منتديات سبيع الغلباء

منتديات سبيع الغلباء (https://www.sobe3.com/vb/index.php)
-   منتدى الخواطر والحكم والالغـــاز (https://www.sobe3.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   نصف أنثي (https://www.sobe3.com/vb/showthread.php?t=6029)

ولد قطر 29 - 06 - 2005 06:40

نصف أنثي
 
نصف أنثي

أحاول فتح عينيَّ بتثاقل.. كل شيء يبدو حولي غريباً: الغرفة باردة جداً، وإخوتي يلتفون حول سريري، وهذا صوت بكاء أمي يصل لمسمعي..

الغرفة لا أعرفها، والملابس التي عليّ لا تخصني.. أصوات تتعالي.. تمتزج بعنف مع طنين الأجهزة، والأسئلة تسقط علي مسمعي لا أستطيع ترجمتها... أخي الأكبر بصوته الهادر يردد علي الطبيب: هل يعني ذلك انتحاراً يا دكتور؟ قل لي بالله عليك هل هي حالة ........ انتحار؟؟؟

يااااه ماذا يا تري حصل؟..... أحاول أن ارتفع عن السرير، لكن كانت الإبر تمص دمي، وصدري مربوط بالأجهزة التي تقيس نبضاته المتهالكة.. كانت عيون اخوتي سياطاً من نار أشعر بكيها يلهب ضلوعي.

كان أحدهم يمرر يده علي جهاز قياس نبضات قلبي ويتمني أن تفضح له خفاياها.

أمي تمسح دموعها (بشيلتها) الملفوفة بإحكام علي وجهها الطاهر، وبعيوني المثقلة بالهمّ والألم أقرأ حزنها عليّ، أعرف كم هي نادمة علي شبابي الذي سيضيع .. أتمني أن أرفع صوتي وأقول لها:

أقسم بالله بأني لم أخطئ بحقكم، واعلمي أني شريفة طاهرة

إلا إذا كان تلمسي لنبض قلبي جريمة

أو كانت مصافحتي له ذات مساء خطيئة.

يقترب مني أخي، أنتفض خوفاً.. يشد شعري المتناثر بفوضوية علي أكتافي بكل قوته وجبروته وملامحه الغاضبة يقول: لِمَ الانتحار ؟؟

هل تريدين أن نكون حديث الناس؟ أنت مجرمة؟؟

أطبق الحصار علي لساني أكثر، وأشيح بوجهي عنه.. هل أقول له بأني أخذت علبة المنوم لأني فقط أردت أن أنام أنام أنام أنام؟ أريد أن أكون في اللا وعي.. أريد أن أخرج من حصارهم لملكوت آخر من الخيال لا تمسه عيونهم وألسنتهم... تقترب أختي تبعد يده عني، تمسح العرق الذي يتفصد من جبيني،

تلمّ شعري وتعقده خلف ظهري، تحاول إقفال أزارير ذلك اللباس الخشن وتستر ألمي المفضوح أمامهم منذ ليلة البارحة في طوارئ المستشفي..

اقتربت أختي مني أكثر، قبلتني، طلبتها ان تتصل به لتقول (تريد أن تموت علي صدرك قبل أن تذوب في عالمهم المقفر)، لكنها تهز رأسها بالرفض، وتردد: لا أحد يستحق أن تغرقي بالدموع.. ويرتفع صوت رفضها: لا أحد يستحق منكِ هذا الألم..

كنت أرجوها بكل ضعفي وهواني، قلت لها: ما دام يملك نصف روحي وعمري ونصف سعادتي ونصف ضحكتي ونصف أنفاسي، فهو يستحق.. فأنا لا أستطيع العيش مبتورة.. لا أستطيع العيش نصف أنثي..

وعندما أحرقت دمعتي كفها تناولت هاتفها، طلبت الرقم..

جاء الصوت سريعاً (غير موجود بالخدمة).. لحظتها بدأ طنين الأجهزة يخفت ويتلاشي.. بدأت أنوار الغرفة تغرق بالسواد.. ودمي الأحمر بالأنبوب يتجمد.. وأعود للا وعي مرات عديدة.


الساعة الآن 22:25.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها