؤسائهم وهم‏:‏ عمرو بن الإطنابة ومالك بن عجلان وأحيحة بن الجلام وقيس ابن الخطيم وغيرهم وساروا ليصلحوا بينهم فوصلوا إليهم وترددوا في الاتفاق فلم يجب حذيفة إلى ذلك وظهر لهم بغيه فحذروه عاقبته وعادوا عنه‏.‏
وأغار حذيفة على عبس وأغارت عبس على فزارة وتفاقم الشر وأرسل حذيفة أخاه حملًا فأغار وأسر ريان بن الأسلع بن سفيان وشده وثاقًا وحمله إلى حذيفة فأطلقه ليرهنه ابنيه وجبير ابن أخيه عمرو بن الأسلع ففعل ريان ذلك ثم سار قيس إلى فزارة فلقي منهم جمعًا فيهم مالك بن بدر فقتله قيس وانهزمت فزارة فأخذ حينئذ حذيفة ولدي ريان فقتلهما وهما ولما قتل مالك والغلامان اشتدت الحرب بين الفريقين وأكثرها في فزارة ومن معها‏.‏
ففي بعض الأيام التقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا ودامت الحرب بينهم إلى آخر النهار وأبصر ريان بن الأسلع زيد بن حذيفة فحمل عليه فقتله وانهزمت فزارة وذبيان وأدرك الحارث بن بدر فقتل ورجعت عبس سالمةً لم يصب منها أحدٌ‏.‏
فلما قتل زيد والحارث جمع حذيفة جميع بني ذبيان وبعث إلى أشجع وأسد بن خزيمة فجمعهم فبلغ ذلك بني عبس فضموا أطرافهم وأشار قيس بن زهير بالسبق إلى ماء العقيقة ففعلوا ذلك وسار حذيفة في جموعه إلى عبس ومشى السفراء بينهم فحلف حذيفة‏:‏ أنه لا يصلح حتى يشرب من ماء العقيقة‏.‏
فأرسل إليه قيس منه في سقاء وقال‏:‏ لا أترك حذيفة يخدعني‏.‏
واصطلحوا على أن تعطي بنو عبس حذيفة ديات من قتل له ووضعوا الرهائن عدنه إلى أن يجمعوا الديات وهي عشر وكانت الرهائن ابنًا لقيس بن زهير وابنًا للربيع بن زياد فوضعوا أحدهما عند قطبة بن سنان والآخر عند رجل من بكر بن وائل أعمى‏.‏
فعير بعض الناس حذيفة بقبول الدية فحضر هو وأخوه حمل عند قطبة بن سنان والبكري وقالا‏:‏ ادفعا إلينا الغلامين لنكسوهما ونسرحهما إلى أهلهما‏.‏
فأما قطبة فدفع إليهما الغلام الذي عنده وهو ابن قيس وأما البكري فامتنع من تسليم من عنده فلما أخذا ابن قيس عادا فلقيا في الطريق ابنًا لعمارة بن زياد العبسي وابن عم له فأخذاهما وقتلاهما مع ابن فلما بلغ ذلك بني عبس أخذوا ما كانوا جمعوا من الديات فحملوا عليه الرجال واشتروا السلاح ثم خرج قيس في جماعة فلقوا ابنًا لحذيفة ومعه فوارس من ذبيان فقتلوهم‏.‏
فجمع حذيفة وسار إلى عبس وهم على ماء يقال له عراعر فاقتتلوا فكان الظفر لفزارة ورجعت سالمةً‏.‏
وجد حذيفة في الحرب وكرهها أخوه حمل وندم على ما كان وقال لأخيه في الصلح فلم يجب إلى ذلك وجمع الجموع من أسد وذبيان وسائر بطون غطفان وسار نحو بني عبس فاجتمعت عبس وتشاوروا في أمرهم فقال لهم قيس بن زهير‏:‏ إنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به وليس لبني بدر إلا دماؤكم والزيادة عليكم وأما من سواهم فلا يريدون غير الأموال والغنيمة والرأي أننا نترك الأموال بمكانها ونترك معها فارسين على داحس وعلى فرس آخر جوادٍ ونرحل نحن ونكون على مرحلة من الماء فإذا جاء القوم إلى الأموال سار إلينا الفارسان فأعلمانا وصولهم فإن القوم يشتغلون بالنهب وحيازة الأموال وإن نهاهم ذوو الرأي عن ذلك فإن العامة تخالفهم وتنتقض تعبيتهم ويشتغل كل إنسان بحفظ ما غنم ويعلقون أسلحتهم على ظهور الإبل ويأمنون‏.‏
فنعود نحن إليهم عند وصول الفارسين فندركهم وهم على حال تفرق وتشتتٍ فلا يكون لأحدهم همة إلا نفسه‏.‏
ففعلوا ذلك وجاء حذيفة ومن معه فاشتغلوا بالنهب فنهاهم حذيفة وغيرهم فلم يقبلوا منه وكانوا على الحال التي وصف قيس‏.‏
وعادت بنو عبس وقد تفرقت أسد وغيرهم وبقي بنو فزارة في آخر الناس فحملوا عليهم من جوانبهم فقتل مالك بن سبيع التغلبي سيد غطفان وانهزمت فزارة وحذيفة معهم وانفرد في خمسة فوارس وجد في الهرب‏.‏
وبلغ خبره بني عبس فتبعه قيس بن زهير والربيع بن زياد وقرواش بن عمرو بن الأسلع وريان بن الأسلع الذي قتل حذيفة ابنيه وتبعوا أثرهم في الليل وقال قيس‏:‏ كأني بالقوم وقد وردوا جفر الهباءة ونزلوا فيه فساروا ليلتهم كلها حتى أدركوهم مع طلوع الشمس في جفر الهباءة في الماء وقد أرسلوا خيولهم فأخذوا بجمعها فمحال قيس وأصحابه بينهم وبينها وكان مع حذيفة في الجفر أخوه حمل بن بدر وابنه حصن بن حذيفة وغيرهم‏.‏
فهجم عليهم قيس والربيع ومن معهما وهم ينادون‏:‏ لبيكم لبيكم‏!‏ يعني أنهم يجيبون نداء الصبيان لما قتلوا ينادون‏:‏ يا أبتاه‏!‏ فقال لهم قيس‏:‏ يا بني بكر كيف رأيتم عاقبة البغي فناشدوهم الله الرحم فلم يقبلوا منهم‏.‏
ودار قرواش ابن عمرو حتى وقف خلف ظهر حذيفة فضربه فدق صلبه وكان قرواش قد رباه حذيفة حتى كبر عنده في بيته وقتلوا حملًا أخاه وقطعوا رأسيهما واستبقوا حصن بن حذيفة لصباه‏.‏
وكان عدد من قتل في هذه الوقعة من فزارة وأسد وغطفان ما يزيد على أربعمائة قتيل وقتل من عبس ما يزيد على عشرين قتيلًا وكانت فزارة تسمي هذه الوقعة البوار وقال أقام على الهباءة خير ميتٍ وأكرمه حذيفة لا يريم لقد فجعت به قيسٌ جميعًا موالي القوم والقوم الصميم وعمّ به لمقتله بعيدٌ وخصّ به لمقتله حميم وهي طويلة وقال أيضًا‏:‏ ألم تر أنّ خير الناس أمسى على جفر الهباءة لا يريم فلولا ظلمه ما زلت أبكي عليه الدهر ما طلع النجوم ولكنّ الفتى حمل بن بدر بغى والبغي مرتعه وخيم وأكثروا القول في يوم الهباءة‏.‏
ثم إن عبسًا ندمت على ما فعلت يوم الهباءة ولام بعضهم بعضًا فاجتمعت فزارة إلى سنان بن أبي حارثة المري وشكوا إليه ما نزل بهم فأعظمه وذم عبسًا وعزم على أن يجمع العرب ويأخذ بثأر بني بدر وفزارة وبث رسهل‏.‏
فاجتمع من العرب خلقٌ كثير لا يحصون ونهى أصحابه عن التعرض إلى الموال والغنيمة وأمرهم بالصبر وساروا إلى بني عبس‏.‏
فلما بلغهم مسيرهم إليهم قال قيس‏:‏ الرأي أننا لا نلقاهم فإننا قد وترناهم فهم يطالبوننا بالذخول والطوائل وقد رأوا ما نالهم بالأمس باشتغالهم بالنهب والمال فهم لا يتعرضون إليه الآن والذي ينبغي أن نفعله أننا نرسل الظعائن والأموال إلى بني عامر فإن الدم لنا قبلهم فهم لا يتعرضون لكم ويبقى أولو القوة والجلد على ظهور الخيل ونماطلهم القتال فإن أبوا إلا القتال كنا قد أحرزنا أهلينا وأموالنا وقاتلناهم وصبرنا لهم فإن ظفرنا فهو الذي نريد وإن كانت الأخرى كنا قد احترزنا ولحقنا بأموالنا ونحن على حامية‏.‏
ففعلوا ذلك‏.‏
يوم ذات الجراجر وسارت ذبيان ومن معها فلحقوا بني عبس على ذات الجراجر فاقتتلوا قتالًا شديدًا يومهم ذلك وافترقوا‏.‏
فلما كان الغد عادوا إلى اللقاء فاقتتلوا أشد من اليوم الأول وظهرت في هذه الأيام شجاعة عنترة ابن شداد‏.‏
فلما رأى الناس شدة القتال وكثرة القتلى لاموا سنان بن أبي حارثة على منعه حذيفة عن الصلح وتطيروا منه وأشاروا عليه بحقن الدماء ومراجعة السلم فلم يفعل وأراد مراجعة الحرب في اليوم الثالث‏.‏
فلما رأى فتور أصحابه وركونهم إلى السلم رحل عائدًا‏.‏
فلما عاد عنهم رحل قيس وبنو عبس إلى بني شيبان بن بكر وجاوروهم وبقوا معهم مدةً فرأى قيس من غلمان شيبان ما يكرهه من التعرض لأخذ أموالهم فرحلوا عنهم فتبعهم جمع من شيبان فلقيتهم بنو عبس واقتتلوا فانهزمت شيبان وسارت عبس إلى هجر ليحالفوا ملكهم وهو معاوية بن الحارث الكندي فعزم معاوية على الغارة عليهم ليلًا فبلغهم الخبر فساروا عنه مجدين وسار معاوية مجدًا في اثرهم فتاه بهم الدليل على عمد لئلا يدركوا عبسًا إلا وهم قد لحقهم ودوابهم النصب فأدركوهم بالفروق فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم معاوية وأهل هجر وتبعتهم عبس فأخذت من أموالهم وقتلوا منهم ما أرادوا ورجعوا سائرين فنزلوا بماء يقال له عراعر عليه حي من كلب فركبوا ليقاتلوا بني عبس فبرز الربيع وطلب رئيسهم فبرز إليه واسمه مسعود بن مصاد الكلبي‏.‏
فاقتتلا حتى سقطا إلى الأرض وأراد مسعود قتل الربيع فانحسرت البيضة عن رقبته فرماه رجل من بني عبس بسهم فقتله فثار به الربيع فقطع رأسه وحملت عبس على كلب والرأس على رمح فانهزمت كلب وغنمت عبس أموالهم وذراريهم فساروا إلى اليمامة فحالفوا أهلها من بني حنيفة وأقاموا ثلاث سنين فلم يحسنوا جوارهم وضيقوا عليهم فساروا عنهم وقد تفرق كثير منهم وقتل منهم وهلكت دوابهم ووترهم العرب فراسلتهم بنو ضبة وعرضوا عليهم المقام عندهم ليستعينوا بهم على حرب تميم ففعلوا وجاوروهم‏.‏
فلما انقضى الأمر بين ضبة وتميم تغيرت ضبة لعبسٍ وأرادوا اقتطاعهم فحاربتهم عبس فظفرت وغنمت من أموال ضبة وسارت إلى بني عامر وحالفوا الأحوص بن جعفر بن كلاب فسر بهم ليقوى بهم على حرب بني تميم لأنه كان بلغه أن لقيط بن زرارة يريد غزو بني عامر والأخذ بثأر أخيه معبد فأقامت عبس عند بني عامر فقصدتهم تميم وكانت وقعة شعب جبلة وسنذكره إن شاء الله‏.‏
ثم إن ذبيان غزوا بني عامر بن صعصعة وفيهم بنو عبس فاقتتلوا فهزمت عامر وأسر قرواش بن هني العبسي ولم يعرف‏.‏
فلما قدموا به الحي عرفته امرأةٌ عنهم فلما عرفوه سلموه إلى حصن بن حذيفة فقتله‏.‏
ثم رحلت عبس عن عامر ونزلت بتيم الرباب فبغت تيم عليهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا وتكاثرت عليهم تيم فقتلوا من عبس مقتلة عظيمة‏.‏
ورحلت عبس وقد ملوا الحرب وقلت الرجال والأموال وهلكت المواشي فقال لهم قيس‏:‏ ما ترون قالوا‏:‏ نرجع إلى أخواننا من ذبيان فالموت معهم خير من البقاء مع غيرهم‏.‏
فساروا حتى قدموا على الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وقيل‏:‏ على هرم بن سنان بن أبي حارثة ليلًا وكان عند حصن ابن حذيفة بن بدر‏.‏
فلما عاد ورآهم رحب بهم وقال‏:‏ من القوم قالوا‏:‏ إخوانك بنو عبس وذكروا حاجتهم‏.‏
فقال‏:‏ نعم وكرامة أعلم حصن ابن حذيفة‏.‏
فعاد إليه وقال‏:‏ طرقت في حاجة قال‏:‏ أعطيتها قال بنو عبس‏:‏ وجدت وفودهم في منزلي‏.‏
قال حصن‏:‏ صالحوا قومكم أما أنا فلا أدي ولا أتدي قد قتل آبائي وعمومتي عشرين من عبس فعاد إلى عبس وأخبرهم بقول حصن وأخذهم إليه فلما رآهم قال قيس والربيع ابن زياد‏:‏ نحن ركبان الموت‏.‏
قال‏:‏ بل ركبان السلم إن تكونوا اختللتم إلى قومكم فقد اختل قومكم إليكم‏.‏
ثم خرج معهم حتى أتوا سنانًا فقال له‏:‏ قم بأمر عشيرتك وأصلح بينهم فإني سأعينك‏.‏
ففعل ذلك وتم الصلح بينهم وعادت عبس‏.‏
وقيل‏:‏ إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان وقال‏:‏ لا تراني غطفانيةٌ أبدًا وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها ولكني سأتوب إلى ربي فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها زمانًا فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله وقال‏:‏ لا رحمني الله إن رحمتك‏.‏
وقيل‏:‏ إن قيسًا تزوج في النمير بن قاسط لما عادت عبس إلى ذبيان وولد له ولد اسمه فضالة فقدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعقد له على من معه من قومه وكانوا تسعة وهو عاشرهم‏.‏
انقضى حرب داحس والغبراء والحمد لله‏.‏

سالم الهلالي 23 - 04 - 2007 00:18

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#000000] يوم شعب جبلة [/color] [color=#008000]((من أعظم أيام عامر بن صعصعة بل من أعظم أيام العرب على تميم و أسد و ذيبان))[/color]
كان لقيط بن زرارة قد عزم على غزو بني عامر بن صعصعة للأخذ بثأر أخيه معبد بن زرارة وقد ذكرنا موته عندهم أسيرًا‏.‏
فبينما هو يتجهز أتاه الخبر يحلف بني عبس وبني عامر فلم يطمع في القوم وأرسل إلى كل من كان بيته وبين عبس ذحل يسأله الحلف والتظافر على غزو عبس وعامر‏.‏
فاجتمعت إليه أسد وغطفان وعمرو بن الجون ومعاوية بن الجون واستوثقوا واستكثروا وساروا فعقد معاوية بن الجون الألوية فكان بنو أسد وبنو فزارة بلواء مع معاوية بن الجون وعقد لعمرو بن تميم مع حاجب بن زرارة وعقد للرباب مع حسان بن همام وعقد لجماعة من بطون تميم مع عمرو ابن عدس وعقد لحنظلة بأسرها ع لقيط بن زرارة وكان مع لقيط ابنته دخنتوس وكان يغزو بها معه ويرجع إلى رأيها‏.‏
وساروا في جمع عظيم لا يشكون في قتل عبس وعامر وإدراك ثأرهم فلقي لقيط في طريقه كرب بن صفوان بن الحباب السعدي وكان شريفًا فقال‏:‏ ما منعك أن تسير معنا في غزاتنا قال‏:‏ أنا مشغول في طلب إبل لي‏.‏
قال‏:‏ لا بل تريد أن تنذر بنا القوم ولا أتركك حتى تحلف أنك لا تخبرهم فحلف له ثم سار عنه وهو مغضب‏.‏
فلما دنا من عامر أخذ خرقة فصر فيها حنظلةً وشوكًا وترابًا وخرقتين يمانيتين وخرقة حمراء وعشرة أحجار سود ثم رمى بها حيث يسقون ولم يتكلم‏.‏
فأخذها معاوية بن قشير فأتى بها الأحوص بن جعفر وأخبره أن رجلًا ألقاها وهم يسقون‏.‏
فقال الأحوص لقيس بن زهير العبسي‏:‏ ما ترى في هذا الأمر قال‏:‏ هذا من صنع الله لنا هذا رجل قد أخذ عليه عهدٌ على أن لا يكلمكم فأخبركم أن أعداءكم قد غزوكم عدد التراب وأن شوكتهم شديدة وأما الحنظلة فهي رؤساء القوم وأما الخرقتان اليمانيتان فهما حيان من اليمن معهم وأما الخرقة الحمراء فهي حاجب بن زرارة وأما الأحجار فهي عشر ليال يأتيكم القوم إليها قد أنذرتكم فكونوا أحرارًا فاصبروا كما يصبر الأحرار الكرام‏.‏
قال الأحوص‏:‏ فإنا فاعلون وآخذون برأيك فإنه لم تنزل بك شدة إلا رأيت المخرج منها‏.‏
قال‏:‏ فإذا قد رجعتم إلى رأيي فأدخلوا نعمكم شعب جبلة ثم اظمئوها هذه الأيام ولا توردوها الماء فإذا جاء القوم أخرجوا عليهم الإبل وانخسوها بالسيوف والرماح فتخرج مذاعير عطاشًا فتشغلهم وتفرق جمعهم واخرجوا أنتم في آثارها واشفوا نفوسكم‏.‏
ففعلوا ما أشار به‏.‏
وعاد كرب بن صفوان فلقي لقيطًا فقال له‏:‏ أنذرت القوم فأعاد الحلف له أنه لم يكلم أحدًا منهم فخلى عنه‏.‏
فقالت دخنتوس ابنة لقيط لأبيها‏:‏ ردني إلى أهلي ولا تعرضني لعبس وعامر فقد أنذرهم لا محالة‏.‏
فاستحمقها وساءه كلامها وردها‏.‏
وسار حتى نزل على فم الشعب بعساكر جرارة كثيرة الصواهل وليس لهم هم إلا الماء فقصدوه‏.‏
فقال لهم قيس‏:‏ أخرجوا عليهم الآن الإبل ففعلوا ذلك فخرجت الإبل مذاعير عطاشًا وهم في أعراضها وأدبارها فخبطت تميمًا ومن معها وقطعتهم وكانوا في الشعب وأبرزتهم إلى الصحراء على غير تعبية‏.‏
وشغلوا عن الاجتماع إلى ألويتهم وحملت عيهم عبس وعامر فاقتتلوا قتالًا شديدًا وكثرت القتلى في تميم وكان أول من قتل من رؤسائهم عمرو بن الجون وأسر معاوية بن الجون وعمرو بن عمرو بن عدس زوج دخنتوس بنت لقيط وأسر حاجب ابن زرارة وانحاز لقيط بن زرارة فدعا قومه وقد تفرقوا عنه فاجتمع إليه نفر يسير فتحرز برايته فوق جرف ثم حمل فقتل فيهم ورجع وصاح‏:‏ أنا لقيط وحمل ثانيةً فقتل وجرح وعاد فكثر جمعه فانحط الجرف بفرسه وحمل عليه عنترة فطعنه طعنة قصم بها صلبه وضربه قيس بالسيف فألقاه متشحطًا في دمه فذكر ابنته دخنتوس فقال‏:‏ يا ليت شعري عنك دخنتوس إذا أتاها الخبر المرموس أتحلق القرون أم تميس لا بل تمس إنّها عروس ثم مات وتمت الهزيمة على تميم وغطفان ثم فدوا حاجبًا بخمسمائة من الإبل وفدوا عمرو بن عمرو بمائتين من الإبل وعاد من سلم إلى أهله‏.‏
وقالت دختنوس ترثي أباها قصائد منها‏:‏ عثر الأغرّ بخير خن دف كهلها وشبابها وأضرّها لعدوّها وأفكّها لرقابها وقريعها ونجيبها في المطبقات ونابها وأتّمها نسبًا إذا رجعت إلى أنسابها فرعى عمودًا للعشي رة رافعًا لنصابها ويعولها ويحوطها ويذبّ عن أحسابها ويطا مواطن للعد وّ فكان لا يمشى بها فعل المدلّ من الأسود لحينها وتبابها كالكوكب الدّرّيّ في سماء لا يخفى بها عبث الأغرّ به وك لّ منيّة لكتابها فرّت بنو أسد فرا ر الطير عن أربابها وهوازنٌ أصحابهم كالفأر في أذنابها وذكر محمد بن إسحاق في يوم جبلة غير ما ذكرنا قال‏:‏ كان سببه أن بني خندف كان لهم على قيس أكلٌ تأكله القعدد من خندف فكان ينتقل فيهم حتى انتهى إلى تميم ثم من تميم إلى بني عمرو بن تميم وهم أقل بطن منهم وأذله فأبت قيس أن تعطي الأكل وامتنعت منه فجمعت تميم وحالفت غيرها من العرب وساروا إلى قيس فذكر القصة نحو ما تقدم وخالف في البعض وقد قال بعض العلماء إن المجوسية كان يدين بها بعض العرب بالبحرين وكان زرارة عدس وابناه حاجب ولقيط والأقرع بن حابس وغيرهم مجوسًا وإن لقيطًا تزوج ابنته دختنوس وسماها بهذا الاسم الفارسي وإنه قتل وهي تحته فقال في ذلك‏:‏ يا ليت شعري عنك دختنوس الأبيات‏.‏
والأول أصح والله أعلم‏.‏



[color=#000000]ذكر الفجار الأول والثاني [/color]
أما الفجار الأول فلم يكن فيه كثير أمرٍ ليذكر وإنما ذكرناه لئلا يرى ذكر الفجار الثاني وما كان فيه من الأمور العظيمة فيظن أن الأول مثله وقد أهملناه فلهذا ذكرناه‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ كان الفجار الأول بين قريش ومن معها من كنانة كلها وبين قيس عيلان‏.‏
وسببه أن رجلًا من كنانة كان عليه دين لرجل من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن فأعدم الكناني فوافى النصري سوق عكاظ بقرد وقال‏:‏ من يبيعني مثل هذا بما لي على فلان الكناني فعل ذلك تعييرًا للكناني وقومه فمر به رجلٌ من كنانة فضرب القرد بالسيف فقتله أنفةً مما قال النصري فصرخ النصري في قيس وصرخ الكناني في كنانة فاجتمع الناس وتحاوروا حتى كاد يكون بينهم القتال ثم اصطلحوا‏.‏
وقيل‏:‏ كان سببه أن فتيةً من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر وهي وضيئة عليها برقع فقالوا لها‏:‏ اسفري لننظر إلى وجهك‏:‏ فلم تفعل‏.‏
فقال غلام منهم فشك ذيك درعها إلى ظهرها ولم تشعر فلما قامت انكشفت دبرها فضحكوا وقالوا‏:‏ منعتنا النظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك‏.‏
فصاحت المرأة‏:‏ يا بني عامر فضحت‏!‏ فأتاها الناس واشتجروا حتى كاد يكون قتال ثم رأوا أن الأمر يسير فاصطلحوا‏.‏
وقيل‏:‏ بل قعد رجل من بني غفار يقال له أبو معشر بن مكرز وكان عازمًا منيعًا في نفسه وكان بسوق عكاظ فمد رجله ثم قال‏:‏ نحن بنو مدركة بن خندف من يطعنوا في عينه لا يطرف ومن يكونوا قومه يغطرف كأنّه لجّة بحر مسرف أنا والله أعز العرب فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف‏.‏
فقام رجل من قيس يقال له أحمر بن مازن فضربها بالسف فخرشها خرشًا غير كثير فاختصم الناس ثم اصطلحوا‏.‏
بنو نصر بالنون‏.‏وأما الفجار الثاني وكان بعد الفيل بعشرين سنة وبعد موت عبد المطلب باثنتي عشرة سنة ولم يكن في أيام العرب أشهر منه ولا أعظم فإنما سمي الفجار لما استحل الحيان كنانة وقيس فيه من المحارم وكان قبله يوم جبلة وهو مذكور من أيام العرب والفجار أعظم منه‏.‏
وكان سببه أن البراض بن قيس بن رافع الكناني ثم الضمري كان رجلًا فاتكًا خليعًا قد خلعه قومه لكثرة شره وكان يضرب المثل بفتكه فيقال‏:‏ أفتك من البراض‏.‏
قال بعضهم‏:‏ والفتى من تعرّفته الليلة فهو فيها كالحّية النضناض كلّ يوم له بصرف الليالي فتكةٌ مثل فتكة البرّاض فخرج حتى قدم على النعمان بن المنذر وكان النعمان يبعث كل عام بلطيمة للتجارة إلى عكاظ تباع له هناك وكان عكاظ وذو المجاز ومجنة أسواقًا تجتمع بها العرب كل عام إذا حضر الموسم فيأمن بعضهم بعضًا حتى تنقضي أيامها وكانت مجنة بالظهران وكانت عكاظ بين نخلة والطائف وكان ذو المجاز بالجانب الأيسر إذا وقفت على الموقف فقال النعمان وعنده البراض وعروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب المعروف بالرحال وإنما قيل له ذلك لكثرة رحلته إلى الملوك‏:‏ من يجيز لي لطيمتي هذه حتى يبلغها عكاظ فقال البراض‏:‏ أنا أجيزها أبيت اللعن على كنانة‏.‏
فقال النعمان‏:‏ إنما أريد من يجيزها على كنانة وقيس‏!‏ فقال عروة‏:‏ أكلبٌ خليع يجيزها لك أبيت اللعن‏!‏ أنا أجيزها على أهل الشيح والقيصوم من أهل تهامة وأهل نجد‏.‏
فقال البراض وغضب‏:‏ وعلى كنانة تجيزها يا عروة قال عروة‏:‏ وعلى الناس كلهم‏.‏
فدفع النعمان اللطيمة إلى عروة الرحال وأمره بالمسير بها وخرج البراض يتبع أثره وعروة يرى مكانه ولا يخشى منه حتى إذا كان عروة بين ظهري قومه بوادٍ يقال له تيمن ينواحي فدك أدركه البراض بن قيس فأخرج قداحه يستقسم بها في قتل عروة فمر به عروة فقال‏:‏ ما تصنع يا براض فقال‏:‏ أستقسم في قتلك أيؤذن لي أم لا‏.‏
فقال عروة‏:‏ استك أضيق من ذلك‏!‏ فوثب إليه البراض بالسيف فقتله‏.‏
فلما رآه الذين يقومون على العير والأحمار قتيلًا انهزموا فاستاق البراض العير وسار على وجهه إلى خيبر وتبعه رجلان من قيس ليأخذاه أحدهما غنوي والآخر غطفاني اسم الغنوي أسد ابن جوين واسم الغطفاني مساور بن مالك فلقيهما البراض بخيبر أول الناس فقال لهما‏:‏ من الرجلان قالا‏:‏ من قيس قدمنا لنقتل البراض‏.‏
فأنزلهما وعقل راحلتيهما ثم قال‏:‏ أيكما أجرأ عليه وأجود سيفًا قال الغطفاني‏:‏ أنا‏.‏
فأخذه ومشى معه ليدله بزعمه على البراض فقال للغنوي‏:‏ احفظ راحلتيكما ففعل وانطلق البراض بالغطفاني حتى أخرجه إلى خربة في جانب خيبر خارجًا من البيوت فقال للغطفاني‏:‏ هو في هذه الخربة إليها يأوي فأمهلني حتى أنظر أهو فيها‏.‏
فوقف ودخل البراض ثم خرج فقال‏:‏ هو فيها وهو نائم فأرني سيفك حتى أنظر إليه أضاربٌ هو أم لا فأعطاه سيفه فضربه به حتى قتله ثم أخفى السيف وعاد إلى الغنوي فقال له‏:‏ لم أر رجلًا أجبن من صاحبك تركته في البيت الذي فيه البراض وهو نائم فلم يقدم عليه‏.‏
فقال‏:‏ انظر لي من يحفظ الراحلتين حتى أمضي إليه فأقتله‏.‏
فقال‏:‏ دعهما وهما علي ثم انطلقا إلى الخربة فقتله وسار بالعير إلى مكة فلقي رجلًا من بني أسد بن خزيمة فقال له البراض‏:‏ هل لك إلى أن أجعل لك جعلًا أن تنطلق إلى حرب بن أمية وقومي فإنهم قومي وقومك لأن أسد بن خزيمة من خندف أيضًا فتخبرهم أن البراض بن قيس قتل عروة الرحال فليحذروا قيسًا‏!‏ وجعل له عشرًا من الإبل‏.‏
فخرج الأسدي حتى أتى عكاظ وبها جماعة من الناس فأتى حرب بن أمية فأخبره الخبر فبعث إلى عبد الله بن جدعان التيمي وإلى هشام بن المغيرة المخومي وهو والد أبي جهل وهما من أشراف قريش وذوي السن منهم وإلى كل قبيلة من قريش أحضر منها رجلًا وإلى الحليس بن يزيد الحارثي وهو سيد الأحابيش فأخبرهم أيضًا‏.‏
فتشاوروا وقالوا‏:‏ نخشى من قيس أن يطلبوا ثأر صاحبهم منا فإنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعًا من بني ضمرة‏.‏
فاتفق رأيهم على أن يأتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ملاعب الأسنة وهو يومئذ سيد قيس وشريفها فيقولوا له‏:‏ إنه قد كان حدث بين نجد وتهامة وإنه لم يأتنا علمه فأجز بين الناس حتى تعلم وتعلم‏.‏فأتوه وقالوا له ذلك فأجاز بين الناس وأعلم قومه ما قيل له ثم قام نفر من قريش فقالوا‏:‏ يا أهل عكاظ إنه قد حدث في قومنا بمكة حدثٌ أتانا خبره ونخشى إن تخلفنا عنهم أن يتفاقم الشر فلا يروعنكم تحملنا‏.‏
ثم ركبوا على الصعب والذلول إلى مكة‏.‏
فلما كان آخر اليوم أتى عامر بن مالك ملاعب الأسنة الخبر فقال‏:‏ غدرت قريش وخدعني حرب بن أمية والله لا تنزل كنانة عكاظ أبدًا‏.‏
ثم ركبوا في طلبهم حتى أدركوهم بنخلة فاقتتل القول فاشتعلت قيس فكادت قريش تنهزم إلا أنها على حاميتها تبادر دخول الحرم ليأمنوا به‏.‏
فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا الحرم مع الليل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وعمره عشرون سنة‏.‏
وقال الزهري‏:‏ لم يكن معهم ولو كان معهم لم ينهزموا وهذه العلة ليست بشيء لأنه قد كان بعد الوحي والرسالة ينهزم أصحابه ويقتلون وإذا كان في جمع قبل الرسالة وانهزموا فغير بعيد‏.‏
ولما دخلت قريش الحرم عادت عنهم قيس وقالوا لهم‏:‏ يا معشر قريش إنا لا نترك دم عروة وميعادنا عكاظ في العام المقبل وانصرفت إلى بلادها يحرض بعضها بعضًا ويبكون عروة الرحال‏.‏

[color=#000000]يوم شمطة[/color]([color=#32CD32]يوم عظيم شاركت فيه هوازن وعلى رأسهم عامر بن صعصعة[/color])
ثم إن قيسًا جمعت جموعها وجمعت قريش جموعها منهم كنانة جميعها والأحابيش وأسد بن خزيمة وفرقت قريش السلاح في الناس فأعطى عبد الله بن جدعان مائة رجل سلاحًا تامًا وفعل الباقون مثله‏.‏وخرجت قريش للموعد على كل بطن منها رئيس فكان على بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوته أبو طالب وحمزة والعباس بنو عبد المطلب وعلى بني أمية وأحلافها حرب ابن أمية وعلى بني عبد الدار عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وعلى بني أسد بن عبد العزى خويلد بن أسد وعلى بني مخزوم هشام بن المغيرة أبو أبي جهل وعلى بني تيم عبد الله بن جدعان وعلى بني جمح معمر ابن حبيب بن وهب وعلى بني سهم العاصب بن وائل وعلى بني عدي زيد ابن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد وعلى بني عامر بن لؤي عمرة بن عبد شمس والد سهيل بن عمرو وعلى بني فهر عبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة وعلى الأحابيش الحليس بن يزيد وسفيان بن عويف هما قائداهم والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة كنانة وعضل والقارة الديش من بني الهون بن خزيمة والمصطلق بن خزاعة سموا بذلك لحلفهم بني الحارث والتحبش التجمع وعلى بني بكر بلعاء بن قيس وعلى بني فراس بن غنم من كنانة عمير بن قيس جذل الطعان وعلى بني أسد بن خزيمة بشر بن أبي محازم وكان على جماعة الناس حرب بن أمية لمكانة من عبد مناف سنًا ومنزلةً‏.‏
وكانت قيس قد تقدمت إلى عكاظ قبل قريش فعلى بني عامر ملاعب الأسنة أبو براء وعلى بني نصر وسعد وثقيف سبيع بن ربيع بن معاوية وعلى بني جشم الصمة والد دريد وعلى غطفان عوف بن أبي حارثة المري وعلى بني سليم عباس بن زعل بن هني بن أنس وعلى فهم وعدوان كدام بن عمرو‏.‏
وسارت قريش حتى نزلت عكاظ وبها قيس‏.‏
وكان مع حرب بن أمية إخوته سفيان وأبو سفيان والعاص وأبو العاص بنو أمية فعقل حربٌ نفسه وقيد سفيان وأبو العاص نفسيهما وقالوا‏:‏ لن يبرح رجل منا مكانه حتى نموت أو نظفر فيومئذ سموا العنابس والعنبس الأسد‏.‏
واقتتل الناس قتالًا شديدًا فكان الظفر أول النهار لقيس وانهزم كثير من بني كنانة وقريش فانهزم بنو زهرة وبنو عدي وقتل معمر بن حبيب الجمحي وانهزمت طائفة من بني فراس وثبت حرب بن أمية وبنو عبد مناف وسائر قبائل قريش ولم يزل الظفر لقيس على قريش وكنانة إلى أن انتصف النهار‏.‏
ثم عاد الظفر لقريش وكنانة فقتلوا من قيس فأكثروا وحمي القتال واشتد الأمر فقتل يومئذ تحت راية بني الحاث بن عبد مناة بن كنانة مائة رجل وهم صابرون فانهزمت قيس وقتل من أشرافهم عباس ابن زعل السلمي وغيره‏.‏
فلما رأى أبو السيد عم مالك بن عوف النصري ما تصنع كنانة من القتل نادى‏:‏ يا معشر بني كنانة أسرفتم في القتل‏.‏
فقال ابن جدعان‏:‏ إنا معشر يسرف‏.‏
ولما رأى سبيع بن ربيع بن معاوية هزيمة قبائل قيس عقل نفسه واضطجع وقال‏:‏ يا معشر بني نصر قاتلوا عني أو ذروا‏.‏
فعطفت عليه بنو نصر وجشم وسعد بن بكر وفهم وعدوان وانهزم باقي قبائل قيس فقاتل هؤلاء أشد قتال رآه الناس‏.‏
ثم إنهم تداعوا إلى الصلح فاصطلحوا على أن يعدوا القتلى فأي الفريقين فضل له قتلى أخذ ديتهم من الفريق الآخر فتعادوا القتلى فوجدوا قريشًا وبني كنانة قد أفضلوا على قيس عشرين رجلًا فوهن حرب بن أمية يومئذ ابنه أبا سفيان في ديات القوم حتى يؤديها ورهن غيره من الرؤساء وانصرف الناس بعضهم عن بعض ووضعوا الحرب وهدموا ما بينهم من العداوة والشر وتعاهدوا على أن لا يؤذي بعضهم بعضًا فيما كان من أمر البراض وعروة‏.‏
يوم ذي نجب
وكان من حديث يوم ذي نجب أن بني عامر لما أصابوا من تميم ما أصابوا يوم جبلة رجوا أن يستأصلوهم فكاتبوا حسان بن كبشة الكندي وكان ملكًا من ملوك كندة وهو حسان بن معاوية بن حجر فدعوه إلى أن يغزو معهم بني حنظلة من تميم فأخبروه أنهم قد قتلوا فرسانهم ورؤساءهم فأقبل معهم بصنائعه ومن كان معه‏.‏
فلما أتى بني حنظلة خبر مسيرهم قال لهم عمرو بن عمرو‏:‏ يا بني مالك إنه لا طاقة لكم بهذا الملك وما معه من العدد فانتقلوا من مكانكم وكانوا في أعالي الوادي مما يلي مجيء القوم وكانت بنو يربوع بأسفله فتحولت بنو مالك حتى نزلت خلف بني يربوع وصارت بنو يربوع تلي الملك‏.‏
فلما رأوا ما صنع بنو مالك استعدوا وتقدموا إلى طريق الملك‏.‏
فلما كان وجه الصبح وصل ابن كبشة فيمن معه وقد استعد القوم فاقتتلوا‏.‏
فلما رآهم بنو مالك وصبرهم في القتال ساروا إليهم وشهدوا معهم القتال فاقتتلوا مليًا فضرب حشيش بن نمران الرياحي ابن كبشة الملك على رأسه فصرعه فمات وقتل عبيدة بن مالك بن جعفر وانهزم طفيل بن مالك على فرسه قرزل وقتل عمرو بن الأحوص بن جعفر وكان رئيس عامر وانهزمت بنو عامر وصنائع ابن كبشة‏.‏
قال جرير في الإسلام يذكر اليوم بذي نجب‏:‏ بذي نجبٍ ذدنا وواكل مالك أخًا لم يكن عند الطّعان بواكل وكان يوم ذي نجب بعد يوم جبلة بسنة‏.‏
وبقي الأحوص بعد ابنه عمرو يسيرًا وهلك أسفًا عليه‏.‏
يوم نعف قشاوة وهو يوم لشيبان على تميم‏:‏ قال أبو عبيدة‏:‏ أغار بسطام بن قيس على بني يربوع من تميم وهم بنعف قشاوة فاهم ضحىً وهو يوم ريح ومطر فوافق النعم حين سرح فأخذه كله ثم كر راجعًا وتداعت عيله بنو يربوع فلحقوه وفيهم عمارة بن عتيبة بن الحارث بن شهاب فكر عليه بسطام فقتله ولحقهم مالك بن حطان اليربوعي فقتله وأتاهم أيضًا بجير بن أبي مليل فقتله بسطام وقتلوا من يربوع جمعًا وأسروا آخرين منهم‏:‏ مليل بن أبي مليل وسلموا وعادوا غانمين‏.‏
فقال بعض الأسرى لبسطام‏:‏ أيسرك أن أبا مليل مكاني قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فإن دللتك عليه أتطلقني الآن قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فإن ابنه بجيرًا كان أحب خلق الله إليه وستجده الآن مكبًا عليه يقبله فخذه أسيرًا‏.‏
فعاد بسطام فرآه كما قال فأخذه أسيرًا وأطلق اليربوعي‏.‏
فقال له أبو مليل‏:‏ قتلت بجيرًا وأسرتني وابني مليلًا‏!‏ والله لا أطعم الطعام أبدًا وأنا موثق‏.‏
فخشي بسطام أن يموت فأطلقه بغير فداء على أن يفادي مليلًا وعلى أن لا يتبعه بدم ابنه بجير ولا يبغيه غائلة ولا يدل له على عورة ولا يغير عليه ولا على قومه أبدًا وعاهده على ذلك فأطلقه وجز ناصيته فرجع إلى قومه وأراد الغدر ببسطام والنكث به فأرسل بعض بني يربوع إلى بسطام بخبره فحذره وقال متمم بن نويرة‏:‏ أبلغ شهاب بني بكرٍ وسيّدها عنيّ بذاك الصّهباء بسطاما أروي الأسنّة من قومي فأنهلها فأصبحوا في بقيع الأرض نوّاما أشجي تميم بن مرّ لا مكايدةً حتّى استعادوا له أسرى وأنعاما هلاّ أسيرًا فدتك النفس تطعمه ممّا أراد وقدمًا كنت مطعاما وهي أبيات عدة‏.‏

سالم الهلالي 23 - 04 - 2007 00:19

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#000000]يوم الغبيط[/color] [color=#87CEEB](من الأيام التي ذكره فيها اسم عامر بن صعصعة)[/color]
وهو يوم كانت الحرب فيه بين بني شيبان وتميم أسر فيه بسطام بن قيس الشيباني‏.‏
وسبب ذلك أن بسطام بن قيس والحوفزان بن شريك ومفروق بن عمرو ساروا فيجمع من بني شيبان إلى بلاد تميم فأغاروا على ثعلبة بن يربوع وثعلبة بن سعد بن ضبة وثعلبة بن عدي بن فزارة وثعلبة بن سعد بن ذبيان وكانوا متجاورين بصحراء فلج فاقتتلوا فانهزمت الثعالبة وقتل منهم مقتلة عظيمة وغنم بنو شيبان أموالهم ومروا على بني مالك بن حنظلة من تميم وهم بين صحراء فلج وغبيط المدرة فاستاقوا إبلهم‏.‏
فركبت إليهم بنو مالك يقدمهم عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي وفرسان بني يربوع وساروا في أثر بني شيبان ومعه من رؤساء تميم الأحيمر بن عبد الله وأسيد بن جباة وحر بن سعد ومالك بن نويرة فأدركوهم بغبيط المدرة فقاتلوهم‏.‏
وصبر الفريقان ثم انهزمت شيبان واستعادت تميم ما كانوا غنموه من أموالهم وقتلت بنو شيبان أبا مرحب ربيعة بن حصية وألح عتيبة بن الحارث على بسطام بن قيس فأدركه فقال له‏:‏ استأسر أبا الصهباء فأنا خير لك من الفلاة والعطش‏.‏
فاستأسر له بسطام بن قيس‏.‏
فقال بنو ثعلبة لعتيبة‏:‏ إن أبا مرحب قد قتل وقد أسرت بسطامًا وهو قاتل مليل وبجير ابني أبي مليل ومالك بن حطان وغيرهم فاقتله‏.‏
قال‏:‏ إني معيل وأنا أحب اللبن‏.‏
قالوا‏:‏ إنك تفاديه فيعود فيحربنا مالنا فأبى عليهم وسار به إلى بني عامر بن صعصعة لئلا يؤخذ فيقتل وإنما قصد عامرًا لأن عمته خولة بنت شهاب كانت ناكحًا فيهم فقال مالك بن نويرة في ذلك‏:‏ لله عتّاب بن ميّة إذا رأى إلى ثأرنا في كفّه يتلدّد أتحيي امرًا أردى بجيرًا ومالكًا وأتوى حريثًا بعدما كان يقصد ونحن ثأرنا قبل ذاك ابن أمّه غداة الكلابيّين والجمع يشهد ونحن توسط عتيبة بيوت بني عامر صاح بسطام‏:‏ واشيباناه‏!‏ ولا شيبان لي اليوم‏!‏ فبعث إليه عامر بن الطفيل‏:‏ إن استطعت أن تلجأ إلى قبتي فافعل فإني سأمنعك وإن لم تستطع فاقذف نفسك في الركي‏.‏
فأتى عتيبة تابعه من الجن فأخبره بذلك فأمر ببيته فقوض‏.‏
فركب فرسه وأخذ سلاحه ثم أتى ملجس بني جعفر وفيه عامر بن الطفيل الغنوي فحياهم وقال‏:‏ يا عامر قد بلغني الذي أسلت به إلى بسطام فأنا مخيرك فيه خصالًا ثلاثًا‏.‏
فقال عامر‏:‏ وما هي قال‏:‏ إن شئت فأعطني خلعتك وخلعة أهل بيتك حتى أطلقه لك فليست خلعتك وخلعة أهل بيتك بشر من خلعته وخلعة أهل بيته‏.‏
فقال عامر‏:‏ هذا لا سبيل إليه‏.‏
قال عتيبة‏:‏ ضع رجلك مكان رجله فلست عندي بشر منه‏.‏
فقال‏:‏ ما كنت لأفعل قال عتيبة‏:‏ تتبعني إذا جاوزت هذه الرابية فتقارعني عنه على الموت‏.‏
فقال عامر‏:‏ هذه أبغضهن إلي‏.‏
فانصرف به عتيبة إلى بني عبيد بن ثعلبة فرأى بسطام مركب أم عتيبة رثًا فقال‏:‏ يا عتيبة هذا رحل أمك قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ ما رأيت رحل أم سيدٍ قط مثل هذا‏.‏
فقال عتيبة‏:‏ واللات والعزى لا أطلقك حتى تأتيني أمك بحدجها وكان كبيرًا ذا ثمن كثيرٍ وهذا الذي أراد بسطام ليرغب فيه فلا يقتله‏.‏
فأرسل بسطام فأحضر حدج أمه وفادى نفسه بأربعمائة بعير وقيل‏:‏ بألف بعير وثلاثين فرسًا وهودج أمه وحدجها وخلص من الأسر‏.‏
فلما خلص من الأسر أذكى العيون على عتيبة وإبله فعادت إليه عيونه فأخبروه أنها على أرباب فأغار عليها وأخذ الإبل كلها وما لهم معها‏.‏
عتيبة بالتاء فوقها نقطتان والياء تحتها نقطتان ساكنة وفي آخرها باء موحدة‏.‏




[color=#000000] يوم النسار النسار [/color]
أجبل متجاورة وعندها كانت الوقعة وهو موضع معروف عندهم‏.‏
وكان سبب ذلك اليوم أن بني تميم بن مر بن أد كانوا يأكلون عمومتهم ضبة بن أد وبني عبد مناة بن أد فأصابت ضبة رهطًا من تميم‏.‏
فطلبتهم تميم فانزاحت جماعة الرباب وهو تيم وعدي وثور أطحل وعكل بنو عبد مناة بن أد وضبة بن أد وإنما سموا الرباب لأنهم غمسوا أيديهم في الرب حين تحالفوا فلحقت ببني أسد وهم يومئذحلفاء لبني ذبيان بن بغيض‏.‏
فنادى صارخ بني ضبة‏:‏ يا آل خندف‏!‏ فأصرختهم بنو أسد وهو أول يوم تخندقت فيه ضبة واستمدوا حليفهم ظبيًا وغطفان فكان رئيس أسد يوم النسار عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة بن نصر بن قعين وقيل‏:‏ خالد بن نضلة وكان رئيس الرباب الأسود بن المنذر أخو النعمان وليس بصحيح وكان على الجماعة كلهم حصن بن حذيفة بن بدر وفيه يقول زهير بن أبي سلمى‏:‏ ومن مثل حصن في الحروب ومثله لإنداد ضيمٍ أو لأمرٍ يحاوله إذا حلّ أحياء الأحاليف حوله بذي نجب لجّاته وصواهله فلما بلغ بني تميم ذلك استمدوا بني عامر بن صعصعة فأمدوهم‏.‏
وكان حاجب بن زرارة على بني تميم وكان عامر بن صعصعة جوابًا وهو لقب مالك بن كعب من بني أبي بكر بن كلاب لأن بني جعفر كان جواب قد أخرجهم إلى بني الحارث بن كعب فحالفوهم وقيل‏:‏ كان رئيس عامر شريح بن مالك القشيري‏.‏
وسار الجمعان فالتقوا بالنسار واقتتلوا فصبرت عامر واستحر بهم القتل وانفضت تميم فنجت ولم يصب منهم كثير وقتل شريح القشيري رأس بني عامر وقتل عبيد بن معاوية بن عبد الله بن كلاب وغيرهما وأخذ عدة من أشراف نساء بني عامر منهن سلمى بنت المخلف والعنقاء بنت همام وغيرهما فقالت سلمى تعير جوابًا والطفيل‏:‏ لحى الإله أبا ليلى بفرّته يوم النّسار وقنب العير جّوابا لم تمنعوا القوم إن أشلوا سوامكم ولا النساء وكان القوم أحرابا وقال رجل يعير جوابًا والطفيل بفراره عن امرأتيه‏:‏ وفرّ عن ضرّتيه وجه خارئةٍ ومالكٌ فرّ قنب العير جوّاب القنب‏:‏ غلاف الذّكر وجوّاب لقب لأنّه كان يجوب الآثار واسمه مالك وقال بشر بن أبي خازم في هزيمة حاجب‏:‏ وأفلت حاجب جوب العوالي على شقراء تلمع في السراب ولو أدركن رأس بني تميم عفرن الوجه منه بالتراب وكان يوم النساء بعد يوم جبلة وقتل لقيط بن زرارة‏.‏
جواب بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره باء موحدة وخازم بالخاء المعجمة والزاي‏.





[color=#000000]يوم الجفار [/color]
لما كان على رأس الحول من يوم النسار اجتمع من العرب من كان شهد النسار وكان رؤساؤهم بالجفار الرؤساء الذين كانوا يوم النسار إلا أن بني عامر قيل كان رئيسهم بالجفار عبد الله بن جعدة بن كعب بن ربيعة فالتقوا بالجفار واقتتلوا وصبرت تميم فعظم فيها القتل وخاصة في بني عمرو ابن تميم وكان يوم الجفار يسمى الصيلم لكثرة من قتل به وقال بشر ابن أبي خازم في عصبة تميم لبني عامر‏:‏ عصبت تميمٌ أن يقتل عامر يوم النسار فأعقبوا بالصّيلم كنّا إذا نفروا لحربٍ نفرةً نشفي صداعهم برأس صلدم نعلو الفوارس بالسيوف ونعتزي والخيل مشعلة النحور من الدم يخرجن من خلل الغبار عوابسًا خبب السباع بكلّ ليث ضيغم وهي عدة أبيات وقال أيضًا‏:‏ يوم الجفار ويوم النّسا ركانا عذابًا وكان غراما فأمّا تميمٌ تميم بن مرٍّ فألفاهم القوم روبى نياما وأمّا بنو عامر بالجفار ويوم النّسار فكانوا نعاما فلما أكثر بشر على بني تميم قيل له‏:‏ ما لك ولتميم وهم أقرب الناس منك أرحامًا فقال‏:‏ إذا فرغت منهم فرغت من الناس ولم يبق أحد‏.‏أما يوم الصفقة وسببه فإن باذان نائب كسرى أبرويز بن هرمز باليمن أرسل إليه حملًا من اليمن‏.‏
فلما بلغ الحمل إلى نطاع من أرض نجد أغارت تميم عليه وانتهبوه وسلبوا رسل كسرى وأساورته‏.‏
فقدموا على هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة مسلوبين فأحسن إليهم وكساهم‏.‏
وقد كان قبل هذا إذا أرسل كسرى لطيمة تباع باليمن يجهز رسله ويخفرهم ويحسن جوارهم وكان كسرى يشتهي أن يراه ليجازيه على فعله‏.‏
فلما أحسن أخيرًا إلى هؤلاء الرسل الذين أخذتهم تميم قالوا له‏:‏ إن الملك لا يزال يذكرك ويؤثر أن تقدم عليه فسار معهم إليه‏.‏
فلما قدم عليه أكرمه وأحسن إليه وجعل يحادثه لينظر عقله فرأى ما سره فأمر له بمال كثير وتوجه بتاج من تيجانه وأقطعه أموالًا بهجر‏.‏
وكان هوذة نصرانيًا وأمره كسرى أن يغزوه هو والمكعبر مع عساكر كسرى بني تميم فساروا إلى هجر ونزلوا بالمشقر‏.‏
وخاف المكعبر وهوذة أن يدخلا بلاد تميم لأنها لا تحتملها العجم وأهلها بها ممتنعون فبعثا رجالًا من بني تميم يدعونهم إلى الميرة وكانت شديدة فأقبلوا على كل صعب وذلول فجعل المكعبر يدخلهم الحصن خمسة خمسة وعشرة عشرة وأقل وأكثر يدخلهم من باب على أنه يخرجهم من آخر فكل من دخل ضرب عنقه‏.‏
فلما طال ذلك عليهم ورأوا أن الناس يدخلون ولا يخرجون بعثوا رجالًا يستعلمون الخبر فشد رجل من عبس فضرب السلسلة فقطعها وخرج من كان بالباب‏.‏
فأمر المكعبر بغلق الباب وقتل كل من كان بالمدينة وكان يوم الفصح فاستوهب هوذة منه مائة رجل فكساهم وأطلقهم يوم الفصح‏.‏
فقال الأعشى من قصيدة يمدح هوذة‏:‏ بهم يقرّب يوم الفصح ضاحيةً يرجو الإله بما أسدى وما صنعا فصار يوم المشقر مثلًا وهو يوم الصفقة لإصفاق الباب وهو إغلاقه‏.‏
وكان يوم الصفقة وقد بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بمكة بعد لم يهاجر‏.‏
وأما يوم الكلاب الثاني فإن رجلًا من بني قيس بن ثعلبة قدم أرض نجران على بني الحارث بن كعب وهم أخواله فسألوه عن الناس خلفه فحدثهم أنه أصفق على بني تميم باب المشقر وقتلت المقاتلة وبقيت أموالهم وذراريهم في مساكنهم لا مانع لها‏.‏
فاجتمعت بنو الحارث من مذحج وأحلافها من نهد وجرم بن ربان فاجتمعوا في عسكر عظيم بلغوا ثمانية آلاف ولا يعلم في الجاهلية جيش أكثر منه ومن جيش كسرى بذي قار ومن يوم جبلة وساروا يريدون بني تميم فحذرهم كاهن كان مع بني الحارث واسمه سلمة بن المغفل وقال‏:‏ إنكم تسيرون أعيانًا وتغزون أحيانًا سعدًا وريانًا وتردون مياهها جيابًا فتلقون عليها ضرابًا وتكون غنيمتكم ترابًا فأطيعوا أمري ولا تغزوا تميمًا‏.‏
فعصوه وساروا إلى عروة فبلغ الخبر تميمًا فاجتمع ذوو الرأي منهم إلى أكثر بن صيفي وله يومئذ مائة وتسعون سنة فقالوا له‏:‏ يا أبا جيدة حقق هذا الأمر فإنا قد رضيناك رئيسًا‏.‏
فقال لهم‏:‏ وإنّ امرأ قد عاش تسعين حجّةً إلى مائة لم يسأل العيش جاهل مضت مائتان غير عشرٍ وفاؤها وذلك من عدّ اليالي قلائل ثم قال لهم‏:‏ لا حاجة لي في الرياسة ولكني أشير عليكم لينزل حنظلة ابن مالك بالدهناء ولينزل سعد بن زيد مناة والرباب وهم ضبة بن أد وثور وعكل وعدي بنو عبد مناة بن أد الكلاب فأي الطريقين أخذ القوم كفى أحدهما صاحبه ثم قال لهم‏:‏ احفظوا وصيتي لا تحضروا النساء الصفوف فإن نجاة اللئيم في نفسه ترك الحريم وأقلوا الخلاف على أمرائكم ودعوا كثرة الصياح في الحرب فإنه من الفشل والمرء يعجز لا محالة فإن أحمق الحمق الفجور وأكيس الكيس التقى كونوا جميعًا في الرأي فإن الجميع معزز للجميع وإياكم والخلاف فإنه لا جماعة لمن اختلف ولا تلبثوا ولا تسرعوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب عجلة تهب ريثًا وإذا عز أخوك فهن البسوا جلود النمور وابرزوا للحرب وادرعوا الليل واتخذوه جملًا فإن الليل أخفى للويل والثبات أفضل من القوة وأهنأ الظفر كثرة الأسرى وخير الغنيمة المال ولا ترهبوا الموت عند الحرب فإن الموت من ورائكم وحب الحياة لدى الحرب زللٌ ومن خير أمرائكم النعمان بن مالك بن حارث بن جساس وهو من بني تميم ابن عبد مناة بن أد‏.‏
فقبلوا مشورته النعمان بن مالك بن حارث بن جساس وهو من بني تميم ابن عبد مناة بن أد‏.‏
فقبلوا مشورته ونزلت عمرو بن حنظلة الدهناء ونزلت سعد والرباب الكلاب وأقبلت مذحج ومن معها من قضاعة فقصدوا الكلاب وبلغ سعدًا والرباب الخبر‏.‏
فلما دنت مذحج نذرهم شميت ابن زنباع اليربوعي فركب جمله وقصد سعدًا ونادى‏:‏ يا آل تميم يا صباحاه‏!‏ فثار الناس وانتهت مذحج إلى النعم فانتهبها الناس وراجزهم يقول‏:‏ في كلّ عام نغمٌ ننتابه على الكلاب غيّبت أصحابه يسقط في آثاره غلاّبه فلحق قيس بن عاصم المنقري والنعمان بن جساس ومالك بن المنتفق في سرعان الناس فأجابه قيس يقول‏.‏
عمّا قليل تلتحق أربابه مثل النجوم حسّرًا سحابه ليمنعنّ النّعم اغتصابه سعدٌ وفرسان الوفى أربابه ثم حمل عليهم قيس وهو يقول‏:‏ في كلّ عام نعمٌ تحوونه يلقحه قومٌ وتنتجونه أنعم الأبناء تحسبونه هيهات هيهات لما ترجونه فاقتتل القوم قتالًا شديدًا يومهم أجمع‏.‏
فحمل يزيد بن شداد بن قنان الحارثي على النعمان بن مالك بن جساس فرماه بسهم فقتله وصارت الرياسة لقيس بن عاصم واقتتلوا حتى حجر بينهم الليل وباتوا يتحارسون‏.‏
فلما أصبحوا غدوا على القتال وركب قيس بن عاصم وركبت مذحج واقتتلوا أشد من القتال الأول فكان أول من انهزم من مذحج مدرج الرياح‏.‏
وهو عامر بن المجون بن عبد الله الجرمي وكان صاحب لوائهم فألقى اللواء وهرب فلحقه رجل من بني سعد فعقر به دابته فنزل يهرب ماشيًا ونادى قيس بن عاصم‏:‏ يا آل تميم عليكم الفرسان ودعوا الرجالة فإنها لكم وجعل يلتقط الأسرى وأسر عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي رئيس مذحج فقتل بالنعمان بن مالك بن جساس وكان عبد يغوث شاعرًا فشدوا لسانه قبل قتله لئلا يهجوهم فأشار إليهم ليحلوا لسانه ولا يهجوهم فحلوه فقال شعرًا‏:‏ ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم نفعٌ ولا ليا ألم تعلما أنّ الملامة نفعها قليلٌ وما لومي أخًا من شماليا فيا راكبًا إمّا عرضت فبلّغن نداماي من نجران ألاّ تلاقيا أقول وقد شدّوا لساني بنسعةٍ‏:‏ معاشر ثيم أطلقوا من لسانيا كأنّي لم أركب جوادًا ولم أقل لخيلي كرّي كرّةً من ورائيا ولم أسبإ الزقّ الرّويّ ولم أقل لأيسار صدقٍ عظّموا ضوء ناريا وقد علمت عرسي مليكة أنّني أنا الليث معدوًّا عليه وعاديا لحى الله قومًا بالكلاب شهدتهم صميمهم والتابعين المواليا ولو شئت نجّتني من القوم شطبةٌ ترى خلفها الكمت العتاق تواليا وكنت إذا ما الخيل شمّصها القنا لبيقًا بتصريف القناة بنانيا فيا عاص فكّ القيد عنّي فإنّني صبورٌ على مرّ الحوادث ناكيا فإن تقتلوني تقتلوا بي سيّدًا وإن تطلقوني تحربوني ماليا أبو كرب بشر بن علقمة بن الحارث والأيهمان الأسود بن علقمة بن الحارث والعاقب وهو عبد المسيح بن الأبيض وقيس بن معدي كرب فزعموا أن قيسًا قال‏:‏ لو جعلني أول القوم لافتديته بكل ما أملك‏.‏
ثم قتل ولم يقبل له فدية‏.‏
ربان بالراء والباء الموحدة‏.‏
وسبب ذلك أن أوس بن حارثة بن لأم الطائي كان سيدًا مطاعًا في قومه وجوادًا مقدامًا فوفد هو وحاتم الطائي على عمرو بن هند فدعا عمرو أوسًا فقال له‏:‏ أنت أفضل أم حاتم فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إن حاتمًا أوحدها وأنا أحدها ولو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة‏.‏
ثم دعا عمرو حاتمًا فقال له‏:‏ أنت أفضل أم أوس فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إنما ذكرت أوسًا ولأحد ولده أفضل مني‏.‏
فاستحسن ذلك منهما وحباهما وأكرمهما‏.‏
ثم إن وفود العرب من كل حي اجتمعت عند النعمان بن المنذر وفيهم أوس فدعا بحلة من حلل الملوك وقال للوفود‏:‏ احضروا في غد فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم‏.‏
فلما كان الغد حضر القوم جميعًا إلا أوسًا فقيل له‏:‏ لم تتخلف فقال‏:‏ إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألا أكون حاضرًا وإن كنت المراد فسأطلب‏.‏
فلما جلس النعمان ولم ير أوسًا قال‏:‏ اذهبوا إلى أوس فقولوا له‏:‏ احضر آمنًا مما خفت‏.‏
فحضر فألبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة‏:‏ اهجه ولك ثلاثمائة ناقة‏.‏
فقال‏:‏ كيف أهجو رجلًا لا أرى في بيتي أثاثًا ولا مالًا إلا منه ثم قال‏:‏ كيف الهجاء وما تنفكّ صالحةٌ من أهل لأم بظهر الغيب تأتيني فقال لهم بشر بن أبي خازم‏:‏ أنا اهجوه لكم فأعطوه النوق وهجاه فأفحش في هجائه وذكر أمه سعدى‏.‏
فلما عرف أوس ذلك أغار على النوق فاكتسحها وطلبه فهرب منه والتجأ إلى بني أسد عشيرته فمنعوه منه ورأوه تسليمه إليه عارًا‏.‏
فجمع أوسجديلة طيء وسار بهم إلى أسد فالتقوا بظهر الدهناء تلقاء تيماء فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزمت بنو أسد وقتلوا قتلًا ذريعًا وهرب بشر فجعل لا يأتي حيًا يطلب جوارهم إلا امتنع من إجارته على أوس‏.‏
ثم نزل على جندب بن حصن الكلابي بأعلى الصمان فأرسل إليه أوس يطلب منه بشرًا فأرسله إليه‏.‏
فلما قدم به على أوس أشار عليه قومه بقتله فدخل على أمه سعدى فاستشارها فأشارت أن يرد عليه ماله ويعفو عنه ويحبوه فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه‏.‏
فقبل ما أشارت به وخرج إليه وقال‏:‏ يا بشر ما ترى أني أصنع بك فقال‏:‏ إنّي لأرجو منك يا أوس نعمةً وإنّي لأخرى منك يا أوس راهب وإنّي لأمحو بالذي أنا صادق به كلّ ما قد قلت إذ أنا كاذب فهل ينفعنّي اليوم عندك أنّني سأشكر إن أنعمت والشكر واجب فدىً لابن سعدى اليوم كلّ عشيرتي بني أسد أقصاهم والأقارب تداركني أوس بن سعدى بنعمة وقد أمكنته من يديّ العواقب فمن عليه أوس وحمله على فرس جواد ورد عليه ما كان أخذ منه وأعطاه من ماله مائةً من الإبل فقال بشر‏:‏ لا جرم لا مدحت أحدًا حتى أموت غيرك ومدحه بقصيدته المشهورة التي أتعرف من هنيدة رسم دارٍ بحرجي ذروةٍ فإلى لواها ومنها منزل ببراق خبتٍ عفت حقبًا وغيّرها بلاها وهي طويلة‏.‏
يوم الوقيط وكان من حديثه أن اللهازم تجمعت وهي قيس وتيم اللات ابنا ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومعها عجل بن لجيم وعنزة ابن أسد بن ربيعة بن نزار لتغير على بني تميم وهم غارون‏.‏
فرأى ذلك الأعور وهو ناشب بن بشامة العنبري وكان أسيرًا في قيس بن ثعلبة فقال لهم‏:‏ أعطوني رجلًا أرسله إلى أهلي أوصيهم ببعض حاجتي‏.‏
فقالوا له‏:‏ ترسله ونحن حضور قال‏:‏ نعم‏.‏
فأتوه بغلام مولد فقال‏:‏ أتيتموني بأحمق‏!‏ فقال الغلام‏:‏ والله ما أنا بأحمق ‏!‏ فقال‏:‏ إني أراك مجنونًا‏!‏ قال‏:‏ والله ما بي جنون‏!‏ قال‏:‏ أتعقل قال‏:‏ نعم إني لعاقل‏.‏
قال‏:‏ فالنيران أكثر أم الكواكب قال‏:‏ الكواكب وكلٌّ كثيرة فملأ كفه رملًا وقال‏:‏ كم في كفي قال‏:‏ لا أدري فإنه لكثير‏.‏
فأومأ إلى الشمس بيده وقال‏:‏ ما تلك قال‏:‏ الشمس‏.‏
قال‏:‏ ما أراك إلا عاقلًا اذهب إلى قومي فأبلغهم السلام وقل لهم ليحسنوا إلى أسيرهم فإني عند قوم يحسنون إلي ويكرموني وقل لهم فليعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيسار بآية ما أكلنا منهم حيسًا وليرعوا حاجتي في بني مالك وأخبرهم أن العوسج قد أورق وأن النساء قد اشتكت وليعصوا همام بن بشامة فإنه مشؤوم مجدودٌ وليطيعوا هذيل بن الأخنس فإنه حازم ميمون واسألوا الحارث عن خبري‏.‏
وسار الرسول فأتى قومه فأبلغهم فلم يدروا ما أراد فأحضروا الحارث وقصوا عليه خبر الرسول‏.‏
فقال للرسول‏.‏
اقصص علي أول قصتك‏.‏
فقص عليه أول ما كلمه حتى أتى على آخره‏.‏
فقال‏:‏ أبلغه التحية والسلام وأخبره أنا نستوصي به‏.‏
فعاد الرسول ثم قال لبني العنبر‏:‏ إن صاحبكم قد بين لكم أما الرمل الذي جعل في كفه فإنه يخبركم أنه قد أتاكم عددٌ لا يحصى وأما الشمس التي أومأ إليها فإنه يقول ذلك أوضح من الشمس وأما جمله الأحمر فالصمان فإنه يأمركم أن تعروه يعني ترتحلوا عنه وأما ناقته العيساء فإنه يأمركم أن تحترزوا في الدهناء وأما بنو مالك فإنه يأمركم أن تنذروهم معكم وأما إيراق العوسج فإن القوم قد لبسوا السلاح وأما اشتكاء النساء فإنه يريد أن النساء قد خرزن الشكاء وهي أسقية الماء للغزو‏.‏
فحذر بنو العنبر وركبوا الدهناء وأنذروا بني مالك فلم يقبلوا منهم‏.‏
ثم إن اللهازم وعجلًا وعنزة أتوا بني حنظلة فوجدوا عمرًا قد أجلت فأوقعوا ببني دارم بالوقيط فاقتتلوا قتالًا شديدًا وعظمت الحرب بينهم فأسرت ربيعة جماعةً من رؤساء بني تميم منهم ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة فجزوا ناصيته وأطلقوه وأسروا عثجل بن المأمون بن زرارة وجويرة بن بدر بن عبد الله بن دارم ولم يزل في الوثاق حتى رآهم يومًا يشربون فأنشأ يتغنى يسمعهم ما يقول‏:‏ وقائلةٍ ما غاله أن يزورنا وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل وقد أدركتني والحوادث جمّةٌ مخالب قومٍ لا ضعافٍ ولا عزل سراعٍ إلى الجّلى بطاءٍ عن الخنا رزانٍ لدى الباذين في غير ما جهل لعلّهم أن يمطروني بنعمةٍ كما صاب ماء المزن في البلد المحل فقد ينعش الله الفتى بعد ذلّةٍ وقد تبتني الحسنى سراة بني عجل فلما سمعوا الأبيات أطلقوه‏.‏
وأسر أيضًا نعيم وعوف ابنا القعقاع بن معبد بن زرارة وغيرهما من سادات بني تميم وقتل حكيم بن جذيمة بن الأصيلع النهشلي ولم يشهدها من نهشل غيره‏.‏
وعادت بكر فمرت بطريقها بعد الوقعة بثلاثة نفر من بني العنبر لم يكونوا ارتحلوا مع قومهم فلما رأوهم طردوا إبلهم فأحرزوها من بكر‏.‏
وأكثر الشعراء في هذا اليوم فمن ذلك قول أبي مهوش الفقعسي يعير تميمًا بيوم الوقيط‏:‏ ولا قضبت عوفٌ رجال مجاشعٍ ولا قشر الأستاه غير البراجم وقال أبو الطفيل عمرو بن خالد بن محمود بن عمرو بن مرثد‏:‏ حكّت تميمٌ بركها لّما التقت راياتنا ككواسر العقبان دهموا الوقيط بجحفلٍ جمّ الوغى ورماحها كنوازع الأشطان يوم المروت وهو يوم بين تميم وعامر بن صعصعة‏.‏
وكان سببه أنه التقى قعنب بن عتاب الرياحي وبحير بن عبد الله بن سلمة العامري بعكاظ فقال بحير لقعنب‏:‏ ما فعلت فرسك البيضاء قال‏:‏ هي عندي وماسؤالك عنها قال‏:‏ لأنها نجتك مني يوم كذا وكذا فأنكر قعنب ذلك وتلاعنا وتداعيا أن يجعل الله ميتة الكاذب بيد الصادق فمكثا ما شاء الله‏.‏
وجمع بحير بني عامر وسار بهم فأغار على بني العنبر بن عمرو بن تميم بإرم الكلبة وهم خلوفٌ فاستاق السبي والنعم ولم يلق قتالًا شديدًا وأتى الصريخ بني العنبر بن عمرو بن تميم وبني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وبني يربوع بن حنظلة فركبوا في الطلب فتقدمت عمرو ابن تميم‏.‏
فلما انتهى بحير إلى المروت قال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا عارضةً رماحها على كواهل خيلها‏.‏
قال‏:‏ هذه عمرو بن تميم وليست بشيء فلحق بهم بنو عمرو فقاتلوهم شيئًا من قتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير ثم قال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا ناصبةً رماحها‏.‏
قال‏:‏ هذه مالك بن حنظلة وليست بشيء فلحقوا فقاتلوا شيئًا من قتال ثم صدروا عنهم ومضى بحير وقال‏:‏ يا بني عامر انظروا هل ترون شيئًا قالوا‏:‏ نرى خيلًا ليست معها رماح وكأنما عليها الصبيان‏.‏
قال‏:‏ هذه يربوع رماحها بين آذان خيلها إياكم والموت الزؤام فاصبروا ولا أرى أن تنجوا‏.‏
فكان أول من لحق من بني يربوع الواقعة وهو نعيم بن عتاب وكان يسمى الواقعة لبليته فحمل على المثلم القشيري فأسره وحملت قشير على دوكس بن واقد بن حوط فقتلوه وأسر نعيم المصفى القشيري فقتله وحمل كدام بن بجيلة المازني على بحير فعانقه ولم يكن لقعنب همة إلا بحير فنظر إليه وإلى كدام قد تانقا فأقبل نحوهما فقال كدام‏:‏ يا قعنب أسيري‏.‏
فقال قعنب‏:‏ ماز رأسك والسيف يريد‏:‏ يا مازني‏.‏
فخلى عنه كدام وشد عليه قعنب فضربه فقتله وحمل قعنب أيضًا على صهبان وأم صهبان مازنية فأسره فقالت بنو مازن‏:‏ يا قعنب قتلت أسيرنا فأعطنا ابن أخينا مكانه فدفع إليهم صهبان في بحير فرضوا بذلك واستنقذت بنو يربوع أموال بني العنبر وسبيهم من بني عامر وعادوا‏.‏يوم فيف الريح وهو بين عامر بن صعصعة والحارث بن كعب وكان خبره أن بني عامر كانت تطلب بني الحارث بن كعب بأوتارٍ كثيرة فجمع لهم الحصين ابن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي وهو ذو الغصة واستعان بجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد وخثعم وشهران وناهس وأكلب ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكانًا يقال له فيف الريح ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا‏.‏
فاجتمعت بنو عامر فقال لهم عامر بن الطفيل‏:‏ أغيروا بنا على القوم فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم ولا تدعوهم يدخلون عليكم‏.‏
فأجابوه إلى ذلك وساروا إليهم‏.‏
فلما دنوا من بني الحارث ومذحج ومن معهم أخبرتهم عيونهم وعادت إليهم مشايخهم فحذروا فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام يغادونهم القتال بفيف الريح فالتقى الصميل بن الأعور الكلابي وعمرو بن صبيح النهدي فطعنه عمرو فاعتنق الصميل فرسه وعاد فلقيه رجل من خثعم فقتله وأخذ درعه وفرسه‏.‏
وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسنًا وسموا ذلك اليوم حريجة الطعان لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة وهي شجر مجتمع‏.‏وسبب اجتماعهم أن بني عامر جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب والتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في المعركة فرجع وهو يصيح‏:‏ يا صباحاه‏!‏ يا نميراه‏!‏ ولا نمير لي بعد اليوم‏!‏ حتى اقتحم فرسه وسط القوم فقويت نفوسهم وعادت بنو عامر وقد طعن عامر بن الطفيل ما بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنةً‏.‏
وكان عامر في ذلك اليوم يتعهد الناس فيقول‏:‏ يا فلان ما رأيتك فعلت شيئًا فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه ومن لم يبل شيئًا تقدم فأبلى فكان كل من أبلى بلاءي حسنًا أتاه فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه فأتاه رجل من الحارثيين اسمه مسهر‏.‏
فقال له‏:‏ يا أبا علي أنظر ما صنعت بالقوم‏!‏ انظر إلى رمحي‏!‏ فلما أقبل عليه عامر لينظر وجأه بالرمح في وجنته ففلقها وفقأ عينه وترك رمحه وعاد إلى قومه‏.‏
وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه فقال‏:‏ هذا والله مبير قومي‏!‏ فقال عامر بن الطفيل‏:‏ أتونا بشهران العريضة كلّها وأكلب طرًّا في جياد السّنّور لعمري وما عمري عليّ بهينّ لقد شان حرّ الوجه طعنة مسهر فبئس الفتى أن كنت أعور عاقرًا جبانًا وما أغنى لدى كل حضر وأسرت بنو عامر يومئذ سيد مراد جريحًا فلما برأ من جراحته أطلق‏.‏وممن أبلى يومئذ أربد بن قيس بن حر بن خالد بن جعفر وعبيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر وقال لبيد بن ربيعة ويقال إنها لعامر ابن الطفيل‏:‏ أتونا بشهران العريضة كلّها وأكلبها في مثل بكر بن وائل فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا يبت عن قرى أضيافه غير غافل أعاذل لو كان البداد لقوبلوا ولكن أتانا كلّ جنٍّ وخابل وخثعم حيّ يعدلون بمذحج فهل نحن إلاّ مثل إحدى القبائل وأسرع القتل في الفريقين جميعًا ثم إنهم افترقوا ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة وكان الصبر فيها والشرف لبني عامر‏.‏






[color=#000000]يوم ذي علق [/color]
وهو يوم التقى فيه بنو عامر بن صعصعة وبنو أسد بذي علق فاقتتلوا قتالًا عظيمًا‏.‏
قتل في المعركة ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العمري أبو لبيد الشاعر وانهزمت عامر فتبعهم خالد بن نضلة الأسدي وابنه حبيب والحارث ابن خالد بن المضلل وأمعنوا في الطلب فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أبو براء عامر بن مالك من وراء ظهورهم في نفر من أصحابه فقال لخالد‏:‏ يا أبا معقل إن شئت أجزتنا وأجزناك حتى نحمل جرحانا وندفن قتلانا‏.‏
قال‏:‏ قد فعلت‏.‏
فتواقفوا‏.‏
فقال له أبو براء‏:‏ عل علمت ما فعل ربيعة قال‏:‏ نعم تركته قتيلًا‏.‏
قال‏:‏ ومن قتله قال‏:‏ ضربته أنا وأجهز عليه صامت بن الأفقم‏.‏
فلما سمع أبو براء بقتل ربيعة حمل على خالد هو ومن معه فمانعهم خالد وصاحباه وأخذوا سلاح حبيب بن خالد ولحقهم بنو أسد فمنعوا أصحابهم وحموهم فقال الجميح‏:‏ سائل معدًّا عن الفوارس لا أوفوا بجيرانهم ولا سلموا يسعى بهم قرزلٌ ويستمع ال ناس إليهم وتخفق اللّمم ركضًا وقد غادروا ربيعة في الأثآر لّما تقارب النّسم في صدره صعدةٌ ويخلجه بالرمح حرّان باسلًا أضم قرزل فرس الطفيل والد عامر بن الطفيل‏.‏
وقال لبيد من قصيدة يذكر أباه‏:‏ ولا من ربيع المقترين رزئته بذي علقٍ فاقني حياءك واصبري قال أبو عبيدة‏:‏ غزت عامر بن صعصعة غطفان ومع بني عامر يومئذ عامر بن الطفيل شابًا لم يرئس بعد فبلغوا وادي الرقم وبه بنو مرة بن عوف بن سعد ومعهم قوم من أشجع بن ذئب بن غطفان وناس من فزارة ابن ذبيان فنذروا ببني عامر وهجمت عليهم بنو عامر بالرقم وهو وادٍ بقرب تضرع فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا فأقبل عامر بن الطفيل فرأى امرأةً من فزارة فسألها‏.‏
فقالت‏:‏ أنا أسماء بنت نوفل الفزاري‏.‏
وقيل‏:‏ كانت أسماء بنت حصن بن حذيفة‏.‏
فبينا عامر يسألها خرج عليه المنهزمون من قومه وبنو مرة في أعقابهم‏.‏
فلما رأى ذلك عامر ألقى درعه إلى أسماء وولى منهزمًا فأدتها إليه بعد ذلك وتبعتهم مرة وعليهم سنان بن حارثة بن أبي حارثة المري وجعل الأشجعيون يذبحون كل من أسروه من بني عامر لوقعة كانت أوقعتها بهم بنو عامر فذلك البطن من بني أشجع يسمون بني مذبح فذبحوا سبعين رجلًا منهم فقال عامر بن الطفيل يذكر غطفان ويعرض بأسماء‏:‏ قد ساءت أسماء وهي خفيّة لضحائها أطردت أم لم أطرد فلأبغيّنكم القنا وعوارضًا ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد ولأبرزنّ بمالك وبمالك وأخي المرورات الذي لم يسند في أبيات عدة‏.‏
فلما بلغ شعره غطفان هجاه منهم جماعة وكان نابغة بني ذبيان حينئذ غائبًا عند ملوك غسان قد هرب من النعمان‏.‏
فلما آمنه النعمان وعاد سأل قومه عما هجوا به عامر بن الطفيل فأنشدوه ما قالوا فيه وما قال فيهم فقال‏:‏ لقد أفحشتم وليس مثل عامر يهجى بمثل هذا ثم قال يخطئ عامرًا في ذكره امرأة من عقائلهم‏:‏ فإن يك عامرٌ قد قال جهلًا فإنّ مطيّة الجهل الشباب فإنّك سوف تحلم أو تباهي إذا ما شبت أو شاب الغراب فكن كأبيك أو كأبي براءٍ توافقك الحكومة والصواب فلا تذهب بحلمك طامياتٌ من الخيلاء ليس لهنّ باب إلى آخرها‏.‏
فلما سمعها عامر قال‏:‏ ما هجيت قبلها‏.‏






[color=#000000]يوم ساحوق [/color]قال أبو عبيدة‏:‏ غزت بنو ذبيان بني عامر وهم بساحوق وعلى ذبيان سنان بن أبي حارثة المري وقد جهزهم وأعطاهم الخيل والإبل وزودهم فأصابوا نعمًا كثيرة وعادوا فلحقتهم بنو عامر واقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏
ثم انهزمت بنو عامر وأصيب منهم رجالٌ وركبوا الفلاة فهلك أكثرهم عطشًا وكان الحر شديدًا وجعلت ذبيان تدرك الرجل منهم فيقولون له‏:‏ قف ولك نفسك وضع سلاحك فيفعل‏.‏
وكان يومًا عظيمًا على عامر وانهزم عامر ابن الطفيل وأخوه الحكم ثم إن الحكم ضعف وخاف أن يؤسر فجعل في عنقه حبلا وصعد إلى شجرة وشده ودلى نفسه فاختنق وفعل مثله رجلٌ من بني غني فلما ألقى نفسه ندم فاضطرب فأدركوه وخلصوه وعيروه يجزعه وقال عروة بن الورد العبسي في ذلك‏:‏ ونحن صبحنا عامرًا في ديارها علالة أرماحٍ وضربًا مذكّرا بكلّ رقاق الشفرتين مهنّدٍ ولدنٍ من الخطيّ قد طرّ أسمرا عجبت لهم إذ يخنقون نفوسهم ومقتلهم تحت الوغى كان أجدرا يوم أعيار ويوم النّقيعة كان المثلم بن المشجر العائذي ثم الضبي مجاورًا لبني عبس فتقامر هو وعمارة بن زياد وهو أحد الكملة فقمره عمارة حتى اجتمع عليه عشرة أبكر فطلب منه المثلم أ يخلي عنه حتى يأتي أهله فيرسل إليه بالذي له فأبى ذلك فرهنه ابنه شرحاف بن المثلم وخرج المثلم فأتى فلما انطلق بابنه قال له في الطريق‏:‏ يا أبتاه من معضالٌ قال‏:‏ ذلك رجل من بني عمك ذهب فلم يوجد إلى الساعة‏.‏
قال شرحاف‏:‏ فإني قد عرفت قاتله‏.‏
قال أبوه‏:‏ ومن هو قال‏:‏ عمارة بن زياد سمعته يقول للقوم يومًا وقد أخذ فيه الشراب إنه قتله ولم يلق له طالبًا‏.‏
ولبثوا بعد ذلك حينًا وشب شرحاف‏.‏
ثم إن عمارة جمع جمعًا عظيمًا من عبس فأغار بهم على بني ضبة فأخذوا إبلهم وركبت بنو ضبة فأدركوهم في المرعى‏.‏
فلما نظر شرحاف إلى عمارة قال‏:‏ يا عمارة أتعرفني قال‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا شرحاف أد إلي ابن عمي معضالًا لا مثله يوم قتلته ‏!‏ وحمل عليه فقتله وقاتتلت ضبة وعبس قتالًا شديدًا واستنقذت ضبة الإبل وقال شرحاف‏:‏ ألا أبلغ سراة بني بغيض بما لاقت سراة بني زياد وما لاقت جذيمة إذ تحامي وما لاقى الفوارس من بجاد تركنا بالنقيعة آل عبسٍ شعاعًا يقتلون بكلّ واد وما إن فاتنا إلاّ شريد يؤمّ القفر في تيه البلاد فسل عنّا عمارة آل عبسٍ وسل وردًا وما كلٌّ بداد تركتهم بوادي البطن رهنًا لسيدان القرارة والجلاد قال أبو عبيدة‏:‏ خرجت بنو عامر تريد غطفان لتدرك بثأرها يوم الرق ويوم ساحوق فصادفت بني عبس وليس معهم أحد من غطفان وكانت عبس لم تشهد يوم الرقم ولا يوم ساحوق مع غطفان ولم يعينوهم على بني عامر وقيل‏:‏ بل شهدها أشجع وفزارة وغيرهما من بني غطفان على ما نذكره‏.‏
قال‏:‏ وأغارت بنو عامر على نعم بني عبس وذبيان وأشجع فأخذوها وعادوا متوجهين إلى بلادهم فضلوا في الطريق فسلكوا وادي النباة فأمعنوا فيه ولا طريق لهم ولا مطلع حتى قاربوا آخره‏.‏
وكان الجبلان يلتقيان إذا هم بامرأة من بني عبس تخبط الشجر لهم في قلة الجبل‏.‏
فسألوها عن المطلع فقالت لهم‏:‏ الفوارس المطلع وكانت قد رأت الخيل قد أقبلت وهي على الجبل ولم يرها بنو عامر لأنهم في الوادي فأرسلوا رجلًا إلى قلة الجبل ينظر فقال لهم‏:‏ أرى قومًا كأنهم الصبيان على متون الخيل أسنة رماحهم عند آذان خيلهم‏.‏
قالوا‏:‏ تلك فزارة‏.‏
قال‏:‏ وأرى قومًا بيضًا جعادًا كأن عليهم ثيابًا حمرًا‏.‏
قالوا‏:‏ تلك أشجع‏.‏
قال‏:‏ وأرى قومًا نسورًا قد قلعوا خيولهم بسوادهم كأنما يحملونها حملًا بأفخاذهم آخذين بعوامل رماحهم يجرونها‏.‏
قالوا‏:‏ تلك عبس أتاكم الموت الزؤام‏!‏ ولحقهم الطلب بالوادي فكان عامر بن الطفيل أول من سبق على فرسه الورد ففات القوم وأعيا فرسه الورد وهو المربوق أيضًا فعقره لئلا تفتحله فزارة واقتتل الناس ودام القتال بينهم وانهزمت عامر فقتل منهم مقتلة كبيرة قتل فيها من أشرافهم البراء بن عامر بن مالك وبه يكنى أبوه وقتل نهشل وأنس وهزان بنو مرة بن أنس بن خالد بن جعفر وقتلوا عبد الله بن الطفيل أخا عامر قتله الربيع بن زياد العبسي وغيرهم كثير وتمت الهزيمة على بني عامر‏.‏

سالم الهلالي 23 - 04 - 2007 00:20

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#000000]يوم الشرعبية [/color]

ثم التقوا بالشرعبية وعلى قيس عمير بن الحباب وعلى تغلب وألفافها ابن هوير فكان بينهم قتال شديد

قتل يومئذٍ عمار بن المهزم السلمي وكان لتغلب على قيس

قال الأخطل‏:‏

ولقد بكى الجحاف لما أوقعت ** بالشرعبية إذ رأى الأهوالا

يعني أوقعت الخيل‏.‏

والشرعبية‏:‏ من بلاد تغلب‏.‏

والشرعبية أيضًا‏:‏ ببلاد منبج فبعضهم يقول‏:‏ إن هذه الوقعة كانت ببلاد منبج وذلك خطأ‏.‏

يوم البليخ واجتمعت تغلب وسارت إلى البليخ وهناك عمير في قيس والبليخ نهر بين حران والرقة فالتقوا وانهزمت تغلب وكثر القتل فيها وبقرت بطون النساء كما فعلوا يوم الثرثار

فقال ابن صفار‏:‏
زرق الرماح ووقع كل مهندٍ زلزلن قلبك بالبليخ فزالا

يوم الحشاك ومقتل عمير بن الحباب السلمي وزياد بن هوبر التغلبي

لما رأت تغلب إلحاح عمير بن الحباب عليها جمعت حاضرتها وباديتها وساروا إلى الحشاك وهو تل قريب من الشرعبية وإلى جنبه براق ودلف إليه عمير في قيس ومعه زفر بن الحارث الكلابي وابنه الهذيل بن زفر وعلى تغلب ابن هوبر واقتتلوا عند تل الحشاك أشد قتال وأبرحه حتى جن عليهم الليل ثم تفرقوا واقتتلوا من الغد إلى الليل ثم تحاجزوا‏.‏

وأصبحت تغلب في اليوم الثالث فتعاقدوا أن لا يفروا فلما رأى عمير حدهم وان نساءهم معهم قال لقيس‏:‏ يا قوم أرى لكم أن تنصرفوا عن هؤلاء فإنهم مستقتلون فإذا اطمأنوا وصاروا إلى سرحهم وجهنا إلى كل قوم منهم من يغير عليهم‏.‏

فقال له عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي‏:‏ قتلت فرسان قيس أمس وأول أمس ثم ملئ سحرك وجبنت‏!‏ ويقال‏:‏ إن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري قال له ذلك وكان أتاه منجدًا فغضب عمير وقال‏:‏ كأني بك وقد حمس الوغى أول فار‏!‏

فنزل عمير وجعل يقاتل راجلاً وهو يقول‏:‏

أنا عمير وأبو المغلس ** قد أحبس القوم بضنك فاحبس

وانهزم زفر يومئذ وهو اليوم الثالث فلحق بقرقيسيا وذلك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان قد عزم على الحركة عليه بقرقيسيا فبادر للتأهب وقيل‏:‏ إنه ادعى ذلك حين فر اعتذارًا وانهزمت قيس وركبت تغلب ومن معها أكتافهم وهم يقولون‏:‏ أن تعلمون أن تغلب تغلب وشد على عمير جميل بن قيس من بني زهير فتله وقيل‏:‏ بل تغاوى على عمير غلمان من بني تغلب
وأصابت ابن هوبر يومئذٍ جراحة فلما انقضت الحرب أوصي بني تغلب بأن يولوا أمرهم مراد بن علقمة الزهيري‏.‏

وقيل‏:‏ خرج ابن هوبر في اليوم الثاني من أيامهم هذه الثلاثة وأوصى أن يولوا ظامرهم مرادًا ومات من ليلته وكان مراد رئيسهم في اليوم الثالث فعباهم على راياتهم وأمر كل بني أب أن يجعلوا نساءهم خلفهم فلما أبصرهم عمير قال ما تقدم ذكره قال الشاعر‏:‏

أرقت بأثناء الفرات وشفني ** نوائح أبكاها قتيل ابن هوبر
ولم تظلمي أن نحت أم مغلسٍ ** قتيل النصارى في نوائح حسر


وقال بعض الشعراء ينكر قتل ابن هوبر عميرًا‏:‏

وإن عميرًا يوم لاقته تغلب ** قتيل جميل لا قتيل ابن هوبر

وكثر القتل يومئذٍ في بني سليم وغني خاصة وقتل من قيس أيضًا يومئذٍ بشر كثير وبعثت بنو تغلب رأس عمير بن الحباب إلى عبد الملك بن مروان بدمشق فأعطى الوفد وكساهم‏.‏

فلما صالح عبد الملك زفر بن الحارث واجتمع الناس عليه قال الأخطل‏:‏

بني أمية قد ناضلت دونكم ** أبناء قومٍ هم آووا وهم نصروا
وقيس عيلان حتى أقبلوا رقصًا **فبايعوا لك قسرًا بعدما قهروا

في أبيات كثيرة‏.‏

فلما قتل عمير بن الحباب وقف رجل على أسماء بن خارجة الفزاري بالكوفة فقال‏:‏ قتلت بنو تغلب عمير بن الحباب‏.‏

فقال‏:‏ لا بأس إنما قتل الرجل في ديار القوم مقبلاً غير مدبر

ثم قال‏:‏

يدي رهن على سليمٍ بغارةٍ **تشيب لها أصداغ بكر بن وائل
وتترك أولاد الفدوكس عالةً **يتامى أيامى نزهة للقبائل


يوم الكحيل وهو من أرض الموصل في جانب دجلة الغربي‏.‏

وسببه أنه لما قتل عمير بن الحباب السلمي أتى تميم بن الحباب أخو عمير إلى زفر بن الحارث فسأله أن يطلب له بثأره

فامتنع فقال الهذيل بن زفر لأبيه‏:‏ والله لئن ظفرت بهم تغلب إن ذلك لعار عليك ولئن ظفروا بتغلب وقد خذلتهم إن ذلك لأشد‏.‏

فاستخلف زفر على قرقيسيا أخاه أوس ين الحارث وعزم على أن يغير على بني تغلب وغزوهم فوجه خيلاً إلى بني فدوكس بطن من تغلب فقتل رجالهم واستبيحت أموالهم ونساؤهم حتى لم يبق غير إمرأة واحدة استجارت فأجارها يزيد من حمران‏.‏

ووجه زفر بن الحارث ابنه الهذيل في جيش إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلًا ذريعًا

وبعث زفر أيضًا مسلم بن ربيعة العقيلي إلى قوم من تغلب مجتمعين فأكثر فيهم القتل‏.‏

ثم قصد زفر لبني تغلب وقد اجتمعوا بالعقيق من أرض الموصل فلما أحست به ارتحلت تريد عبور دجلة فلما صارت بالكحيل لحقهم زفر في القيسية فاقتتلوا قتالًا شديدًا وترجل أصحاب زفر أجمعون وزفر على بغل له فقتلوهم ليلتهم وبقروا بطون نساء منهم
وغرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف
فأتى فلهم لبى فوجه زفر ابنه الهذيل فأوقع بهم إلا من عبر فنجا وأسر زفر منهم مائتين فقتلهم صبرًا

فقال زفر‏:‏
ألا ياعين بكي بانكساب** وبكي عاصمًا وابن الحباب
فإن تك تغلب قتلت عميرًا** ورهطًا من غني في الحراب
فقد أفنى بني جشم بن بكر** ونمرهم فوارس من كلاب
قتلنا منهم مائتين صبرًا **وما عدلوا عمير بن الحباب

وقال ابن صفار المحاربي‏:

‏ أم ترى حربنا تركت حُبيبًا **محالفها المذلة والصغار
وقد كانوا أولي عزٍ فأضحوا **وليس لهم من الذل انتصار



[color=#000000]يوم البشر [/color]

لما استقر الأمر لعبد الملك واجتمع المسلمون عليه

قدم عليه الأخطل الشاعر التغلبي وعنده الجحاف بن حكيم السلمي

فقال له عبد الملك‏:‏ أتعرف هذا يا أخطل قال‏:‏ نعم هذا الذي أقول فيه‏:‏

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ** بقتلى أصيبت من سليمٍ وعامر

وأنشد القصيدة حتى فرغ منها وكان الجحاف يأكل رطبًا فجعل النوى يتساقط من يده غيظًا وأجابه وقال‏:‏

بلى سوف نبكيهم بكل مهندٍ ** وننعى عميرًا بالرماح الخواطر

ثم قال‏:‏ يا ابن النصرانية ما كنت أظن أن تجترئ علي بمثل هذا‏!‏ فأرعد الأخطل من خوفه ثم قام إلى عبد الملك وأمسك ذيله

وقال‏:‏ هذا مقام العائذ بك‏.‏

فقال‏:‏ أنا لك مجير‏.‏

ثم قام الجحاف ومشى وهو يجر ثوبه ولا يعقل به فتلطف لبعض كتاب الديوان حتى اختلق له عهدًا على صدقات تغلب وبكر بالجزيرة

وقال لأصحابه‏:‏ إن أمير المؤمنين قد ولاني هذه الصدقات فمن أراد اللحاق بي فليفعل‏.‏

ثم سار حتى أتى رصافة هشامٍ فأعلم أصحابه ما كان من الأخطل إليه وأنه افتعل كتابًا وأنه ليس بوالٍ

فمن كان احب أن يغسل عني العار وعن نفسي فليصحبني فإني قد أقسمت أن لا أغسل رأسي حتى أوقع في بني تغلب‏.‏

فرجعوا عنه غير ثلاثمائة قالوا له‏:‏ نموت بموتك ونحيا بحياتك‏.‏

فسار ليلته حتى صبح الرحوب وهو ماء لبني جشم بن بكر من تغلب فصادف عليه جماعةً منهم فقتل فيهم مقتلةً عظيمةً

وأسر الأخطل وعليه عباءة وسخة فظنه الذي أسره عبدًا فسأله من هو فقال‏:‏ عبد‏.‏

فأطلقه فرمى بنفسه في جب فخاف أن يراه من يعرفه فيقتله‏.‏

فلما انصرف الجحاف خرج من الجب وأسرف الجحاف في القتل وبقر البطون عن الأجنة وفعل أمرًا عظيمًا

فلما عاد عنهم قدم الأخطل على عبد الملك فأنشده قوله‏:‏


لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعةً إلى الله منها المشتكى والمعول


فهرب الجحاف فطلبه عبد الملك فلحق ببلاد الروم

وقال الجحاف بن حكيم السلمي بعد وقعة البشر يخاطب الأخطل‏:

‏ أبا مالكٍ هل لمتني إذ حضضتني **على القتل أم هل لامني كل لائم
ألم أفنكم قتلاً وأجدع أنوفكم **بفتيان قيسٍ والسيوف الصوارم
بكل فتى ينعى عميرًا بسيفه ** إذا اعتصمت أيمانهم بالقوائم
فإن تطردوني تطردوني وقد جرى بي الورد يومًا في دماء الأراقم
نكحت سيفي في زهيرٍ ومالكٍ **نكاح اغتصابٍ لا نكاح دراهم

في أبيات


والورد فرس الجحاف


وزهير ومالك قبيلتان من قبائل بني تغلب



ولم يزل الجحاف يتردد في بلاد الروم من طرابزندة إلى قاليقلا وبعث إلى بطانة عبد الملك من قيس حتى أخذوا له الأمان فآمنه عبد الملك فقدم عليه فألزمه ديات من قتل وأخذ منه الكفلاء وسعى فيها فأتى الحجاج من الشام فطلب منه فقال له‏:‏ متى عهدتني خائنًا فقال له‏:‏ ولكنك سد قومك ولك عمالة واسعة‏.‏

فقال‏:‏ لقد ألهمت الصدق فأعطاه مائة ألف درهم وجمع الديات فأوصلها‏.‏

ثم تنسك بعد وصلح ومضى حاجًا فتعلق بأستار الكعبة وجعل ينادي‏:‏ اللهم اغفر لي وما أظن تفعل‏.‏

فسمعه محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب فقال‏:‏ يا شيخ قنوطك شر من ذنبك‏.‏

وقيل‏:‏ إن سبب عوده كان أن الجحاف أكرمه ملك الروم وقربه وعرض عليه النصرانية ويعطيه ما شاء فقال‏:‏ ما أتيتك رغبةً عن الإسلام‏.‏

ولقي الروم تلك السنة عساكر المسلمين صائفةً فانهزم المسلمون وأخبروا عبد الملك أنهم هزمهم الجحاف فأرسل إليه عبد الملك يؤمنه فسار وقصد البشر وبه حي من بشر وقد لبس أكفانه وقال‏:‏ قد جئت إليكم أعطي القود من نفسي‏.‏

وأرد شبابهم قتله فنهاهم شيوخهم فعفوا عنه وحج فسمعه عبد الله بن عمر وهو يطوف ويقول‏:‏ اللهم اغفر لي وما أظنك تفعل‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ لو كنت الجحاف مازدت على هذا‏.‏

قال‏:‏ فأنا الجحاف‏.‏






المراجع :


أنساب الأشراف للبلاذري الجزء الخامس


وابن الأثير في الكامل الجزء الرابع


والأغاني للأصفهاني








كانت أرض الجزيرة بشمال العراق موطن لقبائل بني تغلب في الجاهليه والإسلام

وبعد ثورة قبائل قيس ضد الدولة الأموية والقبائل اليمانية أتت أفواج من الجزيرة العربية مناصرةً لهم


فنزلت بمحاذاة منازل بني تغلب بالعراق وأخذوا يشنون الغارات على القبائل اليمانيه بالشام

وكان سبب حروب قيس مع تغلب هي :

أن عمير بن الحباب السلمي أغار على قبيلة كلب القضاعية وأثخن فيهم ، ثم انكفأ راجعاً فنزل ومن معه من قيس بثني من أثناء الفرات، ويقال: على الخابور، والخابور نهر يخرج من رأس العين ويصب في الفرات، وكانت منازل بني تغلب فيما بين الخابور والفرات ودجلة، وكانت بحيث نزل عمير وأصحابه امرأة من بني تميم ناكح في بني تغلب يقال لها أم دوبل ولها غنيمة، فأخذ غلام من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة عنزاً منها فذبحها، فشكت ذلك إلى عمير فلم يشكها، وقال: هذا من مغمرة الجيش فلما رأى الحرشيون أن عميراً لم يغير على صاحبهم شدوا على باقي الغنيمة فذبحوها وأكلوها، ومانعهم قوم من بني تغلب حضروهم فقتل رجل منهم يقال له مجاشع التغلبي وكان سيداَ من أسياد بني تغلب، وجاء دوبل وهو من بني مالك بن جشم بن بكر بن حبيب، وكان من فرسان بني تغلب، فأخبرته أمه بما أصيبت به، فسار في قومه، فشكا إليهم ما صنع بغنم أمه، وجعل يذكرهم تعالي قيس عليهم، وسوء جوابهم لهم، فاجتمعت منهم جماعة، وأمروا عليهم شعيث بن مليل التغلبي، ثم أغاروا على بني الحريش، ومع بني الحريش حينئذ قوم من إخوتهم بني قشير بن كعب، فقتلوا منهم واستاقوا ذوداً لامرأة من بني الحريش يقال لهم أم الهيثم، فلم يقدر القيسيون على تخلصه من أيديهم؛ فقال الأخطل التغلبي وبلغه الخبر وهو براذان وبراذان موضع:

أتاني ودوني الزابيان كلاهما = ودجلة أنباءٌ أمرّ من الصبر
أتاني بأنّ ابني نزارٍ تضاغنا = وتغلب أولى بالوفاء وبالغدر

وقال الأخطل أيضاً:

فإن تسألونا بالحريش فإنّنا بلينا بنوكٍ منهم وفجور
غداة تحامتنا الحريش كأنها كلابٌ بدت أنيابها لهرير
وجاؤوا بجمعٍ ناصري أمّ هيثمٍ فما رجعوا من ذودها ببعير

وقال عمرو بن الأهتم التغلبي:

وإنّا يوم سار بنا شعيثٌ = قريناهم وأيّ قرىً قرينا
نصصنا الخيل والرايات حتى = قضينا من هوازن ما قضينا
وما أبقين من قيسٍ شريداً = وما غادرن للجشمي دينا


وقال القطامي وهو عمير بن شييم التغلبي :


وإنّا يوم نازلهم شعيثٌ كليث = الغيل أصحر ثمّ ثارا
وتغلب جدّعوا أشراف قيسٍ = وذاقوا من تخمّطها البوارا
بضرب يقعص الأبطال منهم = ويمتكر اللحى منه امتكارا


المكر المغرة.

[color=#000000]يوم ماكسين[/color]

واستحكم الشر بين قيس وتغلب، وعلى قيس عُمير بن الحباب السلمي وعلى تغلب شُعيث بن مليل التغلبي، فغزا عُمير بني تغلب وجماعتهم بماكسين وهي قرية من قرى الخابور بالعراق، بينها وبين رأس العين يوم أو يومان، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهي أول وقعة لهم تزاحفوا فيها،
فقتلت قيس من بني تغلب خمسمائة فارس، وقُتل شعيث بن مليل رئيس تغلب وهزمت تغلب هزيمة قاسية


وكانت الوقعة عند القنطرة بالخابور فقال نفيع بن صفار المحاربي من شعراء قيس :

وأيّام القناطر قد تركتم = رئيسكم لنا غلقاً رهينا
تركنا الباكيات على شعيثٍ = سواجم عبرةً ما ينقضينا
بقرنا منكم ألفي بقير = فلم نترك لحاملةٍ جنينا



يقصد بمقتل شعيث وقد تعدوا في قتل الرجال وقتلوا ألفي إمرأة من بني تغلب وهن حوامل !


وقال عمير بن الحباب:


ما همّنا يوم شُعيثٍ بالغزل = يوم انتضيناهنّ أمثال الشعل
وهنّ يردين كعقبان الخيل = من بين دهماء وطرفٍ ذي خصل



وزعموا أن رجل شعيث قطعت يومئذ، فجعل يقاتل حتى قتل وهو يقول:



قد علمت قيسٌ ونحن نعلم = أنّ الفتى يقتل وهو أجذم




وقال نفيع بن صفار:



وبشاطىء الخابور صبّحناكم = بالمرهفات البيض يفرين الذرى



وقال جرير بن عطية يعير الأخطل التغلبي :


تركوا شعيث بني مليلٍ مسنداً = والآسيين وأقعصوا شعرورا



وقال نفيع بن صفار المحاربي:


ما بعد قتل شعيثٍ في سراتكم = وبعد قتل أبي أفعى وشعرور



كل هؤلاء الرجال من بني تغلب قتلتهم قيس



وقال ابن صفار أيضاً:


تمنيت بالخابور قيساً فصادفت = منايا لأسباب وفاق على قدر



وقال جرير أيضاً يعير الأخطل:


نبئت أنك بالخابور ممتنع = ثم انفرجت انفراجاً بعد إقرار



وقال زفر بن الحارث الكلابي يعاتب عميراً بما كان منه في الخابور:


ألا من مبلغ عني عميراً = رسالة عاتبٍ وعليك زاري
أتترك حي ذي كلع وكلب = وتجعل حد نابك في نزارِ (1)
كمعتمدٍ على إحدى يديه = فخانته بوهيٍ وانكسارِ



1 - ذي كلع قبيلة من حمير من قحطان وكلب قبيلة من قضاعة من قحطان


وأسر القطامي التغلبي الشاعر فأتى زفر بن الحارث الكلابي بقرقيسيا فخلى سبيله، ورد عليه مائة ناقة


فقال القطامي يمدح زفر بن الحارث الكلابي سيد قيس :


قفي قبل التفرق يا ضباعا = ولا يك موقف منكِ الوداعا (1)
قفي فادي أسيرك إن قومي = وقومك لا أرى لهم اجتماعا
ألم يحزنك أن حبال قيس = وتغلب قد تباينت انقطاعا
كما العظم الكسير يهاض = حتى يبت وإنما بدأ انصداعا
فلا تبعد دماء ابني نزار = ولا تقرر عيونك يا قضاعا (2)
ومن يكن استلام إلى ثوي = فقد أحسنت يا زفر المتاعا
أكفراً بعد رد الموت عني = وبعد عطائك المائة الرتاعا
فلم أر منعمين أقل مناً وأكرم = عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل = أبت أخلاقهم إلا اتساعا (2)
بني القرم الذي علمت معد = تفضل قومها سعةَ وباعا



1 - ضباع أبنة زفر بن الحارث الكلابي وهي التي ناشدت أباها زفر بن الحارث أن يطلق القطامي الشاعر

لأنها رحمته وهو في حاله ذليله في الأسر.

2 - أبني نزار هم قيس وتغلب.

3 - بني نفيل بن عمرو بن كلاب قوم زفر بن الحارث الكلابي سيد قيس في زمانه.

وقال القطامي يمدح زفر أيضاً:

يا زفر بن الحارث بن الأكرم قد كنت في الحرب قديم المقدم
إذا أحجم القوم لم تحجم إنك وابنيك حفظتم محرمي
وحقن الله بكفيك دمي من بعد ما جف لساني وفمي
أنقذتني من بطل معمم والخيل تحت العارض المسوم

وتغلب يدعون : يا للأرقم




وقال تميم بن أبي بن مقبل العجلاني من شعراء قيس :

قل لإبنة الأخطل المسلوب مئزرها = يوم الفوارس لمّا راث فاديها
ولست سائلها إلاّ بواحدةٍ = ما ردّ تغلب عنها إذ تناديها



وقال عبيد بن حصين النميري الراعي يعير الأخطل الشاعر :


أبا مالكٍ لا تنطق الشعر بعدها = وأعط القياد القائدين على كثر
ونحن تركنا تغلب ابنة وائلٍ = كمنكشر الأنياب منقطع الظهر


يعني بما كان بينهم يوم الخابور ويوم ماكسين.


[color=#000000]يوم الثرثار الأول[/color]

والثرثار نهر ينزع من هرماس نصيبين ويفرغ في دجلة بين الكحيل ورأس الإيل.
قالوا: استمدت تغلب بعد يوم ماكسين وحشدت واجتمعت إليها قبيلة النمر بن قاسط من ربيعة ،وأتاها المجشر بن الحارث من ولد أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بجمع من قبيلة بني شيبان وكان من سادات بني شيبان بالجزيرة وأتاها أيضاً زمام بن مالك الشيباني في جمع بني شيبان

وأتت جماعة من بني تغلب إلى مالك بن مسمع سيد بكر بن وائل بالبصره وذلك قبل يوم الجفرة وقبل مصيره إلى ناحية اليمامة والبحرين

فشكوا إليه قيساً وما كان منهم يوم ماكسين وقبله

فقال: ما أحسبكم إلا من نبيط تكريت !!!

ولو كنتم من بني تغلب لدافعتم عن أنفسكم وحرمكم

فقالوا: إنا حي فينا ما قد علمت من النصرانية، ومضر مضر وأي السلطانين غلب فهو مع قيس

فقال مالك: اذهبوا فإن أمدهم السلطان بفارس فلكم علي فارسان، وإن أمدهم برجل فلكم رجلان،

إن السلطان اليوم لفي شغل عنكم وعنهم، فانطلقوا وقد غضبوا وجعلوا عليهم بعد شعيث بن مليل زياد بن هوبر

ويقال يزيد بن هوبر التغلبي، وقال ابن الكلبي: هو حنظلة بن قيس بن هوبر أحد بني كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب

وكان على قيس عمير بن الحباب السلمي، فلما رأى من مع بني تغلب من قبائل ربيعة وكثرتهم

استنجد عمير بن الحباب تميماً وبني أسد فلم يأته منهم أحد فقال عمير:

أيا أخوينا من تميمٍ هديتـمـا = ومن أسدٍ هل تسمعان المناديا
ألم تعلما إذ جاء بكر بن وائلٍ = وتغلب ألفافاً تهزّ العـوالـيا
إلى قومكم قد تعلمون مكانهم =وكانوا جميعاً حاضرين وباديا

وزعموا أن عبيد الله بن زياد بن ظبيان البكري ممن أنجد تغلب من ربيعة

فلذلك حقد عليهم المصعب بن الزبير حتى قتل أخاه النابىء ولم يقتل صاحبه، وكانت القيسية زبيرية

وأنجد بني تغلب أيضاً ركضة بن النعمان الشيباني في جمع من بني شيبان .

قالوا: ثم إن الربعيين والقيسيين ألتقوا على الثرثار فاقتتلوا قتالاً شديداً وجعل بنو تغلب يقولون:
ننعى بأطراف القنا المجاشعا = فإنّه كان كريماً فـاجـعـا

وابن مليلٍ شيخنا المدافعـا


مجاشع من سادات تغلب قتلته قيس مع شعيث بن مليل التغلبي

ثم إن قيساً انهزمت وقتلت بنو تغلب وألفافهم منهم مقتلةً عظيمة وبقروا بطون ثلاثين امرأة من بني سليم.


وقتل زمام بن مالك الشيباني قتلته قيس في هذه الوقعه


وقالت ليلى بنت الحمارس التغلبية، ويقال قالها الأخطل:
لما رأونا والصليب طالعـا = ومار سرجيس وسمّاً ناقعا
والخيل لا تحمل إلاّ دارعا = والبيض في أيماننا قواطعا
خلّوا لنا الثرثار والمزارعا = وحنطةً طيساً وكرماً يانعا

كأنّما كانوا غراباً واقعـا


وقال الأخطل :

عتبتم علينا آل عيلان كلّكـم = وأيّ عدوٍ لم نبته على عتب

في قصيدة له.


فأجابه جرير بن عطية في قصيدة له:

ستعلم ما يغني الصليب إذا غـدت = كتائب قيسٍ كالمهنّأة الـجـرب
لعلّك يا خنزير تغـلـب فـاخـرٌ = إذا مضرٌ يوماً تسامت بها الحرب


وقال الأخطل في شعر طويل:

لعمري لقد لاقت سليمٌ وعامـرٌ = بجانب الثرثار مثل راغية البكر


وقال نفيع بن صفار المحاربي يرد على الأخطل :

أبا مالكٍ لا تدّعي الفخر بالمنـى = فما بسفاه القول يغضب للوتر
ولكن بحدّ المشرفيّة ينتـمـى = بها للمعالي والمثقّفة السمـر

فيقال: انه بهته بهذا الشعر، بل قاله له وقد ادعى الأخطل باطلاً في بعض أيامهم.


[color=#000000]يوم الثرثار الثاني [/color]

قالوا: ثم إن قيساً تجمعت واستمدت واستعدت، وعليها عمير بن الحباب وهم في عسكر، فأتاهم زفر بن الحارث من قرقيسياء

وعبد الملك بن مروان مشغول عنه، فكان في عسكر آخر، وكان رئيس بني تغلب والنمر ومن معهما ابن هوبر،

فالتقوا بالثرثار فاقتتلوا أشد قتالٍ اقتتلته الناس، فانحازت بنو عامر وكانت في إحدى المجنبتين
وصبرت بنو سليم وأعصرت حتى انهزمت بنو تغلب، وقتل ابنا عبد يسوع بن حرب ومحكان التغلبيان
وقتل عبد الحارث التغلبي من بني الأوس بن تغلب

فقال عمير بن الحباب:

فدىً لفوارس الثرثار نفسي = وما جمّعت من أهلٍ ومال
وولّت عامرٌ عنّا فأجـلـت = وحولي من ربيعة كالجبال
أكاوحهم بدهمٍ مـن سـلـيمٍ = وأعصر كالمصاعيب النهال


[color=#000000]يوم الفدين[/color]


قالوا: وأغار عمير بن الحباب على الفدين، وهي قرية على شاطىء الخابور ولها حصن، فاكتسح ما فيها وقتل عامة اهلها

ويقال: بل قاتل فيها جميع بني تغلب، وكانوا بها مزاحفةً وهزمهم؛ فقال ابن صفار:

لو تسأل الأرض الفضاء بأمركم = شهد الفدين بهلككم والصـوّر
كذبتك شيبان الأخوّة وانّـفـت = أسيافكم بكم سدوس ويشـكـر


يوم السكير

وهو يسمى يوم سكير العباس ولقي عمير بن الحباب تغلب والنمر وعليهم ابن هوبر بالسكير. وهي قرية تشرع على الخابور،
ومنها ناحية تشرع على الفرات فاقتتلوا قتالاً شديداً فانهزمت تغلب والنمر، وهرب عمير بن جندل وكان من فرسان تغلب

وقال عمير بن الحباب السلمي :

وأفلتنا يوم السكير ابن جنـدلٍ = على سابحٍ غوج اللبان مثابر
ونحن كررنا الخيل قبّاً شوازباً = دقاق الهوادي داميات الدوائر

فلما رأى من مع بني تغلب من قبائل ربيعة وكثرتهم

استنجد عمير بن الحباب تميماً وبني أسد فلم يأته منهم أحد فقال عمير:

أيا أخوينا من تميمٍ هديتـمـا = ومن أسدٍ هل تسمعان المناديا
ألم تعلما إذ جاء بكر بن وائلٍ = وتغلب ألفافاً تهزّ العـوالـيا
إلى قومكم قد تعلمون مكانهم =وكانوا جميعاً حاضرين وباديا


:


:



:


بني أسد عبيد العصا إن أتوا أو لم يأتوا سيان ليس منهم نفع ولا ضر



وبني تميم تقاعسوا كعادتهم بالرغم من إنشغالهم في حرب الأزد




المراجع:كتاب التاريخ الكامل و الأغاني للأصفهاني.
بحث قيم ولم نذكر حروب عامر بن صعصعة كلها بل البعض و القليل

وعسا أني افدتكم

سالم بن محمد الهلالــي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ذيب الجبور 23 - 04 - 2007 11:23

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[color=#00008B]لاهنت أخي الهلالي لاشك ولا ريب أن قبيلتنا الأم بني عامر بن صعصعه بن هوازن

هي ااالعمود الفقري لقبائل العرب ’’’’’ وهي كذالك أساس التراث االعربي االجاهلي

منها ااالفرسان والأنجاد والشعراء وااالحكماء وهي ااالقبيله اااالوحيده اااالتي

لاتدين للملوك في ذلك ااالعصر وتسمى قبيلة بني عامر بن صعصعه ( الحمس )

وتعني ااالمتشدين في اااالدين وهي كذالك تسمي جمرة العرب ( جمرة العرب )

وهي أكبر قبيله عربيه على الإطلاق والمراجع التارخيه شاهده على ذالك ’’’’’[/color]

خيَّال الغلباء 11 - 07 - 2008 19:57

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[B][size=4][align=center]أخي الكريم / سالم الهلالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على ما سطرت يداك حول حروب بني عامر بن صعصعة والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا هذا وتقبل فائق الشكر والإمتنان مقرونا بجزيل المحبة والإحترام مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .[/align][/size][/B]

صامل الميقاف 10 - 09 - 2008 20:20

رد : حروب عامر بن صعصعة
 
[size=7][align=center]بيض الله وجهك ومشكور وما قصرت[/align][/size]

lion1430 24 - 03 - 2009 09:28

رد: حروب عامر بن صعصعة
 
[size=7][align=center]جزاك الله خيرا[/align][/size]

حزم الجلاميد 17 - 06 - 2009 20:48

رد: حروب عامر بن صعصعة
 
[size=6][align=center]مشكور وما قصرت ولا هنت[/align][/size]


الساعة الآن 06:52.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها