رد : سَيَذْكُرُنـي قـومـي إذا جَــدَّ جِـدُّهُـمْ أبو فراس الحمداني
كُتب : [ 23 - 02 - 2008 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
( من غرر قصائد الفارس الشاعر / أبي فراس الحمداني رحمه الله الروميات )
لما أسرت الروم في بعض الوقائع الشاعر الفارس / أبو فراس الحمداني وهو جريح ، وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ، ونقل مثخناً إلى قسطنطينية ، وتطاولت مدته بها لتعذر المفاداة ، وبتأثير الأسر والمرض وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبابه ، والتبرم بحاله ومكانه ، قال أشعاره التي خرجت من صدر حرج ، وقلب شج ، تقطر رقة ولطافة ، وتبكي سامعها ، وتعلق بالحفظ لسلاستها ، فمنها قوله :
ما للعبيد من الذي
= يقضي بها الله امتناع
ذدت الأسود عن الفرا
= ئس ثم تفرسني الضباع !
وقال :
قد عذب الموت بأفواهنا
= والموت خير من مقام الذليل
إنا إلى الله لما نابنا
= وفي سبيل الله خير السبيل
ولما شقت فخذه عن نصل السهم الذي أصابه قال :
فلا تصفن الحرب عندي ، فإنها
= طعامي مذ بعت الصبا وشرابي
وقد عرفت وقع المسامير مهجتي
= وشقق عن زرق النصول إهابي
ولججت في حلو الزمان ومره
= وأنفقت من عمري بغير حساب
وقال بخرشنة وقد مكث بها في بداية أسره قبل نقله إلى قسطنطينية ولعمري لقد أجاد :
إن زرت خرشنة أسيراً
= فلقد حللت بها مغيرا
ولقد رأيت النار تنت
= هب المنازل والقصورا
ولقد رأيت السبي يجل
= ب نحونا حوراً وحورا
من كان مثلي لم يبت
= إلا أميراً أو أسيرا
ليست تحل سراتنا
= إلا الصدور أو القبورا
وكتب إلى سيف الدولة يحثه على فداءه قصيدة طويلة منها :
دعوتك للجفن القريح المسهد
= لدي ، وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلاً بالحياة وإنها
= لأول مبذول لأول مجتد
ولا زال عني أن شخصاً معرضاً
= لنبل العدا إن لم يصب فكأن قد
ولكنني أختار موت بني أبي
= على سروات الخيل غير موسد
وآبى وتأبى أن أموت موسداً
= بأيدي النصارى موت أكمد أكبد
نضوت على الأيام ثوب جلادتي
= ولكنني لم أنض ثوب التجلد
فمن حسن صبر بالسلامة واعد
= ومن ريب دهر بالردى متوعدي
فمثلك من يدعى لكل عظيمة
= ومثلي من يفدي بكل مسود
تشبث بها أكرومة قبل فوتها
= وقم في خلاصي صادق العزم واقعد
فإن تفتدوني تفتدوا شرف العلا
= وأسرع عواد إليكم معود
يدافع عن اعراضكم بلسانه
= ويضرب عنكم بالحسام المهند
متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى
= طويل نجاد السيف رحب المقلد
ولا وأبي ما ساعدان كساعد
= ولا وأبي ما سيدان كسيد
وإنك للمولى الذي بك أقتدي
= وإنك للنجم الذي بك أهتدي
وأنت الذي بلغتني كل غاية
= مشيت إليها فوق أعناق حسدي
فيا ملبسي النعمى التي جل قدرها
= لقد أخلقت تلك الثياب فجدد
ألم تر أني فيك صافحت حدها
= وفيك شربت الموت غير مصرد
وفيك لقيت الألف زرقاً عيونها
= بسبعين فيها كل أشأم أنكد
يقولون جنب عادة ما عرفتها
= شديد على الإنسان ما لم يعود
فقلت أما والله ما قال قائل
= شهدت له في الخيل ألأم مشهد
ولكن سألقاها فإما منية
= هي الظن أو بنيان عز مؤيد
وكتب إلى والدته وفد ثقل من الجراح التي به :
مصابي جليل والعزاء جميل
= وظني بأن الله سوف يديل
جراح تحاماها الأساة مخافة
= وسقمان باد منهما ودخيل
وأسر أقاسيه وليل نجومه
= أرى كل شيء غيرهن يزول
تطول بي الساعات وهي قصيرة
= وفي كل دهر لا يسرك طول
تناساني الأصحاب إلا عصابة
= ستلحق بالاخرى غداً وتحول
وإن الذي يبقى على العهد منهم
= وإن كثرت دعواهم لقليل
أقلب طرفي لا أرى غير صاحب
= يميل مع النعماء حيث تميل
وصرنا نرى أن المتارك محسن
= وان خليلاً لا يضر وصول
تصفحت أحوال الزمان فلم يكن
= إلى غير شاك للزمان وصول
أكل خليل أنكد غير منصف
= وكل زمان بالكرام بخيل
نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة
= أجاب إليها عالم وجهول
وفارق عمرو بن الزبير شقيقه
= وخلى أمير المؤمنين عقيل
فيا حسرتي من لي بخل موافق
= أقول بشجوي مرة ويقول
وإن وراء الستر أماً بكاؤها
= علي ، وإن طال الزمان ، طويل
فيا أمتا لا تعدمي الصبر ، إنه
= إلى الخير والنجح القريب رسول
فيا أمتا لا تحبطي الأجر ، إنه
= على قدر الصبر الجميل جزيل
تأسي كفاك الله ما تجدينه
= فقد غال هذا الناس قبلك غول
لقيت نجوم الأفق وهي صوارم
= وخضت سواد الليل وهو خيول
ولم أرع للنفس الكريمة خلة
= عشية لم يعطف علي خليل
ولكن لقيت الموت حتى تركته
= وفيه وفي حد الحسام فلول
ومن لم يوق الله فهو ممزق
= ومن لم يعز الله فهو ذليل
منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|