عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 5 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : موقف الخليفة / عمر بن عبد العزيز رحمه الله من الشعراء

كُتب : [ 18 - 06 - 2008 ]

أما / عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه فقد أدرك بفراسته أنه هو المرشح ولا أحد سواه ، إذ لا مبرر لإخفاء اسم خليفة سليمان متى كان أحد أخوته أبناء عبدالملك ، فهم لن يتصارعوا طالما بقيت لأحدهم . وكان سبب تخوف عمر رضي الله عنه من المسئولية الثقيلة رؤيا زار فيها النبي صلي الله عليه وسلم في روضة خضراء ، وأخبره بأنه سيلي أمر الأمة ، وحذّره من الوقوع فيما وقع فيه من سبقوه ، وخاصة إراقة دماء المسلمين . وفي رؤيا أخري قال له الرسول صلي الله عليه وسلم : ادن – اقترب يا عمر ، فأطاع عمر واقترب منه حتى خشي أن يصطدم به ، فقال له صلي الله عليه وسلم : " إذا وليت فاعمل نحوا من عمل هذين " وأشار الى كهلين بجواره ، فسأله عمر : ومن هذان ؟ فأجاب صلي الله عليه وسلم : " هذا أبو بكر وهذا عمر بن الخطاب ".

حينئذ أحس / عمر بن عبدالعزيز أنه هو الذي استقر رأي سليمان على ترشيحه للخلافة ، فذهب إلى / رجاء بن حيوة وقال له : أنشدك الله وحرمتي ومودتي أن تعلمني إن كان كتب لي ذلك – الخلافة – حتى أستعفيه منها قبل أن يأتي حال لا أقدر فيه على ما أقدر عليه الآن . لكن رجاء رفض بإصرار أن يطلع عمر على شيء مما كتبه سليمان في عهده المختوم . ثم جاء / هشام بن الملك إلى رجاء فقال له : يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة قديمة ، فأخبرني عن هذا الأمر – الخلافة – إن كانت إليّ علمت وإن كان لغيري نظرت ما يمكنني عمله ، فما مثلي يفوته هذا . ورفض الوزير الأمين أن يطلع شقيق الخليفة أيضا على شيء . وعندما صعدت روح / سليمان بن عبدالملك إلي الملأ الأعلى ، جاء / كعب بن حامد صاحب الشرطة و / رجاء بن حيوة فجمعا الناس في المسجد الكبير بدابق وأخذا البيعة مرة ثانية لمن في الكتاب . تغيرت وجوه بني مروان عندما قرأ عليهم / رجاء بن حيوة عهد / سليمان بن عبدالملك إلى / عمر بن عبدالعزيز . وغضب / هشام بن عبدالملك وكان أكثر إخوته طمعا في الخلافة ، وأعلن رفضه مبايعة / عمر بن عبدالعزيز .

نهره / رجاء بن حيوة رضي الله عنه ، وقال له بحزم : " أضرب عنقك والله . قم فبايع ". وهدأ الباقون عندما سمعوا أن ولاية العهد ليزيد بن عبدالملك ، فقاموا جميعا ليبايعوا / عمر بن عبدالعزيز . كان عمر رضي الله عنه جالسا في مؤخرة المسجد مشفقا يرتجف مما يسمع . عندما تأكد أنه ابتلي بالخلافة ، راح يردد : " إنا لله وإنا إليه راجعون " !! إنها قولة المؤمن إذا أصابته مصيبة ، فهل المنصب الذي تطمح إليه أبصار وأفئدة الكثيرين ، ويتصارعون عليه ، ويتفانون من أجله ، يمثل عند هذا الشاب التقي مصيبة يسترجع ويئن لوقعها عليه ؟! أجل . إنها لكبرى المصائب والتبعات ، أن تلقي أحمال مئات الملايين من المسلمين وأهل الذمة وهمومهم وآلامهم وأمالهم على كتفي رجل واحد كائنا من كان . وقد كان عمر رضي الله عنه يعلم أنها أمانة عسيرة الحساب ، شديدة العناء ، لا قبل لبشر بها إلا من أعان الله وقليل ماهم .

حاول أن يقوم من مكانه فأبت قدماه أن تحملانه . مكث برهة يغالب نفسه المأخوذة من رهبة المسئولية . أدرك / رجاء بن حيوة بفطنته ما حدث للأمير ، فأمر الحراس بحمله حتى وضعوه على المنبر ، وأمر الناس فأقبلوا متهللين يبايعون الخليفة الجديد ، ونهض عمر بعد فترة ليخطب في الناس . إنه ما زال يحاول تخليص عنقه من أغلال الحكم وأهوال السلطة ، ومن حسراتها وأحزانها يوم القيامة إلا من رحم الله . وقد كان يأخذ على من قبله أنهم يتداولون الحكم فيما بينهم بغير شورى أو اختيار حر من المسلمين ، فكيف يقبل اليوم لنفسه ما أنكره على غيره بالأمس ؟

وتكلم أخيرا فكان أول ما قاله : " أيها الناس إني لست بمبتدع ، ولكني متبع ، وإن من حولكم من الأمصار – الأقاليم – والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم ، وإن هم رفضوا فلست لكم بوال . ويروى أيضا أنه أعفى من بايعوه وطالبهم باختيار وال آخر بدلا منه !! إنه الورع والتعفف وعمق الفقه والبصيرة . فإذا كان الإسلام ينهى الفرد عن إمامة المصلين – في الصلاة – بغير رضا منهم ، فكيف يتولى الخلافة عليهم بدون إذنهم ورضاهم ؟ ألمجرد أن الخليفة السابق اختاره لهذا المنصب ؟! لقد اّن الأوان ليعود الحق إلى نصابه ، ويترك اختيار الحاكم للرعية ، كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده . ارتج المسجد بصيحات مدوية تجدد البيعة للأمير الراشد ، وتلح عليه في التراجع عن موقفه ، فما يصلح لها غيره ، وما يرتضون به بديلا ، وقد علموا أنهم إذا تركوه يعودون إلى سابق العهد المرير من الملك العضوض والاستبداد البغيض الذي نغّص على الأتقياء دينهم وعيشهم . وعندما أيقن عمر أنه لا مفر أمامه من قبول المسئولية خطب في الحاضرين مرة أخرى قائلا " أيها الناس . من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا . يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفع حاجته ، ويعيننا على الخير بجهده ، ويدلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه ، ولا يغتابن عندنا أحدا ، ولا يعرضن فيما لا يعنيه ".

بهذه الكلمات البليغة الموجزة وضع عمر دستور التعامل بينه وبين رعيته وعماله وحاشيته . وعندما سمع الناس ما قال : الخليفة الجديد أيقن العلماء والصالحون والزهاد أنهم وجدوا أخيرا بقية من رشد الخلافة الأولى وتقواها ، ويئس الظالمون والمنافقون وبطانة السوء ، وقام كل مظلوم ومقهور ومجني عليه يبغي القصاص ورد المظالم على يدي راشد بنى مروان .

بعد دفن / سليمان بن عبدالملك جاء الحراس بمراكب الخليفة ، وهي جياد ثمينة عليها فرش وزينة فاخرة . تطلع عمر إلى الخيول وهو يتمتم : " ما شاء الله لا قوة إلا بالله ". كل هذه الخيول وزينتها باهظة الثمن من أجل رجل واحد !! حتى لو كان هو حاكم المسلمين ، فماذا عليه لو قنع بدابة واحدة ، وتخلص من هذا الموكب المهيب الذي هو إلى الرياء والمفاخرة أقرب من أي شيء آخر ؟ ثم كيف يرضى الحاكم بأن يخصص له مثل هذا الموكب بالغ الإسراف ؟! وكان القرار الأول الذي أصدره الخليفة الجديد هو بيع خيول موكب الخلافة وزينتها ولوازمها ، وإيداع ثمنها بيت مال المسلمين . ومضى رضي الله عنه إلي بيته مهموما ، فسأله أحد مرافقيه : مالك مهموما هكذا وليس هذا وقت الهم والغم ؟ قال له عمر :

" ويحك . ومالي لا أغتم ، وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني أن أؤدي حقه إليه ، كتب في ذلك إليّ أو لم يكتب ، طلبه مني أو لم يطلب ". هكذا كان يفكر العبد الصالح الذي يقدر المسئولية ، ويدرك التبعة . وعندما جاء صاحب الشرطة ليسير بين يديه حاملا الحربة – على عادته في مواكب من سبقه من الخلفاء – نهره عمر وأمره بأن يتنحى عن موضعه ، فما الخليفة إلا رجل من المسلمين . وعندما وصل عمر إلى دمشق توجه إلى المسجد فصعد المنبر أيضا وقال للناس : إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي مني فيه ولا طلب له ، ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي ، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون . تصايح الحاضرون بصوت واحد : قد اخترناك لأنفسنا ورضينا بك كلنا : لا مفر إذن يا عمر فهذا قدرك المحترم . قالها لنفسه يائسا من تراجعهم عن بيعته . بعد برهة حمد الله وأثني عليه وقال : أوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خلف من كل شيء ، وأكثروا من ذكر الموت فإنه هادم الملذات ، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله ، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في نبيها ولا في كتابها ، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم ، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا ، ولا أمنع أحدا حقا . أيها الناس . من أطاع الله وجبت طاعته ، ومن عصى الله فلا طاعة له ، أطيعوني ما أطعت الله ، فإن عصيت ربي فلا طاعة لي عليكم ".

وفور نزوله من المنبر أمر بالستائر والثياب التي كانت توضع للخلفاء فعرضت للبيع ، ووضع ثمنها في بيت المال . وأبى رضي الله عنه أن ينزل بدار الخلافة حتى تفرغ بعد حين من آل / سليمان بن عبدالملك . ولم يكد عمر يضع رأسه على وسادة في بيته ليستريح – وقت الظهيرة – حتى طرق عليه ابنه عبدالملك الباب . قال لأبيه : أتقيل – تستريح وقت القيلولة – يا أمير المؤمنين ، ولا ترد المظالم إلى أهلها ؟ قال عمر : إني قد سهرت البارحة في أمر سليمان – دفنه – فإذا صليت الظهر رددت المظالم . قال له ابنه : ومن يضمن لك أن تعيش إلى الظهر ؟ إنها ذرية بعضها من بعض حقا . قبّل عمر ولده سعيدا بتقواه ونصحه له بالخير ، وقام من فوره إلى المسجد حيث نادي مناديه أصحاب الحقوق والمظالم ليعرضوها على الخليفة . كانت المظلمة الأولى هي شكوى أحد الذميين – أهل الكتاب – من أن / العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصب أرضه بحمص . كان العباس موجودا فسأله عمر : ما تقول يا عباس ؟ أجاب العباس : نعم . أعطاني أبي هذه الأرض – وقت خلافته – وكتب لي بها سجلّا – عقدا – قال عمر : ما تقول يا ذمي ؟ أجاب الرجل : يا أمير المؤمنين كتاب الله تعالي . قال عمر : نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد . يا عباس قم فرد إلى هذا الرجل أرضه ، وأطاع العباس بلا تردد .

جاء عمر إلى بيته . أسرعت إليه زوجته الحسناء / فاطمة بنت عبدالملك لتهنئه بالخلافة . ذهلت عندما رأت ما يكسو وجهه من شحوب وهم . تركته داخل المسجد الصغير الذي أقامه في ركن من بيته حيث جلس واضعا يده على خده وتساقطت الدموع من عينيه . روعت فاطمة . أقبلت عليه تسأله في فزع : مالك ؟ أجاب عمر " يا فاطمة . إني قد وليت من أمر هذه الأمة ما تعلمين ، ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة ، والمظلوم المقهور ، والغريب والأسير ، والشيخ الكبير ، وذي العيال الكثير والمال القليل ، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد ، فعلمت إن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم محمد – صلي الله عليه وسلم – فخشيت أن لا تثبت لي حجة عند مخاصمته ، فرحمت نفسي فبكيت . راحت فاطمة تواسيه ، وتهون عليه . تطلع إليها . إنها شريكة عمره ، وأم ولده ، وابنة عمه ، لكن عمر رضي الله عنه كان يفكر في أمر ، طالما نغص عليه صفاء روحه ، وظلل حبه لزوجته فاطمة بسحابة من الاستياء والضيق . لقد آثرها أبوها / عبدالملك بن مروان بجواهر جاءت إليه من غنائم الفتوحات الكثيرة في عهده . وقد كان عمر يكره أن يراها على جسد زوجته وهو يعلم جيدا أن مكانها هناك في بيت مال المسلمين . وقد بدأ خلافته برد الحقوق إلى أهلها حتى خاتم صغير أعطاه له الوليد يوما قام برده إلى بيت المال ، وعليه الآن أن يمضي حتى نهاية الشوط ، ولا ينسي أهله والمقربين إليه . قال لفاطمة : أي زوجتي الحبيبة . عليك الآن أن تختاري . إما أن تردّي هذه الحلي إلي بيت المال ، أو أن تأذني لي في فراقك ، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهذه الحلي في بيت واحد . دمعت عينا فاطمة . لقد أحبت عمر منذ باكورة الصبا لتقواه ومكارم أخلاقه وعلمه ، ولم يدر في خلدها يوما أن تفكر في المفاضلة بين الحياة معه وبين كل أموال الدنيا ونعيمها الفاني ، وإنها لتعلم علم اليقين أنه صادق في رد أموال المسلمين إليهم ، وأن زوجها رجل لا يخشى في الله لومة لائم ، ولا يبيع دينه لإرضاء صاحبة أو ولد . هتفت على الفور : بل أختارك عليه وعلى أضعافه . قامت إلى حجرتها فجمعت حليها ، وخلعت ما كانت ترتدي ، وجاءت بكل ثمين وغال من متاعها ووضعته كله في صندوق بين يدي زوجها ، فأمر بحمله إلي بيت المال . سألته فاطمة : هل استرحت الآن يا أمير المؤمنين ؟ رد عليها قائلا أن هناك أمرا ثانيا يريد إطلاعها عليه . تطلعت إليه في لهفة . نادى رضي الله عنه كل جواريه . أقبلن بسرعة ليسمعن ما يقول . راح يتفرس فيهن ، وينقل بصره بينهن . لطالما استمتع بهن أيام الفراغ والشباب والنعيم ، أما الآن فقد نزلت به أمور جسام ربما منعته من أداء حقوق نسائه عليه ، وحاشا لله أن يترك مشاكل المسلمين ومصائرهم لينعم بالتعطر والتنقل بين مخادع نسائه ، وإن كان ذلك كله حلالا طيبا يؤجر عليه . قال لهن : قد نزل بي أمر شغلني عنكن : فمن أحبت أن أمسكها أمسكتها وإن لم يكن مني إليها حاجة - يقصد أنه لن يكون متفرغا لهن – فبكت الجواري وعلت صرخاتهن حزنا على حرمانهن من سيدهن الذي يحبه الجميع ، واّثرن البقاء معه على الحرية . وكذلك بكت فاطمة رضي الله عنها عندما خيّرها عمر بين البقاء معه بلا فراغ منه لها ، وبين الطلاق ، ورضيت بالبقاء إلى جانبه لتعينه على أمر الخلافة مهما كلفها ذلك من تضحيات . وكذلك أعتق عمر أحب جواريه إلى قلبه وكانت من بلاد المغرب بغير أن يقربها ، عندما علم أنها وقعت في الأسر بطريق الخطأ ، وأن واليه هناك اتخذها جارية لمعاقبة والدها على جناية ارتكبها ، فأمر الخليفة بردها إلى أهلها حرّة كريمة لم يمسسها أحد بسوء .

أنجز عمر رضي الله عنه خلال فترة خلافته القصيرة - عامان ونصف فقط - من الأعمال الخالدة ، ما لا يستطيع غيره إنجازه في عشرات السنين وما يستعصى على الحصر . فقد بسط العدل في كل أنحاء البلاد الإسلامية من أفغانستان والهند شرقا إلى أقصى بلاد المغرب العربي غربا . وعم الرخاء الجميع على نحو لم يسبق له مثيل . ثم هناك أيضا بسط الأمن بلا بطش أو سفك للدماء كما وقع في عهود من سبقوه من حكام بنى أمية . وتحرر في عهده المبارك مئات الألوف من العبيد والجواري . فقد فاضت أموال الزكاة والخراج والصدقات في خلافته ، ولم يجد ولاته على الأقاليم فقراء يعطونها لهم ، فاشتروا بها مئات الألوف من العبيد وأعتقوهم . ومن أعمال عمر رضي الله عنه أيضا المذكورة إنقاذ جيش / مسلمة بن عبدالملك ، من مكيدة خبيثة نصبها له الرومان قرب القسطنطينية .

والقائد العبقري الشجاع ليس هو ذلك الذي يهاجم بجرأة وبسالة فقط ، إنما هو الذي يتقدم وينقض حين تكون الظروف مواتية لذلك ، وينسحب بانتظام عندما يكون الاستمرار في القتال ضربا من الجنون والانتحار . وقد كان عمر رضي الله عنه من الأتقياء الذين يضنون بالدماء الطاهرة الذكية ، أن تراق عبثا في معركة خاسرة . ولهذا أرسل إمدادات عاجلة من الطعام والمؤن ، إلى جيش مسلمة ، وأمره بالعودة إلى الشام بعد أن انقضت على الجنود فترة طويلة قاسوا خلالها من ندرة الطعام والماء وسوء الأحوال الجوية وغدر الأعداء .

وطوال عهد عمر قل نشاط الخوارج المناهض للدولة ، فقد أحجم الكثيرون منهم عن مناصبة الخليفة العادل العداء ، وأيقنوا أنهم لن يجدوا عليه من المآخذ والعيوب ما كانوا يجدونه فيمن سبقوه من حكام بني أمية . أما القلة القليلة التي أصرّت على الباطل ، فقد وكّل بها عمر جيشا شتت جماعتها وكسر شوكتها ، بعد أن عجز الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة عن كبح جماحها . كان رضي الله عنه ينهى جنوده عن قتل من لا يحاربهم من الخوارج ، ويأمر الولاة بأن يحبسوا من يؤذي الناس منهم ، بعض الوقت حتى يهتدي إلى الحق أو يجعل الله له سبيلا . كذلك أبطل عمر ما كان بعض الأمويين قد ابتدعوه من الشر والبهتان وقطيعة الأرحام . فقد كان بعض من سبقوه يأمرون خطباء المساجد بسب الإمام / علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على المنابر ، فلما ولى عمر الخلافة نهى عن ذلك ، وكتب إلى نوابه في البلاد يأمرهم باستبدال السباب والفسوق والعصيان بآية من كتاب الرحمن تقول : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ". ولا تزال هذه الآية الكريمة تتلى على المنابر إلى يومنا هذا . وكان يثني على الإمام علي . ويقرب إليه بناته وأحفاده ، ومن يأتيه من بني هاشم لقرابتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال لأحدهم ذات مرة : إني أستحي من الله أن تقف ببابي ولا يؤذن لك .

وقال لآخر : إني أرغب بك عن دنس الدنيا – يقصد أنه لا يوليه منصبا في خلافته – لما أكرمكم الله به . ويصف ما كان بين بني هاشم وبني عمهم من الأمويين من تنافس قائلا : كنا وبنو عمنا أل هاشم نتسابق ، مرة لنا – نسبقهم في الفضل – ومرة لهم ، نلجأ إليهم ويلجأون إلينا حتى طلعت شمس الرسالة فأكسدت كل نافق – هالك – وأخرست كل منافق ، وأسكتت كل ناطق . ولهذه الخصال النبيلة والسجايا الكريمة أحبته الرعية وأحبه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى كانت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه تثني عليه بعد موته ، وتقول : جزاه الله خيرا لو كان بقى لنا ما احتجنا بعده إلى أحد ". ولا عجب فإنه أحد الذين جعل لهم الله محبة في القلوب بغير سعي منهم للظفر بها ، وذلك جزاء المتقين .

لم يكن عجيبا أن يؤيد الله / عمر بن عبدالعزيز بالكرامات المادية والمعنوية ، لأن من أطاع الله أطاعه كل شيء ، ومن خاف الله هابه كل شيء ، والله سبحانه أكرم من أن يترك وليّا له بغير عون على ما يريد من الإصلاح وتقوى الله في كل أمر . كانت الذئاب تعيش مع الأغنام في مكان واحد فلا تفترسها !! وكان الناس يذهلون لهذا المشهد الذي لم يروا له مثيلا من قبل ولا من بعد . يقول حسن القصّاب رضي الله عنه : رأيت الذئاب ترعى مع الأغنام في البادية أثناء خلافة / عمر بن عبدالعزيز ، فقلت : سبحان الله ... ذئب في غنم لا يضرها ! فأجابني الراعي : إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس ... وقال التابعي الجليل / مالك بن دينار رضي الله عنه : لما ولي / عمر بن عبدالعزيز تساءل الرعاة في أقاصي البادية : من هذا الرجل الصالح الذي قام خليفة على الناس ، فإن عدله كفّ الذئاب عن أغنامنا ؟!

وقال / موسى بن أعين : كنا نرعى الأغنام في " كرمان " في خلافة / عمر بن عبد العزيز ، فكانت الشاة ترعى مع الذئب بسلام ، وذات يوم هجم الذئب على الشاة ليفترسها ، فقلت : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ما أرى الرجل الصالح إلا قد مات . وحسبنا تلك الليلة فوجدناه قد مات فيها بالفعل . ورأى أحد أبناء خراسان في منامه هاتفا يقول له : إذا حكم أشج بني مروان فاذهب إليه ، وبايعه فإنه إمام عادل ... وظل الرجل يتساءل كلما ولى خليفة عن طباعه حتى جاء / عمر بن عبدالعزيز ، فرأى هذا الرجل في منامه نفس الهاتف الذي جاءه من قبل ثلاث مرات أخرى ، فارتحل إلى الشام وبايع عمر رضي الله عنه . وكان الله تبارك وتعالى يبشّر عبده الصالح بالخير ، ويعينه على فساد الزمان وقلة الأعوان كيلا يحزن أو يضعف عن أمر المسلمين ... رأى عمر نفسه ليلة محمولا إلى أرض خضراء واسعة فيها قصر أبيض بلون الفضة ... وخرج مناد من القصر فهتف : أين / محمد بن عبدالله رسول الله ؟ فأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخل القصر . ثم نادى / أبا بكر بن قحافة فدخل ، ثم / عمر بن الخطاب ثم / عثمان بن عفان ثم / علي بن أبي طالب ثم / عمر بن عبدالعزيز فدخلوا جميعا رضي الله عنهم ورضوا عنه ... وجد / عمر بن عبدالعزيز نفسه جالسا في القصر إلى جوار جده الفاروق / عمر بن الخطاب فامتلأت نفسه حبورا ورهبة .. أحس أنه الآن بالأفق الأعلى حيث القرب من الحضرة الإلهية المقدسة ... كان النور الساطع يملأ عيني / عمر بن عبدالعزيز وقلبه ... إنه النعيم المقيم حيث لا مزيد ولا قبل ولا بعد . حيث ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت وما لا يخطر على قلب بشر . إنه الآن أمام النور الأزلي الخالد ، وإلى جواره يجلس النبي والصديقون والشهداء والصالحون وأكرم بهم من رفاق يشرف بهم الجن والإنس والملائكة أجمعون .

حاول ابن عبدالعزيز أن يرى شيئا فلم يقدر ... بعد لحظات سمع مناديا من قبل الحضرة الإلهية المقدسة ولم يره ... هتف به الصوت الخالد : " يا عمر بن عبدالعزيز تمسّك بما أنت عليه واثبت على ما أنت عليه " .. أجل ، كان لا بد أن يجد عمر رضي الله عنه هذا التثبيت من رب السماوات السبع ورب الأراضين ورب العرش العظيم . فهو العوض عن كل ذي عوض ، وهو السلوى عن كل مصيبة ، وهو سبحانه نعم المولى جلت قدرته . ثم تلقى عمر بن عبدالعزيز إذنا بالانصراف في رؤياه . واستيقظ باكيا سائلا ربه العون والتثبيت في اليقظة كما رأى في المنام .

عمت بركات الحاكم الصالح أمته في المشرق والمغرب . يقول / عمر بن أسيد رضي الله عنه : والله ما مات عمر حتى كان الرجل من رعيته يأتينا بالمال الوفير – الزائد عن حاجته – فيقول : اجعلوا هذا المال حيث ترون – من أوجه الإنفاق في الخير – فما يبرح إلا ومعه ماله كما جاء به ، لقد أغنى عمر الناس ! وكتب إليه واليه على العراق / عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب يخبره بأن أموال بيت مال العراق قد زادت عما كانت عليه في عهد / الحجاج بن يوسف الثقفي – الطاغية الشهير - أضعافا كثيرة ، وأنه لم يجد مصرفا لهذه الأموال الطائلة بعد أن شبع الفقراء ، واغتنى المساكين ، وأمن أبناء السبيل على طعامهم وشرابهم ، في كل مكان ينزلون به . حمد عمر ربه على نعمته ، وخطب في الناس ليعظهم بذلك ، فإن ظلم الحجاج وبطشه نزع البركة من الأرزاق والأقوات ، وجاء عدل من بعده من الولاة على العراق بالخير والبركات .

وأمر عمر ولاته على العراق وغيره من البلدان بأن ينفقوا فائض الخراج والزكاة على الشباب الراغب في الزواج ليغض بصره ويحصن فرجه ، ويكثر نسل الموحدين بالله المسلمين له . فإن فرغوا منهم فليعطوا المدينين والغارمين ، وأبناء السبيل وغيرهم من أصحاب الحقوق . ولم ينس عمر رضي الله عنه طلبة العلم ، فأوصى بأن يفرض الولاة نصيبا وافرا من المال لكل من ينقطع متفرغا للدراسة والتحصيل ، في مختلف العلوم الدينية والدنيوية النافعة ، لأن هؤلاء هم أمل الأمة وشعلة حضارتها الموعودة ، وبغيرهم يسود الظلم والظلام والجهل في ديار المسلمين . وكان عمر رضي الله عنه يرسل كل يوم من ينادي : أين اليتامى ؟ أين أبناء السبيل ؟ أين طلبة العلم ؟ أين ... أين ؟ فيعطي كلا منهم حاجته من المال ليجنبه مذلة الفقر وليتعفف عن سؤال الناس . لكنه مع كل هذا السخاء لأصحاب الحق في بيت مال المسلمين ، كان شديد الصرامة مع غيرهم من الحاشية والأقارب والمنافقين والمدّاحين . كان للخليفة ستمائة شرطي وحارس خاص له ، فقال لهم عمر : إن لي عنكم بالقدر حاجزا والأجل حارسا ، فمن شاء منكم فليلحق بأهله ، ومن بقي فليس له سوى عشرة دنانير . وكتب إليه أحد عماله يخبره أن المدينة التي يحكمها قد خربت ويطلب منه دعما ماليا ليعيد بناء ما تهدم ، ويرمم منها ما تصدع . فرد عليه عمر : حصّن مدينتك بالعدل ، وطهّر طرقاتها من الظلم فإن هذا وحده هو ترميمها . وكتب إليه وال آخر يشكو من كثرة من يعتنقون الإسلام لأن هذا يعنى توقفهم عن دفع الجزية ، فرد عليه الخليفة العظيم : إن الله تعالى بعث النبي محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا . وجاء إليه الشعراء عندما تولي الخلافة ، فمكثوا أياما واقفين علي بابه لا يؤذن لهم ، حتى جاء عدى بن أرطأة فناشده " جرير " الشاعر المشهور أن يستأذن لهم الخليفة ، فقال عدى لعمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ، الشعراء ببابك ، سهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة ، يقصد أن يلفت انتباهه إلي ضرورة كسب ود الشعراء بالعطايا والهبات ، كما كان غيره يفعل فقال له عمر : ويحك يا عدى مالي والشعراء ؟

قال عدى : إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويجزى به . فراح عمر يستجوبه حتى اطمأن إلي أن نبي الهدي كان يسمع الشعر النبيل الهادف ، فأذن لجرير وحده بالدخول لأنه كان الشاعر الأقل فحشا وانحرافا بين الموجودين . قال له عمر : ويحك يا جرير اتق الله فيما تقول ، فأنشده جرير قصيدة طويلة يمدح فيها الرسول صلي الله عليه وسلم وعمر بن عبدالعزيز . وأبى عمر أن يعطيه من بيت المال ما ليس له بحق ، وأعطاه مائة درهم فقط من ماله الخاص كانت قد بقيت معه . وخرج جرير إلى زملائه الشعراء فقال لهم : جئتكم بما يفجعكم ، أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء ، وأنا عنه راض .

كانت خلافة / عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه سنتين وبضعة أشهر كما أسلفنا .. و رغم قصر المدة استطاع الفتي الأموي أن يجدد شباب الإسلام وأن يعيد إلي الأذهان كل خصائص العهد الأول الذي طبّق فيه منهج الله كاملا غير منقوص .. ولم يتحقق له ذلك بسهولة ويسر ، إنما كان الثمن باهظا ، وكانت التضحيات بلا حدود .

كان يعيش وأهله في أدنى درجات الكفاف ، وأبى أن تدخل جوفه لقمة من بيت مال المسلمين ، رغم أنه أحدهم ، ويحق له أن يحصل مثلهم على نصيب منه .. اشترى له غلامه قطعة من اللحم وشواها له في المطبخ العام الذي يعد فيه طعام الفقراء والمساكين ، فلما علم عمر بذلك أبى أن يأكلها ووهبها لغلامه لمجرد أنها طبخت بوقود من بيت المال !! وسخّن له الغلام بعض الماء في المطبخ العام ، فأمر بشراء حطب بدرهم من ماله الخاص ليوضع في بيت المال عوضا عن تسخين الماء له في المطبخ !! وكان لا يكتب ليلا على ضوء مصباح بيت المال إلا لمصالح المسلمين ، أما حاجاته الخاصة فكان يقضيها على ضوء مصباح أخر يملكه .. وكان شديد التواضع يخدم نفسه بنفسه ، ولا يرهق الخدم أو الرعية بما لا يطيقون .

ولم يضرب / عمر بن عبدالعزيز أحدا من الرعية سوطا قط طيلة خلافته ، بينما كان من قبله من حكام بني مروان يسفكون الدماء ويستحلون المحرمات لأتفه الأسباب .. كان يعلم أن الله تعالى يغضب أشد الغضب على الحاكم الخائن لأمته ، كما كان يعلم سوء مصير أى طاغية يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .. ولعل آخر خطبة ألقاها تكشف جوهر هذا الحاكم الراشد ، والكثير من المبادئ الإسلامية العظيمة التي أفنى شبابه وماله وعمره كله من أجل تطبيقها ونشرها بين الناس .. صعد رضي الله عنه إلي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ، ولم تتركوا سدى ، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع فانيا بباق ، ونافدا بما لا نفاد له ، وقليلا بكثير ، وخوفا بأمان .

ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين ، وسيكون ما بعدكم للآخرين ، حتى تردون إلى خير الوارثين ، فاتقوا الله قبل القضاء ، وراقبوه قبل نزول الموت بكم ... أما إني أقول هذا ، ولا أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي وأستغفر الله "... ثم بكى رضي الله عنه حتى ابتلت لحيته وبكى الناس معه ... إنه عمر ذلك الخليفة الذي لم يجامع قط ولم يحتلم وهو خليفة رغم أنه كان في عنفوان الشباب ، وكانت له زوجة من أجمل نساء عصرها ، وجوار فاتنات ناعمات من كل جنس ولون . وعندما أصابه مرض الموت جاءوا إليه ببنيه وكانوا بضعة عشر ذكرا وقالوا له : أما تركت لهم شيئا من المال ؟ رد رضي الله عنه بيقين الأولياء : " والله لا أعطيهم حق أحد ، وهم بين رجلين ، إما صالح فالله يتولى الصالحين ، وإما غير ذلك فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله ".... ودعا لهم قائلا : انصرفوا عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم ... ويروى أن الله تعالى أغناهم من فضله بصلاح أبيهم ، حتى كان أحدهم بعد موت أبيه بسنوات يتبرع بجهاز ألف فارس في الجيش لوجه الله .

ودخل عليه / مسلمة بن عبدالملك فرأى قميصه متسخا فقال لأخته فاطمة : ألا تغسلون قميص أمير المؤمنين ؟ فردت عليه : والله ما له قميص غيره ... ثم بكت وبكى أخوها ومن حولهم رحمة بالرجل الصالح ... وبينما كانت فاطمة وشقيقها مسلمة يجلسان على باب الحجرة التي يحتضر فيها خير من حكم المسلمين من بني أمية كان / عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يحلق بروحه الطاهرة متأهبا للصعود إلى الفردوس الأعلى . كان يشخص ببصره بشدة إلى أعلى فسأله من حوله : إنك لتنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين . رد ولي الله بحبور : إني أرى حضورا كراما لا ترونهم . اخرجوا عني . وعندما تركوه سمعته فاطمة وشقيقها مسلمة يقول بصوت مطمئن مستبشر : مرحبا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان . وكانت روائح ذكية لم يشم مثلها بشر تنبعث من الغرفة ، وصوت ملائكي لا يرون صاحبه يرتل في خشوع : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "... صدق الله العظيم .

أهم المراجع :

1- سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي .
2- البداية والنهاية للإمام ابن كثير .
3- حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى .
4-تاريخ الأمم والممالك لابن جرير الطبري .
5-تاريخ دمشق لابن عساكر .
6-مناقب عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزى .
7- عمر بن عبدالعزيز لخالد محمد خالد.



رد مع اقتباس