بسم الله الرحمن الحريم
وبعد ..
أسلوب قديم ... ما صار يصلح في ظل هذه الصحوة الإسلامية الواعية لدى شباب الأمة لا سيما في بلدنا مصر ، كان يخرج علينا رجل له لحية ضخمة ويرتدي القميص الأبيض القصير وخمار الرأس وقد ركب أحد حاجبيه على الآخر في صورة منفرة تلفظها الطبيعة البشرية ، فيخرج فإذا تسبيحه التكفير واستغفاره اللعن وفقهه فجّر واقتل واستبح الجنس ... إلخ
كان هذا أسلوبا ً قديما ً يحاربون به شعائر الإسلام ، وكان ذلك الأسلوب مناسبا ً للحالة الثقافية التى كان يعيشها شباب الصحوة فى فترة التسعينات وما قبلها إلى ما قبل سنتين من كتابة هذه الكلمات .
لكن يبدو أن الألفية الثالثة جاءت بالجديد فى كل شيء ... واضطر أعداء الله وأعداء أوليائه أن يسايروا التيار التجديدي والتطوري في تلك الآلفية المليئة بالمفاجآت ، والتى تفاجأ فيها هذا الصف الموسم نفسه بالمثقفين بتلك الصحوة الدينية التي هزت أركانهم وأصابتهم بالذهول و جلبت البغضاء من صدورهم إلى أفواههم ...فردت عليهم : موتوا بغيظكم .
حقا ً ، إن الحرب لا تكف ولا تخمد ، لكنها تغير آلية سيرها وتكتيكات تخطيطها ، انتهى عصر السذج من الناس الذين يصدقون أن الحجاب أو النقاب تشدد ، وانتهى عصر المساكين الذين يقنعهم الإعلام بجواز أن يمس الأجنبي أمرأة لا تحل له ، وأن الأمر ( كله بالنية والقلب ) ولا ادري أي قلب هذا الذى هو أطهر من قلب النبي الذى تجزم أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنه ما مس أمرأة لا تحل له قط ....
يسلك المسعرون بنارهم المسعرة بهم نار جهنم إن ماتوا على ماهم عليه طريقا ً جديد فى فت عضد صحوتنا ؛ نلحظ فى تلك المسلسلات ( الدينية ) إرتقاءا ً فى المعلوماتية الفقهية فى لغة السيناريو بصفة عامة وفى المسلسلات الحاكية عن تاريخ بعض الفقهاء ( المتنورين ) بصفة خاصة ،فبعد أن كانوا لا يتكلمون إلا عن ( نقاب ) و( لحية ) و ( تفجير ) و ( تعدد زوجات ) سمعناهم يتطرقون إلى التصوير ، وتجديد الخطاب الدينى ، ويشرحون أحيانا ً بعض القواعد الفقهية والأصولية ، بل قد يشرحون نظرية تسلسل الأسانيد ... إلخ ، ونحن لا نحسن الظن بهؤلاء ، فهم ليسوا محل إحسان ظن بفجرهم وعهرهم وطعوناتهم ، وإنما نقول : هى ثقافة عامة فرضتها القوة العاتية للتيار الصحوى المصحوب بنوع انتباهة علمية عمت حتى الأوساط غير المنحصرة فى نطاقات طلاب العلم المختصين على اختلاف مناهجهم واتجاهاتهم ، ففرضت تلك الصحوة بانتباهتها أن يقابلها نوع مقاومة تحاول عبثا ً أن تساويها فى المقدار ، وهنا ، هنا فقط ، تتبدل الأدوار ، ففريق ( المثقفين ) ــ زعموا ــ والذين كانوا يوما جيلا من الشباب لا يألون جهدا في محاربة الإسلام والشعائر ، وجدوا أنفسهم الآن فى مواجهة تيار جديد بثقافة جديدة لاسبق لهم بها ، وبعد أن كانوا ( يأكلون ) عقول الشباب السذج المنشغلين بالمباريات والهيبز ورجل الفيل وبعض ( الفانكي ) إذا بهم الآن يجدون أنفسهم أمام شباب يرى حضارته المتمثلة بدينه ( الإسلام ) لادين سواه ، إذا بهم أمام شباب يسخر من دعوة التقارب بين الأديان ، بل ولا يرى إلا البراء من غير دين الإسلام ... وهنا ، هنا فقط ، يجد هؤلاء الصف أنفسهم كنوع ( مخطط ) من الكائن المألوف ، وقد كبر سنه وخرف ، وصاروا يعرجون يحاولون اللحاق بصف رافعي الراية من بعدهم فإذا أول من يسخر منهم هم المحاربون الجدد من أحفادهم ، وكأنهم يقولون لهم : لا تكسفونا ، لتقعدوا فى الصالون تشربوا الشاي وتشاهدوا الشاشات حتى توافيكم المنية ، وما هى عنكم ببعيدة فلن تنتظروا طويلا ً .
آخر هؤلاء من جيل الصف المسكين هذا المأفون وزير الحصافة ... يخرج ليقول : الحجاب كذا وكذا ، ثم يحاول أن يصحح فيعتبره من القشور فى لقاء مع المحاور محمود سعد ...بلا شك أن هذا الشخص بفعلته وقالته يعيش بعقلية قديمة جدا ً ، ولا يدري مدى التحول العقلي الثقافي التنويري فى عقول الشباب فى السنوات الأخيرة ، وإذا به يتعجب من تلك الهجمة التى هوجم بها ، وأنه ما كان يتوقع ذلك وأنه ظلم ... إلخ
طبعا ً هو صادق فى أنه ماكان يتوقع ما وقع ؛ فأنى أن يتوقع تلك الردة لفعل الشارع المصري وقد كان يقول مثل ذلك منذ عقود وما كان أحد يعترض إلا المتخلفون فى بعض المساجد وهم إرهابيون مصيرهم معروف ، وفى تلك الحقبة كان مسكنهم معهودا ً ... ولكنه ــ المثقف المتنور ــ لم يعرف ولم يواكب مجتمعه فى ثقافته ، فصوب بمعهود قديم ، فإذا قذيفته ( بغبائها ) تخرج عنه مرتدة فيه ، ويظل يتعجب ، ويأمل فى أن يقنع الرأي العام للشارع المصري أنه ما قصد طعنا ً وإنما قصد كذا وكذا ، و لا أفهم أي ذكاء فطري هذا الذي لا يرشده إلى تغير الثقافة المعاصرة لدى الشباب المصري ، طبعا ً هو لا يفتقر إلى عقل يرشد ، فهو الوزير ...
أمثال هذا الصف من ( المسنين ) المساكين انتهى بهم الحال إلى ما نرى منهم ، مسنين متصابين ، متمسلمين ، والله حالهم يرثى له ...
إن مكمن الخطر حقا ً هو فى ذلك الجيل الذي تفهّم الثقافة الصحوية نوعا ً ما ، وبدأ فى ( التنظيم ) و ( الإدارة ) لعمل ( إعادة برمجة ) للعقلية الشبابية الواعية ، لا بأس ، الرقص حرام .. وماله ؟ حرام ، وأيضا الخمر ً حرام .. وماله ؟ ويقال علنا على شاشات المسلسلات ، نعم لا تدخل بيتا ً أنت فقط فيه وفتاة أجنبية عنك لانه خلوة وحرام .. وماله ؟ حرام .... ولكن ... هل تذكرون فكرة ( غسيل الأموال ) التى كان يقوم بها المافيا حين يعملون عملا ً مشروعا ً يدر عليهم عائدا ً ظاهرا ً محدودا فيضعون عليه كافة الأموال غير المشروعة لتكتسب صفة الشرعية من ذلك المشروع ؟ إن نفس السياسة يقوم بها المناوؤون الآن ، ولكنه فى تلك الصورة ( غسيل أفكار ) ... كيف ؟ يمدونك ويهدونك اعترافهم بأمور ما كانوا يعترفون بها من قبل ... فتحسن الظن ، فتفتح القلب والعقل فيفسدوا ... هذه هى العملية والتكتيك الجديد باختصار شديد .
يأتون بشخصية مرموقة لها اسمها في التاريخ ، ليقوم بتأدية الدور فيها ممثل تائب ( نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً ) فيقوم بدور الشخصية التاريخية ، ويقف أولا ً كثيراً فى وجه التساهلات والفساد والانحلال ...ثم ماذا ؟
تقول له زوجة شخص متشدد لأنه ( يحرم الغناء ) : " ياشيخ محمد كان يعطيني كتب صفراء مش فاهمه منها حاجة " ، فيقوم الشيخ محمد يقطب بين حاجبيه ويغضب ، ويقول : لا تفتحي هذه الكتب مطلقا ً ويعطيها كتابا ً آخر لتقرأه ، فتأتي له بعد أيام تقول : " خلاص ياشيخ محمد قرأت الكتاب .. أنا كده فهمت الإسلام حلو " ... وهكذا يريد المخرج أن يكون الدور ! ولا ننسى التنبيه على كل ساذج ان يتأثر بالسيناريو ويصدق ما فيه ، فهو مقنع جدا ً وغير واضح أنه تلفيق سخيف لا ينم عن عدم احتراف ولا أي شيء .
حقيقة كنت في طفولتي أظن أن عوام ومساكين الشعب فقط هم السذج الذين لا يمكنهم ( التمثيل ) لكن ... عرفت وعرف الجميع أن حتى (قواد الفكر ــ زعموا ــ ) يحتاجون إلى دراسة بعض مهارات الإتصال
وبعض الجوانب في الإدارة حتى يمكن بعدها أن يصدقهم بعض البسطاء من العوام غير المتعلمين .. ولا تنس .. إن ضبط كاميرا التصوير من زاوية معينة مع تأثير الإضاءة له أثر كبير في النفس .
الأمر والرسالة باختصار أن هذه ( الكتب الصفراء ) لها تأثير سيئ على أخلاق المشايخ ، فتجعلهم متشددين ، أما الإمام محمد عبده فكان يحذر منها وينبذها ... وأرجو أن يأتى واحد من المضللين بسيرة للإمام محمد عبده نبذ فيها الكتب الصفراء ... كتب الفقه والأصول وعلوم اللغة وتفسير القرآن ...
إن الرسالة أخي المسلم الحاذق هو أن يحدث ( ربط ) في ذهنك بين قضية ( التنوير ) و ( الكتب الصفراء ) فتكون العلاقة عكسية ، فكلما ( تنورت ) ( نبذت الكتب الصفراء )
الكتب الصفراء تلك التى ( وباختصار ) تحوى كامل تراثنا من فقه على المدارس الأربعة ، ومن علوم آلة ، ومن علوم لغة وتفسير ...إلخ
أعرفت ما معنى أن تنبذ الكتب الصفراء ، أن تنبذ علوم دينك بالكامل ، فإن العهد حديث نسبيا ً بالورق الأبيض ، فإن نبذت الكتب الصفراء فأنت تنبذ العلوم بأسرها ، تلك هي الرسالة ، وذلك هو المضمون .
فالحذر الحذر أخي اللبيب من دساسي السم ، فما أحلى حلوهم ، وما أسرى سمهم . الحق بيِّن واضح ، والضلال مثله ، وما علمنا الدين يؤخذ عن محترفي عهر وفجور ، ومن على موائد الجنس يحور ، فصنعتهم معهودة محفوظة ، ولا تخفى إلا على من نشأ فى البادية فحاله حال من يعذر بجهله .
والله الهادي إلى سواء السبيل
كتبه
محمد رشيد
www.sharee3a.net
غير متصل
