فواز بن عبد الله يرسم لوحة شعرية استثنائية

[محمد بن حمدان]

فواز بن عبد الله
يرسم لوحة شعرية استثنائية
يتناثر فيها لؤلؤ الإبداع

	كتب / محمد بن حمدان المالكي لا شك بأن الشاعر المحب يستطيع أن يصل إلى أعماق الذات بنبضات قلبه المفعم بالمشاعر الجياشة ، حتى يصل إلى مرحلة الإبداع الحقيقي الخالي من شوائب صنعة اللفظ وتلميعه ، وشاعرنا صاحب السمو الأمير فواز بن عبد الله استطاع من خلال تجربته الشعرية بشكل عام من توظيف التضاد بشكل إبداعي أظهر فيه الجمال الشعري في وصف الحالة الانفعالية للحبيب ، في معاناته ، وفي عشقه ، وفي صبابته ، وفي توجده ، وفي شوقه ، حتى وصل بنا إلى مرحلة التمايه الفكري مع النص الشعري . ونحن هنا سنعرج على أحد نصوصه الشعرية التي وظف فيها التضاد والتقابل بصورة إبداعية تلامس الذائقة وترتقي بها ، وقبل أن نستعرض القصيدة لعلنا نعرج على قول ابن حزم في التضاد ليكون مدخلا أنيقا للمحتوى الفكري للنص .. يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة باب من علامات الحب التضاد : " نجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما تأكدا شديدا كثر تهاجرهما "بغير معنى"..وتضادهما في القول تعمدا..وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور..وتتبع كل منهما "لفظة" تقع من صاحبه..وتأولها على "غير معناها"..كل هذه تجربه ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه..والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجره والمضادة المتولدة عن الشحناء والتشاجر "سرعة الرضى" فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره ولا ينجبر عند الحقود أبدا فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة..وأهدرت المعاتبة وسقط الخلاف..وانصرفا في ذلك الحين "بعينه" إلى المضاحكة والمداعبة هكذا في الوقت الواحد مرارا..وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ولا يدخلنك ريب البتة ولا تتمار في أن بينهما سرا من الحب دفينا ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة..هذا لا يكون إلا عن تكاف في المودة وائتلاف صحيح وقد رأيته كثيرا " .. وشاعرنا الأمير فواز وصف هذا التضاد من خلال نص شعري أقل ما يقال عنه سهل ممتنع .. يقول شاعرنا في البيت الأول من هذا النص : منك العذاب .. وصادق الـــــود منـــــي وفيك الدلال .. وفيني أشواق وجـــــــروح هنا تتجلى عدد من اللمسات الوجدانية التي لا يجيدها إلا العاشق الحقيقي ، ولا ينثرها إلا المحب الصادق .. اللمسة الأولى في أن الشاعر بدأ قصيدته بمحبوبه ، وقال : ( منك ) .. ليبين علامة الإيثار ، وتقديم الحبيب حتى في الخطاب .. وقد فاجأ شاعرنا القارئ بعد ذلك بكلمة ( العذاب ) لكي يقف على مدى معاناة الشاعر ، لأن هذه الكلمة المعرفة قد اختصرت في ثناياها : معاناة ، وآلام ، وآهات ، وزفرات ، وقد قال ( سيمونيدس ) في كينونة العذاب : " النفس التي لا تذوق العذاب لا تستطيع أن تحلق في سماء الحب " .. لذا كانت هذه الكلمة المختصرة الشاملة لمعاني معاناة الحبيب وآلامه .. وكأن الألم قد طال ، والعذاب قد وصل منتهاه .. طال في قرية العذاب مقامي *** واستراح العذاب في مقلتايا وفي نفس الشطر يقابل الشاعر العذاب بصدق الود .. ضدان لما اجتمعا حسنا *** والضد يظهر حسنه الضد وقد بدا في الشطر الأول صور المقابلة والتضاد الجميلة في : ( منك ) .. ( مني ) .. ( العذاب ) .. ( صادق الود ) .. وهنا شاعرنا اختار كلمة ( ود ) ولم يختار كلمة ( حب ) لأن كلمة ( ود ) أعم وأشمل لكل معاني الوفاء ، والمحبة ، والإخلاص ، والصدق ، والتضحية ، والإيثار ، وإذا كان الحب هو المشاعر الداخلية ، وما تُكنه في قلوبنا للآخرين ، فإن الود هو التعبير عن هذه المشاعر بالأفعال .. والود أصفى الحب وأنقاه.. وأعلى درجات الحب. وأصفى الحب الذي ليس فيه ميل ولا تراخي .. ولذلك إذا أكن المحب لمحبوبه مشاعر جميلة.. فهذا هو الحب، ولكن عندما يعبر عن هذا الحب بتضحية ، أو إيثار ، أو فعل لا يرجو منه إلا رضاء الحبيب .. فذلك ود ، لذلك كل مود مُحب ، وليس كل مُحب مود .. إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** فلا خير في ودٍ يجيء تكلفا والمدقق في لفظتي ( منك ) و ( مني ) يجد فيهما معنى أشمل في كون ( منك ) حرفها الأخير مفتوح ، وعند نطقه يخرج الهواء مدفوعا إلى الخارج ، وكأنه سهام تصدر من الحبيب تتجسد في كلمة ( العذاب ) ، وعندما تقرأ كلمة ( مني ) فإن حرف الياء يشعرك بأنك تتألم ، وكأن سهما قد دخل إلى جوفك ليستقبله معنى الود .. وعندما ننتقل إلى الشطر الثاني : ( وفيك الدلال .. وفيني اشواق وجروح ) نجد في هذا الشطر صورة إبداعية أخرى لا تقل عن الصورة الإبداعية في الشطر الأول ، فقد عطف شاعرنا هذا الشطر على ما قبله ، واستخدم كلمات رنانة ككلمة ( الدلال ) و ( اشواق ، وجروح ) ليكمل جوقة الإبداع في جمله الأخاذة ، فقد قابل ( الدلال ) ذلك السحر الرباني الممتزج الجاذبية ، والعذوبة ، قابله بـ ( الشوق ، و الجروح ) الشوق إلى ذلك الدلال العذري ، والجروح من سهامه القاتلة .. ويلاحظ أن اختيار الشاعر للقافية - التي أرى أنها أتت تلقائية - كانت موفقة توافق ألفاظها ومعانيها ، فغاية ما يطمح إليه الشاعر أن تكون لديه لغته الممهورة ببصمته ، الدالة عليه ، التي ستكون جواز مروره إلى ذاكرة القراء ، وحجز مقعد متميز في رواقها. وهذا لا يتأتى بسهولة ، لأنه مشروط بامتلاك الموهبة ، والمشاعر الصادقة التلقائية ، وشاعرنا يمتلكها جميعا ً ؛ لذا استطاع شاعرنا أن يمتلك مجموعة من التقنيات اللغوية لبناء جملته الشعرية ، لعل أبرزها وأكثرها هيمنة على لغته في هذا النص اعتماده على شعرية التضاد والمقابلة بطريقة لافتة، فهو يدهش قارئ نصوصه بضدياته المفاجئة وغير المتوقعة .. لذا كانت قافية النص تقطر وجعا حتى في نطقها ، فحينما تنطق كلمة ( جروح ) يخرج حرف الحاء من الجوف ، بحيث يجسد كل معاني المعاناة والألم .. إن غبت اهوجس بك .. عزاي التمنــــي وباب الحزن لمعانق القلب مفتـــــــوح في بيته هذا يشعر حبيبه بمعاناته حال غيابه ، ويمهر قافية شطره بالتمني .. وقد يجمع الله الشتيتين بعدما *** يظنان كل الظن ألا تلاقيا وإن جيت أراعي قدرة الله واثني فيك النظر من فرحتي بك ولا ابوح وهنا يشعل تقنيات التضاد والمقابلة في ( وإن غبت ) و ( وإن جيت ) ليخترق جدار الصمت في المعنى التقليدي ، إلى معنى الأمل .. أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وفي الشطر الثاني تصل لديه درجة الأمل في أنه يثني النظر إلى محبوبه ، من شدة فرحته مطمئنا المحبوب بعد البوح بذلك ، ليكتنز النظرات ذخرا لأيام ربما يفترق مع محبوبه .. دايم تبيني في هـــــواك متعنــــــي وأنا ادري إني عندك أغلى من الروح يظهر في هذا البيت قدرته على الوصول إلى منابع أفكار محبوبه المتصف ( بسادية الحب ) ، وهنا نعود إلى قول ابن حزم : " نجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما تأكدا شديدا كثر تهاجرهما "بغير معنى"..وتضادهما في القول تعمدا..وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور..وتتبع كل منهما "لفظة" تقع من صاحبه..وتأولها على "غير معناها"..كل هذه تجربه ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه..والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجره والمضادة المتولدة عن الشحناء والتشاجر "سرعة الرضى" فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره ولا ينجبر عند الحقود أبدا فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة ... " .. أنت الملاك وكل ما بك فتني وأنا المتيم بك ومن غير مصلوح وفي آخر الأمر يؤكد شاعرنا على أنه مهما جرى من محبوبه لا يزيده إلا تعلقا به ، لأن حبه أكبر وأشمل ( الود ) ، كما يؤكد على أن الحب هو المعاناة .. هل الحب إلا زفرة بعد زفرة *** وحرٌ على الأحشاء ليس له برد كانت هذه قراءة انطباعية ليس إلا في عدد من الأبيات للشاعر العذب صاحب السمو الأمير فواز بن عبد الله استوقفت ذائقتي عذوبتها ، وجمالها ، وجاذبيتها ، وأنا من الجمهور ، فكيف من قيلت فيه هذه القصيدة ، لا شك أنها كانت لؤلؤة علقتها هذه المحبوبة على جيدها ، تزهو بها ، جاءتها من محبٍ قدم لها لوحة الود على طبق من شعر

.

[خيَّال الغلباء]

أخي الكريم / محمد بن حمدان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على هذا القلم السيال الذي كتب عن تلك القصيدة المعانات وصح لسان الأمير / فواز بن عبدالله على هذه اللوحة الشعرية مع أطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .