تجذب مسرحية جادة مئات الناس يوميا في القاهرة رغم انها بعيدة تماما عن المسرح الخاص التجاري ولا تشترك فيها الاسماء المعروفة اللامعة الذين يطلق عليهم نجوم الشباك.
ويبدو ان الوجود الاميركي في المنطقة العربية واحتلاله للعراق وممارساته الدموية اليومية في الفلوجة وغيرها والمبادرة التي يطرحها تحت اسم الشرق الاوسط الكبير، اعطت اثارا ايجابية على الناحية الاخرى، فشحنة القلق والغضب عند الناس جعلتهم يبتعدون عن الابتذال السائد حاليا في كليبات القنوات الفضائية الفاضحة ومسرحيات الكباريه.
المسرحية التي نحن بصددها هي مسرحية سياسية جريئة للغاية تتخيل ان الاحتلال الاميركي وصل الى ميدان التحرير في قلب القاهرة، والسماح بعرضها على مسرح الدولة (مسرح الهناجر التابع لوزارة الثقافة) يعطي للحكومة عشرات النقاط لصالحها في تهيئة المناخ للرأي الآخر.
وتقوم فكرة المسرحية واسمها (اللعب في الدماغ) على تخيل كيف سيكون الشرق الاوسط الكبير والعالم العربي في ظل سيطرة القوة الوحيدة اميركا التي اصبحت تقوم بمهمة الاحتلال باسمها صراحة وليس بوكيل عنها كما كانت تفعل اسرائيل طوال العقود الماضية.
ويدور السيناريو حول مبادرات الديمقراطية الخارجية وانماط الاصلاح السياسي في العالم العربي.
لا خطوط حمراء
وقد قفزت المسرحية على كل الخطوط الحمراء، طرح جرئ جدا، سيناريو محبوك بحرفية عالية، جمل حوارية تشكل كلها منها مقالات ملتهبة، حرفية متمكنة من ادوات المسرح.
تقدم المسرحية فرقة الممثل خالد الصاوي وهي واحدة من فرق المسرح المستقل، وقر اسسها عام 1989 وخالد هو ايضا مؤلف ومخرج المسرحية.
المسرحية تبدأ من اطار قناة تليفزيونية اطلق عليها بسخرية اسم (كناة الديمقراطية) والمقصود طبعا قناة الحرة الاميركية التي انشئت مؤخرا للتعبير عن وجهة النظر الاميركية وتصحيح صورتها عند العرب وتقديم نظريتها لتطويرهم سياسيا!
كناة الديمقراطية
ومن خلال المسرحية تستضيف كناة الديمقراطية (هكذا ينطق اسمها طوال المسرحية) الجنرال توم فوكس, باعتباره الحاكم العسكري الاميركي لمصر، وعليك هنا ان تحرك دماغك ، فامريكا بعد ان احتلت العراق عينت حاكما له هو الآن بول بريمر .
وفي اللقاء تسأل المذيعة فوكس عن رأيه في مصر, فلا يجيب عليها وإنما ينظر الي الجمهور ويبتسم ويعطي للجمهور قبلة في الهواء!.. يقوم بدور فوكس الممثل خالد الصاوي الذي يجيب على اسئلة المذيعة مؤكدا في كل اجابة ان اميركا جاءت لاحتلال العالم العربي في سبيل حرصها على انقاذ شعوبه من الضياع ومكافأته بالديمقراطية وحقوق الانسان!
وخلال الحوار التليفزيوني مع الجنرال فوكس يخرج المطرب محمد عبد الوهاب والمطربة أوديت شاكر من الصالة التي يجلس فيها الجمهور وهما من فريق العمل في المسرحية, ويطلبا من الجنرال ان يمسح الدم من علي ملابسه, واثناء حديثهما معه تذاع خلفية لاغنية حزينة ولقطات سريعة عن احلام الشباب العربي المدمر والضائع والتائه, ثم تبرز شخصية اشرف التي يقوم بها الممثل حمادة بركات ، واشرف هو كاتب قصة يفوز في مسابقة المواهب بكناة الديمقراطية, وتقدم المسابقة المذيعة ( في المسرحية طبعا) نرمين زعزع.. لكن المذيعة تفاجأب ان اشرف علي علاقة بزوجة صديقه ويزعم في الحوار مع المذيعة إنها أخت صديقه.
هذه الزوجة وتقوم بدورها الفنانة فاطمة السردي، تغضب من اشرف لأنه فضح علاقتهما علي شاشة التليفزيون، وتقول له ( لماذا فعلت هذا يا اشرف.. وقد اعطيتك اغلي وأعز وألذ ما أملك؟). ويرد اشرف: ( الشباب تعبان والبنات مكبوتة ولا احد يجد طريقا يمشي فيه)!
حرية العراق والفلوجة وعلى طرقة مداخلات الهواء المنتشرة الآن في الفضائيات العربية يتصل اللواء متقاعد احمد الاحمدين, مقدما مداخلة عن الشباب الذي لا يجد قضية له, ثم يتحدث عن الاحتلال الاميريكي والفوضى التي خلقها والممارسات التي يقوم بها والتي تناقض تماما الاهداف المعلنة، فكيف لا يتورع عن القتل واستخدام الاسلحة الفتاكة (يحدث حاليا في الفلوجة) بينما جاء تحت مزاعم فضفاضة عن حقوق الانسان وحرية الانسان العربي!
في ظل ذلك ينتقل البث الى استوديو الاخبار حيث يقرأ المذيع شهاب ابراهيم نشرة الاخبار في كناة الديمقراطية ويذيع خبرا عاجلا عن تجدد الاشتباكات مع الاسرائيليين, وعن مظاهرات ضد الاحتلال الامريكي لمصر (كما تتخيل المسرحية).
ويقوم نفس الممثل شهاب ابراهيم بدور البروفيسير- أو الطبيب النفسي للرئيس الاميركي جورج بوش , ثم يظهر الرئيس الاميركي باكيا بحرقة وألم شديد لأنه تذكر وفاة الكلب بوبو الذي كان يربيه وهو صغير, وهنا يقول له طبيبه النفسي ( عامل العرب بحب, واعتبرهم مثل الكلب بوبو) فيقول له بوش ( ساعتبرهم200 مليون بوبو!) وهم عدد سكان العالم العربي!
ثم تظهر مجموعة قنوات تليفزيونية, تتناول احتلال أم القصر العراقية, مثلا قناة الجزيرة وقناة الجماهيرية الليبية التي يقول مذيعها ان أم القصر ليبية وليست عراقية, وكذلك قناة مصر الفضائية التي تشجب وتندد, وقناة المنار حيث تكشف المذيعة رأسها وتدعو علي الاميركان وذلك على طريقة النساء الشعبيات, وقناة كوريا الشمالية التي يقول مذيعها ( اميركا عندها ذري, عندنا ذري, عندها نووي, عندنا نووي, وأي عيل صغير في كوريا يقدر يضرب الاميركان) وقناة صفط اللبن وهي قرية نائية في مصر، حيث يقول مذيعها ان لديهم اسلحة دمار شامل لان المجاري طافحة!
واثناء العرض المسرحي تظهر شاشة عرض تقدم مشاهد للحروب والمذابح والمظاهرات في العالم, وسقوط بغداد واسقاط تماثيل صدام حسين, والمقاومة في الفلوجة وقتل الجنود الاميركيين في العراق.
اغتيال الحاكم الاميركي
هناك ايضا جزء يلخص العولمة في اطار ثلاث ساحرات يجلسن في البيت الابيض، من أكلة لحوم البشر، الاولى تسمي عو والثانية لا والثالثة ما, وتنتهي المسرحية بقتل الجنرال الاميركي برصاص المقاومة ، و يخرج مخرج ومؤلف وبطل العرض خالد الصاوي قائلا ( خلاص يا جماعة, احنا ما عندناش حل, الحل لازم يكون من الصالة) مشيرا الى الجمهور وهو يقصد ان الحل لابد ان يأتي من الشعوب, وتنتهي المسرحية باغنية جماعية ( هيجي يوم.. مهما يطول الانتظار.. والحب يقدر ع الجدار.. ويطل من طاقته الجميع.. يتهد سور الانتظار.. فوق الوحوش الشرانية.. تدبل علي الدم الشظية)!
غير متصل
