رد : شعر العرب في ميزان الذهب / علم العروض والأوزان والبلاغة
كُتب : [ 22 - 08 - 2008 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم و رحمة الله وبركاته وبعد : فإن الفصاحة في اللغة : بمعنى البيان والظهور ، قالى تعالى : ( وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً )القصص : 34. وفي الإصطلاح هي : عبارة عن الألفاظ الظاهرة المعنى ، المألوفة الإستعمال عند العرب . وتكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال : كلمة فصيحة ، وكلام فصيح ، ومتكلم فصيح . وفصاحة الكلمة هي : خلوص الكلمة من الأمور التالية :
1 ـ من تنافر الحروف ، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع ، صعبة على اللسان ، نحو : ( الهعخع ) اسم لننت ترعاه الإبل ، متنافر الحروف . وأظنه العلندا ومنه قيل : ( نخلة الهعخع والهعيخعان لا يهعخعها إلا كل مهعخع فصيح اللسان ).
2 ـ ومن غرابة الاستعمال ، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب ، حتى لا يفهم المراد منها ، لاشتراك اللفظ ، أو للإحتياج الى مراجعة القواميس ، نحو : ( مسرّج ) و ( تكأكأتم ) غريب . قال الشاعر :
ومـــقلةً وحاجـــباً مـــرجــّجا
= وفــاحماً ، ومــرسِناً مسرّجاً
وقال : عيسى بن عمروا النحوي حين وقع من حماره واجتمع عليه الناس ـ ( ما لكم تكأكأتم عليّ ، كتكأكئكم على ذي جنة ، إنفرقعوا عنّي).
3 ـ ومن مخالفة القياس : بأن تكون الكلمة شاذة ، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب ، نحو : ( الأجلل ) مخالف للقياس ، والقياس ( الأجل ) بالإدغام . قال أبو النجم :
الـــــحمد لله الــعلي الأجــلل
= الواحــد الــفرد الــقديم الأول
4 ـ ومن الكراهة في السمع ، بأن تكون الكلمة وحشية ، تمجّها الأسماع ، كما تمجّ الأصوات المنكرة ، نحو : ( الجرشّى) بمعنى : النفس . قال المتنبي :
مـــبارك الإسم أغـــرّ اللقبْ
= كريم الجرشّى شريف النسبْ
والحاصل : أنه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة ، كانت غير فصيحة ، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور . وفصاحة الكلام هي : خلوص الكلام من الأمور التالية :
1- من عدم فصاحة بعض كلماته ، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة ـ كما تقدّم ـ سقط الكلام عن الفصاحة .
2- ومن تنافر الكلمات المجتمعة ، بأن يكون بين كلماته تنافراً ، فتثقل على السمع ، وتَعسر على النطق ، نحو هذين البيتين :
وقــبر رحــرب بــمكان قفــــرُ
= وليس قــربَ قـبر حـرب قـبرُ
وقال أبو تمّام :
كــريم متى أمــدحه والــورى معي
= وإذا ما لمته لمته وحدي
3- ومن ضعف التأليف : بأن يكون الكلام جارياً على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب ، كوصل ضميرين وتقديم غير الأعرف نحو : ( أعاضهاك ) في قول المتنّبي :
خلت البلاد من الغزالة ليلهـا
= فأعاضهاك الله كــي لا تحزنا
4- ومن التعقيد اللفظي ، بأن تكون الكلمات مرتّبة على خلاف ترتيب المعاني . قال المتنبي :
جفختْ وهم لا يجفخون بها بهم
= شيمٌ على الحسب الأغر دلائل
والأصل : جفخت بهم شيمٌ دلائل على الحسب الأغرّ وهم لا يجفخون بها .
5 ـ ومن التعقيد المعنوي : بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب إيراد اللوازم البعيدة ، المحتاجة الى إعمال الذهن ، حتى يفهم المقصود . قال عباس بن الاحنف :
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا
= وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
أردا بجمود العين : الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء ، وهذا خلاف المعنى المتفاهم .
6- ومن كثرة التكرار ، بأن يكرر اللفظ الواحد ، فيأتي به مرتين أو أزيد . قال الشاعر :
إني وأسطار سطر (ن) سطرا
= لقائل يا نصر نصر نصرا
7- ومن تتابع الإضافات ، بأن تتداخل الإضافات . قال ابن بابك :
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي
= فأنت بمــــرأى مـــن سعاد ومسمع
والحاصل : أنه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح . وفصاحة المتكّلم عبارة : عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود ، بكلام فصيح ، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح ، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة ، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً ، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم .
و(البلاغة) في اللغة : بمعنى الوصول والانتهاء ، قال تعالى : ( ولّما بلغ أشدَّه ) يوسف : 22 أي وصل . وفي الاصطلاح :
1 ـ أن يكون مطابقاً لمقتضى الحال ، بأن يكون على طبق مستلزمات المقام ، وحالات المخاطب ، مثلاً لمقام الهول كلام ، ولمقام الجد كلام ، ومع السوقة كلام . ومع كلام الملوك كلام . وهكذا .
2 ـ وأن يكون فصيحاً ـ على ما تقدم ـ. والبلاغة تقع وصفاً للكلام وللمتكلم ، فيقال : كلام بليغ ، ومتكلم بليغ ، ولا يقال : كلمة بليغة . وبلاغة الكلام عبارة عن : أن يكون الكلام مطابقاً لما يقتضيه حال الخطاب ، مع فصاحة ألفاظ مفرداته ومركباته ، فلو تكلم في حال الفرح مثل ما يتكلم في حال الحزن ، أو العكس ، أو تكلم في حال الفرح بكلام يتكلم به في هذه الحال لكن كانت الألفاظ غير فصيحة ، لا يسمى الكلام بليغاً . ثم إن الأمر المقتضى للأتيان بالكلام على كيفية مّا ، يسمى :
1 ـ ( مقاماً) باعتبار حلول الكلام فيه .
2 ـ ( حالاً ) باعتبار حالة المخاطب أو المتكلم أو نحوهما .
وإلقاء الكلام على هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمى ( مقتضى ) فقولهم : ( مقتضى الحال ) أو ( مقتضى المقام ) بمعنى الكيفية التي اقتضاها الحال أو المقام . مثلاً : يقال عند كون الفاعل نكرة ، حين يتطلب المقام التنكير : هذا الكلام مطابق لمقتضى الحال . إذاً : فالحال والمقام شيء واحد ، وإنما الاختلاف بالإعتبار . وبلاغة المتكلم عبارة عن : ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ ، بحيث يكون مطابقاً لمقتضى الحال فصيحاً . وقد عرّف ( ابن المعتز ) الكلام البليغ بكلام بليغ ، فقال : ( أبلغ الكلام : ما حسن إيجاده ، وقلّ مجازه ، وكثر إعجازه ، وتناسبت صدوره وأعجازه ). منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|