عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
الراعي
عضو مميز
رقم العضوية : 13
تاريخ التسجيل : 12 - 04 - 2003
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 797 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 11
قوة الترشيح : الراعي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : كتاب الحديثي 27 صفحه منه

كُتب : [ 30 - 03 - 2004 ]

مقدمةٌ في أَهَمْيَّةِ عِلْمِ النَّسَب

علم النسب علم أصيل شريف جليل القدر رفيع المنزلة ، وهو علم تفوقت به الأمة العربية على سـائر الأمم ، وتفردت به ، و افتخرت به عليهم رغم حرص تلك الأمم على تقييد أنسـابهم ، و لقد ألف علمائهم في أنسـابهم ، فهناك من ألف في أنسـاب الفرس ، و آخر في الترك ، وثالث في اليونان و في الأكراد و الصابئة وغيرهم (1) .

و مع ذلك لم تستطع هذه الأمم أن تتقن أنسـابها كما أتقنه العرب ، ولعل من أسباب ذلك كون الأمة العربية أمة شاعرة ، فحفظ لها الشعر أنسـابها و منذلك أيضاً : بقاء قسم كبير منها على بداوته الأصلية ، و البادية أكثر عناية بالأنسـاب من الحاضرة .

و لازالت هذه الأمة منذ جاهليتها و إلى يومها هذا حريصة أشد الحرص على العناية بأنسـابها و تسجيلها ، إلى أن نبغت نابغة من أدعياء الثقافة في العهود الأخيرة ، تحاول إسقاط هذا العلم وتقليل أهميته ، بل إلغائها بالكلية . و وجدت هذه النابغة تكأة لها في حديث يروى عن أكرم الخلق: (علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر ) .

و نقول لهؤلاء القوم : رويداً ، ار على أنفسكم ، فتكأتكم منهارة و جداركم منقض ، وحديثكم كردود معلول ، أعله الإمام الذي رواه أبو عمر بن عبد البر ـ طيب الله ثراه ـ
( تـ 463 هـ ) ، فقد قال بعد أن ساق الحديث بإسـناده :
( في إسناد هذا الحديث رجلان لا يحتج بهما ،و هما سـليمان و البقية (2) ) .


ــــــــــــــــ
(1) :انظر,, مروج الذهب,, للمسعودي جـ1 ، و انظر تعليقات الأمير شكيب أرسلان على تاريخ ابن خلدون2 / 3 ـ 30
(2) : ,, جامع بيان العلم وفضله ,,

ـ 7 ـ



وقال أيضاً من مقدمة ,, الأنباه على قبائل الرواه ,, بعد أن ذكر بعض الآثار والأحاديث في فضل علم النسـب :
,, ولعمري ما أنصف القائل : إن علم النسـب علم لا ينفع ،وجهالة لا تضر لأنه بين نفعه لما قدمنا ذكره ,,(1) .

وقد أعل هذا الحديث أيضاً الأمام أبو محمد بن حزم ( تـ 456 هـ ) .
فقد ذكر في مقدمة ,, جمهرة أنسـاب العرب ,, فضيلة علم اليسـب وفوائده وأهميته ، ثم قال :
,, فوضح بما ذكر بطلان قول من قال : إن علم النسـب لاينفع وجهالة لا تضر ، وصحَّ أنه بخلاف ما قال ، وأنه علم ينفع و جهل يضر ، و قد أقدم قوم فنسـبوا هذا القول إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال علي : و هذا باطل ببرهانين :
أحدهما : انه لا يصح من جهة النقل ، و ما كان هكذا فحرام على كل ذي دين أن ينسـبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يتبوأ مقعده من النار إذ نقول عليه ما لم يقل .
والثاني : أن البرهان قام بما ذكرناه آنفاً على أن علم النسـب علم ينفع وجهل يضر في الدنيا والآخرة (2) .

ونقل العلامة لبن خلدون ( تـ 808 هـ ) في تاريخه(3) تضعيف هذا الحديث عن الأئمة الجرجاني و ابن حزم و ابن عبد البر .

و فضيلة هذا العلم و أهميته بادية لكل ذي عينين ، بل إن منه ما لا يسـع الإنسـان جهله ، و منه ما كان فضيلة تعلمه ، و يكون من جهله ناقص الدرجة في الفضل ، قال ابن حزم: ,, و كل علم هذه صفته فهو علم فاضل ، لا ينكر حقه إلا جاهل أو معان (4).

ـــــــــــــــ
(1): صـ44ــ (3): 1/4
(2): صـ3ــ (4): صـ2ــ
ـ 8 ـ

فأما الفرض فيعلم النسـب فهو أن يعلم المرء أن محمداً صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله إلى الجن و الإنس بدين الإسـلام ، هو محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي الذي كان بمكة و رحل منها إلى المدينة .
قال ابن حزم :
,, فمن شك في محمد صلى الله عليه وسلم أهو قرشي أم يماني أم تميمي أم أعجمي ، فهو كافر غير عارف بدينه ، إلا أن يجوز بشدة ظلمة الجهل ،و يلزمه أن يتعلم ذلك ، و يلزم من صحبه تعليمه (1) ,,
والتفكير مبالغة من مبالغات ابن حزم لا يوافق عليه .
ومن الغرض في علم النسـب : أن يعلم المرء أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش ، وهذه من عقيدة أهل السنة و الجماعة ،لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأئمة من قريش ) (2) ولذلك لما اجتمع الأنصار يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج عليهم الصديق ـ رضي الله عنه ـ بهذا الحديث فرجعوا إليه و بايعوه .
و من الفرض أن يعرف الإنسان أباه وأمه وكل من يلقاه بنسـب في رحم محرمة ليجتنب ما يحرم الله علنه من النكاح فيهم ، وأن يعرف كل من يتصل به برحم توجب ميراثاً ، أو لازماً له من دينه . يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :
( تعلموا من أنسـابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإذا صلة الرحم محبة من الأهل مثراة من المال ، منسأة في الأجل ، مرضاة للرب )(3) . تلزمه صلة أو نفقة أو معاقدة أو حكماً ما ، فمن جهل هذا فقد أضاع فرضاً واجباً عليه ،
ـــــــــــــــــ
(1): صـ2ــ
(2): هذه الرواية مشهورة بين المؤرخين ،ولكني وجدت ابن حجر العقلاني يقول عنها: ( وليس هذا اللفظ موجود فيكتب الحديث ،عن أبي بكر-رضي الله عنه- ، وإنما في الصحيحية و غيرهما من قصة السقيفة قول أبي بكر :إن العرب لاتعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ) انظر موافقة الخُبر الخَبَر : 1/480 ،وحديث: (الأئمة من قريش) رواه أحمد 3/ 129 ، 183 ، وقال الهثيمي :رجالة مجمع الروائد : 5/192 ، وحمد الألباني ، رواه القليل :
(3): رواه أحمد 2/374 والترمذي 4/ 351 رقم (1979)و الحاكم :4/161 ومحمد ،والهمذاني : 1/5 ، و الأصفهاني ، انظر السلسلة الصحبية رقم (276)

ـ 9 ـ

و أما الذي تكون معرفته فضلاً على الجميع ، وفرض كفاية فمثل معرفة أسماء أمهات المؤمنين المفترض حقهن على جميع المسلمين ، و نكاحهن عليهم حرام ، و معرفة أسماء أكابر الصحابة من المهاجرين و الأنصار _رضي الله عنهم_ وقد صح عن رسول الله أنه قال :
( آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) (1) فهم الذين أقام الله بهم الإسلام، وأظهر الدين ، و صح عنه أيضاً (2) أنه أمر كل من ولي من أمور المسلمين شيئاً أن يستوصي بالأنصار خيراً ،وأن يحسن إلى محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم ، فإذا لم نعرف أنسـاب الأنصار ، لم نعرف إلى من نحسن و لا عمن نتجاوز .

ومن ذلك أيضاً معرفة من يحق لهم حق في الخمس من ذوي القربى ، ومعرفة من تحرك عليهم الصدقة من آل محمد عليه السلام ، فمن لاحق له من الخمس ، ولا تحرم عليه الصدقة .

ثم إن هناك مسائل من الفقه تعتمد على معرفة النسب كالجزية والاسترقاق وأحكام الوقف ، إذا خص المواقف بعض الأقارب و الطبقات دون بعض ، وأحكام الوراثة، و أحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض ، وأحكام العائلة (3) من الدية، وبعض الفقهاء يعتبر كفاءة النسب بين الزوجين في الكاح ، وبعضهم أيضاً يفرق في أخذ الجزية ومن الاسترقاق بين العرب و العجم ، ويفرق بين حكم نصارى بني تغلب ، وبين سائر أهل الكتاب في الجزية .


ـــــــــــــــــ
(1): البخاري : 5 / 40 ، مسلم : 2 / 63
(2): البخاري : 5 / 43 ، مسلم : 16 /68
(3): العائلة : القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ .




ـ 10 ـ

و لما أقنع المشركون من هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تصدى لهم حسان بن ثابت رضى الله عنه ، فخشي الرسول أن يتعرض لنسبه وقال لحسان : ,, إن لي فيهم نسباً فائت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها فيخلص لك نسبي ,, فقال حسان : والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم و نسبك سل الشعرة من الهجين ، فهجاهم فقال له رسول الله :
,, لقد شفيت و اشتفيت ,, (1)

ومن ذلك أيضاً أن تعرف الفاضل من الفضول ، والشريف من الوضيع ، فهناك قبائل كريمة رفيعة المنزلة ، وهناك قبائل منحطة و ضيعة القدر . وهناك قبائل كريمة دون أخرى من المنزلة . فهل نساوي بالعرب سائر الأمم ؟
أم هل يساوي بقريش سائر العرب ؟ و ببني هاشم سائر العرب ؟
لا والله فالعرب خير من العجم ، وقريش خير من العرب و بنو هاشم خير من قريش .

وقد ثبت عنه أنه فضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وثبت عنه أنه فضل بعض قبائل العرب على بعض ، وأثنى على بعضها ، نفى الصحيحين عن أبي هريرة
-رضي الله عنه - أنه قال: ,, لازلت أحب تميماً لثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :هم أشدُّ الناس على الرجال ، و لما جاءت صدقاتهم قال: هذه صدقات قومي ،وكانت منهم سبية عند عائشة فقال : اعتقيها فإنها من ملة إسماعيل ,,(2) أ الأنصار ، فقدم بني عبد ا ثم بني عبد الأشعل ثم بني الحارث بن الخزرج ثم بني ساعدة ، ثم قال: ,, في كل دور الأنصار خير ,, (3) .
وذكر بني تميم و بني عامر بن صعصعة وغطفان ، ثم أخبر أن مزينة و جهينة و أسلم وغفاراً خير منهم يوم القيامة .


ــــــــــــــــــ
(1): رواه مسلم(2490) والطبراني ( 3582) ، و علوم النبلاء : 2 /515
(2): البخاري : 3 / 194 ، ومسلم 16 / 78
(3): جمهرة العرب : 4 .
(4):مسلم : 16 /75 , والبخاري :4 / 221
ـ 11 ـ


ولو لم يكن في علم النسب منفعة لما اشتغل به الصحابة و التابعون وأكابر العلماء ، فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أعلم الناس بنسب قريش و سائر العرب ، و كذلك جبير بن مطعم و عقيل بن أبي طالب و ابن عباس ، وكانت الصديقة بنت الصديق كذلك ، رضي الله عنهم أجمعين .
ومن الأئمة : ابن شهاب الزهري و الشافعي و أبوعبيد القاسم بن سلام و الدارقطني وابن حزم وابن عبد البر وابن قدامة و السمعاني و الذهبي و ابن حجر العسقلاني و ابن ناصر الدين و جمهرة أخرى غيرهم (1).
وكما ترى فإن أكثر الناس اشتغالاً بهذا الفن هم أهل الحديث ، وهم الفرقة الناحية ، و الطائفة المنصورة ، وهم زبدة وعصارة الفكر الإسلامي الخالي من شوائب البدع و الضلالات ، ومن هذا وحده ردًّ على من يطغى في هذا العلم الشريف .

ولما فرض عمر بن الخطاب و عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم الديوان ديوان العطاء ، جعلوه على القبائل ، ولو لا علمهم بالنسب لما أمكنهم ذلك .

ولو أخذنا في ذكر فوائد هذا العلم لطال بنا القام ، و لم نقصد من ذلك سوى الرد على من قلل أهميته و أسقط قيمته : وكل ذلك يحث على دراسة هذا العلم و العناية به ، مع الحذر مما يقع به البعض من الطعن من الأنساب ، و التنافر في الأحساب فهي بلية عظمى ، وطآمة كبرى ، توفر الصدور وتولد الأحقاد و تجلب الإحن و المحن وتسبب الفتن ، وقد حذرنا من لاينطقه عن الهوى عن هذه الأمور ، وبيّن أنها من مسائل الجاهلية .


ــــــــــــــ
(1): انظرهم وغيرهم مفصلين من كتاب ,, طبقات النسابين ,, للشيخ بكر أو زيد , و ,,المستدرك على طبقات النسابين ,, لكاتب هذه الأسطر ، نشر بعضه في مجلة العرب ، ولا يزال أكثره مخطوطاً .
وانظر ,, منية الراغبين في طبقات النسابين ,, لكمونة .


ـ 12 ـ

فقال عليه الصلاة و السلام : ,,أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، و الطعن في الأنساب ، و الاستسقاء بالنجوم ، و النياحة ,,(1) .

وهذا الحديث خرج منه كخرج الإخبار و الذم ، أيّ أن الأمة ستفعلها مع العلم بتحريمها أو مع الجهل بذلك ، مع كونها من أعمال الجاهلية المذمومة المكروهة المحرمة .

ـــــــــــــــ
(1): رواه مسلم 2/644
والفخر بالأحساب : أي التشرف بالآباء و التعاظم بعد مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم ، على سبيل التنافر لا الإخبار، ,, وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عند زلفى ,, لأبي دأودٍ: ,,إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس بنو آدم ، وآدم من تراب، ليدعن رجالهم فخرهم بأقوام إنما هم فحم نار جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنها النتن ,, ، وفخر الإنسان بعمله مذموم، فكيف بعمل غيره .
رواه أبو داود (5116) والترمذي (3955) و محمد شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم 1/216
أما إذا كان ذكر المآثر و المناقب على سبيل الإخبار فلا بأس به .
و الطعن في الأنساب: أي الوقوع فيها بالعيب و النقص وقصد الذم و الحط من الرتبة ، ولما عيّر أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ بأمه بسوادها ، وقال له: يابن السوداء ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ,, متفق عليه .
وانظر : ,, تيسير العزيز الحميد ,, 452 ، فتح الحميد لابن منصور مخطوط
,, فتح المجيد ,, 320 ، حاشية كتاب التوحيد 230
,, مسائل الجاهلية ,, وزوائدها للآلوسي وللدرويش .





ـ 13 ـ


رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي
مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات
الراعي
رد مع اقتباس