بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : قال / أبو عبيدة : أخبرنا / أبو عمرو بن العلاء قال : كان يوم الكلاب متصلا بيوم الصفقة، وكان من حديث الصفقة أن كسرى الملك، كان قد أوقع ببني تميم، فأخذ الأموال وسبى الذراري بمدينة هجر، وذلك أنهم أغاروا على لطيمة له فيها مسك وعنبر وجوهر كثير، فسميت تلك الوقعة يوم الصفقة، ثم إن بني تميم أداروا أمرهم، وقال ذو الحجا منهم : إنكم قد أغضبتم الملك، وقد أوقع بكم حتى وهنتم، وتسامعت بما لقيتم القبائل فلا تأمنون دوران العرب فجمعوا سبعة رؤساء منهم وشاوروهم في أمرهم، وهم / أكثم بن صيفي الأسيدي، و / الأعيمر بن يزيد بن مرة المازني، و / قيس بن عاصم المنقري، و / أبير بن عصمة التيمي، و / النعمان بن الحسحاس التيمي، و / أبير بن عمرو السعدي، و / الزبرقان بن بدر السعدي فقالوا لهم : ماذا ترون ؟ فقال / أكثم بن صيفي، وكان يكنى أبا حنش : إن الناس قد بلغهم ما قد لقينا، ونحن نخاف أن يطمعوا فينا، ثم مسح بيده على قلبه، وقال : إني قد نيفت على التسعين، وإنما قلبي بضعة من جسمي، وقد نحل كما نحل جسمي، وإني أخاف أن لا يدرك ذهني الرأي لكم، وأنتم قوم قد شاع في الناس أمركم، وإنما كان قوامكم أسيفا وعسيفا - يريد العبد والأجير - وصرتم اليوم إنما ترعى لكم بناتكم، فليعرض علي كل رجل منكم رأيه وما يحضره، فإني متى أسمع الحزم أعرفه فقال كل رجل منهم ما رأى، وأكثم ساكت لا يتكلم حتى قام / النعمان بن الحسحاس، فقال : يا قوم، انظروا ماء يجمعكم، ولا يعلم الناس بأي ماء أنتم حتى تنفرج الحلقة عنكم وقد جممتم، وصلحت أحوالكم، وانجبر كسيركم، وقوي ضعيفكم ولا أعلم ماء يجمعكم إلا قدة، فارتحلوا ونزلوا قدة وهو موضع يقال له : الكلاب فلما سمع / أكثم بن صيفي كلام / النعمان، قال : هذا هو الرأي فارتحلوا حتى نزلوا الكلاب وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم، وأعلاه مما يلي اليمن، وأسفله مما يلي العراق فنزلت سعد والرباب بأعلى الوادي، ونزلت حنظلة بأسفله .
قال / أبو عبيدة : وكانوا لا يخافون أن يغزوا في القيظ، ولا يسافر فيه أحد، ولا يستطيع أحد أن يقطع تلك الصحاري لبعد مسافتها، وليس بها ماء، ولشدة حرها فأقاموا بقية القيظ لا يعلم أحد بمكانهم، حتى إذا تهور القيظ - أي ذ هب - بعث الله ذا العينين، وهو من أهل مدينة هجر، فمر بقدة وصحرائها، فرأى ما بها من النعم، فانطلق حتى أتى أهل هجر، فقال لهم : هل لكم في جارية عذراء، ومهرة شوهاء، وبكرة حمراء، ليس دونها نكبة ؟ فقالوا : ومن لنا بذلك ؟ قال : تلكم تميم ألقاء مطروحون بقدة قالوا : إي والله فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا : اغتنموها من بني تميم فأخرجوا منهم أربعة أملاك، يقال لهم اليزيديون : / يزيد بن هوبر، و / يزيد بن عبدالمدان، و / يزيد بن المأمور، و / يزيد بن المخرم، وكلهم حارثيون ؟ ومعهم / عبد يغوث الحارثي فكان كل واحد منهم على ألفين، والجماعة ثمانية آلاف فلا يعلم جيش في الجاهلية كان أكبر منه، ومن جيش كسرى يوم ذي قار ويوم شعب جبلة فمضوا حتى إذا كانوا ببلاد باهلة، قال / جزء بن جزء الباهلي لابنه : يا بني، كل لك في أكرومة لا يصاب أبدا مثلها ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : هذا الحي من تميم قد ولجوا هناك مخافة، وقد قصصت أثر الجيش يريدونهم، فأركب جملي الأرحبي وسر سيرا رويدا، عقبة من الليل - يعني ساعة - ثم حل عنه حبليه وأنخه وتوسد ذراعه، فإذا سمعته قد أفاض بجرته وبال فاستنقعت ثفناته في بوله فشد عليه حبله، ثم ضع السوط عليه فإنك لا تسأل جملك شيئا من السير إلا أعطاك، حتى تصبح القوم ففعل ما أمره به قال / الباهلي : فحللت بالكلاب قبل الجيش وأنا أنظر إلى / ابن ذكاء - يعني الصبح - فناديت : يا صباحاه !! فإنهم ليثبون إلي ليسألوني من أنت، إذ أقبل رجل منهم من بني شقيق على مهر قد كان في النعم، فنادى؛ يا صباحاه !! قد أتي على النعم ثم كر راجعا نحو الجيش فلقيه / عبد يغوث الحارثي، وهو أول الرعيل، فطعنه في رأس معدته، فسبق اللبن الدم، وكان قد اصطبح فقال / عبد يغوث : أطيعوني وامضوا بالنعم وخلوا العجائز من تميم ساقطة أفواهها قالوا : أما دون أن ننكح بناتهم فلا وقال / ضمرة بن لبيد الحماسي ثم المذحجي الكاهن : انظروا إذا سقتم النعم، فإن أتتكم الخيل عصبا، العصبة تنتظر الأخرى حتى تلحق بها، فإن أمر القوم هين وإن لحق بكم القوم ولم ينتظر بعضهم بعضا حتى يردوا وجوه النعم، فإن أمرهم شديد وتقدمت سعد والرباب في أوائل الخيل، فالتقوا بالقوم فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم ولم ينتظر بعضهم بعضا ورئيس الرباب / النعمان بن الحسحاس، ورئيس بني سعد / قيس بن عاصم وأجمع العلماء أن / قيس بن عاصم كان رئيس بني تميم فالتقى القوم، فكان أول صريع / النعمان بن الحسحاس واقتتل القوم بقية يومهم وثبت بعضهم لبعض حتى حجز الليل بينهم ثم أصبحوا على راياتهم .
وفي رواية أخرى عن يوم الكلاب في الجاهلية قصة وقصيدة عظيمة لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصفقة بالمشقر، فقتل المقاتلة، وبقيت الأموال والذراري، بلغ ذلك مذحجاً، فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا : اغتنموا بني تميم، ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة، قالت مذحج لــ / المأمور الحارثي، وهو كاهن : ما ترى ؟ فقال لهم : لا تغزوا بني تميم، فإنهم يسيرون أغباباً، ويردون مياهاً جباباً، فتكون غنيمتكم تراباً قال / أبو عبيدة : فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفها اثنا عشر ألفاً، وكان رئيس مذحج / عبد يغوث بن صلاءة، ورئيس همدان يقال له / مسرح، ورئيس كندة / البراء بن قيس بن الحارث فأقبلوا إلى تميم فانطلق ناس من أشراف تميم إلى / أكثم بن صيفي، وهو قاضي العرب يومئذٍ، فاستشاروه، فقال لهم : أقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة يا قوم تثبتوا، فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تهب ريثا واتزروا للحرب، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف فلما انصرفوا من عند أكثم تهيئوا، واستعدوا للحرب وأقبل أهل اليمن، من بني الحارث من أشرافهم / يزيد بن عبدالمدان و / يزيد بن مخرم، و / يزيد بن الطيثم بن المأمور، و / يزيد بن هوبر، حتى إذا كانوا بتيمن نزلوا قريباً من الكلاب، ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع، يقال له / مشمت بن زنباع في إبل له، عند خال له من بني سعد، يقال له / زهير بن بو، فلما أبصرهم الــ / مشمت قال لــ / زهير : دونك الإبل، وتنح عن طريقهم، حتى آتي الحي فأنذرهم قال : فركب / المشمت ناقة، ثم سار حتى أتى سعداً والرباب من تميم وهم على الكلاب، فأنذرهم، فأعدوا للقوم، وصبحوهم، فأغاروا على النعم فطردوه قال : فأقبلت سعد والرباب، ورئيس الرباب / النعمان بن جساس، ورئيس بني سعد / قيس بن عاصم المنقري قال / أبو عبيدة : اجتمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذٍ / قيس بن عاصم فقال / ضمرة بن لبيد الحماسي : انظروا إذا سقتم النعم، فإن أتتكم الخيل عصبا عصبا، وثبتت الأولى للأخرى، حتى تلحق، فإن أمر القوم هين وإن لحق بكم القوم، فلم ينظروا إليكم حتى يردوا وجوه النعم، ولا ينتظر بعضهم بعضاً، فإن أمر القوم شديد وتقدمت سعدٌ والرباب، فالتقوا في أوائل الناس، فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النعم من قبل وجوهها، فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، فاقتتلوا قتالاً شديداً يومهم، حتى إذا كان من آخر النهار قتل / النعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له / عبدالله بن كعب، وهو الذي رماه، فقال للنعمان حين رماه : خذها وأنا ابن الحنظلية فقال / النعمان : ثكلتك أمك، رب حنظلية قد غاظتني فذهبت مثلاً، وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهدهم قتل / النعمان، فلم يزدهم ذلك إلا جراءة عليهم، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فباتوا يحرس بعضهم بعضاً .
اليوم الثاني :-
فلما أصبحوا غدوا على القتال، فنادى / قيس بن عاصم : ياّل سعد، ونادى / عبد يغوث : ياّل سعد / قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم، و / عبد يغوث يدعو سعد العشيرة فلما سمع ذلك قيس نادى : ياّل كعب، فنادى / عبد يغوث : ياّل كعب قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث، قال : ما لهم أخزاهم الله ما ندعو بشعار إلا دعوا بمثله فنادى قيس : ياّل مقاعس، يعني بني الحارث بن عمرو بن كعب، وكان يلقب مقاعساً، فلما سمع و / علة بن عبدالله الجرمي الصوت، وكان صاحب اللواء يومئذٍ، طرحه، وكان أول من انهزم من اليمن، وحملت عليهم بنو سعد والرباب، فهزموهم أفظع هزيمة، وجعل رجل منهم يقول :-
يا قوم لا يفلتكم اليزيدان =مخرماً أعني به والديان
وجعل / قيس بن عاصم ينادي : ياّل تميم : لا تقتلوا إلا فارساً، فإن الرجالة لكم وجعل يرتجز ويقول :-
لما تولوا عصـبـا شـوازبـا
أقسمت لا أطعن إلا راكـبـا
إني وجدت الطعن فيهم صائبا
وجعل يأخذ الأسارى، فإذا أخذ أسيراً قال له : ممن أنت ؟ فيقول : من بني زعبل، وهو زعبل بن كعب، أخو الحارث بن كعب، وهم أنذال، فكأن الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء، فجعل قيس إذا أخذ أسيراً منهم، دفعه إلى من يليه من بني تميم، ويقول : أمسك حتى أصطاد لك زعبلة أخرى، فذهبت مثلاً فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون، حتى أسر / عبد يغوث، أسره فتى من بني / عمير بن عبد شمس وقتل يومئذٍ / علقمة بن سباع القريعي، وهو فارس هبود، وهبود فرس / عمرون الجعيد المرادي وكان علقمة قتل عمراً وأخذ فرسه من تحته، وأسر / الأهتم، واسمه / سنان بن سمي بن خالد بن منقر، ويومئذٍ سمي / الأهتم رئيس كندة / البراء بن قيس، وقتلت التيم / الأوبر الحارثي، وآخر من بني الحارث يقال له / معاوية، قتلهما / النعمان بن حساس، وقتل يومئذٍ من أشرافهم خمسة، وقتلت بنو ضبة / ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن، قتله / قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبي وقال / أبو عبيدة : أمر / قيس بن عاصم أن يتبعوا المنهزمة ويقطعوا عرقوب من لحقوا، ولا يشتغلوا بقتلهم عن اتباعهم فجزوا دوابرهم ويذكر فارس قضاعة وشاعرها / وعلة بن عبدالله القضاعي ( وقيل إن القائل ابنه / الحارث وكلاهما من فرسان قضاعة وشعرائها المشهورين ) قصته يوم الكلاب وكيف أفلت من يد الفارس / قيس بن عاصم المنقري التميمي، يصف وعلة هروبه العجيب الذي أبدى فيه جهدا عظيما حيث إنه فات قيس ركضا وعدوا، فجعل يركب فرسه هاربا حتى إذا ظن أنها أعيت وثب عنها وصاح بها فتجري وهو يجاريها، فإذا تعب ركبها وهكذا حتى استطاع الإفلات فسأل عنه / قيس بن عاصم فعرف أنه وعلة فتركه فلذلك يقول وعلة :-
فدًى لكُمَا رجليَّ أُمي وخالَتِي = غَداةَ الكُلابِ إذْ تُحَزُّ الدَّوابِرُ
نَجَوتُ نَجَاءً لم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ = كأَنِّي عُقابٌ عِنْدَ تَيْمَنَ كَاسِرُ
خُدَارِيَّةٌ سَفْعَاءُ لَبَّدَ رِيشَهَا = مِن الطَّلِ يومٌ ذُو أَهاضِيبَ ماطِرُ
كأَنَّا وَقَدْ حَالَتْ حُذُنَّةُ دُونَنا = نَعَامٌ تََلَاهُ فارِسٌ مُتَوَاتِرُ
فَمَنْ يَكُ يَرْجُو فِي تَمِيمٍ هَوَادَةً = فليْسَ لِجُرْمٍ في تَمِيمٍ أَوَاصِرُ
ولمَّا سَمِعْتُ الخَيْلَ تَدْعُو مُقَاعِساً= تَطَالَعَنِي مِنْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ جائِرُ
فإِنْ أَسْتَطِعْ لا تَلْتَبِسْ بِي مُقَاعِسٌ = وَلا يَرَنِي مَبْدَاهُمُ والمَحَاضِرُ
ولا تَكُ لِي حَدَّادَةٌ مُضَرِّيَةٌ = إِذا مَا غَدَتْ قُوتَ العِيَالِ تُبَادِرُ
يَقُولُ لِيَ النَّهْدِيُّ : إِنْكَ مُرْدِفِي = وَكَيفَ رِدَافُ الفَلِّ، أُمُّكَ عابِرُ
يُذَكِرُنِي بِالرَّحْمِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ = وَقَدْ كانَ في نَهْدٍ وجَرْمٍ تَدَابُرُ
وَلمَّا رَأَيتُ الخَيْلَ تَتْرَى أَثائِجًا = عَلِمْتُ بأَنَّ اليومَ أَحْمَسُ فاجِرُ
مصير عبد يغوث المحزن !!
وأما / عبد يغوث فانطلق به العبشمي إلى أهله، وكان العبشمي أهوج، فقالت له أمه ورأت عبد يغوث عظيماً جميلاً جسيماً : من أنت ؟ قال : أنا سيد القوم فضحكت، وقالت : قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج فقال / عبد يغوث :-
وتضحك مني شيخةٌ عبشمية=كأن لم ترا قبلي أسيراً يمانياً
ثم قال لها : أيتها الحُرّة، هل لك إلى خير ؟ قالت : وما ذاك ؟ قال : أعطي ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم، فإني أتخوف أن تنتزعني سعد والرباب منه، فضمن له مئة من الإبل، وأرسل إلى بني الحارث، فوجهوا بها إليه، فقبضها / العبشمي، فانطلق به إلى الأهتم، وأنشأ / عبد يغوث يقول :-
أأهتـم يا خـير الـبـرية والـدا=ورهطاً إذا ما الناس عدوا المساعيا
تدارك أسيراً عانياً فـي بـلادكـم=ولا تثقفني التيم ألقـى الـدواهـيا
فاجتمعت الرباب إلى / الأهتم، فقالت : ثأرنا عندك، وقد قتل مصاد والنعمان، فأخرجه إلينا فأبى / الأهتم أن يخرجه إليهم، فكاد أن يكون بين الحيين ؟ الرباب وسعد، فتنة حتى أقبل / قيس بن عاصم المنقري، فقال : أيؤتى قطع حلف الرباب - من قبلنا ؟ وضرب فمه بقوس فهتمه، فسمي / الأهتم فقال / الأهتم : إنما دفعه إلي / عصمة بن أبير ولا أدفعه إلا إلى من دفعه إلي، فليجئ فليأخذه، فأتوا / عصمة فقالوا : يا عصمة، قتل سيدنا / النعمان وفارسنا / مصاد، وثأرنا أسيرك وفي يدك، فما ينبغي لك أن تستحييه فقال : إني ممحل وقد أصبت الغنى في نفسي، ولا تطيب نفسي عن أسيري فاشتراه بنو الحسحاس بمائة بعير - وقال / رؤبة بن العجاج : بل أرضوه بثلاثين من حواشي النعم - فدفعه إليهم، فخشوا أن يهجوهم، فشدوا على لسانه نسعة فقال : إنكم قاتلي ولا بد، فدعوني أذم أصحابي وأنوح على نفسي فقالوا : إنك شاعر ونخاف أن تهجونا فعقد لهم ألا يفعل فأطلقوا لسانه وأمهلوه حتى قال قصيدته ومشت سعد والرباب فيه فقالت الرباب : يا بني سعد، قتل فارسنا ولم يقتل لكم فارس مذكور، فدفعه الأهتم إليهم، فأخذه / عصمة بن أبير التيمي، فانطلق به إلى منزله، فقال / عبد يغوث : يا بني تيم، اقتلوني قتلة كريمة فقال له / عصمة : وما تلك القتلة ؟ قال : اسقوني الخمر، ودعوني أنح على نفسي، فقال له / عصمة : نعم فسقاه الخمر، ثم قطع له عرقاً يقال له : الأكحل، وتركه ينزف، ومضى عنه عصمة، وترك مع ابنين له، فقالا : جمعت أهل اليمن وجئت لتصطلمنا، فكيف رأيت الله صنع بك ؟ فقال / عبد يغوث في ذلك :-
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بـيا =فما لكما في اللوم نفعٌ ولا لـيا
ألم تعلما أن الملامة نفـعـهـا=قليل وما لومي أخي من شماليا
فيا راكباً إما عرضت فبلـغـن=ندامي من نجران أن لا تلاقـيا
أبا كربٍ والأيهمين كلـيهـمـا=وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامةً=صريحهم والآخرين المـوالـيا
ولو شئت نجتني من الخيل نـهـدةٌ=ترى خلفهما الحو الجياد تـوالـيا
ولكنني أحـمـي ذمـار أبـيكـم=وكان الرماح يختطفن المحـامـيا
وتضحك مني شيخة عبـشـمـية=كأن لم ترا قلبي أسـيراً يمـانـيا
وقد علمت عرسي مليكة أنـنـي=أنا الليث معـدواً عـلـيه وعـاديا
أقول وقد شدوا لساني بـنـسـعةٍ=أمعشر تيم أطلقوا لي لـسـانـيا
أمعشر تيم قد ملكتم فأسـجـحـوا=فإن أخاكم لم يكـن مـن بـوائيا
فإن تقتلوني تقتـلـوا بـي سـيداً=وإن تطلقوني تحربوني بمـا لـيا
أحقا عباد الله أن لست سـامـعـاً=نشيد الرعاء المعزبين المـتـالـيا
وقد كنت نحار الجزور ومعمل الــ=مطي وأمضي حيث لا حي ماضيا
وأنحر للشرب الكرام مـطـيتـي=وأصدع بين الـقـينـتـين ردائيا
وعادية سوم الجـراد وزعـتـهـا=بكفي وقد أنحوا إلي الـعـوالـيا
كأني لم أركب جـواداً ولـم أقـل=لخيلي كري نفسي عن رجـالـيا
ولم أسبأ الزق الـروي ولـم أقـل=لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا
وإليكم قصيدة الفارس الملك / عبد يغوث الحارثي الذي جهز جيشاُ من إثنى عشر ألف مقاتل لغزو نجد فخسر المعركة في نجد والمسماة بيوم الكلاب الشهيرة ووقع في الأسر وقال : قبل موته قصيدة يرثي بها نفسه وهي من أجمل درر الشعر الجاهلي ويقول منها :-
أَلاَ لا تَلُومَانِي كَفى اللَّوْمَ ما بِيَـا = وما لَكُما في اللَّوْم خَيْـرٌ ولا لِيَـا
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها قليـلٌ = وما لَوْمِـي أَخِـي مِـن شِمَالِيَـا
فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْـتَ فَبَلِّغَـنْ = نَدامَايَ مِن نَجْـرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَـا
أَبَا كَـرِبٍ والأَْيْهَمَيْـنِ كِلَيْهِمَـا = وقَيْساً بِأَعْلَي حَضْرَمَوْتَ اليمَانِيَـا
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالكُلاَبِ مَلاَمَـةً = صَرِيحَهُـمُ والآخَرِيـنَ المَوَالـيَـا
ولو شِئْتُ نَجَّتْنِي مِن الْخَيْلِ نَهْدَةٌ = تَرَى خَلْفَها الحُـوَّ الْجِيَـادَ تَوَالِيَـا
ولكِنَّنِـي أَحْمِـي ذِمـارَ أَبِيكُـمُ= وكانَ الرِّماحُ يَخْتَطِفْـنَ المُحَامِيَـا
أَقُولُ وقد شَدُّوا لسانِـي بِنِسْعَـةٍ = أَمَعْشَرَ تَيْمٍ أَطْلِقُـوا عـن لِسَانِيَـا
أَمَعْشَرَ تَيْمٍ قَدْ مَلَكْتُهُمْ فأَسْجِحُـوا = فإِنَّ أَخاكمْ لـم يَكُـنْ مِـن بَوَائِيَـا
فإِنْ تَقْتُلُونِي تَقْتُلُـوا بِـيَ سَيِّـداً = وإِنْ تُطْلِقُونِـي تَحْرُبُونِـي بِمَالِيَـا
أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْـتُ سامِعـاً = نَشِيدَ الرُّعَـاءِ المُعْزِبيـنَ المَتَاليَـا
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَـةٌ عبْشَمِيَّـةٌ = كأَنْ لَمْ تَرَى قبْلِـي أَسِيـراً يمَانِيَـا
وقد عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَـةُ أَنَّنِـي = أَنَا اللَّيْـثُ مَعْـدُوًّا علـيَّ وعادِيـا
وقد كُنْتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِـلَ = الْمَطِيِّ وأَمْضِي حَيْثُ لا حَيَّ مَاضِيَا
وأَنْحَرُ لِلشَّرْبِ الكِـرَامِ مَطِيَّتِـي = وأَصْـدَعُ بَيْـن القَيْنَتَيْـنِ رِدَائِيَـا
وكنْتُ إِذا ما الْخَيْلُ شَمَّصَهَا القَنَا = لَبِيقـاً بتَصْرِيـفِ القَنَـاةِ بَنَانِيَـا
وعادِيَةٍ سَوْمَ الجَـرَادِ وَزَعْتُهـا = بِكَفِّي وقـد أَنْحَـوْا إِلـيَّ العَوَالِيَـا
كأَنِّيَ لم أَرْكَبْ جَوَاداً ولـم أَقُـلْ = لِخَيْلِيَ كُرِّي نَفِّسِـي عـن رِجَالِيَـا
ولم أَسْبَاِء الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولم أَقُـلْ = لأَِيْسَارِ صِدْقٍ أَعْظِمُوا ضَوْءَ نَارِيَا
وقال / أبو الحسن الهمداني في دامغته معرضا بها :-
ودَامِغَةٍ كَمِثْـلِ الفِهْـرِ تَهْـوِي = عَلَـى بَيْـضٍ فَتَتْـرُكُـه طَحِيْـنَـا
وخَيْرُ القَـوْلِ أَصْدَقُـهُ كَمَـا إِنْنَ = شَـرَّ القَـوْلِ كِـذْبُ الكَاذِبِيْـنَـا
وفي يَوْمِ الكُلاَبِ فَلَـمْ يُذَمُّـوا= عَلَـى أَنْ لَـمْ يَكُوْنُـوا الظَّافِرِيْنَـا
وقَلَّـدَ تَيْـمَ أَسْرُهُـمُ يَغُوْثًـا= مَخَازِيَ مـا دَرَسْـنَ ولا مُحِيْنَـا
لِشَدِّهِمُ اللِّسَانَ بِثِنْـيِ نِسْـعٍ = فَكَـانُـوا بِالشَّـرِيْـفِ مُمَثِّلِيْـنَـا
وعُكْلٌ يَـوْمَ أَشْبَعَهُـمْ فَتَـرُّوا= بِـرِسْـلِ لِـقَـاحِـهِ مُتَغَبِّقِـيْـنَـا
فَكَافَـوْهُ بِـأَنْ قَتَلُـوا رِعَـاهُ = وشَلُّـوْهُـنَّ شَــلاًّ مُسْرِعِـيْـنَـا
هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .