عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
أبوهمام الأثبجي
عضو فعال
رقم العضوية : 7372
تاريخ التسجيل : 11 - 05 - 2006
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 133 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : أبوهمام الأثبجي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : (مرض التعصب مابين الشعوب والقبائل،وفقهاء المذاهب،والفرق،والتيارات المعاصرة)

كُتب : [ 16 - 10 - 2006 ]

المغيرة : فأما أبوك فإني مررت به ، وهو يبحث بحث الثور بروقه (أي بقرنه) فَحِدْتُ عنه .. وقصد له ابن عمه عليُّ فقتله » . قتل عمر خاله ، وقتل على ابن عمه .. في سبيل الله ، إنه الانتماء إلى مجتمع العقيدة الذي ذابت فيه العصبيات كلها ، وانتهت رواسبها في مجتمع الطهر والتجرد .. إذ غزوة بدر قاتل فيها القريب قريبه ، ولما خرج للمبارزة في هذه الغزوة بعض الأنصار .. نادى منادي قريش : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا .. ولما خرج حمزة وعلي وعبيدة - رضي الله عنهم - . قالوا : (أي قريش) نعم أكفاء كرام .. وقُتل عندها عتبة وشيبة والوليد من سادة قريش [18] .
إن هذه الروح الإيمانية ، وهذا الانضواء تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ، خلَّص المجتمع الجديد من عصبيات قاتلة ، بمجرد أن عاشوا حقيقة هذه الشهادة . وإن الأخوة التي قامت بين المهاجرين والأنصار كانت دليلاً حاسماً على قيام دولة العقيدة ونشوء مجتمع قضى على رواسب العصبية الجاهلية . وفي خطبة الوداع وضع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أسس التجمع العقيدي الصحيح إذ قال : « وكل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه : دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا كتاب الله .. وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت .. » [19] .
والشعر الإسلامي :
ساهم أيضاً في ترسيخ هذا البنيان الضخم ، حيث ألغى الإسلام العصبية ورابطة الجنس ، وصار الشعر يتمثل هذه القيم الجديدة الكريمة .. بعد أن كان سلاحاً يثير أحقاد القبائل . فالعباس بن مرداس يقاتل بني عمه مخالفاً هواه مطيعاً ربه ودينه حيث يقول [20] :
ويوم حنين حين سارت هوازنٌ إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
أمام رسول الله يخفق فوقنا لواءٌ كخذروف السحابة لامع
ويقول :
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى مطالاً لكنا الأقربين نُتابع
ولكن دين الله دينَ محمد رضينا به فيه الهدى والشرائع
القبيلة وحدة اجتماعية يستفاد منها :
كنا قد ذكرنا أن الإسلام استفاد من رابطة القبيلة في نشر الدعوة ، واستخدمها مظلة واقية ضد ميزان المجتمع المتعصب .. إن الإفادة من الرابطة القبلية وصلة القربى لمصلحة الإسلام شئ ، والخضوع لهذه الرابطة المنحرفة الظالمة شئ آخر . لقد استفاد الإسلام من الطاقات الطيبة كلها بما ينسجم مع تعاليمه ، إذ كانت كتائب الجهاد في الفتوحات الإسلامية تضم تكتلات قبلية تثار فيها الحماسة الصادقة ، والنخوة العربية خوفاً من العار ، إضافة لما جدَّ من استعلاء الإيمان ، وعقيدة الجهاد . « إن قبائل المسلمين كانت تتحرك كوحدات حربية في الميدان .. إن ما أذابه الإسلام وقاومه هو العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب ، ولكنه لم يحارب القبيلة في حد ذاتها ، كوحدة لها وجود عميق في البيئة العربية ، لقد ظلت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية ، والوحدة الحربية المعترف بها في الفتوح الأولى ، واستفاد الكيان الإسلامي من هذا الوجود إلى أقصى حد… »
( وفي معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب اختلطت صفوف المسلمين ، فصاح بهم خالد بن الوليد (أيها الناس تمايزوا حتى نعرف من أين نؤتى) فتميزت كل قبيلة في صفوفها وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة ، وراية الأنصار مع ثابت بن شماس ) [21] . قال تعالى : ] وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [ [الحجرات 13] . ولو نظرنا إلى منازل القبائل العربية ، لوجدناها مطابقة لتعبئة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- عند زحفه من البناج إلى الحيرة .. وفي كتب السيرة والفتوحات نلاحظ أن الخليفتين الراشدين الصديق والفاروق كانا يبعثان القبائل ويستعملان على كل قبيلة قائداً منها .. والجدير بالذكر أن المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله كان لهم وضع خاص فلم تكن لهم دائماً في الفتوح وحدات خاصة بهم من قبائلهم ، إنما كنا نجدهم في القيادات غالباً كخالد بن الوليد والنعمان بن مقرن وإخوانه [22] . فالعقيدة تذيب العصبية ، وتستفيد من رابطة القرابة وتستعلي على المصلحة
الشخصية والقبلية ، ويكون المسلم ضد هواه ، صلته بربه قوية ، علاقته مع إخوانه المؤمنين وطيدة .. وكلما ضعف رابط العقيدة ،وتخلخل صفاء التوحيد ، برزت العصبية من جديد والهوى والنزوات .

--------------------------------------------------------------------------------

(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/315 .
(2) المصدر السابق 1/635 .
(3) المصدر السابق 1/292 .
(4) مختصر السيرة النبوية ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص 68-69 .
(5) القصيدة : في السيرة النبوية لابن هشام 1/272-280 (وفي طبقات فحول الشعراء ص 244 جزء 1 البيت الثاني من هذه الأبيات) .
(6) وردت (بسنة) في رواية أخرى .
(7) تاريخ الإسلام السياسي : 1 / 65 د حسن إبراهيم حسن .
(8) حديث متفق عليه .
(9) مسند الإمام أحمد 1 / 401 وفي مسند أبي داود : 7 / 17 مختصر المنذري، وقد سكت عنه المنذري .
(10) في ظلال القرآن : 4 / 1886 ، 6 / 3622 .
(11) في ظلال القرآن : 4 / 1886 ، 6 / 3622 .
(12) صحيح مسلم بشرح النووي : 12 / 238 .
(13) أسباب النزول للواحدي ، ص 236 ، وتفسير ابن كثير (8 / 79) نقلاً عن كتاب الولاء والبراء ص 228 .
(14) صحيح البخاري : 48/648 ، ح 4905 .
(15) صحيح مسلم : كتاب الإمارة ، ح 3 / 1476 ، ح 1848 .
(16) انظر : معالم في الطريق ، ص 143 ، وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، ص 142 .
(17) السيرة النبوية : 1 / 636 .
(18) انظر تفصيل المبارزة في : السيرة النبوية لابن هشام ، 1 / 625 .
(19) مختصر السيرة النبوية : الشيخ محمد بن عبد الوهاب : حجة الوداع ، ص 175 .
(20) شعر الدعوة الإسلامية ، قصيدة (501) : عبد الله الحامد ، والسيرة النبوية لابن هشام 2/464 (والمناسبة : أن بني سُليم جاهدوا يوم حنين ومعهم شاعرهم عباس مع المسلمين يقاتلون هوازن وهوازن تجتمع وإياهم في النسب) .
(21) كتاب الطريق إلى المدائن : أحمد عادل كمال ، ص 43 .
(22) فتوح البلدان ، ص 304 نقلاً عن أحمد عادل كمال (الطريق إلى المدائن) ، ص 25 .
مقتبس من موقع آل البيت يخاطب آل البيت حول العالم.

الفصل الرابع: الأئمة الأربعة أبوحنيفة،ومالك،والشافعي،وأحمد بن حنبل-رضي الله عنهم-غايتهم اتباع سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-،وإجتهادهم الفقهي وسيلة لتحقيق الغاية،ومخالفة الأتباع لمذهبهم مخالف لمنهجهم القويم.
(التعصب المذهبي)
للباحث فؤاد بن عبدالعزيز الشلهوب
قال: (( داء يسري في النفوس يحمل صاحبها على مخالفة الدليل من أجل مذهب درج عليه،فتراه ينافح عن قول إمامه ومذهبه وإن علم أن الحق بخلافه!.
والأئمة الأربعة رحمهم الله،نصُّوا على الأخذ بالدليل وإن كان كان مخالفاً لقولهم.
وهذا من تعظيمهم رحمهم الله للأثر،وصرف أتباعهم إلى الأخذ بالدليل وأن يكونوا مع الدليل والحق حيثما دار.
قال الإمام أبوحنيفة : (إذا جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-فعلى العين والرأس).
وقال الإمام مالك : (ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك،إلا صاحب هذا القبر-وأشار إلى قبر النبي-صلى الله عليه وسلم-).
وقال الإمام الشافعي : (كل ماقلت،وكان قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-خلاف قولي مما يصح،فحديث النبي-صلى الله عليه وسلم أولى،ولا تقلدوني).
وقال الإمام أحمد : (لا تكتبوا عني شيئاً،ولا تقلدوني،ولا تقلدوا فلاناً وفلاناً-وفي رواية : مالكاً،والشافعي،ولا الثوري-خذوا من حيث أخذوا).
[ومع أن الأئمة نصوا على عدم تقليدهم،والأخذ بالدليل وإن كان مخالفاً لأقوالهم،إلا أن ذلك لم يمنع من وجود طائفة تعصبت لأقوال أئمتهم،وغلوا كبيراً،فمن أقوال بعض المتعصبة:]
قال الحصكفي في أبيات يمدح بها الإمام أباحنيفة منها:
فلعنة ربنا أعداد رملٍ***على من ردَّ قول أبي حنيفة.
وأنشد منذر بن سعيد عدة أبيات تصور حالة تشبث المالكية بقول الإمام بدون دليل فقال:
عذيري من قوم يقولون كلما***طلبتُ دليلاً: هكذا قال مالك
فإن عدتُ قالوا هكذا قال أشهب***وقد كان لا تخفى عليه المسالك
فإن زدتُ قالوا: قال سحنون مثله***ومن لم يقل ما قاله فهو آفك
فإن قلت: قال الله،ضجوا وأكثروا***وقالوا جميعاً: أنت قرن مماحك
وإن قلت: قد قال الرسول،قولهم***أتت مالكاً في ترك ذاك المسالك

وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي :
( نحن ندّعي أنه يجب على كافة العاقلين وعامة المسلمين شرقاً وغرباً،بعداً وقرباً-انتحال مذهب الشافعي.ويجب على العوام الطغام والجهال الأنذال انتحال مذهبه بحيث لايبغون عنه حولاً،ولا يريدون به بدلاً )
وقال أحد الحنابلة:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمُت***فوصيتي للناس أن يتحنبلوا.
[والحق هو اتباع الدليل والأخذ به ممن قاله،ولا يقدح ذلك فيمن ترك مذهبه في مسألة،ولا يعتبر مخالفاً لإمامة،بل هو متبعٌ له كما نصوا على ذلك].

قال أبو مزاحم الخاقاني في شعر له :
أقول الآن في الفقهاء قولاً***على الإنصاف جدّ به اهتمامي
أرى بعد الصحابة تابعيهم***لذي فتياهم بهم ائتما مي
علمتُ إذا عزمت على اقتدائي***بهم أني مصيب في اعتزامي
وبعد التابعين أئمة لي***سأذكر بعضهم عند انتظام
فسفيان العراق ومالك في حجازهم وأوزاعي شام
ألا وابن المبارك قدوةٌ لي***نعم والشافعيُ أخو الكرام
ممن أرتضي فأبو عبيد***وأرضى بابن حنبل الإمام
فآخذ من مقالهم اختياري***وما أنا بالمباهي والمسامي
وأخذي باختلافهم مباح***لتوسيع الإله على الأنام
ولست مخالفاً إن صح لي عن***رسول الله قولٌ بالكلام
إذا خالفتُ قول رسول ربي***خشيتُ عقاب ربٍّ ذي انتقام
وما قال الرسول فلا خلاف***له يارب أبلغهُ سلامي

صورة من التعصب: قال الطرفي: رأيت بعض العامة،وهو يضرب يداً على يد،ويُشير إلى رجلٍ،ويقول: ما هذا إلا زنديق،ليتني قدرت عليه،فأفعل به،وأفعل،ما رأيت منه؟ فقال: رأيته وهو يجهر بالبسملة في الصلاة !.)).
انظر كتاب (( صيد الكتب )) للباحث فؤاد بن عبدالعزيز الشلهوب.

الفصل الخامس: منهج أهل السنة في تقويم الرجال في باب الجرح والتعديل:

اقرأ وتدبر : ( أعرف الحق تعرف أهله ) محاضرة ((منهاج أهل السنة في تقويم الرجال))
________________________________________
منهاج أهل السنة في تقويم الرجال
محاضرة
للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل المقدم


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد_صلى الله عليه وسلم_وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار عن ابن عمر_رضي الله عنهما _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)قوله صلى الله عليه وسلم(إن القسطين عند الله) المقسطون هم العادلون كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث فبدأ بقوله((إن القسطين عند الله على منابر من نور)ثم قال في آخر الحديث(الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)
ففسرها في آخر الحديث بأنهم العادلون، والإقساط والقسط العدل تقول أقسط إقساطاً إذا عدل ومنه قوله تعالى { إن الله يحب المقسطين } وأما قسط يقسط _ بفتح الياء وكسر السين _ ، قسط يقسط قسوطا, _ بالسين _ فهو قاسط وهم قاسطون يعني إذا جاروا، القاسطون يعني الجائرون الظالمون أما المقسطون فالعادلون ومن الثانية قوله تبارك وتعالى(وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)يعني وأما الجائرون الظالمون فكانوا لجهنم حطبا فقوله إن المقسطين يعني العادلين(عند الله على منابر من نور) على منابر يعني يُجلَسون على منابر سمي المنبر بهذا الاسم لارتفاعه فهم على منابر حقيقة ومنازلهم رفيعة عند الله تبارك وتعالى( على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل ) وهذا الحديث من أحاديث الصفات التي يسلك فيها مسلك السلف الصالح فيما نظرها ونقول فيها نؤمن بالله وبما جاء من عند الله على مراد الله عز وجل نؤمن بهذه الصفات أنها لها حقيقة تليق بالله تعالى وإن كنا لا يمكن أن ندرك كيفيتها أو كيفية اتصاف الله تبارك وتعالى بها فهذه صفات الله عز وجل تعرف بها إلينا وما علينا إلا أن نثبتها كما أراد الله وبلا كيف مثل قوله تبارك وتعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)فأثبت صفة السمع والبصر وفي نفس الوقت رفع علم الكيفية وقال (ليس كمثله شيء)يعني ليس كالله شيء فأي شيء من أحاديث أو آيات الصفات مهما حاولت أن تجتهد أو تصل بعقلك إلى تخيل صورة لها فلابد أن تقطع حتماً أن الله عز وجل على خلاف هذه الصورة التي يمكن أن تتخيلها فكل ما تتخيله فالله بخلافه إذ ( ليس كمثله شيء) ليس كالله تبارك وتعالى شيء فلا يعلم كيف هو إلا هو تبارك وتعالى فلذلك علينا أن نيأس تماما أن تيأس العقول ولا تطمح أبداً في أن تعرف كيفية اتصاف الله تعالى بهذه الصفات ثم نحن لا نشبه الله بخلقه وفي نفس الوقت لا نعطل صفات الله تبارك وتعالى بعض الناس إذا سمعوا نصوصاً في صفات الرب عز وجل تبادر إلى ذهنهم المعنى الذي يليق بالمخلوقين فيستبشعونه فيقعون في التشبيه أولاً ويترتب على التشبيه أن يستبشعوا هذا الوصف فبالتالي يلجئون إلى التعطيل فينفون صفات الله تبارك وتعالى ولو أنهم من البداية ما شبهوا لما وقعوا في الورطة الثانية وهي ورطة التعطيل أما السلفيون الموحدون فإنهم يقولون كما قال سلفهم الصالح آمنا بالله وبما جاء من عند الله على مراد الله ونقول كما قالوا أمرها كما جاءت بلا كيف. يقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين ) تنبيه على أن اتصاف الله تبارك وتعالى باليمين كما قال تبارك وتعالى(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)يقول(وكلتا يديه يمين)تنبيه على أن اتصاف الله تبارك وتعالى بهذه الصفة لا كاتصاف المخلوقين بل كلتا يديه يمين فهي ليست تشبه صفات المخلوقين التي تستحيل في حق الرب. (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)هذا رواه مسلم كما ذكرنا. (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) فهذا الجزاء وهذا الفضل العظيم وهو أن يتبوأ هؤلاء المقسطون منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل حتى ينال الإنسان هذه الفضيلة فلابد أن يتصف بصفة العدل(الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) ويقول _ صلى الله عليه وسلم_(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) جعل أولهم (الإمام العادل) ( يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) فكل ما تقلده الإنسان يجب أن يعدل فيه من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف وأيضاً فيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك كما قال _عليه الصلاة والسلام(إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته)
وقال ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وفصل الحديث كما تعلمون فالشاهد أن من اتصف بصفة العدل وحرص عليها فيما يتولاه من أمور فإن جزاءه عند الله ما ورد في هذا الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو _ رضي الله عنهما _ قال (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)هذا العدل الذي نوه به هذا الحديث ووعد عليه هذا الثواب والتشريف والتعظيم لا يقتصر فقط على الإمارة أو الخلافة أو ولاية الرجل أهله والمدير موظفيه وهكذا وإنما هو ينبغي أن يتصف به الإنسان حتى في حكمه على كل الأمور وتقويمه للناس ولمنازلهم، في تقويمه وحكمه على الأفكار والمؤلفات والشيوخ وهكذا ينبغي أن يتصف الإنسان بالعدل كما أمر تبارك وتعالى في قوله عز وجل(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)فهذه الآية توضح منهجاً عظيماً يجعل العدل لازماً أصيلاً من لوازم الإيمان فقد بدأ الخطاب بمخاطبة المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)يقول شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_( وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي قد يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وان لم يشترك في إثم ولهذا قيل إن الله يقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وان كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة).
فهذا قانون من قوانين، من سنن الله في هذه الحياة الدنيا أن الدولة التي تقوم على العدل فإنها تمكن ويقوم أمرها والدولة التي تقوم على الظلم حتى ولو كانت مسلمة فإنه لا يقوم لها أمر وإن كانت تجازى بالإسلام في الآخرة ففي مثل هذا العصر نحن نحتاج أيضاً إلى العدل والإنصاف حينما نرجع إلى ميزان السلف الصالح لنـزن الأمور كلها بالميزان القسط حتى أصبحت الأهواء هي التي تتحكم بالآراء والتوجهات حتى إن الإنسان قد يتغاضى عن أخطاء من يحبهم وإن كانت كبيرة ويسوغها ويلتمس لها المعاذير بل قد تتحول هذه الأخطاء إلى محاسن في نظره ويجعل محبوبه في أعلى المنازل ولا يقبل فيه ولا يقبل فيه نقداً أو مراجعة وفي المقابل تراه إذا أبغض أحداً هوى في نفسه أو تقليداً لغيره جرده من جميع الفضائل ولم ينظر إلا إلى سيئاته وزلاته فيفخمها وينسى أو يتناسى محاسنه الأخرى مهما كانت بينة، فالاضطراب ليس فقط في تقويم الرجال بل أيضاً في عالم المؤلفات والمصنفات ترى بعض الناس إذا رأى خللاً في كتاب رماه جميعه، رمى عرض الحائط بهذا الكتاب أو إذا رأى شيخ ذل في مسألة فلا يعرف هذا الشيخ إلا بهذه الذلة كأن ماله محاسن على الإطلاق ويشطب عليه تماماً ولا يقبل منه أي شيء يقول الشيخ صاحب البدعة الفلانية الشيخ صاحب الخطأ الفلاني في الكتاب الفلاني ولا يلتفت إلى أنه ينبغي أن يلتفت إلى هذه الآية وهو قوله عز وجل(كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)فعامل الهوى وغيره من العوامل تجعل الإنسان يحيد وينحرف عن ميزان العدل وميزان القسط فترى_كما ذكرنا_بعض الناس إذا رأى خللاً في كتاب من الكتب رماه أو رمى به عرض الحائط وشنع على مؤلفه وعلى من اقتناه أو قرأه وهو في ذلك مغفل إغفالاً شديداً للجوانب الإيجابية التي قدمها صاحبه؛أما إذا كان هذا الكتاب لأحد ممن ينتمي إلى حزبه _مثلاً_ أو إذا كان مرضياً عنده فإنه يرفع الكتاب فوق منزلته ويغض الطرف عن زلل المؤلف أو تقصيره ظناً منه أنه إن اعترف بوجود بعض جوانب النقص في هذا الكتاب فإن هذا يحط من قيمة صاحبه أو يقلل من شأنه وقد قيل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة لكن عين السخط تبدي المساويا
لم يقف الخلل الفكري والقصور المنهجي عند هذا الحد بل تعداه إلى ما هو أعظم من التنازع والتقاطع والبغي فتفرقت كلمة المسلمين في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الترابط أمام أعدائهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_في الوصية الكبرى: (وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب)هذا الاضطراب صفة مميزة لأهل البدع الذين ينحرفون عن ميزان أهل السنة والجماعة يقول شيخ الإسلام _وهو يتحدث عن أصحاب المقالات_: (فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد ليس له علم ولا حسن قصد فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ويذموا من لم يذمه الله ورسوله وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم ويقولون هذا صديقنا وهذا عدونا لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس) انتهى كلام شيخ الإسلام.ولشيوع هذه الظاهرة حاول بعض الباحثين أن يعالجها ويسد هذه الثغرة؛هناك قضايا فكرية كثيرة مهمة جداً تحتاج أوما زالت تحتاج إلى حسم وإلى وضع ضوابط وموازين؛ هذه الثغرة وهي ثغرة المنهج القويم في الحكم على الرجال أو تقويم الرجال والمصنفات والآراء وغير ذلك في ضوء موازين أهل السنة والجماعة_الفرقة الناجية_ هذه الثغرة حاول بعض الكاتبين أن يعالجها ومن ذلك هذا البحث الذي نلخصه لكم اليوم لندرته أو لعدم وجود هذا الكتيب؛وهو إعداد الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصيام((منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم))يذكر في أول بحثه بيان أن أول ما يعالج هذه الفتنة فتنة الظلم والجور في الحكم على الرجال والكتب والمناهج أولاً يقول: ورع اللسان فإذا ضعف هذا الورع أو انحرف أو زال عن الإنسان فإنه يتجرأ بالخوض في أعراض الناس فيتجرأ في بعض الأحيان ويطلق الأحكام جزافاً بدون تثبت فيجرح أو يعدل ويخطيء ويصوب وربما سمع إنسان شيئاً في حق من هو مخلف له فلا يتفطن إلى قول النبي _صلى الله عليه وسلم_(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع) لكنه يردد كل ما يسمع لموافقته هواه ويظن أن ليس عليه عهدة في ذلك لأنه يروي عن الآخرين أما هو فلا يخوض في عرض إخوانه ويظن أن هذا يشفع له لأن هذا رواية عن الآخرين وهو لا يتثبت في ذلك فهو داخل في قوله_عليه الصلاة والسلام _(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع) فليس كل ما تسمع ترويه وتنقله وتعتمده ولن يشفع لك أنك تقول إنني أروي عن غيري لأن هذا هو عين ما أشار إليه قوله_عليه الصلاة والسلام_بل لو تأملت قوله_(كفى بالمرء كذباً ) {لعلمت}أن فيه توضيح أن هذا هو عين الكذب أن تحكي وتروي دون تثبت فهذا ينشأ منه كثير من الفتن والخوض في حقوق المسلمين؛أن ينقل الإنسان لأن الكلام وافق هواه فينقله عن الآخرين بحجة أن هذا الكلام سمعه وأنه لم يختلقه والرسول يقول ( كفى بهذا كذباً)يعني ليس كذباً أصرح من هذا فينبغي التثبت تماماً مع من لا تحب كما تتثبت في حق من تحب وتقول: ((حسن الظن بالمسلمين واجب)) فكل السلمين سواء من هؤلاء أو من هؤلاء ينبغي أن تنضبط بميزان العدل معهم(( فتراه يجرح ويعدل ويخطيء ويصوب قبل أن يستوعب الأمر ويجمع أطرافه ويدرسه من جميع جوانبه فيغلب على أحكامه الجور وعدم القسط؛ حينما تتفلت الألسنة من قيود الشرع وقيود العقل فإنها تتبارى في الوقيعة في أعراض المسلمين وتجلب العداوة والبغضاء بين الأحباب؛ ولو تأمل الإنسان ما ورد في مثل هذا من النصوص لتردد كثيراً قبل أن يسل لسانه ليرمي به من هنا ومن هناك يقول الله تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) فيا ويح غافل وليس بمغفول عنه)) لو أن كل ذنب ترتكبه بلسانك رميت به حجراً في غرفة لامتلأت هذه الغرفة في زمن يسير بالأحجار بحيث لا تتسع بعدها لشيء آخر؛فالإنسان في غفلة عن هذا العدد الذي يحصى عليه ؛كل لفظ يقوله ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))وفي حديث معاذ بن جبل _رضي الله عنه_ثم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ ) قلت بلى . فأخذ بلسانه فقال ( تكف عليك هذا ) قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال ( ثكلتك أمك يا معاذ هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ من أجل ذلك جعل النبي_صلى الله عليه وسلم_الضمان_التأمين_الذي يؤمن لك دخول الجنة هو حفظ اللسان يقول _صلى الله عليه وسلم_: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) يقول الإمام ابن القيم _رحمه الله تعالى_: ((ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه) تجد الرجل عنده ورع عن أكل الحرام أو الظلم أوالزنا والسرقة وشرب الخمر أو النظر إلى ما حرم الله ومع ذلك يصعب عليه التحفظ من حركة لسانه((حتى يري الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بال ينزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالى ما يقول) تزداد الخطورة ويعظم الذنب إذا كان هذا القدح الجائر في العلماء فهم سادة الأمة وقادتها ونورها ولا خير في قوم لا يعرفون لعلمائهم قدرهم؛هناك بعض الجماعات في الزمان ابتلينا بها هذه الجماعات أي جماعة حينما تبدأ تعرض وتزين وتزخرف فكرها للآخرين ليقبلوا عليه يعرضون مناهجهم وطرائقهم هناك بعض الجماعات أول ما يهتمون به تحطيم علماء المسلمين في نظر الشباب؛هتك أعراض العلماء _أكل لحوم العلماء_بالغيبة والنميمة بل والبهتان أحياناً والتنقص من شأنهم والازدراء لهم والتطاول عليهم فهذا من أعظم الذنوب والله _عز وجل_يعجل لفاعله العقوبة لأن الطعن في أهل العلم وعلماء المسلمين ذنب_كما يقول الحفظ ابن عساكر _رحمه الله_: (اعلم أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك ستر منتقصيهم معلومة))عدة الله: سنة الله جرت أن كل من يتناول ويقع في أعراض علماء المسلمين ؛فإن الله _سبحانه وتعالى_ جرت سنته أنه لابد أن يهتك ستر من هتك ستر أئمة العلم والهدى فقوله: ( اعلم أن لحوم العلماء مسمومة) يعني أن كل من أكل منها هلك ومات ؛أهلكه الله _سبحانه وتعالى_؛يعني من أكل منها بالغيبة والنميمة؛فلا ينبغي أبداً لإنسان أن يقر أحداً على التطاول على علماء المسلمين أو هتك أعراضهم أو الخوض فيهم بغير حق بل ينبغي أن تحمل تصرفاتهم وأفعالهم على أحسن وجه ممكن ويجتهد في ذلك فإنه مثاب على ذلك الاجتهاد وإن أخطأ يقول الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي_رحمه الله تعالى_في كتابه الرد الوافر؛ {هل}تعرفون باقي اسم الكتاب؟ الكتاب مشهور بكلمة الرد الوافر؛ والذي طبع الكتاب _جزاه الله خيراً_{وهو}الشيخ زهير كأنه تعمد ألا يكمل عنوان الكتاب على الغلاف؛ من يعرف السبب؟ {لأن}هذا الكتاب ألفه للرد على العلاء البخاري الذي تطاول على شيخ الإسلام ابن تيمية وقال إن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام فهو كافر فرد عليه الإمام ابن ناصر الدين بهذا الكتاب القيم والذي لا يليق بكم ألا تقرؤه{فهو} كتاب مهم جداً؛((الرد الوافر)) فسماه ((الرد الوافر)) لكن بقية العنوان ((الرد الوافر على من زعم ))أو قال((أن ابن تيمية شيخ الإسلام فهو كافر)) فمراعاة لحرمة شيخ الإسلام ما أتم الشيخ زهير طبع العنوان على الغلاف لكن سماه فقط ((الرد الوافر))مراعاة لحرمة شيخ الإسلام_رحمه الله تعالى_ يقول الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي_رحمه الله تعالى_: (( لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة ومن وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب)) فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار ومن وضع قدمه في أعراض المسلمين فقد وضعها على شفا جرف هار يخشى أن ينهار به نار جهنم وكما قال أحد الحكماء:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه و عثرته في تبرا على مهل
فهذا الأمر الأول أو العلاج الأول للجور في الحكم على الآخرين ((ورع اللسان)) الورع والخوف من الله _سبحانه وتعالى_وخوف العقوبة من التطاول بغير حق في أعراض العلماء.

الأمر الثاني: أهمية التجرد وبيان أن الهوى من أسباب الظلم :فتقويم أي رجل من الرجال أو مؤلف من المؤلفات بمقررات سابقة يعني يقبل الإنسان على قراءة البحث وهو غير متجرد هو يحمل في ذهنه فكرة ولا يستعد أن يتنازل عنها أو تهتز عنده فهو يبين خلفيات معينة ومن خلالها إلى هذا البحث؛فهذا يجعل الإنسان يميل{و}لا يتجرد للبحث بل يميل عن الحق ميلاً واضحاً فهو لا ينظر إلى المرء بمجموع أعماله بل يتغاضى عن المحاسن ولا يقع بين عينيه إلا الهفوات بل قد يعطيها أكثر مما تستحقه من النقد والتجريح؛فإذا كان التجرد في التقويم من الأسباب التي تجعل الحكم صواباً أو قريباً من الصواب؛مثل عدم التجرد هذا أو مثال يقفز إلى الذهن_أذكر الآن _قصة هؤلاء اليهود حينما أتى عبد الله بن سلام _رضي الله عنه_وأراد أن يسلم ؛فلقي النبي _صلى الله عليه و سلم _اليهود فقال أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ فقالوا: (خيرنا وابن خيرنا وأعلمنا وابن أعلمنا فقال: (ما تقولون فيه لو أنه شهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله) أو دخل في دين الإسلام قالوا (أعاذه الله من ذلك)فأخرج لهم عبد الله بن سلام وقال لهم: (يا معشر يهود أنتم تعلمون أن هذا هو النبي الذي جاءت صفته في التوراة وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله_صلى الله عليه و سلم _فقالوا: (هو شرنا وابن شرنا وأجهلنا وابن أجهلنا)في الحال انقلبت هذه الموازين بسبب أنهم مقيمون على الباطل لا يريدون أن يتحولوا عنه؛ فالتجرد في التقويم من الأسباب التي تجعل الحكم صواباً أو قريباً من الصواب يقول الله تعالى(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) فالهوى من النوازع الخفية التي تتسلل إلى قلب المرء تدريجيا حتى تسيطر عليه من حيث لا يشعر فهو باب عريض من أبواب الضلال يجثم على صدر الإنسان ولا يولد إلا الجور والظلم في أحكام المرء يقول تبارك وتعالى مخاطباً نبيه داود_عليه السلام_((يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) ويقول_صلى الله عليه وسلم_: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين على أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه)دائماً القرآن_لو تلاحظون_يأتي بالوحي في مقابلة الهوى؛فالوحي دائماً يقابله الهوى كما في هذه الآية(فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) ويقول أيضاً(وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) ويقول_عز وجل أيضاً(فإن لم يستجيبوا لك)للوحي(فاعلم أنما يتبعون أهواءهم )ويقول_تبارك وتعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)دائماً الهوى يقابله الوحي؛ لذلك كان السلف الصالح _رحمهم الله_يسمون أهل البدع والتفرق الذين يخالفون الكتاب والسنة_يسمونهم_أهل الأهواء لأن ما قبلوا أحقوه وردوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدىً من الله يقول شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_ (صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أوالرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا)يعني يمكن أن يوافق الحق ويتحمس له لا لأن البحث المتجرد أداه إلى هذا الحق لكن لأن الطائفة التي ينتمي إليها يقولون بهذا القول ولأن من يحيطون به يقولون بهذا القول أو ينتصر للحق ليثنى عليه به لا يقول ذلك خالصاً لله أو لغرض من الدنيا فهذا ليس مجاهداً في سبيل الله ولا يفعل هذا لله؛ فهذا إذا كان الذي يدافع عنه حق؛يعني شخص يدافع عن مذهب حق لكن بهذه النوايا أنه يرى الحمية للطائفة التي ينتسب إليها أو الحزب الذي ينتمي إليه أو ليقال عنه شجاع أو جريء وليقال فلان عالم أو لينال غرضاً من الدنيا فهذا ليس عاملاً لله وليس مجاهداً في سبيل الله فكيف لو كان الذي يدافع عنه باطلاً؛هذا إذا كان يدافع عن حق فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره أيضاً معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة فالمقصد أن التجرد في القول والعمل وسلامة القصد أصل مهم في تقويم الرجال وأعمالهم؛فينبغي أن يقصد بالبحث وجه الله والنصيحة للمسلمين كما قال_عز وجل_(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) ينبه شيخ الإسلام تنبيهاً مهماً في أمر النية وفي ذلك يقول : (وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم إن لم يقصدوا فيه بيان الحق)يعني إنسان يتكلم عن الرافضة أو غيرهم من أهل البدع هل لأننا من أهل السنة _مثلاً_ سننتصر لطائفتنا؟ فهؤلاء يقولون فينبغي أن نرد عليهم فقط أم أنه ينبغي أن {تكون}النية هي إظهار كلمة الله لتكون كلمة الله هي العليا ؛ فينبغي التفطن لهذه الدقيقة؛ فيقول شيخ الإسلام: (وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحا وإذا غلظ في ذم بدعة و معصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيزا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام )الهجرة المقصود منها معالجة هذا الشخص ؛زجره عن المعصية أوعن الباطل أو عن البدعة وليس المقصود التشفي منه وإنما المقصود الإحسان إليه لينبذ هذا الضلال(كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق) وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية _رحمه الله تعالى_ : (وعلى المتكلم في هذا الباب وغيره أن يكون مصدر كلامه عن العلم بالحق وغايته النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولإخوانه المسلمين وإن جعل الحق تبعا للهوى فسد القلب والعمل والحال والطريق قال الله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن وقال النبي لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به فالعلم والعدل أصل كل خير والظلم والجهل أصل كل شر والله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وأمره أن يعدل بين الطوائف ولا يتبع هوى أحد منهم فقال تعالى فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت أن لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) يقول الإمام الفذ الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي_رحمه الله تعالى_: (هيهات هيهات إن في الكلام في الرجال عقبات؛مرتقبها على خطر ومرتقيها هوى لا منجى له ولا وزر فلو حاسب نفسه الرامي أخاه ما السبب الذي هاج ذلك لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك) وقديماً كان سلفنا الكرام _رضي الله عنهم_يقولون: (احذروا من الناس صنفين صاحب هوى قد فتنه هواه وصاحب دنيا أعمته دنياه)؛أم الأصل الثالث فهو معرفة الرجال بالحق: يقول الحافظ ابن حزم: (التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي صلى الله عليه وسلم بغير برهان فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا وقام البرهان على بطلانه) وقال الشوكاني _ رحمه الله تعالى_ في التقليد: (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة)فثمرة التقليد إهمال النصوص الشرعية وتعطيل العقل البشري؛ فالإنسان يرى بعين غيره بدون معرفة ولسان حاله يقول أن إمامه قد اقتبس شعلة من نور العصمة فلا يمكن أن يفوته حديث ولا يمكن أن يخطيء في فهم حديث فيصبح الإنسان أسيراً لا حراك به ليس له قدرة على التأمل والتفكير والنظر وإن وجد فيه بقية من تأمل أوفكر فإنه يسخرها لتحليل أقوال شيخه ودراستها فمنها المبدأ وإليها المنتهى؛كثي من النزاعات التي تحدث بين العلماء وبين طلبة العلم قديماً وحديثاً حصلت بسبب هذا التقليد والتعصب لأقوال الرجال ومعرفة الحق بأقوال الرجال وتنصيبهم حجة في كل صغيرة وكبيرة يقول الإمام ابن القيم: (اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة) فمسألة التقليد والتعصب لأقوال الرجال خطأ كامن وخطير جداً في منهج التلقي فينبغي أن نتجاوز أقوال الرجال ونتحرر من هذا الداء العضال إلى تقديم قول الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم_وما أحد من الأئمة الربانيين إلا وقد نهى عن تقليده وأخذ كلامه دون برهان يقول عبد الله بن مسعود_رضي الله تعالى عنه_: (ألا لايقلدن أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر)وقال سفيان بن عيينة: (اضطجع ربيعة) ربيعة الرأي{هل} تعرفون اسم أبيه؟ربيعة شيخ مالك ما اسم أبيه؟ لا. ربيعة الرأي هذا إضافة إلى اجتهاد بمنهج أهل الرأي.نعم.ما اسم أبيه؟نعم فروخ نسيتم قصته؛الذي خرج في الجهاد وبقي سنوات طويلة وهو{أي ربيعة}حمل في بطن أمه ثم ولدته وعلمته حتى صار إماماً ؛قصته طويلة معروفة.نعم.الشاهد يقول سفيان بن عيينة_رحمه الله_: (اضطجع ربيعة مقنعاً رأسه وبكى فقيل له: (ما يبكيك؟) فقال: (رياء ظاهر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم ما نهوهم عنه انتهوا وما أمروهم به ائتمروا)يعني يتأسى لحل بعض العلماء لاتصافهم بالرياء الظاهر والشهوة الخفية(والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم)يعني علمائهم الذين يتولون صياغتهم وتربيتهم وقال أبو حنيفة _رحمه الله_: (لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت) وقال مالك بن أنس_رحمه الله_: (إنما أنا بشر أخطيء وأصيب فانظروا في رأي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به و كل مالم يوافق الكتاب والسنة فتركوه)حتى الإمام الشافعي_رحمه الله_أو بعض تلامذة الإمام مالك _على ما أذكر_كان يحضر في مجلسه في مسجد النبي_صلى الله عليه وسلم_ فكان الإمام مالك إذا تكلم في مسألة وناظره أحد في مسألة وناقشه في الدليل فكان يرفع صوته بهذه العبارة المشهورة (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا من صاحب هذا القبر)ويضع يده على قبر النبي_صلى الله عليه وسلم_ (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا من صاحب هذا القبر) ويشير ويضع يده على قبر النبي_صلى الله عليه وآله وسلم_ ؛وقال الشافعي_رحمه الله_: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله_صلى الله عليه وسلم_ وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله_صلى الله عليه وسلم_خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ وهو قولي)وجعل يردد هذا الكلام وقال الإمام أحمد: (من قلت علم الرجل أن يقلد دينه الرجال)وقال أيضاً(لا تقلد دينك الرجال فإنه لن يسلموا من أن يغلطوا)فهذا هو منهج الأئمة الكرام بصفائه ونقائه ومع وضوح هذه القضية عند أهل العلم إلا أن شريحة كبيرة من الأمة تعاني من هذا الداء المستحكم ليس فقط في مسائل الفروع لكن في مسائل الأصول وأمور العقيدة يقول الشيخ أبو حامد الغزالي _رحمه الله تعالى_: (وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق)( يعرفون الحق بالرجال) الحق هو الحق لأن فلاناً قاله وليس حقاً لأنه قام عليه الدليل؛والعقل يقتدي بسيد العقلاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب_رضي الله عنه_حين قال: (لا تعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق تعرف أهله)والعاقل يعرف الحق ثم ينظر في القول نفسه فإن كان حقاً قبله سواء كان قائله محقاً أم مبطلاً بل ربما حرص على انتزاع الحق من أقاويل أهل الضلال عالماً بأن معدن الذهب الرغام_الرغام هو التراب_ ؛فالذهب من أين تحصل عليه؟ من الرغام_من التراب_تحفر وتحصل عليه فكذلك حتى لو كان في أقاويل أهل الضلال شيء من الحق فتأخذ هذا الحق ولا تعرض عنه ولا تأس على الصراف إذا أدخل يده في كيس القلاف ؛لماذا؟لأن الصراف ناقد وبصير يستطيع أن يميز الذهب من غيره؛وانتزع الإبريز الخالص من الزيف والبهرج دون الصيرفي البصير يمنع من ساحل البحر الأخرق دون السباح الحاذق ؛يمنع من الدخول في البحر الشخص الأخرق الذي لا يحسن السباحة لكن الساعي السباح الماهر يسمح له بذلك حتى يغوص ويستجلب الدرر؛ويصد عن مس الحية الصبي دون المغرم البارع أما الأصل الرابع فهو قاعدة أن كل بني آدم خطاء:فقد صح عن النبي_صلى الله عليه وسلم_أنه قال : (كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون)فالخطأ صفة لازمة للبشر لا ينجو منها أحد عدا الأنبياء المعصومين _عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام _ ولو نجى من هذه الخصلة أحد لنجى منها خير البشر بعد الأنبياء _وهم الصحابة_ رضي الله تبارك وتعالى عنهم_ فبعض الناس أو بعض المبتدعة يرون أن الخطأ والإثم متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ ينظرون{إلى أن} الخطأ دائماً يقترن بالإثم؛ لكن أهل السنة والجماعة يرون أن المجتهد المخطيء مأجور غير مأزور لعموم قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_: (فأما الصديقون والشهداء والصالحون : فليسوا بمعصومين وهذا في الذنوب المحقة وأما ما اجتهدوا فيه : فتارة يصيبون وتارة يخطئون فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم وخطؤهم مغفور لهم وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين : فتارة يغلون فيهم ويقولون : إنهم معصومون)لأنهم لا يريدون أن يخطئوا الأئمة كما يفعل الرافضة فيقولون هم معصومون حتى لا يوصفوا بالخطأ أبداً (وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون)وبقول الإمام ابن الأثير الجزري_رحمه الله_: (وإنما السيد من عدت سقطاته وأخذت غلطاته فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء) الدنيا لا يكمل فيها شيء فالنبيل هو الذي تعد أخطاؤه وتكون معدودة لكن لا يوجد إنسان بدون خطأ:
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
يقول الشيخ ابن القيم: (وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوما جهولا ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته ) الأصل الخامس الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات:فإذا ثبت لدينا أو تبين أن الإنسان معرض للصواب والخطأ فلا يجوز لنا مهما كانت منزلته أن نطرح جميع اجتهاداته بل ننظر إلى أقواله ما الحق نلتزمه ونعرض عن أخطائه ؛ فعين الإنصاف أن توازن بين الإيجابيات والسلبيات (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) فالله_عز وجل يذم اليهود من حيث العموم لكن في الوقت ذاته يبين تبارك وتعالى أن بعضهم يلتزم بأداء الأمانة لا يخونها وهؤلاء قليلون فيهم يقول الله_عز وجل من أجل هذا (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)بلقيس لما كانت كافرة قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) في بعض وجوه التفسير أن قول(وكذلك يفعلون)هو من عند الله_عز وجل_أقر بلقيس على ما قالته وإن كانت كافرة لكن لأن هذا حق(وكذلك يفعلون) ولذلك يقول بعض الشعراء:
لا تحقرن الرأي وهو موافق حكم الصواب إذا أتى من ناقص
فالدر وهو أعز شيء يقتنى ما حط قيمته هوان الغائص
فمن أجل ذلك ينبغي أن يتصف الإنسان بالإنصاف؛هنا يذكر بعض صفات أهل الكتاب مبيناً العدل و الإنصاف (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) يعني مال الأميين أو الأميين أو الجويين يعني مال كل ما عدا اليهود حلال( ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) أيضاً في صحيح البخاري في حديث طويل في رجل من بني إسرائيل أنه استقرض من صاحب له ألف دينار إلى أجل مسمى فلما جاء الأجل التمس مركباً يركبها يقدم عليها للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها {وأنتم}تعرفون قصة هذا الرجل لما قال له صاحب المال: (أريد شاهداً)قال: (كفي بالله شهيداً)قال: (أريد كافلاً) قال: (كفى بالله كفيلاً)فأقره على ذلك وأخذ منه ذلك القرض فالمقصود أن الرجل لما أراد أن يؤدي وحاول أن يصل إليه بالمركب ما استطاع فلما عجز حرصاً منه على الوفاء بالدين وهذا كان من بني إسرائيل؛حرصاً على الوفاء فإنه أتى بخشبة ونقرها_جعل فيها تجويف_ووضع فيها الألف درهم وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها_أصلح موضعها ولحمها_ ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده فخرج الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ؛{الآخر}وضع الخشبة في البحر ودعا الله أن تصل إلى هذا الرجل؛ الرجل صاحب المال خرج في الموعد ينتظر المركب لكي يحصل على دينه فوقف ينتظر فما أتت المركب وما جاء الرجل في الموعد فحينئذٍ وجد الشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً_أخذها كحطب يحتطب به_فلما نشرها وجد المال والصحيفة؛ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ثم قال: (والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت قبل الذي جئت به)_أتاه متأخراً_قال : (فإن الله قد أدى عنك _بعث بالخشبة_ فانصرف بالألف دينار راشداً)فهذا مصداق قوله(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) فمن الإنصاف أن تصف هؤلاء_حتى ولو كانوا أعداء_بما هو فيهم حقيقة يقول شيخ الإسلام_رحمه الله_: (ويعلمون) يعني أهل السنة(أن جنس المتكلمين أقرب إلى المعقول والمنقول من جنس كلام الفلاسفة وإن كان الفلاسفة قد يصيبون أحيانا كما أن جنس المسلمين خير من جنس أهل الكتابين وإن كان قد يوجد في أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة لا توجد في كثير من المنتسبين إلى الإسلام كما قال تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك)الآية وقال الله تعالى(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فالله _عز وجل_ أثبت النفع في الخمر والميسر يعني هو فيها حقيقة يعني وهو ما يحصل من الربح المادي نتيجة التجارة فيهما ولكنه حرمها لغلبة مفاسدها على هذه المنافع؛وقال حذيفة بن اليمان كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله


رد مع اقتباس