رد: الشاعر الحكيم / عبدالله بن حمد السناني رحمه الله
كُتب : [ 01 - 07 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
من تأثر به الوالد في شعره : لا يستطيع أحد أن يحدد من هو الذي أثر على الوالد رحمه الله في شعره إلا بإخباره هو؛ لأنه رحمه الله كان نهماً في قراءة الشعر العربي في عهوده المختلفة من جاهلي وإسلامي وأموي وعباسي ومعاصر، فلا شك أن هذه القراءة الواسعة صاغت لدى الوالد رحمه الله أسلوباً يجمع بين الأصالة والمعاصرة في الشعر أهلته لأن يسميه الدكتور / الأسعد ـ كما تقدم ـ ( أمير الشعر المعاصر )، فانظر إليه رحمه الله وهو يحيي أحد الشعراء العراقيين ممن وفد إلى عنيزة فمدحها وهو / محمد جاسم الكفكير، فرد عليه الوالد بقصيدة طويلة من عيون الشعر عارض قصيدته قال في مطلعها :-
حيتك نجد صباها أو ندى ماها
= ورندها وعبير في خزاماهـــــــــا
واستقبلتك مهود الشعر باسمة
= كأن نــور أقاحيهــا ثنايـاهــــــــــا
وجلجلت زغردات من مضاربها
= كأنما عروة قد زف عفراهــــــــــا
وأجهشت بنداها روضــــة أنف
= كأدمع كان ذوب الشعر معناهــــــا
وترجمت فرحة اللقيا لضرتهــا
= فجاوبتها هي الأخرى بفحواهــــــا
وربوة بثت النجوى لجارتهـــــا
= فأصبح الروض من روض يلقاهـا
بأن " مربدها " أوحى لشاعـــره
= أن يلتقي بحما " الفيحاء " عكاظاها
وتلك أسطورة في سحر معجزة
= " الرافدان " أطلا من مراياهــــــــــا
" هزار بغداد " أسعفنا ببوتقـــــة
= من " سحر بابل " إذ تشدو بليلاهــا
كيما نصوغ قوافينا مجنحــــــــة
= وتجتلي الحس والإلهام دنياهــــــا
" عنيزة " وهي في لقياك هانئـــة
= " خنساء " لا تبرح الأشجان ذكراها
ما كان أعقبها لقيا وأقصــــــرها
= كذاك قصر ساع العمر أحلاهـــــــا
أكرومة من يد الدنيا فقد حدسـت
= من قبل مقدمكم أنا شكرناهـــــــــا
حتى قال :-
أبا عصام وللأشعـار نسبتهـــــــا
= وشيجة قد تلاقينا بقرباهـــــــا
إن المعارف في أهل النهى ذمـــم
= نرعى فضيلتنا أمًّا رعيناهـــــا
إنا لنأمــل تجــــديدا لزورتكـــــــم
= إن الكريم إذا ما زار ثناهــــــــا
غادرت باريس نجد والخطا قــــدر
= إلى بلاد روى التأريخ مغناهــــا
فاقرأ سنابك " زيد الخيل " في أجأ
= واقرع على حاتم الطائي سلماها
وسوف تلقى كراماً ثم قـد ورثــوا
= نـــدى وأنديـــة طلقــاً محياهـــــا
قومــاً يــرون لزامـاً حـق ضيفهـم
= سجية وكريم الطبع غذاهــــــــــا
أبلغهم عن بني " الوادي " تحياتهم
= قصيدة تجمع الأحباب نجواهــــا
عنيــزة لــك يا كفكـــير عاشقـــــة
= إن الغــرام الذي أغراك أغراهـــا
قد أوكلتــني أن أشدو مشاعرهــا
= وكل مـن يهب الأقدار يعطــاهـــا
وقد بثثتك عن بغـداد في كلمــــي
= صبابـتي وسألـت الملتـــقــى الله
وهكذا أحكم التأريخ دورتـــــــــه
= فنحن في عالم العشاق صباها
ولقد أبان الوالد رحمه الله إعجابه الشديد بالشاعر " المتنبي " مما يدل على تأثره الشديد والمتناهي به في قصيدة سماها " المتنبي " نذكر منها قوله :-
يا سرير البيان يا صهوة الشعر
= وبوح النضوج في ريعانه
قبل ميلادك الكلام انتحــــــــال
= وسواسية بشد عنانــــــــــه
واقتحمت الميدان تحدوا إماما
= فتجلى الأستاذ في فتيانـــــه
أنت روضـت للمعانـي القـوافي
= والمعــــاني بأســـرها لبيانـه
وسماء الوجدان حلقت فيـــــه
= حين تاه الإبداع في وجدانــه
كتب الدهر فيك أطروحة الفخـــ
= ــر فأنت الأستاذ في مهرجانه
سيدي بيننا الزمان طـــويـــــل
= وصـــداك المُــرنّ في إرنانـه
لم تزل بيننا تعيــش وتعطــــي
= موسمًا والقرون ضمن أوانــه
أنت قلب الإنسان في كل عصر
= ومكان تنــوب عـن خفقانــــــه
كل بيت كأنمـــا شــع تـــــــواً
= كالسلاف المقصور من أغصانه
لكن ظهر ــ كذلك ــ تأثر الوالد رحمه الله بأبي العتاهية شاعر المواعظ والحكم خاصة في قصائده الأخيرة، فقد ذكر الدكتور / طارق الحبيب في مقاله القديم عن الوالد أنه أخبره رحمه الله : إن أعظم بيت أعجبه هو بيت أبي العتاهية :-
وفي كل شيء له آية
= تدل على أنه واحد
ولذا يظهر للقارئ لأول وهلة هذا التأثر في شعر الوالد رحمه الله في قصيدته التي قال فيها :-
وهل خالق الأكوان يحتاج حجة
= على ذاته في أن يراه المعاند
له في كل شيء بالجلالة شاهد
= على أنه حي عظيم وواحــــد
لكم ضل هذا الطين في أمر ربه
= فلم ينفعل بالنور والطين جامد
وفي قصيدة أخرى عنونها بـ " الله " يقول رحمه الله :-
يقول المرء هل للكون رب
= وهل كون يكون بغير رب
وأية صدفة جاءت بخلـــق
= عجيب دون تدبير ولــــبِ
أرهم للظواهر ألهــــــوها
= وأعينهم رأت من غير قلب
وما شرط المهيمن أن نراه
= ولكــن في بصـائرنا نلـبي
وهذا الكون يدعونا إليه
= لتعرفه العقول بغير حجـب
أغراض الشعر عند الوالد رحمه الله : هنا يحسن أن نجيب على ثلاثة أسئلة من أسئلة الإخوة الطلبة عن بعض أغراض الشعر عند الولد رحمه الله : الأول : لماذا كان مقلاً من شعر الغزل ؟ الثاني : هل له قصائد هزلية، الثالث : هل يقول الشعر الشعبي المسمى بالنبطي : فأقول قبل الإجابة : إن الوالد رحمه الله لم يكن يقول الشعر ترفاً أو فناً كما يفعله غيره، وإنما كان الشعر عنده رحمه الله رسالة تعبر رأيه في الأحداث التي يعيشها وتعيشها أمته، ولذا فغالب شعره في قضايا الأمة كتسلط اليهود على فلسطين أو الرافضة على الحرم كما تقدم ذكر بعضه، أو في التأوه لضعف الأمة وقوة أعدائها، ولذا فحال الأمة كثيراً ما يصاحبه في شعره فانظر إليه على سبيل المثال وهو يقول :-
فكم أرهب الأعداء عملاق أمتي
= لذا عاجلوه في صباه لكي يثنى بما عنى
وهم ملكوا كل الأمور فكلمــــــا
= أراد قوام الحـــــال لم يبلغ الشأنـــــــــــا
وقد ركزوا في أرضه من كيادهـم
= عوائق بثت في عزيمـــــــــته الوهنـــــا
عصور ظالم نامهـــــــا ثم بعــدها
= صحا وإذا بالقيد في جيله قنــــــــــــــــــا
وغالب جرح القيد حينـا ولم يــزل
= إلى ألان بعد العتق لم يخلع القطنــــــــا
فيا رب إن كان الهوان جزاءنـــــــا
= فمَنْ بين أهل الأرض لــم يعصِ ومِنَّـــــا
فعاقبهم دون اعتراض بذلهــــــــم
= وقوتنا بالحق كي يقصــــروا عنَّــــــــــــا
فما نحن إلا أشقياء تمـــــــــــردوا
= ولم يبلغوا في جدِّ رشدهم السِّنَّـــــــا
ولا تجعل الأشياع تمخــــر بيننــــا
= يبادل بعض بعضنا البأس والضِغنـــــــــا
أقوام مقام العَوْذ من جاهليـــــــــة
= على مستوى الدولات تطحننا طحنـــــا
بقومية أو مذهب أو سياســــــــــــة
= لها نعرات تقتل العقل والذهنــــــــــــــا
إليك إلهي آهة كم حبســـــــــــــتها
= ولكنها فاضت تناشدك الحسنـــــــــى
فأنت الذي أكرمتنا بمحمــــــــــــــد
= وبالبيت فاشمل منه أصقاعنا آمنـــــاً
فقد نزلت في الأرض منك مشيئـــة
= تزلزل تدبير الجبابر لا تُثنــــــــــــــــــى
نشاغلهم يا رب حتى يســــلمـــــــوا
= إلى ( قيس ) أهل القدس بغيته ( لبنى )
ويقول في قصيدة بعنوان " عرج على أطلال يعرب " :-
عرج على أطلال يعـــرب
= وأذرف على عدنان واندب
لا تــبكـها مـن قـلـة الـدار
= والأهـلـــــون أرحـــــــــــب
إبك السجايا والأنــــــوف
= الشم والحسب المهــــــذب
إبـك الأصـالة بعــــــد أن
= طارت بها عنقاء معـــــرب
وإبك الحياة بسيطــــــــــة
= لكنها ( شرف ) ومطلــــب
يشدو بها الراعي الصغيـر
= على ترنم كل مضــــــــرب
أواه قد صدىء الحديــــد
= وكان كالشلال مذهـــــب
خمدت براكين الإبـــــــــــاء
= وعهدها كانت تلهـــــــب
وترهل المهر الجواد وغاب
= فارسه المجــــــــــــــرب
كغياب موسيقى الصهيــل
= على ارتجاز فتى مدرب
حـتى تطـاول للحـمــــــى
= ذئـب وسـنور وثـعلـــب
وعلى فراش الغافلــــــــين
= تعانقت أفعــى وعقــــرب
طـلع المذنـب والخرافــــة
= في تهافتها تكــــــــــذب
لـكنـها فــيمـا بـــــــــــــدا
= أمست على الحبلين تلعب
لا لن أصدق أو أكـذب
= كــل طالـعـنــــا مـذنــــــب
يا أمتي كـم تقـرئــــــــــين
= وما جدى ما كان يكتــــب
أمسى الكتاب اليعربي
= كسفر عجم لم يعـــرب
لـيت القبـور رفـاتهـــــا
= كالروض يلوي ثم يخصب
لـتعـود دولـة أمـــــــــة
= غربت وما خلقت لتغـــــرب
أواه لو تجدي الشجون
= مقالتي أواه تنحــــــــــــب
مـاذا أقـول بـواقــــــــــع
= الوقت من كفيه يسلــب
عـجبي إلـى متفائــــــل
= ومن التشاؤم صرت أعجب
وكذا كان رحمه الله ينتقد أحداث تقع من بعض الناس ناصحاً ومرشداً كالرجل الذي ذهب للندن ونثر الدراهم في الشارع فلما عوتب قال : أردت منهم أن يركعوا لنا كما أركعونا فقال الوالد رحمه الله :-
لو شدني عجب لأعجبني الذي
= نثر الدراهم في شوارع لندنــــــــا
مـــــا بين قوم لم يروهـا سبـة
= أن ينحنوا كالانحناء على الجنـــــى
لم يحضروا للشرق لو لم يركعوا
= للمال وابتكروا المهــــازل عندنـا
شعب يرون من السذاجة فعلــه
= من ذا الذي يطأ النقود وما انحنــى
ما ضرهم إن زغردوا أو صفقوا
= ودعوا لحاتمه المبجل بالمـــــنــى
أدلى بفلسفة ترود خيالــــــــــه
= وكأنما حسب الرقيّ بما عنـــــى
من أركعونا دورهم أن يركعـــوا
= يا سيدي ليس التشفي من هنـا
أنسيت أنك في ربوع بلادهــــــم
= كنز يوزع في مصارفها الغنـــــــى
تسعى برجلك سائحاً متعشقـــــاً
= فتبادل العَرَض الرخيص بأثمنــــا
هم ينتجون وأنت سوق نتاجهـم
= هم يعرضون وأنت تشري مذعنا
مهما امتعضت ففي فؤادك عقـدة
= جعلتك تحقر لو زعمت الموطنا
يا حاتماً لو كـان ما ألقيتـــــــــــه
= في مصنع أو صرح علم يبتنـى
وأخذت من عدوى القبيح حصانة
= ونقلت عنهم في الحياة الأحسنا
عظمت بلادك في عيون دهائهـــم
= فرأوك أقرب ما تكون تمدنــــــــــا
ميزان عقلك ما تقوم ببذلـــــــــــه
= فاقصد تكون ذاك المهيب الأرزنا
ما كان أرسلك الإله إليهـــــــــــــم
= من دون قوم كي تكون المحسنا
إياك في سفهائهم أن تقتــــــــــدي
= فلجدهم كانوا بزعمك أفطنـــــــا
فخناهم حرية وحضـــــــــــــــــارة
= لكنها بالأجنبي من الخنــــــــــــا
لو أنت تحمل بينهم جنسيـــــــــــة
= صحبوك رغم الانتماء ملونــــــــــا
لا تحسبن أدب المصالح فيهــــــــم
= من أجل شخصك بل لدغدغة الغنى
|