عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
Post جزيرة العرب وفضلهم

كُتب : [ 14 - 02 - 2009 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

جزيرة العرب :-

مكة المكرمة، هذه المدينة التي تقع في بطن وادٍ غير ذي زرع هي مهبط التوحيد ومهد الإسلام ومشرق النور وأرض الطهر وهي المدينة التي ولد ونشأ فيها سيد الأنبياء وخير المرسلين - صلى الله عليه وسلم - مكة هذه هي أهم مدن الجزيرة العربية لما لها من تاريخ وقدسية والجزيرة العربية هي إحدى أشباه جزر في جنوب آسيا وهي شبه جزيرة العرب وشبه جزيرة الهند والهند الصينية وتمتاز في أنها أكبرهن مساحة وتفردا في الموقع فهي قلب العالم القديم بينها وبين الهند تسعمائة كيلو متر وبينها وبين إيران تجاور في مضيق هرمز وتقابل على شاطئ خليج البصرة وتلاصق في العراقين العربي والعجمي وحدودها في الشمال متصلة مع سوريا والعراق ومصر وما صحارى الشام والعراق وسيناء إلا جزء من الجزيرة العربية وما سهول الرافدين والجزيرة السورية وسهول حلب وحماة وحمص والغوطة وفلسطين وحتى خليج العقبة إلا صلة مستمرة لسهول الجزيرة الساحلية الضيقة وامتداد خصب عريض لها وقد تألقت على جوانب الجزيرة العربية مراكز الحضارة القديمة والتقت على أطرافها موجات وتيارات وديانات سُميت بلاد العرب جزيرة لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أقطارها وتنقسم إلى خمسة أقسام وهي : تُهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن وتُهامة سهل ساحلي يحاذي البحر الأحمر ويمتد مع جبال السراة والحجاز سلسلة جبال السراة الممتدة بين اليمن والشام وهو يحجز بين اليمن والشام وبين تهامة ونجد وفيه تقع مكة المدينة التي وُلد فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي منطقة انتقالية بين تأثيرات مناخ البحر الأبيض المتوسط والمناخ الموسمي ويؤثر عليها أيضًا قربها من ساحل البحر الأحمر وتتأثر في الصيف بالجبهات المدارية وتختلف فيها درجات الحرارة فمن ثمانٍ وأربعين درجة في الصيف إلى ثماني عشرة في الشتاء وأمطارها صحراوية غير منتظمة ومعدلها السنوي بين ثمانين مليمترًا ومائة وخمسة وعشرين مليمترًا تسقط في الشتاء أما الرياح فغالبًا ما تتأثر بالرياح الشمالية الغربية والشرقية وهي جافة صيفًا رطبة شتاءً تهيمن الجبال السوداء الداكنة على مكة فهي ذات تركيب جرانيتي وقد شهدت أحداثًا هامة ففي غار حراء نزل الوحي أول ما نزل واحتضن جبل ثور سيد الأنبياء وصاحبه وبين الأخشبين أبو قبيس وهندي بنى إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - الكعبة المشرفة تقع المشاعر المقدسة وادي منى والمزدلفة وسهل عرفات .

يقول الرحالة / ديفر جي واصفاً صحراء العرب : ( تعرف القافلة وهي تتوغل في الصحراء علاماتِ ريح السموم الأولى وهي أن السماء تظهر في الأفق مغراء ثم قهباء فدكناء والشمس تضعف أشعتها فتصبح حمراء والرمال الناعمة تملأ الجو والهواء والرياح تثيرها فتغدو كالبحر المزبد الذي تحركه العواصف الهوج هنالك تنقبض الصدور وتحمر العيون وتجف الشفاه والجمال تعدو تارة وتقف أخرى لتطمر نحورها في الرمل وتمرغ أنوفها بالأرض وإذا ما استطاعت القافلة أن تحتمي وراء صخرة حتى تهدأ الزوبعة فإنها تنجو ولكنها إذا تاهت وكانت بعيدة من الملاجئ فإن نشاطها يفتر وتفقد غريزة حب البقاء ويستولي عليها الثول والدوار وتعود غير قادرة على الفرار وتدفن في أكثبة الرمل وتبقى مدفونة إلى تهب عاصبة أخرى وتكشف عن عظامه )

عرفت مكة منذ أحقاب مديدة ضاربة في القدم قبل عهد إبراهيم - عليه السلام - إلا أن سُكنى إسماعيل - عليه السلام - وأمه كانت السبب في نشوء المدينة بعد تفجر نبع زمزم وتلا ذلك رفع قواعد أول بيت مبارك وسكنت قبائل جرهم وخزاعة حتى استقر الأمر لقصي بن كلاب منتصف القرن الخامس الميلادي وآلت الأمور إلى قريش وبطونها وحلت في هذه الفترة البيوت المبنية من الطين والحجر محل مضارب الشعر وخط قصي ساحة توازي المطاف وأباح للناس البناء حول المدار من الجهات الأربع وجعل للبيوت مسالك تفضي للكعبة وأمرهم ألا يتطاولوا في البناء ويرفعوا بيوتهم عنها وتبين الدراسات الأثرية أن الجزيرة العربية كانت مأهولة بالناس منذ العصور الحجرية وفي كتب " جوسفيوس فلافيوس " الذي عاش ما بين 137 ميلادية معلومات ثمينة عن العرب وأخبار مفصلة عن الأنباط وأسماء القبائل لقد وصف " تيدروس " الصقلي العرب بأنهم يعشقون الحرية فيلتحفون السماء ويعتقدون بالإرادة الحرة والحرية المطلقة كانت جزيرة العرب مهد ديانات ومبعث أنبياء فيها قوم عاد ونبيهم هود وهم من العرب البائدة الذين كانوا يقطنون في جنوب الجزيرة العربية بالقرب من حضرموت وكانت ديارهم جناتٍ وأنهارًا قال تعالى : ( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( الأحقاف : 21 ) وفيها صالح وقوم ثمود فيما بين الحجاز وتبوك ومدين وشعيب قرب معان وكانت الأرض العربية مأوى لكثير من الرسالات الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وكانت الهجرات تترا إليها فسكنها اليهود فرارا من الرومان في يثرب واليمن وأمن فيها النصارى هروباً من القياصرة في نجران إنها جزيرة العرب فيها وادي حنيفة ووادي سرحان الذي يبلغ طوله ثلاثمائة كيلو متر ووادي الحمض ووادي الرمة ووادي الدواسر ووادي عرعر وفيها الكثير من العيون في الواحات إنها الأرض التي انطلقت منها الرحمة إلى جميع أسقاع الأرض مع نبي الرحمة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء : 107 ) لم يأت القرن السادس الميلادي إلا والديانات وصحفها قد أصابها التحريف والفساد وأصبحت عرضة للعابثين والمتلاعبين وانتشرت الوثنية في أرجاء الأرض من المحيط إلى المحيط وحكى القرآن العظيم واستعرض تحريف يهود وميلهم للوثنية فقال تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) ( البقرة : 92 ) وقال أيضاً : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ ) ( التوبة : 31 ) وفي القرن السابع الميلادي أوقع اليهود بين النصارى في أنطاكيا والقائد الفارسي " فوكس " مما أدى إلى وقوع مذابح فظيعة في نصارى أنطاكيا والشام فعاقبهم " هرقل " عقوبة قاسية ووصفهم القرآن العظيم بقوله : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران : 57 ) وقامت حرب ضروس بين نصارى الشام والدولة الرومانية وبين نصارى مصر لاختلاف حول حقيقة وطبيعة السيد المسيح - عليه السلام - وفي بلاد فارس شاع الاعتقاد جهلاً بألوهية " ميثرا " و " آشاه " و " ييما " وعبد الناس النار والكواكب ثم ظهرت الزرادشتية وتلقتها تعاليم ماني ثم مزدك وسادت في الصين ديانة لاتسو وكونفشيوس والبوذية وعبادة أرواح الآباء والأجداد وفي الهند كانت البرهمية مؤثرة على أفكار الناس وعقائدهم وطغت الوثنية في المجتمع فوصل عدد الآلهة إلى حد خرافي وعبد الناس البقر والأجرام السماوية الفلكية وفي الجزيرة العربية دان الناس بدين إبراهيم الخليل - عليه السلام - قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ 65 هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 66 مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( آل عمران : 65- 67 ) وبقيت قريش متمسكة بدين أبيها إبراهيم - عليه السلام - حتى كان عمرو بن لحي الخزاعي فكان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان التي جاء بها من بلاد الشام حيث كان سكانها ينحتون الأصنام ويعبدونها وكان زعيم هؤلاء الآلهة " ذو الشرا " ( وهو الذي سميت عليه جبال السراة ) ومن الإلهات النبطية التي ورد ذكرها في بعض النقوش الأثرية مناة والعزى وهبل ولا يغرب عن البال أن ذلك العصر كان عصر انتشار الوثنية حول الجزيرة العربية ومنها حوض البحر الأبيض المتوسط وكان للتجارة دور كبير في التأثيرات الدينية وعبادة الأصنام كانت هاجر ورضيعها أول من سكن بمكة ثم وفدت جرهم فاستقرت إلى جوار زمزم وبنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبة ودانت القبيلة بالحنيفية دين إبراهيم ردحا من الزمن ثم انحرفت بعد أجيال وطغت ووهنت فحلت محلها قبيلة خزاعة إلى أن تمكن قصي بن كلاب بن مرة من انتزاع الإمارة والبيت العتيق منها وجمع قريشاً ورتبها على منازلها في مكة وميز بين قريش البطاح وهم البطون التي كانت تسكن مكة نفسها ومنهم التجار والأثرياء وهم بنو عبد مناف وبنو عبدالدار وبنو عبدالعزى وبنو زهرة وبنو مخزوم وبنو تيم وجمح وسهم وعدي وبنو عتيك بن لُؤي وقريش الظواهر وهم أعراب فقراء أصحاب قتال سكنوا حول مكة وهم بنو محارب والحارث بن فهر وبنو الأضرم بن غالب بن فهر وبنو خصيص بن عامر بن لؤي ولما كانت قريش من كنانة فقد توثقت علاقة النسب بينهما وزادت الصلات بالمحالفات فكان الأحابيش يعيشون خارج مكة وهم حلفاء قريش يحرسون قوافلها التجارية وامتد الأحلاف بين قريش وغيرها لتشمل القبائل التي تقع على طرق التجارة المكية إلى الشام والعراق وكانت قريش تدفع لهم وتشارك زعماءهم في التجارة وسمي هذا بالإيلاف الذي ابتكره هاشم بن عبد مناف وتمكن هاشم أيضاً من الحصول على حق التجارة لقريش داخل أراضي الروم والفرس عن طريق المعاهدات التجارية وقام اقتصاد مكة قبيل ظهور الإسلام على التجارة وأسهمت سياسة الإيلاف والمعاهدات التجارية في ازدهار مكة وتكاثر رؤوس الأموال فيها واستخدمت قريش بالإضافة إلى القوافل السفن الحبشية في العبور للحبشة وكانت قريش تستورد البخور والأطياب وريش النعام والعاج والجلود والتوابل والرقيق الأسود من الحبشة وتستورد القمح والدقيق والزيت والخمر من بلاد الشام والذهب والقصدير والحجارة الكريمة والعاج وخشب الصندل والتوابل والبهارة والفلفل والمنسوجات الحريرية والقطنية والكتانية والأرجوان والزعفران والآنية الفضية والنحاسية والحديدية من الهند وتصدر حاصلات بلاد العرب من الزيت والتمر والزبيب والوبر والشعر والجلود والسمن وتقوم بنقل السلع بين بلاد الشام واليمن والعراق والحبشة الأمر الذي أكسب مكة أهمية تجارية كبيرة بالإضافة لأهميتها الدينية الخالدة ذكر / ابن إسحاق أن ثلاثة من التتابعة حولوا هدم الكعبة ولقد صدت خزاعة اثنين منها وأما الثالث فكان زمن قريش بعد أن أصبح أبرهة الأشرم نائباً على اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة قرر أن يتقرب إليه بنشر النصرانية في جزيرة العرب فبنى كنيسة ضخمة ليصرف العرب عن البيت الحرام وقصد مكة ليهدم البيت العتيق وهزم كل القبائل التي وقفت في طريقه ولما وصل الطائف أرسلت معه ثقيف / أبا رغال ليدله على الطريق فسار معه حتى أنزله على بعد عشرين كيلو متراً من مكة وهلك أبو رغال وبعث أبرهة فرقة من جيشه فأغارت على ماشية أهل مكة وساقتها وضمنها مائتا بعير لزعيم مكة / عبدالمطلب بن هاشم واستدعى أبرهة سيد مكة ليخبره أنه لا يريد قتالهم وإنما يريد هدم البيت الحرام فلما رآه أبرهة أعظمه ونزل عن سريره فأجلسه معه وسأله عن حاجته فقال : حاجتي أن ترد علي إبلي فزهد أبرهة فيه وقال له : أتكلمني في إبلك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك وجئت لهدمه ؟ فقال / عبدالمطلب : أنا رب الإبل وللبيت رب يمنعه فقال أبرهة : ما كان ليمنع مني وأمر برد إبله ثم عرض / عبدالمطلب على أبرهة ثلث أموال تهامة ليرجع ويدع البيت العتيق فرفض عرضه ثم أخذ / عبدالمطلب إبله وقلدها وجعلها هدياً للكعبة وبثها في الحرم لكي يصاب منها شيء فينتقم الله لها ونصح / عبدالمطلب قومه بالاعتصام برؤوس الجبال حتى لا تصيبهم معرة من جيش أبرهة ودلف / عبدالمطلب إلى الكعبة وأخذ بحلقة بابها وشرع يدعو ربه ليحمي البيت وأصبح أبرهة متهيئا لدخول مكة وهو مجمع على هدم البيت وهيأ فيله فبرك في طريق مكة وضربوه فأبى وهنالك أرسل الله عليهم طيراً من البحر مع كل طائر منها أحجار يحملها لا تصيب منهم أحداً إلا هلك وخرج أهل الحبشة هاربين مولين يتساقطون بكل طريق وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملة أنملة حتى قدموا به صنعاء فمات شر ميتة قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ 1 أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ 2 وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ 3 تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ 4 فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ ) ( سورة الفيل ) فلما رد الله الحبشة من مكة وأصابهم ما أصاب أعظمت العرب قريشاً وقالو : هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم العدو وازدادوا تعظيماً للبيت وإيمانا بمكانه عند الله وكان ذلك آية من الله ومقدمة لبعثة نبي يبعث في مكة ويطهر الكعبة من الأوثان ويعيد إليها رفعتها واستعظم العرب هذا الحادث واتخذوه تأريخا يؤرخون به وكان ذلك في السنة السبعين وخمسمائة ميلادية انتقلت مكة في منتصف القرن الخامس الميلادي من طور البداوة إلى طور الحضارة وإن كانت بالمعنى المحدود وخضعت لنظام ديمقراطي على يد جد الرسول الخامس / قصي بن كلاب الذي جمع قريشاً وأسكنهم مكة وتملك عليهم وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء هو الذي أسس دار الندوة لصيق المسجد الحرام وجعل بابها إلى مسجد الكعبة وهي دار قصي وهي دار الشورى لقريش ودار الحكم والمجتمع في مكة وكان أمره في قومه في حياته ومن بعد مماته الدين المتبع ولم يكن يدخل دار الندوة من غير بني قصي إلا ابن أربعين سنة ويدخلها بنو قصي جميعاً وحلفؤهم كبيرهم وصغيرهم وكانت دار الندوة خاصة بــ / هاشم و / أمية و / مخزوم و / جمح و / سهم و / تيم و / عدي و / أسد و / نوفل و / زهرة وهؤلاء عشرة رهط من عشرة أبطن وانقسمت المناصب بعد موته فكان في / بني هاشم السقاية وفي / بني أمية العقاب راية قريش وفي / بني نوفل الرفادة وكان في / بني عبد الدار اللواء والسدانة مع الحجابة وكان في / بني أسد المشورة فلم يكن رؤساء قريش يتفقون على أمر حتى يعرضوه عليه فإن وافقه ولاهم عليه وإلا كانوا له أعوانا لقد فاقت مكة في التجارة وأثرى كثير من أبنئها وتضخمت رؤوس أموالهم وقد بلغت عير قريش التي كانت عائدة من الشام عند غزوة بدر ألف بعير وبلغ ما فيها من ثمن خمسين ألف دينار وكانوا يتعاملون بالعملة الرومانية البيزنطية والعملة الإيرانية الساسانية والعملة في العصر الجاهلي وصدر الإسلام على نوعين : دراهم ودنانير والدراهم على نوعين منها ما عليه نقش فارس وتسمى بغلية وسوداء دامية ومنها ما عليه نقش الروم وتسمى طبرية وبيزنطية وكلها من الفضة ومختلفة الأوزان ولذلك كان أهل مكة يتعاملون بها وزناً لا عدا والدرهم هو الذي اعتبره الشرع خمسا وخمسين حبة من الشعير الوسط في الوزن وتزن العشرة من الدراهم سبعة مثاقيل من الذهب ووزن المثقال من الذهب الخالص اثنتان وسبعون حبة وكانت النقود الفضية هي الشائعة والكثيرة الاستعمال عند العرب في عصر النبوة أما الدنانير فهي من الذهب وكانت في الجاهلية وبداية الدولة الإسلامية بالشام وعند عرب الحجاز كلها رومية تضرب ببلاد الروم وعليها صورة الملك واسم الذي ضربت في أيامه بخط رومي وكلمة الدينار معربة وكانت عملة رومية قديمة وجاء ذكرها في الإنجيل مراراً ويزن الدينار مثقال ويزن المثقال من الذهب الخالص اثنتين وسبعين حبة شعير والنسبة بين الدرهم والدينار هي نسبة سبع إلى عشر ويصرف الدينار بعشرة دراهم وجاء في سنن أبي داود عن / عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( كانت قيمة الدية على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثمان مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ) استعمل القرشيون الموازين في أسواقهم والمكاييل ومنها الصاع والمد والرطل والأوقية والمثقال ويعرفون من مفردات أثقالها أنواعاً كثيرة وعندهم علم بالحساب حدده القرآن الكريم في ذكر السهام والفرائض بهذا المركز الديني والمكانة الاقتصادية وقيادة النشاط التجاري والتقدم في المدنية والآداب أصبحت مكة المكرمة كبرى مدن الجزيرة العربية وبدأت تنافس صنعاء اليمن في زعامة الجزيرة العربية وتفوقت عليها بعد استيلاء الحبشة على صنعاء وتملك الفرس لها في منتصف القرن السادس الميلادي وفقدت مملكة الحيرة ومملكة غسان الشيء الكثير وأصبحت مكة عاصمة جزيرة العرب الروحية والاجتماعية من غير منافس ولا مشارك .

فضل العرب لشيخ الإسلام / ابن تيمية :

الدليل على فضل العرب ما رواه الترمذي عن / العباس بن عبدالمطلب قال : قلت يا رسول الله : إن قريشا جلسوا يتذاكرون أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا ) قال الترمذي هذا حديث حسن والكبا بالكسر والقصر والكبة الكناسة والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها وإن كان أصلها ليس بذاك وعن / سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك قلت يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله قال تبغض العرب فتبغضني ) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وروى / أبو جعفر الحافظ الكوفي عن / ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي ) قال الحافظ السلفي هذا حديث حسن فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين أو حسن متنه على الإصطلاح العام و / أبو الفرج بن الجوزي ذكره في الموضوعات ولما وضع عمر الديوان للعطاء كتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بالأقرب فالأقرب إلى رسول الله فلما انقضت العرب ذكر العجم هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة أصحها ما ذكرناه وسبب ما اختصوا به من الفضل والله أعلم ما جعل الله لهم من العقول والألسنة والأخلاق والأعمال وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع أو العمل الصالح والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمامه قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة فالعرب هم أفهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس فغرائزهم أطوع من غرائز غيرهم فهم أقرب إلى السخاء والحلم والشجاعة والوفاء من غيرهم ولكن حازوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل ولا شريعة مأثورة ولا اشتغلوا ببعض العلوم بخلاف غيرهم فإنهم كانت بين أظهرهم الكتب المنزلة وأقوال الأنبياء فضلوا لضعف عقولهم وخبث غرائزهم وإنما كان علم العرب ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم والحروب فلما بعث الله / محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى تلقفوه عنه بعد مجاهدة شديدة ونقلهم الله عن تلك العادات الجاهلية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها فلما تلقوا عنه ذلك الهدى زالت تلك الريون عن قلوبهم فقبلوا هذا الهدى العظيم وأخذوه بتلك الفطرة الجيدة فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال الذي أنزله الله إليهم بمنزلة أرض طيبة في نفسها لكن هي معطلة عن الحرث أو قد نبت فيها شجر العضاء والعوسج وصارت مأوى الخنازير والسباع فإذا طهرت عن ذلك المؤذي من الشجر وغيره من الدواب وازدرع فيها أفضل الحبوب أو الثمار جاء فيها من الحب والثمر ما لا يوصف مثله فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله سوى الأنبياء وصار أفضل الناس بعدهم من اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم إلى يوم القيامة من العرب والعجم والله سبحانه أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليما . هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول بتصرف يسير مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .




التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 13 - 09 - 2009 الساعة 19:09
رد مع اقتباس