أولاً : تعريف المخرجات :
" مجموعة السمات عن خصائص الفرد الذاتية من خلال انتاجه المعرفي وتفاعله الإنساني . ويقصد بالتفاعل الإنساني كل ما يشمل تفاعل الفرد مع أخيه الإنسان و البيئة والكون ".
ثانياً : مخرجات الشخصية بين البناء الفكري السليم وعدمه :
(1) المخرجات بين الذات والذات :-
التسلط على الذات ومعرفة أغوارها من أولى وأهم المداخل الأساسية في البناء الفكري. سلامة البناء الفكري قد تجمل في مدى اكتشاف الفرد ذاته وتسلطه على دهاليزها الملتوية وتلونها المفرط في الكثرة.
* وقد ورد في مدى معرفة النفس وأثره على الفرد وعلى غيره وعلى علاقته بربه الكثير من المأثور ننقل جانباً منه :
* " نهج البلاغة " من أقوال الإمام أمير المؤمنين():
- (( أنَّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وأنَّ أغشهم لنفسه أعصاهم لربه ))الخطبة 86.
- (( فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل )) الخطبة 53.
- (( أنَّ المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون عتده فلا يزال زارياً عليها ومستزيداً لها )) خطبة 76.
- (( من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم )) قصار الحكم 73.
* " القرآن الكريم " :
- ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد (11).
- ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات (21).
- ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم وظل عنهم ما كانوا يفترون ) الأنعام (24).
- (,,, فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) الروم (8).
# ويمكن إجمال المواصفات التي بها تقاس مخرجات البناء الفكري للذات بالمفاهيم التالية :
أ ) الوضوح والامتثال :
ونقصد بالوضوح هو مدى الإدراك الجلي للقيم الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية في ذات الفرد وأبعاد ومؤثرات ودور القيم والمفاهيم السامية على تنمية النفس وأثر الطالح منها في تدهورها وتراجعها.
ونريد بالامتثال هو الاستعداد الذاتي لتقمص وتبني المفاهيم والقيم السامية والنـزوع عن الدانيئة منها.
ب) العجز والحاجة ( الطموح ):
القدرة على تحديد حجم الجوع الذاتي من الاحتياجات القيمية والمعرفية والثقافية والعمل على الكدح لها بآلة الطموح ( الإندفاع بالإرادة الراسخة والعزم الثابت).
ج) التوازن والثبات :
التوازن: هو القابلية على التوليف والموازنة بين القيم والمفاهيم منعاً من غلبة البعض منها على الآخر ومنعاً من الانزلاق عن طريق الوسطية و الاعتدال. و الثبات: هو الاستعداد على ضبط التوازن.
(2) المخرجات بين الذات والبيئة الاجتماعية :
إن مخرجات البناء الفكري للذات قد تجف أو تنعدم في ظل الانغلاق على الذات والتشرنق عليها و بفصلها عن البيئة الاجتماعية تحرم الذات من أدوات التمحيص والغربلة والتطوير.
ويتسارع البناء الفكري في ظل التعامل مع البيئة الاجتماعية إلا أن وجهته تتأثر بالخطوط الفكرية السائدة في الفضاء الاجتماعي. ويمكن تشخيص وعيان اجتماعيان سائدان أو أيديولوجيتان ويجملهما الدكتور/ جابر العصفور في مقالته القيمة " سؤال المستقبل .. ومستقبل الثقافة ": (( الأول ماضوي تقليدي والثاني وعيٌ مستقبلي استشرافي ..الأول وعي اصولي نقلي استرجاعي يحاول أن بشد الحياة إلى الوراء وذلك على نحو يغدوا معه سؤال المستقبل سؤالاً غائباص عن الواقع … أما الوعي المستقبلي فهو نقيض الوعي السابق على المستوى الفردي والجمعي لأنه وعي يقيس على الحاضر في حركته إلى المستقبل الواعد ولا ينشغل بالماضي إلا بوصفه عنصراً من عناصر الحاضر الذي يقبل التحولات والتطور والمسائلة ولذلك فهو وعي محدث بالضرورة، بدعته بدعة هدى وليست بدعة ضلال)).
مجلة العربي العدد 465 ص 80
كما أدعو الاخوة للإطلاع على مقال الدكتور/ ماجد موريس إبراهيم بعنوان "الاستهلاك والتسلط وجهان لثقافة الأزمة " مجلة العربي-العدد 456- ص 32. الذي له علاقة ماسة بمخرجات البناء الفكري على ضوء الوعي الاجتماعي السائد .
وأما أهم المظاهر التي تتشخص مخرجات البناء الفكري من خلال السلوك المتنوع للإنسان (الشكل1) .
الشكل (1)
مظاهر مخرجات البناء الفكري الـسـلـوك
- صناعة القرار .
- الوضوح والإلمام.
- تشخيص العجز
- وتنمية القدرات. - الاستهلاك والاقتصاد.
- الفكري ( الإنتاج المعرفي ).
- الاجتماعي .
- الإصلاحي والتغيير.
وفي المظاهر المذكورة أعلاه تتزاحم التراكمات المعرفية والثقافية بنـزعاتها المتنوعة والمتابينة. فصناعة القرار على سبيل المثال يتأثر بمستوى البناء الفكري وجوهر الوعي الذي يحدد طبيعة الذات ويرسم أغوارها فالقرار المتعسف مثلاً مظهر لتخلف الوعي وغلبة القيم البدائية والقرار المنفتح المرن مظهر لوعي فكري متعالِ وتشخص لقيم إنسانية راقية.
وكي تتضح هذه المظاهر بأبعادها الصحيحة لا بد من تحديد مفهومها المقصود هنا :
1) صناعة القرارات: القرار هو القدرة الجامعة بين الرأي الصائب و التطبيق المثالي . صناعة القرار مهم لممارسة الإنسان في شتى ميادين الحياة وأنه حاسم يحدد مصير ومستقبل الفرد ولذلك يمكن إجمال أهداف صناعة القرار بالأمور التالية :
أ ) الميزان الذي بعكس التدبير والإدارة والموازنة.
ب) القدرة على توجيه الطاقات الذاتية والمادية واستغلالها على أحسن وجه.
ج) أحد السمات المهمة في تحديد الموقف من قضية ما.
2) الوضوح والإلمام :
هو إدراك المفاهيم السائدة في أي حقل من حقول الحياة، والإلمام: هو التامة من خلال إدراكها وممارستها، وهو موازٍ لمفهوم الوضوح والامتثال الذي تحدثنا عنه.
3) تشخيص العجز وتنمية القدرات :
هو معرفة حجم النقص والجهل الذي يعاني منه الفرد في معرفه المفاهيم والقيم والمهارات والمعارف التي تتطلبها شتى ميادين الحياة والعمل على تحصيلها وإزالة الجهل بها، وهذان المفهومان هما موازيان لمفهوما العجز والحاجة التي سبق الحديث عنه.
• مخرجات الوعي الفكري والمفاهيم الفكرية السائدة :
•
تتجلى مخرجات الوعي الفكري من خلال رسم الحدود التي بها يتحدد التطبيق في المفاهيم الثلاثة المعروفة ( الوسطية ـالغلو ـ التفريط ) ولبيان هذه الحدود سادت مصطلحات تبين حدود التطبيق وأهم هذه المصطلحات هي:
1- البراجماتية ( Pragmatism ):
العمل البراجماتي يطلق على العمل القائم على أساس البرمجة وهو " استشراف واستقبال عقلااني للمستقبل أو عملية هروب نحو المستقبل".
والمرادف المعرب للبراجماتية هو الفعل المنطقي أو العقلاني أو الواقعي كما أن للبراجماتية مفاهيم متنوعة ومتباينة على حسب الحقل الذي يدرس هذا المفهوم. والمراد بالبراجماتية هنا هو معرفة الواقع ودراسته دراسة مستفيضة واستغلال الطاقات والإمكانات لتطوير الحاضر.
2- المثالية والواقعية :
- المثالية ( Idealism ) : (( تقال للاتجاهات والتيارات الداعية إلى تطبيق الأحكام القيميه والأخلاقية في تقويم المجتمع و إصلاحه تحقيقاً لما يسمى " الإرضاء الجماعي " أو إشباع رغبات الجماعة الروحية )).
أو (( إنه بناءٌ فكري يقيمه العقل كوسيلة يتوسل بها معرفة الواقع أو تحليل وقائع التاريخ )).
معجم مفاهيم علم الاجتماع ـ الدكتور/ خليل أحمد خليل.
- الواقعية : هي مرادف من مرادفات البراجماتية.
والمثالية والواقعية لها تفسيرات مختلفة ومتنوعة ففي الفلسفة يقصد بالمثالية: المسائل المتعلقة بالإدراك العقلي مقابل ما يتعلق بالإدراك الحسي وأما الواقعية في الفلسفة: هي الأشياء المحسوسة التي تقع خارج الذهن فبعضها يدرك بالحواس (الماديات) وبعضها عن طريق العقل (اللاماديات). وينسب للمؤمنين بالتفسير الديني للحياة بالمثاليين والتفسير المادي بالواقعيين (للمزيد ارجع إلى أصول المثالية والواقعية/ الدار الإسلامي من سلسة الدفاع عن المواقع الأيديولوجية).
وأما في علم الاجتماع فيقصد بالمثالية هو طلب الأمر الذي فيه ضرب من الخيال والأسطورة والواقعية هو التعامل مع الواقع واستغلاله.
3- الراديكالية ( Radical ) :
ويقصد بها معالجة الأمور بنظرة شمولية وجذرية وهو يمتدح في معالجة المفاسد والأمراض الاجتماعية الشديدة الضرر والراديكالية مذمومة إذا ما اتخذت وسيلة ومنهج في معالجة جميع شؤون الحياة.
4- الليبرالية ( Liberalism ) :
إن الاستعمال الغالب على هذا المصطلح في الحقل السياسي هو ما يعمل في النظام الديمقراطي الغربي إلا أن المراد منه في السلوك الاجتماعي هو إشاعة روح الحرية الفردية وعدم التدخل في شؤون الغير وقد يفهم منها أنها تدعو للتسامح ولكن في طياتها تتعارض مع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- الأصولية ( Fundamentalism ) :
وهي مناقضة لمصطلح الليبرالية وتتميز الأصولية بأعمال المفاهيم والفكر بمبدئي التعميم الجماعي وعدم السماح بمناهضة مبادئها. ومن أهم السمات الأساسية في الأصولية التعصب و الغلو في الدفاع عن برامجها والتشدد المفرط في تطبيق خططها (الراديكالية) والتعميم في مناقضة غيرها من الأفكار والمفاهيم. والأصولية ممدوحة في تطبيق الخصال والأخلاق الحسنة والتعصب لها ومذمومة في محاولة فرض نفسها على غيرها بالقسوة والعنوه.
غير متصل
...::: دورة البناء الفكري :::...
