عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 3 )
فهد ابو نايف
عضو مميز
رقم العضوية : 66
تاريخ التسجيل : 17 - 04 - 2003
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : الكويت
عدد المشاركات : 517 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : فهد ابو نايف is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : ذكر رماح في النصوص القديمة

كُتب : [ 17 - 08 - 2006 ]

بين الرياض ورماح فقرية العليا
محمد أبوحمراء


جاءتني دعوة كريمة فأجبتها؛ فكان موعدنا يوم الخميس صباحاً؛ لكي نذهب إلى موقع قرب شوْية؛ وهي هجرة من هجر سبيع في الدهناء؛ بينها وبين رماح حوالي 70 كيلا.
أول مرورنا كان بمدينة رماح؛ وقد كانت رماح مورد ماء عليه آبار كثيرة؛ وكانت من موارد قبيلة سبيع قبل توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه؛ وكثيرا ما تغنى أصحاب الإبل بذلك المورد الذي يأتون إليه للري والسقيا؛ وقد ورد في أشعارهم كثيراً؛ خاصة أن بعض آباره عميقة.
ورماح من موارد العرب القديمة؛ يتزودون بالماء منها قبل أن يدخلوا الدهناء؛ أو بعد أن يخرجوا منها؛ إذ يرتوون منه عند بدء الدخول أو الخروج؛ وقد عرفت موارد على العرمة منها رماح المذكور وسعد ورملان وغيرها من المناهل التي يعرفها المسافرون من نجد إلى الشرق أو بالعكس؛ ومن رماح يخرج الراكب إلى الدهناء شرقاً أو شمالاً للشرق؛ إذ إن الدهناء تمتد بشكل عريض وواسع.
وقد ورد ذكر رماح في أشعار العرب القدماء؛ لكثرة المياه فيه يومها، قال جرير عندما مدح عبدالملك بن مروان:




يكلفني فؤادي من هواه
ظعائن يجتزعن على رماح



ورماح الآن مدينة نامية جميلة؛ وتعتبر بوابة الدهناء والصمان؛ وهي من هجر قبيلة سبيع العارض؛ لكن الداخل إليها يجد الأسواق العجيبة فيها؛ فهي أسواق تهتم كثيرا بما يخص الناس في رحلاتهم البرية؛ من فرش وخيام وأدوات الرحلات؛ وبها أماكن لبيع ما تحتاجه الإبل من أشياء لا يعرفها إلا رعاة وأهل الإبل الذين يعرفون كيف يتعاملون معها؛ ويبهرك في رماح المدينة الصغيرة دقة التنظيم لشوارعها الفسيحة؛ وكذا اعتناء السكان أنفسهم بأشكال وأحجام البيوت السكنية؛ وكذا حرص أهلها على التراث القديم؛ أي أنها مدينة وقرية في آن واحد؛ وفيها ستجد سيارات من النوع القديم والتي كانت وسائط النقل للناس قبل خمسين سنة؛ مثل موديلات 1965 و1966م؛ ويشتهر أهالي رماح باقتناء الإبل الثمينة والجميلة في شكلها، وكذا يهتم بعضهم بالخيل الأصيلة التي تحتاج إلى عناية خاصة جدا؛ ويساعدهم على ذلك قرب الفياض والرياض المعشبة من رماح؛ وأهل رماح قوم فيهم دماثة الخلق واللباقة والكرم؛ ويصف أهل نجد قبيلة سبيع بأنهم (مدلهة الغريب) أي أن الغريب بينهم لا يحس بغربته لاهتمامهم بمشاعر من ينزلون عندهم؛ فيجعلهم ينسون قبائلهم التي جاءوا منها؛ فقد جاء رجل من أهل رماح؛ وكان متقدما في السن؛ فتجاذبنا أطراف الحديث معه ونحن عند أحد الباعة؛ فما كان منه إلا أن دعانا لشرب القهوة العربية؛ لكنا كنا على عجل.
وبجوار مدينة رماح توجد روضة معشبة تسمى روضة خريم؛ وهي من الرياض المشهورة في نجد؛ إن لم تكن الأشهر على الإطلاق؛ لأن الأعشاب تنمو فيها بشكل لافت للنظر بوقت الربيع؛ وكانت العرب تتسابق في وقت الربيع بإبلها إلى تلك الروضة عند انصرام العشب؛ لأنه مفيد للإبل خاصة وأنه إذا يبس العشب يسمونه (حميسا) أي محمصاً؛ لأن الشمس قد أيبسته تماماً؛ وهو ما يروق للإبل مع الحمض؛ وقد تحولت تلك الروضة إلى متنزه جميل وقت الربيع؛ بل لقد جاء إليها كثيرون ممن يبحثون عن بيع ما لديهم من أمتعة الرحلات وما يتعلق بها قرب تلك الروضة.
ومن بعد رماح تأتي عروق النفود إذا كنت متجها منها شمالا إلى شوْية؛ وهي عروق رملية ترتفع ثم يكون بينها فواصل من الأرض المتساوية؛ وهذه الأراضي هي التي ينمو فيها العشب في الربيع؛ وقد سميت تلك العروق بأسماء يعرفها البادية؛ ومنها:
عروق الرويكب: وهو عق مرتفع من الرمل يركب بعضه فوق بعض بشكل يشبه الراكب على دابة أو على شيء مرتفع؛ لذا سمي بذلك الاسم (ولا أجزم بتلك التسمية؛ بل هو تفسير مني) وإذا انتهت عروق الرويكب تبدأ الأرض في الانبساط بشكل يخلق نوعا من أماكن لتجمّع المياه في فياض أو رياض صغيرة؛ وتكون مرتعا للإبل وقت الربيع والصيف أيضا؛ لأن الأرض هناك منكفئة فلا يتطاير العشب إذا يبس؛ بل يبقى يابساً في مجاري الرياض فتلتهمه الإبل بنهم.
وهناك عرق الحمراني: وقد يكون الحمراني شخصا سمي العرق باسمه؛ لأن البادية يسمون الأماكن على الشخص الذي يحدث له حدث مشهور فيها؛ كأن يموت أو يبقى زمنا في ذلك المكان؛ فيقولون عرق فلان؛ أو روضة فلان أو جبل فلان أو غار فلان وهكذا. والحمراني مفرد منسوب إلى الحمران؛ وهي فخذ من قبائل عدة؛ ففي عتيبة الحمران من ذوي ثبيت؛ ومن العصمة الحمارين مفردهم حمراني؛ وفي الظفير الحمران وفي قحطان كذلك.. إلخ.
والأرض التي بعد عرق الحمراني أحسن مرعى للأغنام بالذات؛ لأنها تكتنز المياه فتنبت أعشاب تفضلها الأغنام؛ بعكس ما تفضله الإبل في الربيع.
وتستمر الأرض رملية إلى أن تصل إلى هجرة شوْية وهي من هجر قبيلة سبيع لأسرة آل شوْية؛ وهي أسرة عرفت بأنها من بيوتات سبيع العريقة؛ وهجرة شوْية لا زالت حديثة النمو؛ وبها محطة وقود هي الأشهر على ذلك الطريق؛ وهي تؤدي خدمات للمسافرين؛ وعليها سوق رائج لما يحتاجه البادية.
ويوجد في شوْية بئر لسقيا المواشي والإبل؛ وهي بئر ارتوازية تملأ منها الصهاريج التي تنقل الماء للمواشي والإبل في الصحراء القريبة منها.
والمسافة بين شوية ورماح حوالي السبعين كيلا عبر طريق معبّد ومزفلت. وهناك هجرة حديثة أيضا تسمى العمانية؛ نسبة إلى أسرة العماني من قبيلة سبيع؛ تقع شرقا عن شوْية.
كان الوقت ظهراً عند قدومنا إلى شوْية؛ فعرّجنا عنها شرقا عبر طريق ممهد يتجه للعمانية؛ ثم انحرفنا إلى جهة الجنوب قليلا بعد أن سرنا على الطريق الممهد حوالي ثلاثة أكيال؛ فكانت الأرض قد لبست حلة جميلة من العشب؛ لكن كثرة الأغنام والإبل فيها تنبئ بسرعة زوال ذلك الربيع؛ بل لقد عرف الرعاة ذلك الموقع فكانوا يأتون إليه من كل مكان في المملكة بحثا عن الرعي لدوابهم.
وخيام الرعاة ومن معهم من أهل الأنعام منتشرة بشكل يوحي بأن الأرض قد تحولت إلى أماكن للسكن المستديم؛ لكنه في الحقيقة سكن مؤقت مع الربيع والعشب؛ بيد أن الأرض ليلاً تتحول إلى مدن صغير من حيث كثرة الكهرباء هنا وهناك؛ مما يعطي منظرا جميلا لتلك الأرض المعشبة. ومن شوْية اتجهنا إلى قرية العليا؛ وهي من أقدم الهجر لقبيلة مطير؛ وتلك الموارد الكثيرة حول قرية العليا كانت مشهورة في الجاهلية؛ مثل لصاف ولهاب والشيّط وغيرها مما سنتحدث عنه في حلقة قادمة إن شاء الله.


رد مع اقتباس