(( 16 ))
عبد الكريم اليازجي وقصتي معه
لم يزل ذلك الإنسان المجهول كباقي البشر ، يروح ويغدو في علم الله ، لا يعرفه إلا من هو حوله من أهله وأصحابه وخاصته ، ولا يفهمه إلا من هم على شاكلته ومن يقومون بمخالطته ، حتى طالعتنا وسائل الإعلام بشتى أنواعها بصورة ذلك الرجل المليء ، الكث اللحية ، يبدو على وجهه أثر التشنج والشدة والغضب متجهماً كأنه يرمي إلى أمر ماء عبرت عنه ملامحه مستقبلاً . .
إنه مطلوب لدى السلطات السعودية حيث أنه يشكل خطراً على أمن البلاد ، وعلى كل من يعرفه أن يدلي بمعلوماته لدى أقرب جهة أمنية أو على الأرقام التي على الشاشة ، نعم هكذا تقلبت صورته عبر التلفاز والصحف والإعلانات التي انتشرت في كل جدار وعلى كل عامود كي تخبر عن أن هناك من يريد زعزعة الأمن والاستقرار ، وقد يكون الهدف قريب منك وفجأة وعلى غير ميعاد يأتي صوت انفجار كي يودي بحياتك أو بحيات حبيب أو صديق أو قريب لك أو من حولك ، وكل هذا لماذا ولأي شيء وما الدافع هذا ما لم نستسيغ فهمه على ألسنتهم ولكنه واضح جلي على لسان الشارع الكريم الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من أمور الدين إلا أوضحها لنا ....
نعم إنه المطلوب : عبدالكريم اليازجي ، شاب جاوز الثلاثين سنة من عمره ، تخرج من الكفاءة ولم يكمل بعدها دراسته ، فليس لديه سوى شهادة المرحلة المتوسطة فقط ، شخص ليس بطالب علم أبداً ، ولم يعرف له أي مشايخ طلب العلم على أيديهم ، بل كان شيخه الحماس الغير متزن وواعظه العاطفة التي ليست في محلها ، يغلب عليه كثرة الغضب وكثرة الكلام والشدة في المعاملة والتعصب للرأي والتشدد في الدين نسأل الله أن يغفر له وأن يتجاوز عنه فقد أفضى إلى ما قدم وأمره إلى الله إن شاء رحمه وإن شاء عذبه ونسأل الله السلامة ...
عمل في الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك والتي يشرف عليها سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز بنفسه ، وهذه الهيئة حائزة على جائزة الملك فيصل للأعمال الإنسانية .... ...
عمل في البوسنة والهرسك قرابة الثلاث إلى أربع سنوات في مكاتب الهيئة هناك ، ومن ثم انتهى عمله هناك بعد تقليص دور المكتب لانتهاء أكثر أعماله بعد أن انتهت مأساة البوسنة والهرسك ولم يتبقى من الأعمال ما يستحمل وجود فريق عمل كبير ، فأبقوا على بعض الموظفين وسرحوا البعض الآخر وكان ممن سرحوا هو عبدالكريم اليازجي ...
رجع إلى المملكة العربية السعودية ، وجلس فترة دون عمل ومن ثم عمل بعدها في مؤسسة الحرمين الخيرية بالرياض ، وبعد فترة من عمله تم ترشيحه منذ أعوام من قبل المؤسسة نفسها كي يمثلها في العمل ضمن اتحاد المؤسسات الخيرية في الشيشان تحت شعار اللجنة السعودية المشتركة لإغاثة كوسوفا والشيشان ومقرها الرياض والتي يشرف عليها معالي الدكتور عبدالرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي، وكانت روسيا في تلك الأيام متشددة من دخول هذه اللجنة السعودية إلى أراضيها للعمل فيها لغوث اللاجئين الشيشان لكون العرب قد اشتهر عنهم دعم القضية الشيشانية وتسلل المقاتلين منهم إلى أراضي الشيشان ...
ولكن استطاعة اللجنة الدخول بعد زيارة وفد سعودي خاص ضم بعض المسؤولين في الدولة وبعض أرباب العمل الإنساني السعودي وتم طمأنت الجهات الروسية في موسكو ذات الاختصاص ، أن عمل هذه اللجنة سيكون إغاثياً بحتاً دون التطرق للدعوة أو نشر أي مفاهيم معادية أو التدخل في شؤون البلاد ، وتم فعلاً بعدها الاتفاق بين هذه اللجنة ووزارة الطوارئ الروسية بحضور ممثلين من البلدين والسفير السعودي بموسكو حسن عبدالولي وممثلين من وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الطوارئ الروسية ، وعقدت اتفاقية رسمية في هذا الجانب لمدة ثلاث سنوات متتالية ، على أن يكون عمل هذه اللجنة إغاثي فقط وبالتعاون مع الحكومة الروسية وأن لا يتعدى العمل منطقة تواجد اللاجئين الشيشان في جمهورية أنقوشيا المجاورة للشيشان ...
عبدالكريم اليازجي كان ضمن الفريق المكون من هذه اللجنة التي شكلت من عدة جمعيات خيرية اجتمعت تحت شعار واحد ، فكل جمعية رشحت شخص واحد حيث لم تسمح وزارة العدل الروسية لهذه اللجنة إلا بخمس فيز عمل فقط للسعوديين ، وكان عبدالكريم اليازجي واحداً من هؤلاء الخمسة ورشح من قبل مؤسسة الحرمين الخيرية بالرياض ...
شد عبدالكريم اليازجي الرحال إلى روسيا مع فريق العمل كأمين مستودعات أقيمت في جمهورية أنقوشيا والذي يدعم اللاجئ الشيشاني في هذه الجمهورية والتي يقطنها أكثر من ثمانين ألف لاجئ ...
كان الخلاف منذ البداية على أشده بين عبدالكريم اليازجي وبين أعضاء الفريق بأكمله منذ أن دخلوا المطار فقد أبى إلا أن يلفت الأنظار بلحيته الكثة وبنطاله القصير ولباسه المشبوه الأفغاني في دولة تتتبع المقاتلين وتطارد المتسللين والمشبوهين ، وحذره الإخوان الذين معه من مطار الرياض أنه قد يسبب المتاعب للفريق وللعمل بأكمله من جراء شكله الملفت ، فالرحلة إلى روسيا وليست إلى بلد آخر متساهل ، فرفض كعادته فهو لا يؤمن إلا برأيه غفر الله له ، وطلب منه فريق العمل المرافق معه أن يخفف من لحيته حيث كانت كثيفة وملفتة ، وذلك بفتوى من العلماء لدفع الضرر عن هذا العمل السامي النبيل لغوث الإخوة في الشيشان والذي توفر ترخيصه بعد عناء وجهاد مع الجهات الرسمية ، ولكن للأسف عبدالكريم رفض ذلك ، والمعروف أن الروس إذا أبصروا الملتحي نكلوا به حتى يتأكدون أنه ليس بمطلوب أو مشبوه فكيف به وهو عربي أيضاً ، لا شك أن الشبهة أكبر ...
وصل الجميع إلى مطار موسكو وحصل لهم بعض المضايقات في المطار من جراء منظر وأسلوب الأخ عبدالكريم وشكله الملفت وكان البعض يناديه في المطار بـ ( خطاب ) المجاهد العربي في الشيشان رحمه الله ، عندها غضب عليه جميع فريق العمل وهو غير آبه بهم وبما جرى من تأخير وتنكيل سببه لهم بعد عناء سفر وكانت هذه البداية في العاصمة فكيف بمناطق العمل التي هي معلنة أرض حرب ومناطق قتال كأنغوشيا وأوسيتيا ؟؟؟
المهم بعد راحة لعدة أيام في موسكو توجه فريق العمل إلى جمهورية أنغوشيا المجاورة للشيشان وعبدالكريم معهم ووصل الجميع إلى هناك ، وما زال الأخ عبدالكريم يخالف توجيهات فريق العمل والمسؤول عليه ، فقد بدأ يثير بلبلة ويلفت النظر حتى قال لي البعض أن الناس ينادون عليه حتى في الأسواق بـ ( خطاب ) وبالطبع مسكوا في مطار ستسيتا بجمهورية أنقوشيا وتم التحقق من الهويات في مكتب الأمن ومكثوا طويلاً حتى سمح لهم بالمغادرة ..
كان عبدالكريم كثير الحركة والذهاب والإياب دون علم فريق العمل ، ويفعل أموراً ليست من اختصاصه قد تسيء إلى سمعة العمل وتهدد بقائه كالاجتماع ببعض الشباب المخالفين لأهل الدين في الجمهورية من المفتيات والمشيخة الإسلامية والتي تعد سلطة ثانية في الجمهورية وهم حساسون من قضية الوهابية التي أبصروها في عبدالكريم كما يقولون ...وأن فعاله غريبة وطريقته في الإنكار سيئة لا تنم عن شخص متعلم فاهم لوضع الناس في هذه البلاد ...
بالطبع المخابرات الروسية لم يقر لها قرار منذ دخول عبدالكريم أراضيها خاصة وأنه يمثل مؤسسة عليها شبه كثيرة في كون أنها أدخلت الملايين من الدولارات للمجاهدين الشيشان وهي مؤسسة الحرمين الخيرية التي منع عقيل العقيل في وقتها من منحه تأشيرة دخول إلى الأراضي الروسية ، والتي استشهد فيها مدير مكتبها في بنغلاديش وكوسوفا الشيخ صالح الدهيشي والذي أدار مكتب مؤسسة الحرمين في بنغلاديش وكوسوفا أكثر من ثلاث سنوات متتالية ...
بالطبع كان فريق العمل متضجراً من أفعال عبدالكريم حيث اجتهاداته الفردية وأعماله التي هي خارج طور روح عمل الفريق الواحد ...
وفجأة وعلى غير ميعاد وبعد قرابة شهران ونصف ، كان عبدالكريم وفريق العمل في فندق مدينة انغوشيا حيث سكنهم ، لأن الفنادق آمنة حيث عليها حراسات ويسكنها أغلب العاملين في المنظمات الغربية والذين كانوا كثيراً ما يلفت نظرهم شكل عبدالكريم وربما خافوا منه ورفعت فيه التقارير بطلب إبعاده ...
يتبع القصة (( 17 ))