رحلة الموت بحثا عن حياة أفضل
صحراء رنية مقبرة المتسللين والمهربين
رنية: رميزان السبيعي (الوطن)
صحراء رنية.. تلك المنطقة الشاسعة التي تشكل متسعا جغرافيا مفتوحاً وتمتد بين خطي الطول 43/20 وخطي العرض 21/18 وتقع في الطرف الجنوبي الشرقي لامتداد إمارة مكة المكرمة وتبعد عن مكة 500كم وعن الرياض 630 كم وعن الطائف 380كم وعن بيشة 155كم وعن وادي الدواسر 217كم، تحولت تلك الصحراء الشاسعة إلى مقبرة للمتسللين والباحثين عن المادة من المهربين، ولنا أن نعرف خطورة تلك المنطقة إذا ما علمنا أنها التهمت ما يزيد عن 50 جثة خلال عام واحد 1427. وكان لظهور تلك الجثث المجهولة أثر كبير في إثارة قلق المواطنين، وباتت مادة لحكايات السمر والخيال حول هذه الجثث من أين أتت وإلى أن كانت تمضي وما سبب موت أصحابها, إلى أن فكت الجهات الأمنية ذلك اللغز بتمكنها من إحباط عدد كبير من عمليات تهريب العمالة غير النظامية بلغت حصيلتها وفقا لإحصائية أمنية 880 عاملا منهم 500 عامل من الجنسية اليمنية و380 من الصومالية والإثيوبية بالإضافة إلى 9 مهربين خلال العام الماضي وحده، و285 عاملا و7 مهربين في العام الجاري من نفس الجنسيات الثلاث، مع ملاحظة تعرض رجال الأمن لوقوع حوادث سير مؤلمة في قلب الدروب الصحراوية التي يسلكها المهربون بعيدا عن عيون الأمن في رنية, وتبين أن تلك الجثث المجهولة تعود إلى العمالة المتسللة التي تحاول الهرب إلى مناطق المملكة المختلفة فيتركهم المهربون وسط الصحراء دون ماء أو طعام أو وجهة صحيحة فهم إما ماتوا جوعاً وعطشاً أو في حوادث سير أليمة داخل دروب الصحراء.. "الوطن " ذهبت إلى هناك لترصد وتسجل بالكلمة والصورة رحلة الموت التي يعتقد بعض المتسللين أنها بداية حياة أفضل لهم. في البداية أكد عدد من المواطنين الذين عثروا على الجثث المجهولة أنها عثر عليها في الجهة الجنوبية أو الشرقية من المحافظة وهما الجهتان اللتان اعتاد المهربون على سلوكهما أثناء تهريب العمال من المنطقة الجنوبية إلى المنطقتين الوسطى والغربية عبر أراضي رنية. ووفقا لمدير شرطة رنية السابق المقدم عبدالله شنان الزهراني فإن فرق الأدلة الجنائية والخبراء من الرياض وشرطة الطائف وشرطة رنية الذين قاموا بزيارة جميع المواقع التي عثر فيها على الجثث لم تتوصل إلى أي شبهة جنائية. وهو ما يؤكد فرضية أن تلك الجثث المجهولة تعود إلى العمالة المتسللة وأنها قضت أثناء محاولات الهروب عبر صحراء رنية. كما أكد عدد من المواطنين برنية أن أغلب سكانها يفضلون التعامل مع العمالة المخالفة لانخفاض تكلفتها عن النظامية في حين أن تضاريس المحافظة الطبيعية تصعب من عملية المراقبة وتسهل إخفاء العمالة المخالفة نظراً لاتساع المنطقة ووجود الكثبان الرملية المتحركة. وأشار مدير مرور رنية النقيب عبدالله عايض البقمي إلى أنه منذ استلامه الحوادث المرورية بمرور رنية منتصف العام الماضي تم اكتشاف حالتين لتهريب عمال متسللين بعد وقوع حوادث مرورية لهم، وكان الحادث الأول في شهر ذي القعدة الماضي حيث وقع حادث انقلاب في صحراء رنية لسيارة محملة بـ14 عاملا نتج عنه مصرع 5 وإصابة 9 تم تحويلهم فيما بعد إلى جوازات بيشة. وتابع البقمي قائلا: أما الحادث الثاني فوقع في الأشهر الماضية على طريق رنية بيشة لسيارة "جمس" بها24 شخصا ويقودها شاب ونتج عنه مصرع 6 وتحويل 16 إلى جوازات بيشة لترحيلهم فيما تم تحويل أحدهم إلى مستشفى الملك عبدالله في بيشة. وذكر البقمي أن عدم ضبط الحدود بالشكل المطلوب هو الذي ساعد على تسلل هؤلاء العمال خاصة من الجنسيات اليمنية والصومالية والإثيوبية، إضافة إلى التعاطف غير المبرر من بعض المواطنين الذين يقومون بتهريب العمال أو مساعدتهم في تلافي النقاط الأمنية وتشغيلهم لديهم دون التأكد من نظامية أوراقهم، ولذلك فإن هؤلاء العمال الذين ماتوا في صحراء رنية هم ضحية هؤلاء المهربين الذين يتركونهم في صحارى قاحلة دون طعام أو شراب أو وجهة سليمة يتجهون إليها. من جانبه أكد القول مدير شرطة رنية العقيد عيضة الثبيتي أن لا شبهة جنائية حول الجثث التي عثر عليها في رنية سابقا ودارت حولها العديد من القصص وقال إن اللجان التي تعاقبت على البحث في هذه المشكلة وتتبعها منذ البداية أثبتت أن السبب الرئيسي للوفاة هو العطش في صحارى رنية واستشهد ببعض الحالات التي تمكن أفراد الشرطة من العثور عليها في حالة متأخرة وتم إنقاذها بعد نقلها إلى مستشفى رنية، وهذا مثبت لدى الشرطة. وأشار الثبيتي إلى أن ظاهرة وجود الجثث انخفضت بنسبة تصل إلى 90% بعد الحد من عمليات التهريب التي يقوم بها بعض المواطنين والتي كانت السبب الرئيسي وراء ظهور تلك الجثث. وأضاف أن الشرطة تمكنت من إحباط عمليات تهريب عديدة إلى جانب بعض المحاولات التي كشفتها الحوادث المرورية ونتج عنها القبض على أكثر من 1000 متسلل خلال العام الماضي وهذا العام وتم تسليمهم إلى جوازات بيشة لترحيلهم إلى بلدانهم. وتابع قائلاً: يستخدم المهربون في الغالب سيارات مؤجرة تكون منزوعة المراتب ومضللة حتى تستوعب أكبر قدر ممكن من العمال إلى جانب حجب الرؤية فلا يستطيع أحد مشاهدة العمال داخل السيارة. وأثنى الثبيتي على المواطنين في رنية وقال إن لهم دوراً بارزاً في إحباط عدد كبير من محاولات التهريب فما إن يشتبه أحدهم في أي سيارة حتى يسارع بإبلاغ الشرطة مما يدل على أنه أصبح هناك وعي بالتعاون للحد من هذه الظاهرة وبين الثبيتي أن الشرطة تقوم أسبوعيا بحملات على أطراف المحافظة والقرى النائية إلى جانب ما يقوم به مركزا حدا وورشة في صحراء رنية مما ساعد على انخفاض عمليات التهريب. وأكد الثبيتي أن المحافظة طالبت بإيجاد فرق من المجاهدين في المراكز الأمنية في الصحراء المحيطة بالمحافظة وقد صدرت موافقة أمير منطقة مكة المكرمة على ذلك ولو تم تغطية طريق وادي الدواسر أمنيا فإنه يمكن القضاء على جميع عمليات التهريب بنسبة 100% والتي عادة ما تكون قادمة من الجهتين الجنوبية والشرقية.
وعن سبب اختيار صحراء رنية كمعبر لباقي مناطق المملكة يقول المؤرخ والباحث في المواقع الجغرافية صاحب كتاب "محافظة رنية " فهيد عبدالله تركي السبيعي إن رنية تمثل ربع فضاء مكة المكرمة وهي مفتوحة على جميع الجهات حيث تشكل متسعا جغرافيا متنوعا ومتباعد الأطراف فتقدر مساحتها بأكثر من 62 ألف كم مربع معظمها كثبان رملية يبلغ طولها أحيانا أكثر من 80 كم ولا تستطيع السيارات اختراقها إلا في مواقع معينة يعرفها أصحاب المنطقة أما عدا ذلك فإن الدخول فيها يعتبر مغامرة غير مأمونة العواقب. وأشار السبيعي إلى أن رنية منطقة زراعية ورعوية وهو ما يجعلها موقعا لجذب العمالة المخالفة والمتسللة نظرا لوفرة فرص العمل بها إضافة إلى صعوبة السيطرة ومراقبة حدودها مما جعل المهربين يستغلون ذلك في نقل العمال إلى مناطق المملكة مرورا برنية، كما أنها في موقع متميز بين باقي المناطق فيحدها من الغرب منطقة الباحة وتشترك معها في حدود مركزي العقيق وجرب وفي الجنوب منطقة عسير وتشترك معها في حدود محافظتي بيشة وتثليث وفي الشرق منطقة الرياض وتشترك معها في محافظتي وادي الدواسر والحوميات وفي الشمال منطقة مكة وتشترك معها في حدود الخرمة وتربة.
المواطنون يروون حكاياتهم
وفي لقاء بعدد من المواطنين الذين عثروا على الجثث وأبلغوا عنها الشرطة ومنهم فواز محمد الفراج الذي عثر أبناؤه على جثة أثناء لعبهم وخالد مترك السبيعي الذي عثر على جثتين وطلاب متوسطة السلم الذين عثروا على جثتين في الأملح وكل من ناصر حسين السبيعي وخالد شعوان السبيعي ومترك عون السبيعي وحسين السبيعي الذين عثروا على ثلاث جثث، وأخيرا ناصر نويران السبيعي الذي عثر على جثة قبل نحو شهر, فقد أكدوا جميعهم أنهم لم يشاهدوا أي آثار قرب الجثث كما أن هذه الجثث غالبا مايعثر عليها في الجهة الجنوبية أو الشرقية من المحافظة, يضاف إلى ذلك أن معظم المزارع في المحافظة وملاك الماشية يفضلون العمال المتسللين لأن رواتبهم لا تتجاوز 500 ريال في حين أن العمال المستقدمين خاصة الرعاة من السودان لا تقل رواتبهم عن 1200 ريال.
غير متصل
