عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 4 )
الراعي
عضو مميز
رقم العضوية : 13
تاريخ التسجيل : 12 - 04 - 2003
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 797 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 11
قوة الترشيح : الراعي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
كُتب : [ 13 - 06 - 2003 ]

ثم جاء الحسن بن زيد الحمْداني ت 332 هـ ، وقال قصيدته المشهورة وأولها:
ألا يا دار لـولا تنـطقينـا فإنـا سـائلوك مخبرينـا (1)
وهي طويلة جداً ومشروحه (2) بكتاب كبير ، قيل إنه من تأليفه ، وقيل إنه لابنه أو لأحد تلاميذه .
وقد رد عليه زيد بن محمد العدوي من أحفاد عمر بن الخطاب فقال قصيدة سماها العدوية و مطلعها :
طربت وقد هجرت الهو حينا وحاج لي الهواء داء دفينـأ
فناقضها المؤرخ محمد بن حسن الكلاعي ت 404 هـ بقصيدة على نفس الوزن و الروي ، أولها :
أبت دمن المنازل أن تبينـا إجابة سـائـلينا و معرجينـا

ثم جاء في القرن السادس مسلم بن العليف العدناني(3) وقال قصيدة طعن فيه قبائل قحطان وافتخر بالعدنانية ومطلعها:
ما عبت مذ كنت للأحباب مظنونا ولا بثثت من الأسرار مكنونـا
وأبياتها 62 بيتاً ، و رد عليه علي بن سليمان الأسلمي القحطاني بقصيدة جميلة تبلغ 125 بيتاً وأولها :
فخارنـا بسيوف الهند يكفينـا عن فخركم آل عدنان و يغنينـا
ثم جاء صفي الدين الهدي بن إبراهيم الوزير ت854 هـ ، فناقض الأسلمي بقصيدة عدد أبياتها 170 بيتاً و أولها:
فخارنـا برسول اللـه يكفينـا عن كل فخر و أن الأنبياء فينـا
وسماها دامغة دامغة الدامغة .

ـــــــــــ
(1): هذه رواية ياقوت في ,, معجم الأدباء ,, 10/231 ، ورأيت عن ذكرها :,, فإنا سائلون و ومخبرونا ,, دامغة الدامغ 44 .
(2): دامغة الدوامغ 49 ، كنز الأنساب 308
(3): طبع الشرح بتحقيق الأكوع من مجلدين .


ـ 16 ـ


ومن السنين الأخيرة نشر وزير خارجية آخر أئمة اليمن الأستاذ أحمد بن محمد الشامي قصيدة سنة 1386 هـ ،و دعاها ,, دامغة الدوامغ ,, ومطلعها:
أغفـي فـي سـبيل الأولينـا فـنمـدح تارةً و نـذم حينـأ
ناصرفيها الإمام البدر وقومه ، وهجا مخاليفهم ، فرد عليه من الجانب الآخر الأستاذ مطهر بن علي الأرياني بقصيدة مطلعها :
أيـا وطني جعلت هواك دينـا و عشـت على شعائره أمينـا
هذا هو خبر قصيدة واحدة و ما جرته من تبعات ، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد حدثت بسبب هذه العصبية الممقوتة حروب طاحنة فرقت الصفوف ، وهدمت البيتان ، ومزقت الأمة ، وشغلتها عن رسالتها ، و لقد عانت منطقة اليمن من وبال هذه الحروب سنوات عديدة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ولعلم هؤلاء المتفاخرون أن العبرة بالأعمال لا الأنساب ولن ينفع المرء يوم القيامة حسبه ولا نسبه ، لن ينفعه سوى عمله الصالح وعلمه النافع ، وليدعوها فإنها فتنة .

ـ17 ـ

مقدمة في فضل العرب



من المقرر في عقيدة السلف الصالح أن جنس العرب أفضل من جنس غيرهم ، وليس العربي بعينه أفضل من غيره ، فقد يكون العربي أفضل من غيره ، وقد يكون غيره أفضل منه ، وهنا يكون التفاضل بالتقوى .
ونحن لم نقل بأن فضيلة العرب إلا لأن الله جل وعلا فضلهم فجعل خير رسله منهم ، و خير كتبه بلسانهم ، ولأن محمداً صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق فضلهم على غيرهم من سائر الأجناس البشرية ، و لقد اتفق العلماء المقتدى بهم على أفضلية العرب على من سواهم .

ولو أتى نص من كتاب أو سنة بتفضيل غيرهم من الشعوب الأخرى عليهم لسمعنا و أطعنا ، و لو عدم النص بتفضيلهم أوتفضيل غيرهم لفضلنا العرب ، لأن هذا هو الذي يحكم به العقل المجرد ، و المنصفون من سائر علماء الأمم الأخرى ، و فلاسفة التاريخ يقرون للعرب بالتقدم في الكرم و الجود و الشجاعة و الشهامة و المروءة و النخوة و النبل و الوفاء و الذكاء و الفصاحة و البلاغة و البيان ، وحسن الخلق ، وجود النفس ، وهذه أهم الصفات التي تتميز بها النفس البشرية .
ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ت728 هـ كلمة جامعة مانعة في هذا الموضوع سأنقل أكثرها لأهميتها:
قال رحمه اللـه:
( إن اللذي عليه أهل السنة و الجماعة : اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، عبرانيهم وسريانيهم ، روميهم وفاريسهم وغيرهم.
و أن قريشاً : أفضل العرب وأن بني هاشهم :أفضل قريش
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل بني هاشم ، فهو أفضل الخلق نفساً ، وأفضلهم نسبا .
وليس فض العرب ، ثم بني هاشم لمجرد كون النبي صلى الله عيه وسلم منهم ،وإن كان هذا من الفضل ، بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك يثبت لرسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم :
أنه أفضل نسبا ونفساً ، و إلا لزم الدور .

ـ 18 ـ


ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني ، صاحب الإمام أحمد ، في وصفه للسنة التي قال فيها : ,, هذا مذهب أئمة العلم و أصحاب الأثر ، وأهل السنة المعروفين بها ، المقتدى بهم فيها ، وأدركت من علماء وأهل العراق ،و الحجاز، و الشام وغيرهم , عليها ، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أوطعن فيها ، أو عاب قائلها ، فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ، وهو مذهب أحمد و إسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وسعيد بن منصور ، وغيرهم ممن جالسهم، و أخذنا عنهم العلم ، وكان من قولهم : إن الإيمان قول وعمل و نية ,,

وساق كلاماً طويلاً إلى أن قال :
,, ونعرف للعرب حقها وفضلها و سابقتها وحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حب العرب إيمان و بغضهم نفاق ) . ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ، ولا يقرون بفضلهم ، فإن قولهم بدعة وخلاف ,,
ويروى هذا الكلام عن أحمد نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الاصطخري(1) عنه ـ إذ صحت ـ وهو قوله ، وقول عامة أهل العلم.

وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم ، وهؤلاء يسمون الشعوبية ، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل ،كما قيل: القبائل للعرب ، و الشعوب للعجم .

ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب .
والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نفاق : إما في الاعتقاد ، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت ذلك .
ولهذا جاء في الحديث: ( حب العرب إيمان وبغضهم نفاق ) ، مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى النفس ، ونصيب للشيطان من الطرفين ، وهذا محرم في جميع المسائل . فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعاً ونهاهم عن التفرق و الاختلاف ، و أمرهم بإصلاح ذات البين ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر ) .

ــــــــــــ
(1) : انظر الرسالة من ,, طبقات الحنابلة ,, 1/24 ـ 36


ـ 19 ـ

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، كما أمركم الله ) وهذان حديثان صحيحان و في الباب من نصوص الكتاب و السنة مالا يحصى .
و الدليل على فضل جنس العرب ، ثم جنس قريش ، ثم جنس بني هاشم ما رواه الترمذي ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد ،عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ قال : ,, قلت يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم ، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(أن اللـه خلق الخلق ، فجعلني من خير فرقهم ، ثم خير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم خير البيوت ، فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً )
قال الترمذي : هذا حديث حسن ، 1.هـ
ثم قال شيخ الإسلام بعد ذكره بكثير من الأحاديث و الآثار الواردة من الباب الصحيحة و الضعيفة :
,, وسبب هذا الفضل ـ و الله أعلم ـ ما اختصوا به في عقولهم و ألسنتهم و أخلاقهم وأعمالهم .و ذلك أن الفضل : إما بالعلم النافع ، وإما بالعمل الصالح . و العلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم و الحفظ ، والتمام وهو : قوة المنطق ، الذي هو البيان و العبارة . و العرب هم أفهم من غيرهم ، و أحفظ و أقدر على البيان و العبارة . ولسانهم أتم الألسنة بياناً و تمييزاً للمعاني ، جمعاً وفرقاً ، ويجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل ، إذا شاء المتكلم الجمع ، ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر ، ....
وأما العمل :فإن مبناه على الأخلاق ، وهي الغرائز المخلوقة في النفس و غرائزهم أطوع للخير من غيرهم ، فهم أقرب للسخاء ، والحلم والشجاعة و الوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة ، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله ، ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ، ولا هم ـ أيضاً ـ مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة ، كالطب و الحساب ونحوها ، وإنما عملهم ماسمحت به قرائهم: من الشعر و الخطب ، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم ، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء و النجوم ، أو من الحروب .

ـ 20 ـ


فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى : الذي ماجعل الله في اللأرض ولا يجعل أمراً أجل منه وأعظم قدراً ، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية ، و الظلمات الكفرية ، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها ، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم ، زالت تلك الديون عن قلوبهم ، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله ، فأخذوا هذا الهدى العظيم ، بتلك الفطرة الجيدة ، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم .
و الكمال الذي أنزل الله إليهم ، بمنزلة أرض جيدة من نفسها ، لكن هي معطلة عن الحرث ، أو قد نبت فيها شجر العضاة و العوسج ، وصارت مأوى الخنازير و السباع .
فإذا طهرت عن المؤذي من الشجر و الدواب ، وليزرع فيها أفضل الحبوب و الثمار ،جاء فيها من الحرث ما لا يوصف مثله ، فصار السابقون الألوف ، من المهاجرين و الإنصار أفضل خلق الله بعد الأنبياء ، وصار أفضل الناس بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة: من العرب و العجم ,,(1) هـ بنصة .
ويقول مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033هـ) :
,, والدليل على فضل العرب من وجهين ، من المنقول و المعقول :
أما النقل : ..... (وساق كثيراً من الأحاديث و الآثار الواردة في الباب )
وأما العقل : الدال على فضل العرب ، فقد ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أن العرب أكثر الناس سخاءً و كرماً وشجاعة ومروءة وشهامة وبلاغة وفصاحة .
ـــــــــــــــــ
(1): ,, إقتضاء السراط المستقيم ,, 2/370 ـ 398
وقد فصل ابن تيمية القول في فضل العرب في : ,, جامع الرسائل ,, 1/ 286
و ,, مجموع الفتاوى ,, : 15 /331 ، 19 /30 ، 27 / 472

ـ 21 ـ


ولسانهم أتم الألسنة بياناً ، وتمييزاً للمعاني جمعاً وفرقاً يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع . ويميز بين كل لفظين مشتبهين بلفظ آخر مختصر ، إلى غيرذلك من خصائص اللسان العربي ,, .(1)
ثم ذكر كلاماً طويلاً لا يعد أن يكون اختصاراً لكلام ابن تيمية السابق .
لذلك نرى كثيراً من العجم ممن نور الله بصائرهم بنور العلم و الإيمان يقرون العرب بذلك ويعترفون بفضلهم ، وقد ألف ابن قتيبة ـ وهو أعجمي فارسي ـ كتاباً نفيساً عن العرب (2) ، ذهب فيه إلى أفضليتهم ورد على من حاول انتقاصهم من الشعوبية ، كأبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره.

بل إن مصطفى صبري ـ رحمه الله ـ وهو شيخ الإسلام في الدولة العثمانية التركية التي كانت شديدة الوطأة على العرب في عهودها الأخيرة ،لدرجة أن بعض العلماء لا يستطيع التصريح بحبه للعرب.

ــــــــــــــ
(1): سبوك الذهب في فضل العرب : 40
(2): اختلف في اسم كتابه ، ولعله ,, كتاب العرب ,, و كذا ذكره بابن قتيبة نفسه في كتابه
,, الشعر و الشعراء ,, : 1/ 103 ، وكتابه ,, عيون الأخبار ,, وقد ذكره بهذا الاسم ابن قتيبة في كتابه ,, غريب الحديث ,, انظر في رسائل البلغاء ,, ص344
وفي نهاية المخطوطة اللتي وجدت منه بدار الكتب المصرية ، ما نصه ,, تم كتاب العرب و علومها ,, ذكر ذلك الراحل محب الدين الخطيب في مقدمة على كتاب ,, الميسر و القدام ,, ص21 ، ويذكر ابن النديم في,, الفهرست ,, ص 86 ، و الفقطي في ,, إبناء الرواه ,, 2/146 كتابا لابن قتيبة بعنوان " التسوية بين العرب والعجم " وأظن أن هذا الكتاب هو نفسه الكتاب السابق ولكن المعروف عن ابن قتيبة تفضيله العرب على العجم ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأبو محمد سني سلفي ، ثم إنه من ثنايا كتابه يقدم العرب على سائر الأمم ، ويرد على من قال بالتسوية. ,, العقد الفريد ,, 3/408

ـ 22 ـ

بحبه للعرب ، أو نشر مؤلفه في فضائلهم(1) ، خوفاً من سطوة الأتراك، الشاهد أن هذا العالم التركي صرح بأفضلية العرب ، وقدسهم على سائر الأمم و الشعوب في كتابه القيم ,, موقف العقل و العلم و العالم من رب العالمين وعباده المرسلين,,
ولكن طآئفة من العجم ممن أشربت قلوبهم حب البدعة والضلال ، جعلت دينها بغض العرب و انتقاصهم ، وإنكار فضائلهم ، ونسبوا كل منقصة إليهم ، ونفو كل فضيلة عنهم ، بل بلغ بهم الأمر إلى أن طعنوا في لغتهم لغة القرآن ، وأرادوا تفضيل لغة الفرس و اليونان عليها ، وطعنوا في أنسابهم ، وركبوا لأنفسهم أنساباً باطلة .
وقد بلغ الحقد بهؤلاء ،و الذين عرفوا فيما بعد بالشعوبية ـ إلى أن يضيع أحدهم ـ وهو سهل بن هارون (2) رسالة يمدح بها البخل و يستصوبه تحدياً للعرب الذين مدحوا الكرم ، وجعلوه فضيلة من فضائلهم .

ـــــــــــــ
(1): من هؤلاء : حسني بك باقي زاده ( ت 1325 هـ) ، ألف كتاب ,, منهاج الأدب في تاريخ العرب ,, على إثر إعلان ملك الأسويج و النرويج أن من ألف في هذا الموضوع وجاء قصب السبق فله جائزة ، وكان الذي حاز على الدرجة الإولى الشيخ محمود شكري الآلوسي ـ رحمه الله ـ في كتابه ,, بلوغ الأدب في معرفة أحوال العرب ,, ط ، وحاز كتاب حسني بك باقي زاده ,, الدرجة الرابعه ,, وهذا كتاب لم يطبع آنذاك لأن السلطان عبد الحميد ـ كما يقول راغب الطباخ ـ كان لا يسمح بطبع أمثال هذا الكتاب لما فيه من نشر آثار العرب و فضائلهم ، خصوصاً إذا كان من قبل موظف في حكومته ، فبقي هذا الكتاب مهملاً محفوظاً في خزانة كتب المترجم إلى أن حصل الحريق فذهب فيما ذهب ، 1.هـ انظر ,, إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ,, 7/510


ـ 23 ـ
وقد ظهرت الشعوبية أول ما ظهرت ، متبرقعة خلف ستار التسوية بين العرب و العجم ـ وهو على بطلانه أهون مما يليه ـ ثم لمّا اشتد ساعدها إذ نال أصحابها المناصب العالية في عهد الدولة العباسية ، ظهرت سافرة بوجهها المشؤوم ، خالعة جلباب الحياء ، معلنة تفضيل العجم على العرب .

ومن أكابر هؤلاء الشعوبية : أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وكان باقعة من البواقع ، وبحرً من بحور العلم ، إلا أنه ـ عفا الله عنا وعنه ـ شعوبي حاقد ، وهو كما قال ابن قتيبة : ,,أغوى الناس بمشتم الناس وألهجهم بمثالب العرب ,, (1)
ومنهم علان الشعوبي (2) ، ولم يترك قبيلة من قبائل العرب إلا و ألف في مثالبها ، و الهيثم بن عدي وحماد الراوية ، ومن شعرائهم : بشار بن برد الفارسي، ذكر أبو الفرج في الأغاني أنه .. كثير التلون ولائه شديد التعصب للعجم ,, (3) ، وقد طفت الشعوبية عليه من جميع النواحي الادبية و الفكرية العقائدية ، و تجاوزت شعوبيته النزعة القومية العرقية إلى النزعة الدينية ، حتى إنه قال قصيد يُصوِّب فيها رأي إبليس في تقديم النار على الطين ، ولقد كانت عبادة النار ـ كما هو معروف ـ من عقائد الفرس المجوس .
قال قبحه الله :
,, الأرض مظلمة و النار مشرقة و النار معبودة مذ كانت النار ,, (4)
ـــــــــــــــ
(1): ,, كتاب العرب ,, لابن قتيبة ص349 ، فمن ,,رسائل البلغاء ,,
(2): ,, الفهرست ,, ، وذكر أن : اصله من الفرس ، وأنه كان منقلعاً إلى البرامكة .
(3): ,, الأغاني ,, 3/ 139 ، ,, الشعوبية ,, ص110
(4): وقد رد على بشار كثير من الشعراء ، منهم صفوان الأنصاري في قصيدته التي منها:
زعمت بأن النار أكرم عنصراً وفي الأرض تحياض الحجارة و الزند
انظر : ,, البيان و التبيين ,, 1/27 ، ,, الفرق بين الفرق,, ص55

ـ 24 ـ


وأبو نواس (1) ، و هو الذي يقول :
,, ليس الأعارب عند الله من أحد ,,
وديك الجن وغيرهم .
ومن علماء الشعوبية أيضاً : البيروني ، وسعيد بن حميد (2) وسهل بن هارون و أبو عبيدة الجيهاني ، وعليه رد أبو حيان التوحيدي في ,, الإمتاع والمؤاتعة ,, وغيرهم .
وقد اتخذت هذه الشعوبية طابعين : الأول أدبي ، والآخر عقائدي فكري ، وقد تصدى لها حينما اتخذت شكلاً أدبياً .
أدباؤنا ـ عرباً وعجماً ـ فحطموا بنيانها ونقضوا أساسها، ومن هؤلاء الأدباء :الجاحظ(3)، البلاذري (4) و أبو حيان التوحيدي وابن عبد ربه الأندلسي(5) ، وغيرهم.
ولما اتخذت طابعاً فكرياً تصدى لها علماء السلف(6) أيضاً ، لذلك نجد في كثير من الكتب العقيدة السلفية فصلاً يتحدث عن فضل العرب .


ــــــــــــــــ
(1):,, العقد الفريد ,, 3/408، وهذا الشطر من قصيدة مطلعها :
,, عاج الشقي على دارٍٍ يسائلها وعجت أسأل عن خمارة البلد ,,
انظر ,, ديوان أبي نواس ,, ص46
(2): ذكر له ابن النديم كتاب ,, فضل العجم على العرب ,, ,,الفهرست ,, 137
(3): في ,, البيان و التبيين ,,
(4): له رسالة في ,, الرد على الشعوبية ,,
(5): في ,, العقد الفريد ,, المجلد الثالث .
(6): خذ على سبيل المثال: الإمام أحمد بن حنبل ، وشيخ الإسلام أبن تيمية وقد ألف جميع من العلماء رسائل مفردة في ذلك منهم : الهالك محي الدين ابن عربي له : ,, المنتخب من مآثر العرب ,, انظر ,, عنوان النهاية ,, 166
و العراقي وله : وو القرب في محبة العرب ,, والهيثمي وله ,, مبلغ الأدب في فخر العرب ,, ط وهو مختصر لمصنف العراقي .و عبد القادر الجزيري (ت977 هـ ) له : ,, خلاصة الذهب في فضل العرب ,,

ـ 25 ـ

لم تنقطع الشعوبية بعد هؤلاء ، رغم الردود الساخنة ، بل ظلت ولا زالت ، إلا أنها تخبو تارة وتظهر تارة أخرى ، وكان من أشدِّ هؤلاء الشعوبية على العرب : أبو عمر بن غرسية ، وله رسالة في ذلك ، وقد تصدى العلماء للرد عليها ، فمنهم : أبو يحى بن مسعده ، وأبو جعفر البلنسي ، وأبو الطيب القرودي ، وغيرهم .
وهذه الرسالة و الردود التي عليها نشرها الأستاذ عبد السلام هارون ـ رحمه الله ـ من المجلد الأول من ,, نوادر المخطوطات ,,
ومن الردود على الرسالة التي لم تصلنا : رد الفقيه أبي مروان عبد الملك بن محمد الأوسي و عنوانه : ,, رسالة الأستدلال بالحق على تفضيل العرب على جميع الخلق ,,(1)
ورد ذي الوزارتين أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال الغافقي (ت54هـ ) وعنوانه : ,, خطف البارق وقذف الحارق في الرد على ابن غرسية الفاسق، في تفصيله العجم على العرب وقرعه النبع بالغرب ,,(2)
ورد أبي محمد عبد المنعم بن محمدالخزرجي الغرناطي ، ويعرف بابن الموسى(3) (ت597هـ) ، ورد عبد الحق بن خلف بن مفرج (4) ، وغير ذلك من الردود .

ولقد أعز الله العرب بهذا الدين ، إن ابتغوا العزة بغيره ، أذلهم الله ، ولما قام بعض الزعماء العرب بالدعوة إلى قوميتة العرقية الممقوته : القائمة على غير أساس من الدين ، فقرب الزنادقة و الفسقة ممن يوافقونه على مذهبه الفكري الباطل، وأقصى العلماء و الصالحين ودعاة الخير وجعل مقر بعضهم أقبية السجون ، وعلق بعضهم الآخر في حبال المشانق ، فما زاده الله إلا خذلاناً و انحطاطاً ، وكان لقمة سائغة ، و مزية سهلة لليهود .

ـــــــــــــ
(1): ,, ألف باء ,, 1/ 350 ، ,, كشف الظنون ,,
(2): ,, ألف باء ,, 1/351 ، ,, كشف الظنون ,,
(3): ,, ألف باء ,, 1/351 ، ,, كشف الظنون ,,
(4): ,, مملكة التكملة وتكملة الصلة ,, 1814 ، نوادر المخطوطات (1-4ـ / 240 )


ـ 26 ـ


ولم يروع هذا العقاب الوخيم الذي ناله الزعيم زعيماً آخر ودعياً من الأدعياء ، فسار على منوال سابقه ، وكان الجزاء من جنس العمل .
وعلى كلِ فستنقطع الأحساب والأنساب يوم القيامة ، إلا من عمل صالح ، أو علم نافع ، وسيقدم المرء على ما قدم إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
وصدق ابن قتيبة إذ يقول (1) :
,, وعدل العول في الشرف أن الناس لأب وأم ، خلقوا من تراب ، وأعيدوا إلى التراب ، وجروا في مجرى البول ، و طووا على الأقذار ، فهذا نسبهم الأعلى الذي يردع أهل العقول عن التعظيم و الكبرياء ، ثم إلى الله مرجعهم فتنقطع الأنساب وتبطل الأحساب ، إلا من كان حسبه تقوى الله ، وكانت ماتته طاعة الله ,, (2) 010 هـ
ـــــــــــ
(1): ,,كتاب العرت ,, 356 ضمن ,, رسائل البلغاء ,,
(2): لم يرفض ابن عتب ربه هذه الكلمة من ابن قتيبة ، قال كأنه وافق الشعوبيين في ذلك . قال ان عبد ربه :
,, وما رأيت أعجب من ابن قتيبة في كتاب تفضيل العرب ، إنه ذهب فيه كل مذهب من فضائل العرب ، ثم ختم كلامه بمذهب الشعوبية ، فنقض في آخره كل ما بنى من أوله ، فقال في آخر كلامه : ,, وأعدل القول عندي أن الناس كلهم لأب وأم ، خلقو م...... ,,
,, العقد الفريد ,, 3/ 411
وأقول: ليس في كلام ابن قتيبة تناقض ، فإنه بعد ما قرر عقيدة السلف في تفضيل العرب ، أراد أن يردع السفهاء من أبناء العرب و العجم عن التفاخر الذي جر إلى التناحر .


ـ 27 ـ


رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي
مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات
الراعي

التعديل الأخير تم بواسطة الجبري ; 29 - 11 - 2003 الساعة 19:54