عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
Post سوق عكاظ وريادة بني عامر ( بحث للأستاذ / فهيد بن عبدالله بن تركي الفراعنة السبيعي )

كُتب : [ 21 - 08 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

سوق عكاظ وريادة بني عامر بحث للأستاذ / فهيد بن عبدالله بن تركي الفراعنة السبيعي

عكاظ في العهد الجاهلي :-

عكاظ أعظم أسواق العرب في الجاهلية، بل هي السوق التجارية الكبرى لعامة أهل الجزيرة العربية، يحمل إليها من كل بلد تجارته وصناعته كما يحمل إليها أدبه . لم تكن أسواق العرب بالمستوى نفسه بل كان لسوق عكاظ منزلة ممتازة بينها، ويليها في هذه المنزلة سوقا مجنة وذي المجاز (1). وكانت سوق عكاظ تقام في أول ذي القعدة من كل عام وتستمر حتى العشرين منه، إذ تبدأ سوق مجنة فيرتحل إليها الناس وهي أقرب من مكة، فإذا أهل ذو الحجة ارتحل الناس إلى ذي المجاز قرب عرفة وبقوا فيها حتى يوم التروية فيبدأ الحج وكان وضع السوق في الجاهلية عبارة عن صحراء مستوية تنصب فيها القباب (2) ( الخيام ) خلال انعقاد السوق لعلية القوم والمحكمين .

عكاظ في العهد الإسلامي :-

إن ارتباط سوق عكاظ بالإسلام يعود إلى المراحل الأولى لبداية الدعوة الإسلامية وقد شهد رسول الله  سوق عكاظ في صباه محارباً ومتسوقاً ثم بعد نزول الوحي عليه داعياً إلى الله (3) مكث رسول الله  عشر سنين يحضر فيها مواسم أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز يتبع فيها الحاج يدعوهم إلى الإسلام .

هذا الارتباط المبكر للرسول  بسوق عكاظ في المراحل الأولى لنشر الدعوة الاسلامية ينم عن الدور الذي كانت تلعبه السوق بوصفها مكاناً تلتقي فيه القبائل العربية من مختلف أنحاء الجزيرة للتبادل التجاري ولعقد الندوات الأدبية هذه السوق بدأ دورها في الاضمحلال مع بداية انتشار الإسلام بين القبائل العربية خاصة قبائل هوازن وثقيف، هذا الاضمحلال ارتبط بالجانب الأدبي للسوق وبما كان يلقى في هذه السوق من شعر التفاخر والتماجد . أما الجانب التجاري فقد استمر خلال العصر الإسلامي حتى نهاية الفترة الأموية كما تشير إلى ذلك المصادر التاريخية فالسوق لم تزل قائمة إلى أن خربت ونهبت على أيدي الخوارج الحرورية سنة 129هـ (4)

• عكاظ في المصادر المتقدمة :-

قال الأصمعي : [ عكاظ نخل في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقوم سوق العرب بموضع يقال له الأثيداء من عكاظ وبه كانت أيام الفجار وكانت هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها (5) ] أ.هـ

وقال الأزرقي : [ وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها وهي سوق لقيس عيلان وثقيف وأرضها لنصر ] أ.هـ

وقال ابن اسحاق (6) : [ أنها في ما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال لها الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف ]، وذكر الهمداني (7) أن الفتق – خربت وإنك إاصليت وأنت في الفتق وقع الطائف بينك وبين مكة وبينها وبين المناقب مرحلة .

وقال الهمداني : [ عكاظ بمعكد هوازن وهو سوق العرب القديمة وهو لبني هلال اليوم ...

قُرَّان وشرب مكانان من أرض عكاظ وهذه المواضع من الجرداء ويضرب على مشرق هذه المواضع جبل حضن من المحجة على يوم وكسر ثم ضرب الناس من قُرَّان وشرب ذات اليسار فعلوا رأس السّراة وهي المناقب وانحدروا فيها ] أ.هـ.

وقال أبو عبيد البكري : [ عُكَاظ بضم أوله وفتح ثانيه وبالظاء المعجمة صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان فيها من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية وبها دماء الإبل كالأرحاء العظام، وكانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً لمكة في الجاهلية وعكاظ على دعوة من ماء يقال لها " بقعاء " بئر لا تنكف واتخذت سوقاً بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة وتركت عام خروج الحرورية مع المختار بن عوف سنة 129هـ ... إلخ .

قال عرّام السلمي (8) : [ والقفا جبل لبني هلال حذاء جبل ( عِن ) وحذاؤه جبل يقال له ( بس ), في أصله ماء يقال لها : ( بقعاء ) لبني هلال وهي بئر كثيرة الماء ليس عليها زرع وحذاؤها أخرى يقال لها ( الخدود ) وعكاظ منها دعوة ].

قال الشاعر :-

فقالوا هلاليون جئنا من أرضنا
= إلى حاجة جبنا لها الليل مدرعا

وقالوا خرجنا من " القفا " وجنوبه
= و " عُن " فهم القلب أن يتصدعـا

وقال : ابن خلدون (9) : [ ومن أعمال الطائف سوق عكاظ والعرج وعكاظ حجز بين اليمن والحجاز ].

وقال : الهمداني (10) : وكان عكاظ في وسط أرض قيس عيلان " وقال " عكاظ بمعكد هوازن وهو سوق العرب القديمة لبني هلال اليوم .

وقال : ابن حبيب في معرض حديثه عن يوم شمطة (11) " فاعتزل بهم ( بلعاء بن قيس ) إلي جبل يقال له رخم لبني هلال اليوم .

ويقول حمد الجاسر : [ دخم الجبل الذي لجأت إليه بنو كنانة يوم شمطة لا يبعد أن يكون – هو الجبل المسمى في عهدنا " بالصالح " بقرب قرية العرب لعدوان ].

وقال ابن خميس (12) : [ جبال الصالح ] طرفها من الجنوب يقال له " جبل العقرب " وهو لابن عثمان من عدوان عنده " قرية العقرب " بها نخيلات وعين جارية .. وجبال الصالح هذه ( تشرف على وادي شرب ) ويضيف ابن خميس وهو على قمة جبل الخلص وقد جعل منها نقطة ارتكاز لجولته في عكاظ قال : ( فتشاهد من جبلك هذا الذي تحته هضيبة صغيرة تدعى في العرف " نصلة " أو " رخيمة " تسمى الشظفاء " أدنى ما يكون لجبلنا الذي نقتعد رأسه جنوبية وحولها قبور وأنصاب ومنها بنية مرتفعة على قبر يقال له قبر أحمد صاحب المبعوث يعظم قديماً عند أهل هذه الناحية . ويعتقد ابن خميس أن هذه الرخيمة ( الشظفاء ) أنها ما يعرف قديما بشمطة مجهولة المكان الآن ...

وقال : أبو الفرج الأصبهاني في حديثه عن اليوم الثاني من أيام الفجار (13) " فلما إستحر القتل بهم, قال أبو مساحق بلعاء بن قيس لقومه : الحقوا برخم ( جبل ) ففعلوا وانهزم الناس ".

وقال البكري : عن يوم شمطة (14) " يوم لهوازن على كنانة وقريش ولم يقتل من قريش أحد يذكر واعتزلت بكر بن عبد مناة بن كنانة إلي جبل يقال له ( دخم ) فلم يقتل منهم أحد والجبل الذي سماه البكري دخماً هو نفس الجبل الذي سماه الأصفهاني وابن حبيب رخماً .

ويروي أن المواضع التي وقعت فيها أيام عكاظ الأربعة وهي عكاظ نفسها أوقريب منها وهي :- شمطة, والعبلاء, وشرب, والحريرة, والتعرف علي هذه الأماكن يمدنا بدلالة قوية علي موقع سوق عكاظ الذي كانت قبائل العرب تجتمع فيه كل عام ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون ويقيمون فيه لمدة شهر, فيذكر أبو عبيدة (15) " أنه كان بعكاظ أربعة أيام : يوم شمطة, ويوم العبلاء, ويوم شرب, ويوم حريرة, وكلها من عكاظ .

وقال السهيلي (16) " : وكانت الفجارات في العرب أربعة ذكرهن المسعودي وآخرهن فجار البرَّاض ( بقتله عتبة الرحال بن جعفر بن كلاب ) قال : وكان القتال فيه أربعة أيام, يوم شمطة, ويوم العبلاء وهما من عكاظ ...

وقال : الأصفهاني (17) " فسبقت هوازن قريشاً فنزلت شمطة من عكاظ .... والتقوا على قرن الحول بالعبلاء وهو موضع قريب من عكاظ ..... ثم اليوم الخامس وهو يوم الحريرة وهي حرة إلي جانب عكاظ ".

وقال " البكري (18) " : ثم التقت الأحياء المذكورة علي رأس الحول, وهو اليوم الرابع من يوم نخلة التقوا بشرب من عكاظ, ثم التقوا علي رأس الحول بالحريرة, وهي حرة إلي جنب عكاظ مما يلي مهب الجنوب وقال : ابن حبيب (19) " فنزلت هوازن شمطة من عكاظ " وقال أيضاً : والتقوا بالعبلاء وهو أعبل إلي جنب عكاظ ...... فالتقوا بشرب من عكاظ ..... الحريرة وهي حرة إلي جنب عكاظ مما يلي جنوبها ثم تقبل تريد مكه من مهب الصبا حتى تقع دوين قرن ".

وقال ياقوت الحموي : [ والعبلاء علم على صخرة بيضاء بجانب عكاظ ...

قلت : ولعل تلك الصخرة البيضاء التي ذكرها ياقوت هي ما دعاها / عمر بن أبي ربيعة باسم المروة من عكاظ .

هاج فؤادي مَحْضرٌ
= بذي عكاظ مقفر

حتى إذا ما وازنوا
= المروة حين ائتمروا

قيل انزلوا فعرسوا
= من ليلكم وانشمروا (20)

وقال الهمداني (21) " : قرن وشرب مكانان من أرض عكاظ . ويمكن القول أن عكاظ تقع في أرض فسيحة شرقي شمال الطائف علي بعد 35- 40 كيلا وهي على طريق حاج اليمن إلى قرن المنازل ويضرب علي مشرق هذه المواضع جبل حضن وتتوسط المواضع التي سبق ذكرها من المصادر المتقدمة على طريق حاج اليمن المتجه إلي قرن المنازل ( السيل الكبير ) وقد أصاب عرام السلمي في وصفها ووصف الأعلام المحيطة بها .....

أيام العرب التي دارت في عكاظ :-

ذكر أبو عبيدة البكري : أنه كان بعكاظ أربعة أيام – يوم شمطة، ويوم العبلاء، ويوم شرب (22)، ويوم الحريرة (23) وهي كلها من عكاظ . فشمطة والعبلاء وهما من عكاظ وهو أول يوم اجتمعت به قريش وحلفاؤها من بني كنانة وهوازن بعد يوم نخلة وقد سبقت هوازن قريشاً فنزلت شمطة دون المسيل – ( مسيل وادي عكاظ ) وكان يوم شمطة (24) لهوازن على قريش وكنانة واعتزلت بكر بن مناة بن كنانة إلى جبل يقال له دخم فلم يقتل منهم أحد . قال / خداش بن زهير العامري :-

أبلغ إن مررت به هشاما
= وعبدالله أبلغ والوليدا

بأنا يوم شمطة قد أقمنا
= عمود المجد إن له عمودا

ثم بعده يوم العبلاء - والعبلاء جنوبي عكاظ – وشماله وادي شرب ووادي قُرَّان، وشرقاً صحراء ركبة وضلع الأخلص . وكان يوم العبلاء أيضاً لهوازن على قريش وكنانة قال / خداش بن زهير العامري :-

ألم يبلغك أنا جدعنا
= لدى العبلاء خِنْدف بالقباد ؟

ضربناهم ببطن عكاظ حتى
= تولوا طالعين مع النجاد

انظر قوله : ضربناهم ببطن عكاظ مما يدل على أن العبلاء قرب عكاظ بل أنها قرب التقاء وادي الأخيضر ( عكاظ قديماً ) بوادي شرب .

ثم بعد ذلك يوم شرب من أرض عكاظ وفيه انهزمت قيس ومنها هوازن . قال / بلعاء بن قيس :-

إن عكاظ ماؤنا فخلوه
= وذو المجاز بعدُ لن تحلوه

وانهزمت قيس كلها إلا بني نصر فإنها صبرت مع ثقيف وذلك أن عكاظاً بلدهم ولهم فيه نخل وأموال ولكنهم انهزموا أخيراً فقال / أمية بن الأسكر الكناني :-

ألا سائل هوازن يوم لاقوا
= فوارس من كنانة معلمينا

لدى شربٍ وقد جاشوا وجشنا
= فأوعب في النفير بنوا أبينا

ثم كان بعد ذلك يوم الحريرة وهي حرة إلى جنب عكاظ مما يلي مهب الجنوب فكان لهوازن على قريش وكنانة – وهو يوم الحرة قال ياقوت : [ العبلاء : إسم علم لصخرة بيضاء إلى جنب عكاظ (25 ) ] أ.هـ.

وقد ذكر ابن بليهد نقلاً عن عرام ابن الأصبغ السُّلَمي : [ .. وإذا كنت في عكاظ طلعت عليك الشمس على حرة سوداء وبها عبيلات بيض كان العرب يطوفون بها في جاهليتهم وينحرون عندها (26 ) ] أ.هـ.

وأضاف الشيخ ابن بليهد قوله : [ ومن كل ذلك ثبت عندي أن موضع عكاظ - يبعد عن مطار الحوية مسافة ( 10كم ) عشرة كيلومترات تقريباً من الجهة الشرقية منه وعن الطائف مقدار ( 40كم ) أربعين كيلومتر وذلك عند المكان الذي يلتقي فيه الواديان شرب ووادي الأخيضر شرقيّه ماء يقال له المبعوث عند الحرة السوداء وجنوبيه أكمة (27) بيضاء يقال لها العبلاء من العهد الجاهلي إلى هذا العهد، وشماليه هو الحد الفاصل بين وادي شرب ووادي قران المعروفين بهذين الاسمين إلى هذا العهد ].

وله أيضا : [ فأما التحديد الصحيح الذي هو صادر عن معرفة ويقين فهو الذي ذكرته في أول هذه العبارة فمن أراد أن يقف برجله ويرى الآثار الدارسة والأطلال البالية فليذهب إلى هناك كما ذهبت إليها ورأيتها بعيني ووقفت على حقيقتها فأنا لم أذكر تحديد هذا السوق إلا مستنداً على أسانيد صحيحة ]. أ.هـ.

وقال الشيخ حمد الجاسر في خلاصة بحث له مطول عن سوق عكاظ : [ .. أن جميع الأوصاف المتقدمة تنطبق إنطباقاً تاماً على الأرض الواسعة الواقعة شرقي الطائف بميل نحو الشمال خارج سلسلة الجبال المطيفة به – وتبعد تلك الأرض عن الطائف ( 35كم ) خمسة وثلاثون كيلومتراً تقريباً – يحدها غرباً جبال بلاد عدوان ( العقرب، شرب، العبيلاء ) وجنوباً أبرق العبيلاء وضلع الخلص، وشرقاً صحراء ركبة وشمالاً طرف ركبة والجبال الواقعة شرق وادي قران وتشمل هذه الأرض – وادي الأخيضر – وهو المعروف في العهد القديم باسم وادي عكاظ – ووادي شرب حينما يفيضان في صحراء ركبة ويخرجان من الجبال وما بينهما من الأرض وما يتصل بهما من طرف ركبة ] أ.هـ.

وقال حمد الجاسر : [ ولي بحث حددت فيه موقع عكاظ، مطبوع في رسالة وخلاصته : أنه يقع جنوبي الطائف بمسافة تبلغ بضعة عشر كيلا عند التقاء أودية الطائف ومفيضها في طرف سهل ركبة يمر به الآن طريق السيارات إلى نجد .. أ.هـ ] (28 )

قال الشيخ ابن خميس (29 ) : [ رأينا من مجموع هذه الأقوال المتقدمة التي هي الخلاصة لما قيل في تحديد موقع سوق عكاظ قديما وحديثاً – ومن دراستي للمنطقة دراسة دقيقة أقف بقدمي وأرى بعيني وأستعين بخبير ثبت من سكان المنطقة أختاره لي سعادة الشهم المفضال عبدالعزيز بن فهد بن معمر أمير الطائف حيث قضيت سحابة يوم كامل هنالك أستعرض أقوال العلماء وأطبقها على واقع الأرض وأحاول تضييق دائرة التحديد حتى خرجت بما يلي : في متسع (30 ) من الأرض يحده من الجنوب ملتقى وادي شرب بوادي العرج ( الأخيضر ) والعبلاء ومن الغرب جبال الصالح وجبال مدسوس ومدفع وادي المهيد ومن الشمال الشظفا والخلص ومشرفة وماء المبعوث ومن الشرق الدار السوداء والحرة .. وفيما بين هذه الأعلام يقع سوق عكاظ وهي تشكل شكلاً مستطيلاً لا يتجاوز طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أكيال ( 4 كم ) ومن الغرب إلى الشرق كيلين ( 2 كم ) وهذا التحديد يدخل الأنصاب الحجارة المنصوبة التي تدعى الآن ( بالمرزَّز ) كما أن هذه المنطقة هي مدفع ثلاثة أودية العرج وشرب والمهيد ...

قال : وهذا التحديد لا يخرج تقريباً عما حدده الأستاذان ابن بليهد والجاسر إلا أنه أضيق دائرة مما حدداه ... ]

الاسم والتاريخ والتجارة والثقافة والشعر والأدب :-

عن ذلك قال الشيخ ابن خميس : [ وعكاظ أعظم معرض في جزيرة العرب للتجارة والصناعة والفن – وأعظم مؤتمر للرأي والسياسة والاجتماع وأكبر منتدى للشعر والخطابة والبلاغة .. ولم تبلغ المعارض الدولية اليوم على ما بها من تنسيق وتنظيم وابتكار .. ما بلغه سوق عكاظ من حيث كثرة الرواد وتعدد الأهداف واستيعاب القبائل وحرارة اللقاء .. يلتقي فيه اليمني والعراقي والعماني والشامي بالنجدي والحجازي والهَجَري .. وتؤمه تجارة الفرس والأحباش وغيرهما من الأمم فتجد لطيمة كسرى مجالا تنفق فيه هنالك كما تعرض به بضائع العراق وهجر وبصرى وعدن وبلاد الشام .. البرود والأُدم وأنواع الطيب والسلاح والحرير والحذاء والزيوت والزبيب والسيوف والرماح والحلل والخيل، ونجائب الإبل ..

تقبل القوافل إليه محملة بأجمل ما تنتجه الجهة المقبلة منها إن تجارة أو صناعة أو زراعة .. وتعود محملة بما لا يوجد في جهتها بعد عرضه وتسويقه بعكاظ وتكون بين القبائل العربية وجيرانها مصارمة ومنافرة وحروب وثارات .. وتقبل كل قبيلة تحمل مشاكلها وتهيئ حجتها وتعد العدة لمقارعة الحجة بالحجة وكسر حدة الخصم ..

وتخرج كل قبيلة أو زعيم على عادة من عادات العرب أو سنة من سننهم فتسمع منتديات عكاظ ما أتته هذه القبيلة أو هذا الزعيم .. فيكون الحكم عليها قاسيا وتُحملها الأمم المشتركة في عكاظ عار الدهر فتبوء به خزيا مخلدا ... ويضطلع بالحكم في هذا وذلك وسواهما من مشاكل سياسية أو اجتماعية حكماء اتفق العرب على تحكيمهم وجعلوا قولهم الفصل وحكمهم العدل .

وكان بين أولئك حكيم العرب " قس بن ساعدة الإيادي " وقف على جمل أورق وتضام الناس حوله وجعل يقول فيهم :-

[ أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ليل داج ونهار ساج وسماء ذات أبراج ونجوم تزهر وبحار تزخر وجبال مرساة وأرض مدحاة وأنهار مجراة إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبرا ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون ؟! أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ؟ يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه : إن لله دينا هو أرضى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه إنكم لتأتون من الأمر منكرا :-

في الذاهبيـن الأولـــين
= من القرون لنا بصائـر

لما رأيت مـوارداً للموت
= ليـس لهـا مصــــــادر

ورأيت قومــي نحوهــــا
= يمضي الأكابر والأصاغـر

لا يرجــع الماضـي إليَّ
= ولا من الباقين غابـر

أيقنت أني لا محالة
= حيث صار القوم صائر .

وكان من المجتمعين حوله غلام يسمع ويعي ما يقول – هذا الغلام هو محمد  قال بعد أربعين سنة من هذا المشهد لوفد إياد وقد جاؤا يبايعونه على الإسلام ( كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أجدني أحفظه فقال رجل من القوم أنا أحفظه يا رسول الله، فتلاه عليه فلما انتهى قال النبي  [ يرحم الله قساً إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحده ]

ولم يكن العرب يحرصون على شيئ أكثر مما يحرصون على البيان ولم يكن الفخر لديهم أعظم من أن يكون في القبيلة لسان يشيد شعره بمفاخرها ويتغنى بمآثرها وينشر ذكرها ويرفع قدرها .. وتقتعد عن طريق شعره قمة الفخر والسؤدد والمجد .. وركزت أمة العرب فخرها في لسانها فجاءت عن طريقه بالمعجزات .. وتضرب قبة أدمٍ بهذا السوق يتربع بها نابغة بني ذبيان حكما أول لينتظم حوله عقد الشعراء من كافة القبائل يعرضون عليه حصاد عامهم ذلك مما هذبته القرائح وأبدعته الأفكار ..

فيصدرون عن حكم صيْرف يصنف الشعر وينقده ويضعه حيث تكون منزلته .. ويزدحم شداة الشعر ومريدوه حول قبته الحمراء يتبارون في عرض تجاربهم الشعرية وينتظرون القول لمن تصدر له التهنئة بالشاعرية المقبلة انطلاقاً من قصيدته المعروضة ليتناقل أهل عكاظ الخبر بأن القبيلة الفلانية نبغ بها شاعر فتذهب هذه تقيم الولائم وتتبادل التهاني وتجعل من ابنها الفائز في عكاظ علماً ترمقه الأبصار وتحتضنه القلوب ..

وخلص الشيخ ابن خميس إلى القول : [ ولم يكن هذا المجتمع العظيم ليفوت صاحب الرسالة (31) عليه الصلاة والسلام بل قصده يتخول الناس بالموعظة ويدعوهم إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويلقى زعيم كل قبيلة أو ذي شأن فيها بالتبشير والتحذير والوعد بشرف الدنيا وجزاء الآخرة فيلقى ما يلقى من عنت وصدود وتنكر لما أتى به فيحمل نفسه على الصبر ويروضها على الأناة .. وكما كان سوق عكاظ معرضا للتجارة ومؤتمراً للسياسة والرأي والاجتماع ومنتدى للأدب ومجمعاً للغة .. وكلها خلال حميدة مفيدة فكذلك هو مبعث منافرة وزناد حرب تحفزها العادات الجاهلية وتثيرها العصبيات لتلقح بحروب لا تخبو نارها ولا يهدأ أوارها فكانت بعكاظ أيام الفجار وسميت بالفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم التي يحترمها العرب ولا يتقاتلون فيها هذه الحروب وقعت بين كنانة وقريش من جهة وبين قيس ومنها هوازن من جهة أخرى وذلك لأسباب وقصص يطول شرحها . وإلى بعض أشعارهم قال / أبو ذؤيب الهذلي :-

إذا بُني القباب على عكاظٍ
= وقام البيع واجتمع الألوف

وبين / أمية بن خلف الخزاعي و / حسان بن ثابت مهاجاة قال فيها أمية :-

ألا مبلغ حسان عني
= مغلغلة تدب إلى عكاظٍ ؟

أليس أبوك فينا كان قيناً
= لدى القينات فسلاً في الحفاظ

يمانيا يظل يشد كيراً
= وينفخ دائماً لهب الشواظ

فأجابه / حسان :-

أتاني عن أمية زور قولٍ
= وما هو بالمغيب بذي حفاظِ

سأنشر ما حييت لهم كلاماً
= ينشر في المجامع من عكاظِ

ومن الأمثال السائرة في الشعر :-

فإنك ضحَّاك إلى كل صاحب
= وأنطق من قس غداة عكاظها

وقال / المخبل مفتخراً :-

ليالي سَعْد في عكاظ يسوقها
= له كل شرق من عكاظ ومغرب

قال ابن خميس : [ أما بداية هذه السوق فللعلماء بها أقوال كثيرة لا تخلوا كلها من مقال إلا أن المرجح أنها بدأت في القرن الخامس الميلادي ويرى صاحب كتاب " أسواق العرب " الأستاذ سعيد الأفغاني أنها قد عمرت أكثر من قرنين ونصف وقد ظلت هذه السوق مستمرة بعد ظهور الإسلام إلى ظهور الخوارج الحروريى مع المختار بن عوف حيث نهبوها سنة 129هـ ومن ثم توقفت إلى هذا العهد ].

أيام الفجار :-

وحروب عكاظ في ( بلاد قيس عيلان ) :-

الفجار : أربعة أفجرة وكلها بسوق عكاظ . فالفجار الأول كان بين كنانة وهوازن ولم يقع بين الحيين قتال في ها اليوم وأما الفجار الثاني فقد كان بين قريش وهوازن ووقع بين القوم فيه قتال ودماء يسيرة فحملها حرب ابن أمية وأصلح بينهم وأما الفجار الثالث فقد كان بين كنانة وهوازن ولم يقع بينهم قتال في هذا اليوم – وأما الفجار الرابع فقد كان بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن وهذا الأخير هو الذي كانت فيه الوقعة العظمى وهو خمسة أيام : يوم نخلة، ويوم شمطة، ويوم العبلاء، ويوم شرب، ويوم الحريرة، وسميت هذه كلها بأيام الفجار لأنها كانت في الأشهر الحرم وهي الشهور التي يحرمونها ففجروا فيها فلذلك سميت فجاراً (32)

قال : أبو عبيدة (33) : أيام الفجار (34) عّدة وهذا أولها بين كنانة وهوازن, وكان الذي هاجه أن بدر بن معشر أحد بني غفار .. من كنانة جعل له مجلس بسوق عكاظ, وكان حدثاً منيعاً في نفسه, فقام في المجلس وقام على رأسة قائم وأنشأ يقول :-

نحن بنو مدركة بن خندف
= ومن يكونوا قومة يغطرف

من يطعنوا في عينه لم يطرف
= كأنهم لجة بحر مسدف

قال : ومد رجلة وقال : أنا أعز العرب فمن زعم أنة أعز مني فليضربها بالسيف، فضربها الأحيمر بن مازن أحد بني دهمان بن نصر بن معاوية فأندرها من الركبة وقال : " خذها إليك أيها المخندف " وهو ماسك سيفه وقام أيضا رجل من هوازن فقال :-

نحن بنو دهمان ذو التغطرف
= بحرُ بحورٍ زاخر لم يُنزف

نحن ضربنا ركبة المخندف
= إذ مدها في أشهر المُعَرَّف

فتحاور الحيان عند ذلك حتى كاد أن يكون بينهما الدماء, ثم تراجعوا ..

الفجار الثاني :-

كان الفجار الثاني بين قريش وهوازن, وكان الذي هاجه أن فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة, وضيئة حسانة بسوق عكاظ, وقالوا : بل أطاف بها شباب من بني كنانة وعليها برقع وهي في درع وهي فضل ( في ثوب واحد ) فأعجبهم مارأوا من هيئتها, فسألوها أن تسفر عن وجهها . فأبت عليهم . فأتى أحدهم من خلفها فشد دبر درعها بشوكة إلى ظهرها, وهي لا تدري فلما قامت تقلص الدرع عن دبرها . فضحكوا وقالوا : منعتنا النظر إلي وجهها فقد رأينا دبرها . فصاحت يا آل عامر فثاروا وحملوا السلاح وحملتة كنانة و اقتتلوا قتالاً شديداً ووقعت بينهم دماء فتوسط حرب بن أمية واحتمل دماء القوم وأرضى بني عامر من مثلة صاحبهم .

الفجار الثالث (35) :-

والفجار الثالث بين كنانة وهوازن، وكان الذي أهاجه أن رجلاً من بني كنانة علية ديْن لرجل من بني نصر بن معاوية, فأعدم الكناني فوافى النصري بسوق عكاظ بقُرد فأوقفه بسوق عكاظ, وقال : من يبيعني مثل هذا بمالي على فلان ؟ حتى أكثر ذلك . وإنما أراد النصري تعييرا للكناني وقومه فمر به رجل من كنانة فضرب القرد بسيفه فقتله . فهتف النصري يالهوازن, وهتف الكناني : يالكنانة . فتهايج الناس حتى كاد أن يكون بينهم قتال, ثم رأوا الخطب يسيراً فتراجعوا .

قال : أبوعبيدة : فهذه الأيام تسمى فجاراً لأنها كانت في الأشهر الحرم وهي الشهور التي يحرمون فيها القتال ففجروا فيها فلذلك سميت فجاراً, وهذه يقال لها : أيام الفجار الأول .

الفجار الآخر ( ) :-

يوم " نخلة " :-

وكانت أول أيامه : يوم " نخلة " وهو أعظمها جميعاً, وهو بين قريش وكنانة كلها, وبين هوازن, والذي هاجها البراض الكناني - بقتلة عروة (36) الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة . فأبت هوازن أن تقتل بعروة - البرَّاض, لأن عروه سيد هوازن, والبراض خليع من بني كنانة, أرادوا أن يقتلوا به سيداً من قريش .. وهذه الحروب كانت قبل مبعث النبي " صلى الله علية وسلم " بست وعشرين سنة .

وقد شهدها النبي " صلى الله علية وسلم " ..... وهو إبن أربع عشرة سنة مع أعمامة ينبل معهم ويناولهم النبل .... وكانت العرب, إذا قدمت عكاظ دفعت أسلحتها إلى ابن جدعان حتى يفرغوا من أسواقهم وحجهم, ثم يردها عليهم إذا ظعنوا وكان سيداً حكيماً مثرياً من المال - فجاء قريش خبر البرَّاض وقتله عروة وأخبروا حرب بن أمية, وهشاماً والوليد بن المغيرة – فجاء حرب إلى عبدالله بن جدعان - فقال : له : احتبس قبلك سلاح هوازن . فقال له ابن جدعان : أبالغدر تأمرني يا حرب !! والله لو أعلم أنة لا يبقى منها سيف إلا ضربت به, ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيء .. ولكن لكم مائة درع - ومائة رمح - ومائة سيف في مالي تستعينون بها . ثم صاح ابن جدعان في الناس قائلاً : من كان له قبلي سلاح فليأخذه, فأخذ الناس أسلحتهم .

وبعث ابن جدعان, وحرب بن أمية, وهشام, والوليد, إلى أبي براء - عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة - قائلين له [ إنه بعد خروجنا حدث حرب، وقد خفنا تفاقم الأمر, فلا تنكروا خروجنا, وساروا راجعين إلى مكة ] فلما كان آخر النهار بلغ أبا براء عامر بن مالك بن جعفر قتل البرَّاض عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب .

فقال : أبو براء – خدعني حرب وإبن جدعان, وركب فيمن حضر عكاظ من هوازن في أثر القوم, فأدركوهم " بنخلة " فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم, وجن الليل عليهم فكفوا – ونادى الأدرم بن شعيب أحد بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة, يا معشر قريش, ميعاد ما بيننا هذه الليلة من العام المقبل بعكاظ, يا معشر قريش إنا نعاهد الله ألا نبطل دم عروة الرحال أبداً أو نقتل منكم به عظيما . وكان يومئذ رؤساء قريش, حرب بن أمية, وابن جدعان, وهشام بن المغيرة, وكان رؤساء قيس هو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ( ملاعب الأسنة ) على بني عامر, وكدام بن عمير على فهم وعدوان ومسعود بن سهم على ثقيف, وسبيع بن ربيعة النصري, على بني نصر بن معاوية, والصمه بن الحارث وهو أخو دريد بن الصمه, علي بني جشم . وكانت راية قريش مع حرب بن أمية وهي راية قصي التي يقال لها : العقاب . ونادى رجل من بني عامر :-

لقد وعدنا قريش وهي كارهة
= بأن نجئ إلى ضرب رعابيل

وفي يوم نخلة (37) هُزمت قريش فقال / خداش بن زهير العامري :-

يا شــدة ما شـــددنا غير كــــاذبة
= على سُخينــة لولا الليــل والحـــرم

إذ يتقينـــا هشــــام بالوليــــد ولو
= أنا ثقِفْنـا هِشــاماً شـــالت الخــدم

لما رأو خيلنا تزجي أوائلها
= زرق الأسنة في أطرافهـا الســـــهم

بين الأراك وبين المرج تبطـــحهم
= أو بطن مر فأخفوا الجرس وأكتتــموا

فإن سمعتـم بجيش ســالك سرفاً
= آساد غيل حمى أشبالها الأجم

إلى قوله :-

ولولا شلالاً وعظم الخيل لاحقة
= كمـــا تخب إلى أوطانهـــا النعــم

ولت بــهم كل مخضار ململمــة
= كـأنها لِقْـــــوة يحتتهـا ضــرم

قد قرت العين إذا يدعون خيلهم
= لكي تكــــر وفي آذانهــا صمـــم

وهذا غاية في التعبير وفي وصف شدة الحرب حتى صار الأخ يفتدي نفسه بأخيه . وللموضوع بقية .




التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 17 - 06 - 2009 الساعة 13:04
رد مع اقتباس