(( 26 ))
المهم لن أتحدث عن الإخوان المسلمين فالحديث عنهم يطول ، ولهم من الحسنات الكثيرة ولكن لهم إخفاقات كبيرة كانت أن تودي بمجتمعات إلى الفوضوية والحروب بالخروج على الحكام وإشاعة الفتنة والبلبلة بحجة إقامة دولة الإسلام التي هم بحاجة ماسة إلى فقه أكبر نحو تخيلها ، وقد جربوا العنف والتطرف وكل ذلك في مصر ووجدوا أنهم قد أصابوا الخطأ بعينه ومن ثم علموا أن الحل الوحيد هو الحوار وطلب العلم وإتباع الطرق السياسية والدبلوماسية لأن سياسة المواجهة أثبتت فشلها كما أثبتت فشلها في الجزائر وغيرها وستثبت فشلها الذريع في المملكة العربية السعودية بعون الله ، فمثل هذه الإثارة لا تعود على أي أحد بخير بل هي في مصلحة العدو والعدو فقط ...
الشيخ عبدالله عزام علامة وطالب علم ينهج نهج السلف في إتباع الدليل والاجتهاد في الفتوى ، وهو كما قلت ممن نهل الفقه وتعلمه ودرسه في المملكة العربية السعودية لفترة وجيزة وقبل ذلك في الأردن وبعد ذلك كله مدرس في باكستان ومن ثم التحق بصفوف المجاهدين في أفغانستان كي يفوز بذروة سنام الإسلام ، وقد كان الشيخ قد تلقى تعليمه على أيدي العلماء السلفيون في واتبع نهج السلف في التهدئة والدعوة إلى الله بعد التفقه في الدين ، وقد كان همه الأول في سلوكه للجهاد هي دعوة الأفغان إلى لله ونبذ الشركيات التي كانوا يعيشونها بشكل ملفت للنظر ، فالبناء على القبور كثير والتبرك بالصالحين كثير وبناء القبب على القبور كثير أما التمائم والسحرة والكهنة فحدث ولا حرج ، وأما انتشار الحشيش والدخان والمخدرات فلا تعد مما لا يحصى ولا يعد ، وكان هم الشيخ عبدالله عزام رحمه الله هو توحيد خلاف الأحزاب التي كانت محل نزاع وفرقة وتناحر ، وقد بذل الشيخ في هذا المجال مالا يستطاع حصره رحمه الله ، فهو يعلم أن نهاية الجهاد في خطر عظيم إذا لم تتوحد هذه الأحزاب على كلمة واحدة وفي جيش واحد وتحت كلمة أمير واحد ، وكأنه رحمه الله يعلم ما سيؤول إليه الأمر بعد سقوط كابل ، وهذا دليل علمه وفهمه وفقهه رحمه الله تعالى ...
ولا تستغربون إن قلت لكم أن تم من إخوان في أفغانستان كفروا الشيخ عبدالله عزام رحمه الله تعالى بل وهددوه بالقتل وبعضهم من تنظيم القاعدة من طلاب أسامة ابن لادن ، يوم أن وقف ضدهم في سياسة تكفير الحكام والعلماء المسلمين بسبب رأيهم ووجهة نظرهم حول الجهاد الأفغاني في كثير من النفاش ، بل وحذر الشيخ من أشخاص بالإشارة إليهم أنهم على خطر عظيم ، وكان الشيخ عبدالله رحمه الله لا يكفر الحكام ولكن كان يعاتبهم في التواني عن دعم الجهاد وليس كلهم ، وكان يختلف مع بعض العلماء فقط في هل كون الجهاد في أفغانستان فرض عين أم فرض كفاية ليس إلا ، وقد أثنى الشيخ كثيراً على المملكة السعودية ووصفها بأوصاف طيبة ومباركة لدعمها الكبير للقضية الأفغانية بالعدة والعتاد وكان يرى هذا الدعم ليس إلا من الإخوة في الدين ومن أجل نصرة المستضعفين ومن جراء نهج المملكة في الدفاع عن قضايا المسلمين ، فالشيخ عبدالله عزام من أبناء المملكة ممن عاشوا فيها وعلم ما فيها عن قرب ...
وعلى النقيض تماماً من أن أسامة ابن لادن الذي كان يبصر دعم المملكة للقضية الأفغانية لم يكن إلا من أجل أمريكا وهو الأمر الذي بات جلياً لابن لادن نفسه أنه خطأ يوم أن استمر الدعم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، فكانت السعودية أول من جمعت القادة الأفغان للصلح في مكة المكرمة من أجل وضع السلاح وإخماد نار الفتنة بينهم بعد تحرير كابل ، بالإضافة إلى أنها أول دولة من ثلاث دول اعترفت بحكومة طالبان بعد الإمارات وباكستان رغم الخلاف العميق بين المملكة وابن لادن الذي كان في ضيافة طالبان نفسها ؟؟ وبالرغم من الضغوط الأمريكية على الدول لعدم الاعتراف بدولة طالبان كدولة إسلامية ...
وكان الشيخ عبدالله عزام رحمه الله لا تجد عليه الاندفاع والتسرع في الحكم الذي تجده في أغلب الإخوان المسلمين أو لنقل ممن اشتهروا أنهم إخوان مسلمين ، كما أنه لا يفكر كما يفكر الإخوان المسلمين وهو إطاحة الحكام بالقوة وإقامة الثورات الشعبية ، بل كان يجد الحوار والنصيحة حلاً أمثل ، ويركز على إصلاح الرعية كي يصلح الراعي ، كان يرى الجهاد مفتاحاً للنصر بعد تربية الأجيال على العلم الشرعي الحقيقي الذي يجهزهم بجاهزية حقيقية لجهاد لا لبس فيه ، جهاد يبدأ من بوابة التوحيد والعقيدة الصحيحة التي يجاهد رجالها وهم على كلمة سواء دون بدع أو منكرات أو شطحات في المعتقد ...
وكان الشيخ عبدالله عزام رحمه الله في خلاف كبير مع تنظيم القاعدة ومات رحمه الله وهو مخالف لهذا التنظيم وخططه التي تتجاوز حد المعقول إلى ألا معقول ، فقد كان هم الشيخ عزام دولة فلسطين التي هي الهدف الأول بعد إقامة دولة أفغانستان وقد صرح في أكثر من موقف أنه أخذ على القادة الأفغان العهد على ذلك ، وكان ابن لادن في معزل بتنظيمه في أفغانستان فرؤيته غير ذلك ، فأنظاره تتجه إلى الجزيرة العربية من جهة وأمريكا من جهة أخرى ، ويرى أن فلسطين لا حل لها من غير إسقاط من يكفرهم ويسميهم بطواغيت العرب وهم حكام المسلمين الذين ارتدوا عن الإسلام بناءً على حكمه ، وهل ابن لادن عنده من العلم ما يكفيه كي يفتي هذه الفتاوى في حق الأمة أجمع ؟؟؟؟ ...
الشيخ عبدالله عزام أصدق من يرى أن كلاً يؤخذ منه ويرد ، فتجده يكرر بعض كلمات صاحب ظلال القرآن قطب ويثني على الحسن البنا ، غير أنه لا يؤيد حركة الإخوان بفكرها القائم في حينها ، وكان دوماً يضرب بالمقاومة الفلسطينية أجمل الأمثلة في الجهاد والصبر والتفاني وأحلامه كانت قبلتها إلى بيت المقدس رحمه الله ، وكان دائماً ما يربط مجتمع جهاد الصحابة رضي الله عنهم مع الجهاد في أفغانستان كي تتضح الصورة ويتم الإقتداء بهم لا بقادة متفرقين ...
الشيخ عبدالله عزام باختصار سلفي المنهج يأخذ من الإخوان حبهم للجهاد وشجاعتهم في خوضه ولكن يرفض طرقهم وأساليبهم ، وكان في آخر عمره قد اعتزل الخوض مع ابن لادن وأتباعه والذين أغلبهم ممن ينهجون نهج الإخوان ممن يكفرون ويحكمون بظاهر الأدلة ولهم أفكار غريبة في التعامل مع الأحداث طالت حتى بعض شباب الجهاد وقادته الذين رفضوا الالتحاق بتنظيم القاعدة من العرب ، وبعد سقوط كابل أغلب رجال ابن لادن كفروا يونس خالص وجلال الدين حقاني وسياف وبعض قادة الجهاد السابقين لأنهم اعتزلوا الفتنة وكأن الأمر تصفية حسابات ، فدولة بدون ابن لادن لا تقوم ؟؟؟ ..
كان الشيخ عبدالله عزام لا يعزف على نفس الأوتار التي تعزف بها أوتار أحلام ابن لادن وأفكاره الذي أبصرنا جميعاً كيف كانت نتيجتها والتي دفع ثمنها مئات العرب
رحم الله الشيخ عبدالله عزام فقد قالها : إما أن أستشهد في أفغانستان أو أخرج مكبلاً من باكستان أو أقتل في بيشاور ، وقد قتل في بيشاور رحمه الله مع ابنه في عملية اغتيال وهو متوجه إلى صلاة الجمعة ...
الشيخ عبدالله عزام باختصار شديد كان خلافه مع ابن لادن خلاف فقه ومعتقد ومنهج ، فقد كان ابن لادن يريد أن يبني في أفغانستان بتنظيمه تنظيم القاعدة دولته داخل دولة وحكمه داخل حكم ، وهذا ما رفضه الشيخ عبدالله رحمه الله واعتبره تجاوزات للعهود والمواثيق التي أوجبها الله على المسلم من سلوك درب الجماعة وعدم الشذوذ عن كلمة القادة مجتمعة ، وأن أسامة ابن لادن لا بد أن يكون واضحاً وخطاه واضحة وليست سرية بعيدة عن أنظار وأسماع الجميع وكأنه يعد لأمر ما يريد من خلاله أن يصبح فرداً دون الآخرين ، قتل الشيخ عبدالله عزام وغضب بعض محبيه إلى درجة أن اتهموا رجال أسامة في دم الشيخ ، وحينما سأل مراسل الجزيرة أسامة ابن لادن في مقابلة معه وهو تيسير علوني أن تم من خلاف بينه وبن الشيخ عبدالله عزام ، نفى ابن لادن أن له يد في اغتيال الشيخ ولكن لم ينفي الخلاف بينه وبين الشيخ عبد الله عزام ، ذلك الخلاف العميق بين فكر أسامة الذي يرى الجهاد بنظرته الخاصة ، وبين فكر الشيخ عبدالله عزام الذي يبصر أن الجهاد دون التوحيد ولملمة الشمل ستكون نهايته مؤلمة وغير مبشرة .
رحل عزام إلى جنب ربه وكنا وما نزال نبصر أقواله رحمه الله وما كان يخاف منه قد حصل على أرض الواقع ، وكأن استشهاده رحمة به كي لا يشهد هذه الفظائع التي حلت بالأمة ، فرحمك الله يا عزام فلكم كنت فهم فقيه ذو نظرة ثاقبة بحكمة العالم الجليل ...
بالأمس كان لنا لقاء صادق ... فيه أفاض الفارس المقدام
أتى بالدعاة أتى لنا حل الحمى .... رجل المروءة والنهى عزام
غدرته من شر العباد عصابة .... ملعونة من طبعها الإجرام
نال الشهادة وهي كل مراده ، فتحققت في نيلها الأحلام
........ تحياتي ،،،،،،،،،، وللحديث بقية نبض من قلب ...