عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 3 )
أبوهمام الأثبجي
عضو فعال
رقم العضوية : 7372
تاريخ التسجيل : 11 - 05 - 2006
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 133 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : أبوهمام الأثبجي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : (مرض التعصب مابين الشعوب والقبائل،وفقهاء المذاهب،والفرق،والتيارات المعاصرة)

كُتب : [ 16 - 10 - 2006 ]

إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال ( نعم ) . قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟)تأمل هذا الحديث(قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟قال نعم وفيه دخن )يعني مع وجود الدخن بينهم وهو الكدورة إلا أنه خير لكن خالطه دخن . قلت وما دخنه ؟ قال ( قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر )فأثبت الخيرية لبعض القوم على الرغم من وجود الدخن بينهم؛فالعبرة بكثرة المحاسن وغلبتها. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب)شرب الخمر( فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله) كلمة(ما) هنا ما نوعها؟اسم موصول وليست نافية لكن المقصود بها اسم موصول.يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله) فهي موصولة بمعنى الذي؛لا تلعنوه فإن الذي أعلمه منه أنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛فهذا الصحابي_رضي الله تعالى عنه_زلت قدمه وتكررت منه هذه المعصية ولكن هذا لايعني أنه فاسد بالكلية بحيث تهمل الصفات الحميدة الأخرى التي توجب محبته وموالاته فيعرف للمحسن إحسانه وللمسيء إساءته إتماماً للعدل والإنصاف فلا يجوز أن يغلب جانب النظر إلى المعصية على جانب النظر إلى الطاعات وبقية الحسنات والفضائل؛فهذا كله حد فاصل بين أهل السنة والخوارج ؛فالخوارج يكفرونه ويتبرأون من فاعل المعصية_يعدونه قد خرج من الملة_ ويعادونه كما يعادون الكفار بل ربما يكونون على أهل الإسلام أشد منهم على أهل الأوثان كما جاء أيضاً في صفتهم(يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)من شدة انحرافهم عن هذا الأصل القويم؛وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة _رضي الله عنه_ في حق الشيطان الذي علمه آية الكرسي لتحفظه من الشيطان إذا أراد أن ينام قال : (أما إنه قد صدقك وهو كذوب)فانظر إلى الإنصاف مع أنه هو الشيطان لكنه كان صادقاً في هذه الجزئية فوصفه بالصدق مع أن الأصل فيه أنه كذاب(صدقك وهو كذوب)فأثبت الصدق للشيطان الذي هو ديدنه الكذب فلم يمنع ذلك من تقبل الخبر الذي دل عليه؛وذكر الحفظ ابن حجر العسقلاني في ضمن فوائد هذا الحديث قال: (وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها وبأن الكذاب قد يصدق)كذلك رسخ السلف الصالح وأصلوا هذا الأصل الأصيل فمن ذلك :
قول سعيد بن المسيب_رحمه الله تعالى_: (ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه؛فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله)يعني من كان فضله أكثر_الخير الذي فيه أكثر_من الشر الذي فيه فيعفى عن النقص لأجل غلبة الخير فيه؛ ولذلك يقول_عليه الصلاة والسلام_: (إن من المروءة جبر نقص ذوي الهيئات) أو جاء في حديث آخر_الحديث صحيح لكن ما أذكر لفظه_: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) كما قال _عليه الصلاة والسلام_
؛ (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) الشخص الذي يعلم عنه _غالب أحواله_الاستقامة فإذا زل في مرة أو مرتين _ما لم يكن حداً من حدود الله_
تغاضوا عنه وانظروا هيئته ولا تؤاخذوه بها؛لماذا؟لأن هذا الغالب عليه الخير (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) يقول ابن المسيب: (ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه؛فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله)؛وقال: (ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره)هذا من الظلم؛ قال عبد الله ابن الزبير الحميدي_رحمه الله_كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة فقال لي ذات يوم: (هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة) فقلت: (من هو؟)فقال: (محمد إدريس الشافعي)وكان أحمد قد جالسه بالعراق؛فلم يزل بي حتى اجترني إليه)_حتى يحضر عنده_ (فجلسنا إليه ودارت مسائل فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل: (كيف رأيت؟)_كيف رأيت في الإمام الشافعي في أثناء هذه المناظرة_(فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه )_فجعل يذكر الأخطاء فقط التي أخطأ فيها الإمام الشافعي(فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه وكان ذلك مني بالقرشية)يعني كان ذلك حسداً مني للإمام الشافعي_رحمه الله تعالى_فقال لي أحمد بن حنبل (فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان أو نحو هذا القول) (فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان تمر مائة مسألة يخطيء خمساً أو عشراً؛اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب)إذا {تكلم} في مائة مسألة فأخطأ في خمس منها{فهل} ينبغي للعقل أن يترك الصواب_خمس وتسعون مسألة_؛ أن تترك خمس وتسعون مسألة وتمسك بمسألة ولا يساوي الشافعي عند إلا هذه الخمسة أخطاء؛اترك ما أخطأ وخذ الصواب فإنك في هذه الحالة أنت الذي تكسب؛قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_ : (ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي إتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل وابتاعه عليه وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان وكلا هذين الطرفين فاسد والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ومن وافقهم خلافا للخوارج والمعتزلة) و يقول الإمام شمس الدين الذهبي_رحمه الله تعالى_وهو شمس وهو أنفس من الذهب_رحمه الله_ يقول الإمام الذهبي: (ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه؛نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك) وقال أيضاً في ترجمة القفال الشاشي
: (قال أبو الحسن الصفار:سمعت أبا سهل الصعلوكي وسئل عن تفسير القفال فقال: (قدسه من وجه ودنسه من وجه)أي دنسه من جهة نصره للاعتزال (قلت: قد مر موته والكمال عزيز وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل فلا تدفن المحاسن لورطة ولعله قد رجع عنها وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق و لا حول ولا قوة إلا بالله) هذا كلام الإمام الذهبي؛ يقول الإمام ابن القيم_ رحمه الله تعالى_: (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين ) وقال الإمام ابن القيم: (فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها)فإذا علم هذا؛ والحقيقة أن كثيراً جداً من الشباب يحتاجون إلى التدبر في هذه القاعدة بالذات فمجرد تصيد الأخطأ وتتبع العثرات والبحث عن الهفوات كل ذلك يكون مع التغافل عن الحسنات فهذا دليل على فساد القصد وسوء الطوية وقلة الدين يقول الإمام الشعبي -رحمه الله_: (لو أصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين) للأسف نلاحظ هذا في كثير من الشباب يعني يكون عالم من الأئمة له فضل عظيم جداً في خدمة الإسلام والسنة والجهاد في سبيل الله وكذا؛فمجرد أنه أخطأ في مسألة أو مسألتين أو قضايا لكن الغالب عليه الخير والاتباع فتجده يشطب تماماً على هذا الإمام ؛يقول الشيخ الفلاني صاحب البدعة الفلانية ويكون أخطأ في هذه المسألة فيحيدون عن هذا الأصل.أما الأصل السادس:فيتعلق بمنهج أئمة الحديث في تقويم الرجال: فتجد هذا العلم المتعلق بالرجال يسمونه: (علم الجرح والتعديل) ويعلم أنه لا يوجد منهج بشري على الإطلاق يملك عشر معشار هذا المنهج التوثيقي الدقيق الذي قدمه لنا أئمة الحديث_رضي الله عنهم أجمعين_ يقول الإمام أبو حاتم بن حبان يصف معالم هذا المنهج ويقول: (لسنا ممن يوهم الرعاع مالا يستحله ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان وإن كان لنا مخالفا بل نعطى كل شيخ حظه مما كان فيه ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح)محاور هذا المنهج متعددة وتفاصيلها تراجع في مظانها من كتب الحديث والمصطلح لكن هنا إشارة لمسائل ثلاث فقط حتى يتبين لنا مدى عدلهم وإنصافهم_ رحمهم الله_المسألة الأولى تقويم المبتدعة : فالعلماء ينظرون في الراوي إلى جهتين:جهة الضبط والإتقان بالإضافة إلى الصدق؛ الصدق والضبط والإتقان فإذا توفرت هاتان الصفتان اعتمدت رواية الراوي حتى واو عرف بتلبسه ببدعة غير مكفرة تخلف منهج السلف الصالح وكانوا يقولون: (لنا صدقه وعليه بدعته)؛ (لنا صدقه) لأنه عرف بالصدق لاسيما إن كان خارجياً_مثلاً_يعتقد أنه يكفر لو كذب_وإن كان وجد أيضاً كذب في الخوارج_لكن هذا في حق من قبله من أهل البدع أنه ثبت صدقه؛ يقول (لنا صدقه وعليه بدعته) فليس هذا تهويناً من أهل البدع وأهلها وإنما تعظيم للعدل واعتراف بالحق لأهله يقول الإمام الطبري _رحمه الله_: (لوكان كل من ادهي عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه)مجرد الاتهام هكذا جزافاً لكن ينبغي التحري والتدقيق في هذا.يقول الحافظ ابن حجر: (فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله)فلذلك لا نعجب إذا رأينا بعض علماء الحديث وأئمتهم حتى البخاري_نفسه_ قد يروي عن بعض أهل البدع لتوفر هاتين الصفتين:الصدق والضبط فهذا يدل على عظم العدل الذي اتصف به هؤلاء السلف في تقويمهم للرجال مع شدتهم على أهل البدع وحساسيتهم في هذه المسألة ولذلك شيخ الإسلام_نفسه_ يعترف بفضائل المبتدعة إذا ثبت الحق عنهم ولا يتردد في ذلك يقول_رحمه الله_: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفارا)فانظر إلى دقة شيخ الإسلام وشدة إنصافه في هذا الباب؛نجد أيضاً في صفوف من ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية يقولون على بعض الجماعات كجماعة التبليغ أنهم ينتشرون في كل أقطار العالم حتى في داخل روسيا؛في جنوب أفريقيا ؛في أمريكا؛في أوربا في كل بلاد العالم ينتشرون للدعوة إلى الإسلام_على بعض البدع يتلبسون بها وهي معروفة_ويرثون لهذا ويقولون كيف يعلمون الناس إسلاماً به هذه البدع؟ فأولى بمن يرى فهماً أصح للإسلام أن ينشط نشاطهم وأن يتحرك حركتهم لكن مع الكسل نتفرغ للرثاء فقط لحال هؤلاء الذين يسلمون على أيديهم وهذا كلام شيخ الإسلام يقول: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفارا.
وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزوا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثما بذلك ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارا فصاروا مسلمين وذاك كان شرا بالنسبة إلى القائم بالواجب وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير وأكثر المتكلمين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين فيصير الكافر مسلما مبتدعا واخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة كبدعة الرافضة ببدعة أخف منها وهى بدعة أهل السنة) يقول أيضاً شيخ الإسلام في نفس الباب يقول_رحمه الله_: (والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض وهذا مما يعترفون هم به ويقولون أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضا وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبنى علي جهل وظلم وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض)ومن جميل ما سطره يراع الحافظ الذهبي_رحمه الله تعالى_في كتابه سير أعلام النبلاء_هذا من أنفس كتب الرجال من أنفس هذه الكتب وأعظمها_يقول_رحمه الله_: (غلاة المعتزلة وغلاة الشيعة وغلاة الحنابلة وغلاة الأشاعرة وغلاة الجهمية وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا وفيهم أذكياء وعباد وعلماء_نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد_ ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع ونحب السنة ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ وإنما العبرة بكثرة المحاسن).هذا هو الأصل الأول فيما يتعلق بمنهج أهل الحديث في تقويم المبتدعة
أما المسألة الثانية في منهج أهل الحديث فهي: أن الخطأ اليسير في جنب الصواب الكثير مغفور؛ فالحكم يكون على غالب مرويات الرجل يعني ضبط الراوي هو شرط أساسي من الشروط لكن هذا لايعني سلامته من الخطأ تماماً بل إنما ينظر إلى مجموع ما يرويه الرجل؛فإذا كان الغالب على ما يرويه السلامة من الخطأ اعتبر الراوي ضابطاً وقبلت روايته ؛لكن إذا كثرت الأخطاء و مخلفة الراوي لغيره من الثقات رد حديثه؛يقول سفيان الثوري_رحمه الله_: (ليس يكاد يفلت من الغلط أحد؛إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط؛وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك)و يقول عبد الرحمن بن مهدي_رحمه الله_: (الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا خلاف فيه؛وآخر يهم والغالب على حفظه الصحة فهذا لا يترك حديثه؛ وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه) وقال الإمام أحمد _رحمه الله_: (ما رأيت أحداً أقل خطئاً من يحي بن سعيد ولقد أخطأ في أحاديث)ثم قال: (ومن يعرى من الخطأ والتصحيف) وقال أبو عيسى الترمذي : (وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي: (ولو كان كل من وهم في حديث اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد)
أما المسألة الثالثة والأخيرة من ضوابط علم الحديث في الحكم على الرجال _فهي الحقيقة مهمة جداً وقلما يتفطن لها أيضاً_ وهي أن كلام الأقران يطوى ولا يروى
فقد يحصل بين بعض الأقران يعني الناس المتقاربون في السن؛في العلم؛ في كذا أو يكونوا متعاصرين في عصر واحد فيحصل بينهم شيء من الخلاف لسبب من الأسباب فيؤدي إلى وقوع بعضهم ببعض دون عدل أو تأن حتى إن الواحد منهم قد يصف غيره أحياناً بأوصاف يعلم يقيناً أنه بريء منها لكن حب الذات والانتصار للنفس يلقي فيه روح الغيرة والاعتداء لأجل ذلك كان النقاد الجهابذة من المحدثين يهملون هذا الجرح بين الأقران إذا تبين لهم أن سبب صدوره نزاعات شخصية بين الطرفين؛والعبر بالأدلة والبراهين فالجرح_صحيح الجرح مقدم على التعديل_لكن إذا كان الجرح ناشيء عن خصومة مذهبية أو عصبية أو نوع من التحاسد وثبت ذلك فلا يقبل هذا الجرح؛ وهذا ما ينبغي أن يحكى لكنه يطوى ويخفى؛فهذه الصورة لا تقف عند المحدثين بل قد تتعداه_في مثل هذا العصر_إلى العلماء والدعاة وشتى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية؛وبعض الناس يعجب_مثلاً_ إذا اقتبس الإنسان من كتب لبعض الشيوخ بينهم وبين بعض علماء الدعوة السلفية _مثلاً_ بعض الخلاف والمساجلات والمحاورات الشديدة في الكتب والردود والأخذ والرد لماذا؟لأنهم ينحرفون عن هذا المنهج وهو:أن كلام الأقران يطوى ولا يحكى؛فالمنهج القسط أن ينظر إلى الخلفيات التي تبنى عليها الأحكام ومن ثم توزن بما يقتضيه الحال من التحري والإنصاف حتى لا يتهم أحد بما ليس فيه؛فليس كل جرح مؤثراً وليس كل اتهام مقبولاً. يقول الإمام أحمد بن حنبل_رحمه الله_: (كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه جرح أحد{حتى}يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه) قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر_رحمه الله تعالى_هذا باب غلط فيه كثير من الناس وضلت فيه نابتة جاهلية لا تدري ما عليها في ذلك والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحه ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل بها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر؛وأما من لم تثبت إمامته و لا عرفت عدالته ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب النظر إليه). يقول الإمام الذهبي: (كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد وما ينجو منه إلا من عصمه الله وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ولو شئت لسردت من ذلك كراريس) يعني مثل ما حصل بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح؛مثل ما حصل بين السيوطي والسخاوي وهكذا فيكل عصر تحصل مثل هذه الأشياء فإذا تناطحت النسور آفاق في السماء ما ينبغي للكتاكيت أن تتدخل في مثل هذا الصراع نحن نأخذ ما يسقط منهم من العلم والفضل؛ننتفع بالخير الذي عند كل أحد منهم؛هؤلاء نسور مالنا نحن ندخل{بينهم}:
إذا تلاقت الفحول في لجب فكيف حال الغطيط في الوسط
نأخذ الخير الذي عندهما ونطوي ما يكون بينهما من هذه النزاعات. يقول السبكي_رحمه الله_: (الحذر الحذر من هذا الحسبان بل إن الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإننا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة ولو فتحنا هذا الباب وأخذنا في تقديم الجر ح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة؛إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون) ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: (واعلم قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق)أخيراً قبل أن نطوي بساط هذا البحث نذكر أمثلة تطبيقية لتقويم الرجال فنلاحظ في كلام العلماء في تقويم الرجال التورع والتحري والعدل والإنصاف؛نجد_مثلاً_بعض النقاد من علماء الحديث قد يضعف أباه أو ولده أو قريبه إذا كان يستحق ذلك ولا يداهن؛فإن المنهج أغلى من أؤلئك الرجال وأبقى. يقول شعبة: (لو حابيت أحداً لحابيت هشام بن حسان كان ختني ولم يكن يحفظ) كان قريباً له وسئل علي بن المديني عن أبيه فقال: (سلوا غيري) ما يريد أن يتكلم في أبيه فيقول : (سلوا غيري ) فعادوا فأطرق فرفع رأسه فقال: (هو الدين )يعني هي مسؤولية الدين هو الدين؛فكأنه يوجد تحفظ من أن يوثق أباه في الرواية أو من ناحية حفظه_مثلاً_فانظر حتى مع أبيه؛فهذا تطبيق لقوله تعالى( كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين )فهو يتجرج من أن يقع في أبيه ويستخدم كل وسيلة ليهرب من هذا الأمر وفي نفس الوقت يقول: (هو الدين).وأبو داود كان يكذب ابنه ويقول: (لا تقبلوا روايته) وقال عبد الله بن عمرو قال لي زيد بن أبي أنيسة: (لا تكتب عن أخي فإنه كذاب) وقال الذهبي: (لو حابيت أحداً لحابيت أبا على لمكان علو روايته في القراءات عنه)لأنه صاحب الروايات العلية في القراءات التي أخذها عنه الإمام الذهبي _رحمه الله تعالى_؛نذكر_مثلاً_ مثالاً في معرض حديث شيخ الإسلام عن أبي ذر الهروي_وهو أحد الرواة المشهورين لصحيح البخاري_ يقول: (أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به)ثم ذكر بعض أصحابه ممن فيهم نظر وبعض البدع ثم وضح أيضاً ما هم عليه من الخطأ في هذه الأقوال؛يقول_مثلاً _ شيخ الإسلام ابن تيمية في الإمام أبي محمد بن حزم_رحمه الله_يقول: (وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات) وهكذا يفصل الإمام ابن تيمية_حتى لا أطيل عليكم_يفصل ما يؤخذ{عليه}_ما له وما عليه_ في حق الإمام الكبير ابن حزم_رحمه الله_ثم يقول في النهاية_بعدما يذكر بعض المؤاخذات_: (وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ويوجد في كتبه من كثرة الإطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء)كذلك انظر لكلام الذهبي في ترجمته للقاضي أبي بكر ابن العربي مشيراً إلى وقوع القاضي ابن العربي في ابن حزم_رحمه الله_يقول
: (ولم أنقم على القاضي_رحمه الله_)_بعدما ذكر ومدح القاضي ابن العربي_رحمه الله تعالى_يقول: (ولم أنقم على القاضي_رحمه الله_ إلا إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له ؛وابن حزم أوسع دائرة من أبي بكر في العلوم وأحفظ بكثير وأصاب في أشياء وأجاد في أشياء وزلق في مضايق كغيره من الأئمة؛والإنصاف عزيز) أيضاً يقول الذهبي في ترجمة ابن حزم : (وكان قد مهر أولاً في الأدب وفي الشعر والأخبار وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيراً ليته سلم من ذلك؛ولقد وقفت على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع والأصول وصنف في ذلك كتباً كثيرة)أي في المذهب الظاهري(وناظر عليه وبسط لسانه وقلمه ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب بل فجج العبرة وسب وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها ونفروا منها وأحرقت في وقت؛واعتنى بها آخرون من العلماء وفتشوها انتقاداً واستفادة وأخذاً ومؤاخذة ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجاً في الرص بالخرز المهين) يعني كأنهم عملوا عقد فيه درر ثمينة وفيه خرز مهين (فتارة يطربون ومرة يعجبون ومن تفرده يهزأون وفي الجملة فالكمال عزيز وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله_صلى الله عيه وسلم_ وكان ينهض بعلوم ويجيد النقد ويحسن النظم والنثر؛ وفيه دين وخير)هذا كلامه في ابن حزم( ومقاصده جميلة ومصنفاته مفيدة وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكباً على العلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه وقد أثنى عليه قبلنا الكبار)أيضاً الإمام أبو إسماعيل الهروي له كتاب معروف اسمه(ذم الكلام)وكتاب في التصوف اسمه(منازل السائرين)الذي شرحه الإمام ابن القيم في مدارج السالكين ؛والإمام الهروي ممن يلقب بشيخ الإسلام لكن الحافظ ابن القيم استدرك عليه في كتابه مسائل عديدة وتعقبه في ألفاظ مختلفة يقول الإمام ابن القيم _في بعض المواضع التي ما استطاع أن يتجاوز عنها وهو يشرح كتاب الإمام الهروي_يقول: (في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير يجبره حسن حال صاحبه وصدقه وتعظيمه لله ورسوله)_صلى الله عليه وسلم_( ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له)ولذلك تجد الفرق بين عبارات الإمام ابن القيم في بعض الطبعات لكتاب مدارج السالكين وبين بعض علماء الدعوة السلفية كانت عبارتهم شديدة جداً في مثل الإمام الهروي؛ففي الغالب يميل الشباب إلى مثل هذه الشدة ويتجاوبون معها ولا ينضبطون بهذا الذي نتحدث فيه الآن وهو العدل والإنصاف؛فتجد سهل جداً أن تخرج كلمة الكفر والشرك؛يوصف رجل بأنه صوفي فيظن أن كلمة صوفي هذه دائماً تعني الإلحاد وتعني وحدة الوجود وتعني كذا وكذا ؛هذه لفظة مشتبهة ينبغي أن تفتش عن المعنى المقصود من اتصافه به لأنها كلمة تحتمل عدة معاني ولبسط هذا_طبعاً موضع آخر_لا نطيل الآن_يقول ابن القيم في بعض الألفاظ قبل أن ينتقده أيضاً_يقول
: (شيخ الإسلام حبيبنا ولكن الحق أحب إلينا منه وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول عمله خير من علمه وصدق رحمه الله فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أهل البدع لا يشق له فيها غبار وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى)_صلى الله عليه وسلم_( وقد أخطأ في هذا الباب لفظا ومعنى)ثم أيضاً في موضع آخر يستنكر ابن القيم على الهروي بعض هذه المواضع ويقول: (ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه والكامل من عد خطؤه ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وافترقت بالسالكين فيه الطرقات وأشرفوا إلا أقلهم على أودية الهلكات)من هذه النماذج أيضاً نقد العلماء{لكتاب إحياء علوم الدين} وهذا نموذج واضح ونحتاجه كثيراً جداً؛ نقد العلماء لكتاب إحياء علوم الدين وكتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي؛باختصار أيضاً يقول شيخ الإسلام بعد كلام طويل في حق الإحياء: (والأحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد فإذاذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين وقد أنكر أئمة الدين على أبى حامد هذا فى كتبه وقالوا مرضه الشفاء)ما معنى هذه الكلمة ؟يقولون أبو حامد مرضه الشفاء؛هل يوجد شفاء يمرض؟ الشفاء لابن سينا وكتاب الشفاء هذا في الفلسفة فكانوا يقولون أبو حامد لما قرأ في كتاب الشفاء هذا أمرضه هذا الشفاء أمرضه كتاب الشفاء لابن سينا؛يقول الإمام الذهبي_رحمه الله تعالى في الإحياء أيضاً: (وأما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائف الحكماء ومنحرفي الصوفية_نسأل الله علماً نافعاً_) ويقول أيضاً: (الغزالي إمام كبير وما من شرط العالم أنه لا يخطيء ) ويقول الذهبي
: (ورحم الله أبا حامد فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لا ندعي عصمته من الخطأ والغلط ولا تقليد في الأصول)فانظر إلى إمام من أئمة أهل السنة شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الذهبي_رحمه الله_يثبتان الاضطراب والانحراف في منهج أبي حامد الغزالي_رحمه الله_ ولم يمنعهما ذلك من تقرير الجوانب الإيجابية في منهجه الفكري إحقاقاً للحق وإتماماً للعدل المأمور به شرعاً؛ فإذا فقدنا هذه الضوابط التي ذكرناها تشيع الاتهامات وتكثر الافتراءات ويصل الحال عند بعض الناس إلى أن يرموا بالكتاب جملة وتفصلاً وقد يتطاولون بألفاظ السب والتجديع لمؤلفه أما منهج أهل الحق_أهل السنة والجماعة_ فقد وضحه الإمام ابن القيم_رحمه الله تعالى_: (فإن كل طائفة معها حق وباطل فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل ومن فتح الله له بهذه الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب ويسر عليه فيهما الأسباب)فهذا ما تيسر اليوم في الكلام في هذا المنهج.يقول الإمام أبو حامد الغزالي_رحمه الله_: (اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة
وكما أن الذي خير بين الشرب وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة) في نفس الوقت لا ننكر أن النقد البناء ضرورة لا غنى عنها لأن هذا من تمام العدل والإنصاف أن يحق الحق نصيحة لله ورسوله وللمؤمنين ؛فأخيراً نختم بكلمة للإمام ابن القيم_رحمه الله تعالى_في بيان هذا المنهج: (عادتنا في مسائل الدين كلها دقها وجلها أن نقول بموجبها ولا نضرب بعضها ببعض ولا نتعصب لطائفة على طائفة بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق ونخالفها فيما معها من خلاف الحق لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه ونلقى الله به ولا قوة إلا بالله)فهذا حاصل ما تيسر من تلخيص هذا البحث: (منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم) للشيخ أمد بن عبد الرحمن الصيام؛ذكر أول أسباب النجاة من ذلك: ورع اللسان ثم القاعدة الثانية: أهمية التجرد وبيان أن الهوى من أسباب الظلم.ثم ثالثاً:ذكر قاعدة معرفة الحق في الرجال.ورابعاً: أن كل بني آدم خطاء. وخامساً: أنه ينبغي الموازنة بين السلبيات والإيجابيات . ثم ذكر منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال وانتقى منه ثلاثة مواضيع: طريقة أهل السنة في تقويم المبتدعة؛ثم بيان أن الخطأ اليسير في جنب الصواب الكثير مغفور؛ثم قاعدة أن كلام الأقران يطوى ولا يروى وذكر أمثلة في تقويم الرجال وأمثلة تطبيقية في تقويم الكتب؛أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم؛سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك ,أتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[تم البحث والحمد لله على نعمه السابغة ظاهراً وباطناً]

الفصل السادس: وحدة الأمة المحمدية،والإستفادة من الأخطاء،والرد على من يغالط منهجية التحليل العقدي للأحداث العالمية عامةً،والأزمة اللبنانية خاصةً.

هل نستفيد من أخطائنا..؟!
تباينت مواقف الإسلاميين إزاء الأزمة اللبنانية تبايناً واضحاً، سواء أكان هذا التباين في توصيف وتكييف الواقع السياسي، أم في الموقف الشرعي منه. وقد بيّنا في مجلة البيان رؤيتنا في هذه القضية في افتتاحية العدد السابق(*). لكن هذا التباين كشف عن عمق الشرخ الذي تعاني منه الصحوة الإسلامية؛ فالاختلاف في الآراء أدى في بعض المواقع إلى التهارش والبغي وتسفيه الآخرين، وظهر في هذه الفترة سيل من الحوارات والمقالات المتشنجة المتوترة التي تغلِّب جانب الهجوم والاتهام. وربما أثر ذلك على بعض الأصوات الهادئة المنصفة التي تزن الأمور بموضوعية وحكمة.

وعندما ترتفع الأصوات، وتتشنج النفوس، تصبح قدرة الإنسان على رؤية الحقيقة ضعيفة جداً؛ فلا المصيب يكون قادراً على إقناع إخوانه بوجه الصواب عنده، ولا المخطئ يكون قادراً على إدراك الخطأ والنظر فيه بعين البصيرة والإنصاف.

وفي ظل هذه الأجواء القلقة المشحونة قد يضطر بعض العلماء وأهل الرأي إلى مجاراة الجماهير والاستسلام لعاطفتهم المحدودة التي لا تقوى على رؤية الحدث بعين البصيرة، فضلاً عن قراءة جذوره وخلفياته واستشراف مستقبله، فيكون العالم صورة لرأي الجماهير والأتباع.

وفريق آخر من العلماء وأهل الرأي لما رأى اندفاع الجماهير وحماسهم، ورأى اضطراب الناس واختلافهم، آثر الانكفاء والانسحاب ظناً منه أن العزلة في مواطن الفتن هي الحل بإطلاق، ونسي أن بيان الحق بدليله والصبر على الأذى فـيه من أوجب واجبات أهل العـلم والدعوة. قـال الله ـ تعالى ـ: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187].

وبين هؤلاء وأولئك قلة قليلة من العلماء وأهل الرأي قائمة بالحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.

ومن المحزن حقاً أنه بعد كل نازلة تعصف بالأمة يزداد تفرقنا وتنازعنا، وبدلاً من أن تقودنا تلك العواصف للتآلف والتكاتف، أصبحت تدفعنا إلى البغي والتطاول.

إن الاخــتلاف في الاجـتهادات منه ما هو سائغ لا حرج فيه، ومـنه ما هـو مذموم لا خير فيه، وفي كثير من الأحيان يختلط عند بعضنا السائغ بالمذموم، ولا نحسن تحرير محل النزاع، فتستحكم الأزمة، ويتجذر التعصب في صفوفنا.

أما وقد هدأت العاصفة الآن نسبياً، وسكنت النفوس، فيحسن بنا أن نذكِّر أنفسنا وإخواننا من جميع الاتجاهات الفكرية والحركية بمسألتين مهمتين:

\ المسألة الأولى: تعظيم ميزان الشرع:

فمـن نافلة القول التأكيد على أن المعيار الذي توزن به الاجتـهـادات والآراء هـو معـيار الشـرع المطهر؛ فـكل شـاردة أو نــازلة تمــر بهـا الأمــة يجــب أن يُحْــتَكَم فـيـها إلـى الكتاب والسنة. قال الله ـ تعالى ـ: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59]. وما أجمل قول الإمام الشافعي: «ليس تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة، إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها»(1).

ولا يجوز بحال أن يكون الموقف السياسي بمعزل عن النص الشرعي، وعندما يفقد الدعاة والمفكرون هذا الإطار المرجعي فإن حالة من الارتباك والاضطراب سوف تطغى على الواقع وتقفز إلى السطح، كما هو حاصل الآن. قال الإمام الشاطبي: «ولقد زلّ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادّة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم؛ فضلوا عن سواء السبيل»(2).

وبالتأكيد لا نقصد في هذا السياق الغفلة عن دراسة الواقع السياسي بكل أبعاده وأطرافه الإقليمية والدولية؛ فهذا أمر ضـروري، ولكنـنا نؤكد على أهمية التلازم بين معرفة حكم الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ومعرفة الواقع الذي يراد تطبيق حكم الله فيه(3).

إن ثمة حقيقة جديرة بالتأمل والتدارس وهي أن الرؤية السياسية الشرعية المنطلقة من مُحْكَمات الكتاب والسنة أصبحت غريبة، نعم! غريبة؛ فكم رأينا من بعض إخواننا من الإسلاميين من يستهين أحياناً بالنص الشرعي ـ بلسان الحال ـ ولا يجعـله معياراً لقراءة الواقع، ولا حَكَماً يستسلم لحدوده، ولا نقصد ها هنا ما حدث في الأزمة اللبنانية من اختلاف فحسب، بل نراه في مشروعنا السياسي برمته.

والعجيب أن بعض الإسلاميين ظنَّ أن النصوص الشرعية في الجانب السياسي قليلة جداً، ثم جعل الأصل في المعاملات السياسية هو الاعتماد على تقدير المصالح والمفاسد فحسب، وبنى ذلك في معزل عن الضوابط والقواعد العلمية التي حررها علماء أصول الفقه!

\ المسألة الثانية: الوحدة الإسلامية المنشودة:

إن الوحدة الإسلامية مطلب مهم تتعلق به أفئدة جميع المسلمين، خاصة عندما يظهر تنازعهم واختلافهم من جهة، وتكالب الأعداء عليهم من جهة أخرى.

وما كانت الأمة في وقت من الأوقات بحاجة إلى الوحدة كما هي الآن، ولهذا يجب على العلماء والدعاة والمربين أن يؤكدوا على أهمية الوحدة الإسلامية، ويرسموا الرؤية العلمية والعملية التي تبني ذلك في جميع أقطار المسلمين، ليتحول الخطاب العاطفي إلى خطاب عملي يتجسد في واقع الحال.

ولن يتحقق هذا المطلب إلا بإقامة الدين والاعتصام بحــبــله المتـين، كما تـواتـرت بذلك الـنصـوص. قــال الله ـ تعالى ـ: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}

[الشورى: 13].

وقال ـ تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

والعجيب أن بعضنا عندما طرح هذه القضية وقع في مشكلتين:

المشكلة الأولى:

التهوين الشديد من شأن الخلاف بين السُّنَّة والشيعة، لدرجة أن بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة زعم أن ذلك خلاف تاريخي عفَّى عليه الزمان، وحصل لظروف وصراعات سياسية، ثم سعى المتعصبون من الطرفين إلى إلباسها لباس الخلافات العقدية والمنهجية، وهؤلاء يطالبون بتجاوز الماضي ونسيانه..!

وعلى الرغـم مـن الخـطأ العلـمي الـفادح في هـذا الرأي، إلا أننا ـ جدلاً ـ لو تناسينا الماضي السياسي أو الانحراف العقدي لقدماء الشيعة؛ فماذا نقول فيما يحدث الآن على أرض الواقع، بعيداً عن عقيدة التقية أو المزايدة السياسية؟!

إن المتابع البصير للقنوات الفضائية الشيعية في العراق خصوصاً، وللمجلات والجرائد ومواقع الشبكة العالمية، وخطابات المراجع العلمية الشيعية، يصاب بالذهول والحيرة للكمِّ الهائل من العقائد المنحرفة في الأصول والفروع على حد سواء، ويدرك حجم الاختلاف معهم في مصادر وطرق الاستدلال والتلقي والاستنباط، ويعجب المرء أشد العجب من جرأتهم على كتاب الله ـ تعالى ـ وفحشهم في تجريج وذم الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ فكيف يمكن أن نتجاوز ذلك؟! وهل يصح أن يقال: إن خلافنا معهم خلاف تاريخي ذهب وقته؟!

وقد أحسن فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حينما بيَّن هذا الانحراف في عقيدة الشيعة في محاضرته الأخيرة في نقابة الصحفيين بمصر.

أمـا العـداء السـياسـي فـقـد أضـحى الآن حقيـقة مـدوية لا يتجاهلها إلا مكابر؛ فها نحن نرى دماء أبناء السُّنَّة وأعراضهم في العراق تُنتهك جهاراً، ونرى العلماء والدعاة وخطباء الجوامع من أهل السنة يُسْحَقون بدم بارد، ويهجَّرون من ديارهم وقراهم بكل صلف وجبروت!

فواعجباً! هل يظن ظانٌ بعد ذلك أن خلافنا معهم خلاف تاريخي..؟! أو أن الشيعة قد تغيروا؟!

ولهذا نقول بكل وضوح وصراحة: إنَّ التحذير من الشيعة ليس دعوة عصبية أو طائفية، وليس مناقضاً للأصل الشرعي في الدعوة لوحدة الأمة الإسلامية؛ بل نعتقد أن بيان ذلك من مقتضيات الوحدة الواجبة، خاصة أننا نشهد الآن اختراقاً شيعياً ملحوظاً لمناطق السُّنَّة تجاوز دول الأطراف الإسلامية في أفريقيا وأندونيسيا ونحوها، إلى دول العمق الإسلامي في مصر والسودان وسورية وغيرها.

فهل يعي العلماء والدعاة تبعات هذه المرحلة..؟!

المشكلة الثانية:

هي الحماس الزائد في الكلام عن الوحدة والتقارب من الشيعة مع التجاهل الواضح للوحدة أو التقارب مع بقية فصائل أهل السنة، مع أن الخلاف بين فصائل السنة أهون بكثير من الخلاف مع الشيعة؛ فالتفرق واضح في صفوف أهل السنة، وهم أوْلى بنداء الوحدة في وقت النوازل، ونحسب أن تفرقهم من أعظم ما ابتلي به المسلمون اليوم.

والرزية كل الرزية أن يصاب الدعاة والمصلحون وأبناء الصحوة الإسـلامية بهذا الداء العضال، ويتجذر في صفوفهم، ثـم لا نجــد دعـوات ومـبادرات عمـلية جـادة لرأب الـصدع، ولمِّ الشعث، وتقريب وجهات النظر..!

وليس من الشرع، بل ولا من العقل، أن نرى الحزبية البغيضة والتنازع الدعوي يضربان بجذورهما في أعماقنا التربويـة والحركيـة، ثم نقف مكتوفي الأيدي لا نحرك ساكناً، بل ربما يسهم بعضنا في زيادة الشقة بين الدعاة، ويثير كوامن التعصب والتنازع.

من السهل جداً أن ندعو إلى الوحدة الإسلامية، لكن المهم هو أن يكون ذلك بفقه وبصيرة، وأن نزرع في نفس المسلم ولاءه ومحبته لإخوانه المسلمين، ويكون ذلك جزءاً من تكويننا التربوي والعلمي.

والأخلاق ليست صوراً وعظية باردة تُستخرَج من بين صفحات الكتب، بل هي ممارسة عملية حية تظهر في سلـوك العـلماء والدعـاة وأهـل الرأي ممَّـن يُقتدَى بهم. وإذا كان أبناء الصحوة الإسلامية ـ الذين هم صفوة الأمة ـ لم يحســنوا بعدُ بناء صفوفهم؛ فكيف نتطلع إلى وحدة شاملة للأمة بما فيها من أمراض ومشكلات..؟!

ونحسب أن من أهم الدعائم الأساسية لرأب الصدع وتقليل هوَّة الاختلاف والنزاع: إحياء ثقافة التناصح بين الدعـاة والعـاملين في الحـقل الإسلامي، تحقيقاً لقول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: {وَتَوَاصَوْا بِالْـحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].

والنصــيـحة الصـادقـة ليــست بابـاً من أبواب التشهــير أو التشفي أو الاعتداء على حرمات الآخرين.

النصيحة المخلصة ليست لوناً من ألوان الاستعلاء أو التعالُم على المخالفين.

النصيحة الصادقة المخلصة لا تكون إلا بالرحمة والإحسان، وتجريد القصد لله ـ تعالى ـ وحده لا شريك له؛ إنها آية من آيات المحبة يُسَدُّ بها النقص، وتصحَّح بها المسيرة، وتأتلف بها القلوب، وتتوحد عليها الصفوف.

وإذا كـانت كذلك؛ فلن يستنكف طلاب الآخرة عن قبولها، بل يفرحون بها، وما أروع كلام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ عندما قال: «قد كان من كان قبلكم عن السلف الصالح يلقى الرجلُ الرجلَ فيقول: يا أخي! ما كلَّ ذنوبي أُبْصِرُ، ولا كلَّ عيوبي أَعرفُ؛ فإن رأيتَ خيراً فمُرْني، وإذا رأيتَ شراً فانهَني»(1).

اللهم وحِّد صفوفنا على السُّنَّة، واجمع قلوبنا على الطاعة!

وصلى الله على محمد وآله وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------

(ü) والتي كانت تحت عنوان (عندما تذهب السكرة وتجيء الفكرة)، العدد 228.
.................................................. ................................................
(انظر: مجلة البيان-السنة الحادية والعشرون-العدد 229هـ-رمضان 1427هـ-أكتوبر 2006م).


مع تحيات وتقدير
أخوكم في لله ومحبكم في لله وابن عمكم العزيز.
أبوهمام عبدالهادي بن أحمد بن عبدالهادي الدريدي الأثبجي الهلالي.
((ابن جزيرة الحرمين الشريفين)).


رد مع اقتباس