هل شاركت البارجة الإسبانية في قصف العراق؟
جاء التقرير الذي نشرته صحيفة 'الموندو' الإسبانية يوم الثلاثاء الماضي, والذي كشف اشتراك البارجة الإسبانية 'ألبارو دي باثان' في مهام حربية بالخليج العربي خلال الفترة ما بين 10 سبتمبر و3 ديسمبر الماضيين في تغطية لعمليات حربية لفريق حاملات الطائرات النووية الأمريكية المقاتلة 'ثيودور روزفيلت' في العراق، بمثابة زلزال يهز مصداقية الحكومة الإسبانية الاشتراكية أمام الصحافة والرأي العام ويضعها موضع جدل، تلك الحكومة التي كان أول قرار لها سحب القوات الإسبانية من العراق وفاءً بالتعهد الانتخابي لرئيسها 'خوسيه لويس ثاباتيرو'، الذي طالما ندد بغزو العراق وبإرسال الحكومة الإسبانية اليمينية السابقة برئاسة 'خوسي ماريا أثنار' لقوات لمساعدة قوات الاحتلال الأمريكية بالعراق. وعليه أثار تقرير 'الموندو' مختلف الانتقادات والتحليلات الصحفية، نذكر منها:
المقال الافتتاحي لصحيفة 'ليبرتاد ديخيتال' الإسبانية
'ربما تكون المهمة التي كانت تقوم بها بارجتنا 'ألبارو دي باثان' لمدة ما يقرب من ثلاثة أشهر هي في الحقيقة الدعوة في مياه الخليج العربي لتلك المبادرة التي تُدعى 'تحالف الحضارات'، والتي يود رئيس الحكومة أن يبهر بها المواطنين، إلا أن ما قامت به أحدث البوارج الحربية في أسطولنا خلال تلك الفترة، وفقًا لصحيفة 'الموندو'، هو، على النقيض، الاشتراك في مهمة قتالية للقوات المسلحة الأمريكية ضد البراعم 'الإرهابية' التي لازالت تلطخ العراق بالدماء.
ووفقا لهذه الصحيفة، فإن البارجة 'ألبارو دي باثان' كانت منضمة تمامًا للهيكل البحري الأمريكي الذي كان يقدم تغطية لقواته في العراق، كما كان يشارك في أعمال عسكرية مثل عملية 'كورتينا دي أثيرو' ضد قواعد مفترضة لتنظيم القاعدة على الحدود مع سوريا.
قد يُزعج البعض هذا العمل المنافق من قِبل حكومة، أكدت، نظرًا لمولدها في صناديق الاقتراع عقب ثلاثة أيام من هجمات 11 مارس بمدريد، أنها لن ترسل جنديًا واحدًا إلى العراق أو إلى أية دولة أخرى دون تلقي موافقة مسبقة من قِبل البرلمان.
وإذا كانت حكومة ثاباتيرو قد عززت سرًا بالفعل منذ أشهر الوجود الإسباني في أفغانستان من أجل أهداف مشابهة لتلك الأهداف التي كان جنودنا يقومون بها في العراق، فها نحن نعرف اليوم، أيضًا دون إخطار الرأي العام والبرلمان، أن حكومة 14 مارس لم تفِ بتعهدها بإرسالها هذه البارجة إلى العراق.
وإذا كان أمر ثاباتيرو بسحب القوات الإسبانية من العراق قد أرضى 'الإرهابيين' الذين قاموا بأكبر 'مذبحة إرهابية' في تاريخنا، فينبغي أن نذكر أيضًا أنه كان بالنسبة لحلفائنا الغربيين بمثابة واحدة من أكبر الضربات في الظهر التي يمكن أن يكونوا قد تلقوها من قِبل أية حكومة إسبانية على الإطلاق، ليس للمساعدة التي فقدوها بقدر ما هو للقوة والآمال التي منحها ذلك القرار 'للإرهابيين' حيث جعلهم يؤمنون بأنه يمكنهم من خلال اختطاف واغتيال الغربيين طرد 'الكفار' وديمقراطيتهم البغيضة.
وفي كل الأحوال، نظرًا لأن معاداة الولايات المتحدة التي تتسم بها غالبية وسائل الإعلام هنا في إسبانيا قد تمكنت من جعل أنظار الرأي العام تتوجه ببغض سواء للأعداء الرئيسيين 'للإرهابيين الإسلاميين' أو لأهداف الحلفاء من نشر 'الديمقراطية' في العراق، فلم يشكل قرار ترك العراقيين وحلفائنا في ميدان القتال تحولاً انتخابيًا بالنسبة لثاباتيرو فحسب بل شكل كذلك- تمامًا كما قدر مسئولو 'مذبحة' 11 مارس- شَرَكًا انتخابيًا حقيقيًا.
وأن تحاول حكومة 14 مارس عقب ذلك تعويض حلفائنا سرًا، من خلال تعزيز وجودنا العسكري في أفغانستان أو إرسال بارجة دعم لقوات بوش، فلا يمكن أن يُقوّم ذلك ضرر أنه، مع ثاباتيرو، عَرّضت الديماجوجية [حكم الغوغاء] المسئولية للخطر، بل يكشف ذلك فقط عن حكومة لم تتردد، لتحل محل الحزب الشعبي- حزب أثنار-، في أن تساير اللعبة السياسية لمسئولي هجمات 11 مارس، تلك الحكومة التي تُذكرنا الآن بأن النفاق- كما عرّفه أحد الأمراء- هو الإجلال الذي تقدمه الرذيلة للفضيلة.'
ونشير إلى مقال آخر لفريق الدراسات الاستراتيجية الإسبانية 'جي إي إي إس' بعنوان 'لا حرب ولا سلام.. بل النقيض تمامًا'، نذكر منه:
'لازال مسئولو وزارة الدفاع يعانون من متلازمة طليطلة، التي تجعلهم يعتقدون أن الواقع مثل قطعة الصلصال، التي يمكن وضعها كل دقيقة في الشكل الذي يناسبهم أو يروق لهم. وعليه، يشيرون إلى أن البارجة التي تشكل جزءً من فريق قتالي في مهمة حرب تقوم بتدريبات. هل تتخيل أن يؤكد لك أحد أنه تم إرسال سرية دبابات مقاتلة إسبانية مفترضة من نوع ليوبارد برفقة الحملة العسكرية لاحتلال العراق، إلا أنها ذهبت للقيام بتدريبات فقط؟ ليس هناك شك في أن أفضل تدريب هو القتال وأننا، في النهاية، دخلنا في الحرب التي جرفنا إليها أثنار.
وفي كل الأحوال فمن المعروف أن بونو [وزير الدفاع الإسباني] ليس رجل مبادئ وإنما رجل مصالح وبديهيات؛ فيلتقي يومًا مع رامسفيلد بينما يدفع إسبانيا في اليوم التالي إلى سياسة غير مسئولة في فنزويلا، وليست صدفة على الإطلاق، فهناك سبب دائمًا. يمكننا أن نتأخر بعض الشيء في معرفته، إلا أنها مسألة وقت فقط، فمِن صداقته الوطيدة مع رامسفيلد قد نعلم أن الأمر له صلة وثيقة بالإبداء العلني لفشل ثاباتيرو وموراتينوس [وزير الخارجة الإسباني] في واشنطن، فقد تمكن بونو، دون أن يمحو فصلة من تصريحاته المناهضة لحرب العراق، أن يحظى على علاقات طبيعية، بل وودية، مع الإمبراطورية الأمريكية، إلا أن رامسفيلد لا يُهدي ابتسامات أو يودع زواره واقفًا معهم حتى باب الخروج دون مقابل؛ لقد قدم بونو تنازلات مثيرة تبدأ في الخروج إلى النور شيئًا فشيء.
إننا أول فرقة في أفغانستان، الأمر الذي يثير الدهشة إذا أخذنا في الاعتبار النقص في ميزانياتنا. لقد كان الأمر بمثابة وفاء بالوعد مع البنتاجون، إلا أنه قد لا يتم إرسال الوسائل اللازمة حتى يتمتع جنودنا بالأمن اللازم في الانتقال، ثم يتضح الآن أننا في حرب العراق وأننا علمنا بالأمر فقط لأن محرري صحيفة 'الموندو' قد علموا به من خلال قراءة صفحات موقع الإنترنت الخاص بكل من البحرية الأمريكية U.S. Navy وشركة نابانتيا لصناعة السفن Navantia . ولكن ألم نتفق على أن إحدى الامتيازات الرئيسية التي أتت بها الحكومة الاشتراكية الجديدة كانت أنه لن يتم أبدًا تجاهل البرلمان فيما يتعلق بقرار استخدام القوة؟ قل لي ما تظنه وسأقول لك ما ينقصك.
ولا يمكننا أن نؤكد أن تصرف بونو يعد غريبًا بالنسبة للعرف الاشتراكي، فإننا نذكر أن 'فيليبي جونثاليث' [رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكية السابقة لحكومة أثنار] كان قد أخفى تعهده للولايات المتحدة بأن تستخدم طائراتها القواعد الإسبانية في حرب الخليج، حيث كان 'جون ميجور' هو من أطلعنا، من خلال تصريحات أدلى بها في إحدى جلسات مجلس العموم، على أمر نشاط الطائرات بي-52 عبر سمائنا وأرضنا.
وفضلاً عن وجود البارجة 'ألبارو دي باثان' في أعمال قتالية بالعراق، فإننا نعلم أن بونو قد أخفى علينا تنازلات أخرى منحها لرامسفيلد من أجل الفوز بحظوته. ويبدو واضحًا أنه تم تخطي المناقشة الواجبة والنموذجية في البرلمان، إلا أنه مازال علينا حل اللغز الأخير، هل كان ثاباتيرو وموراتينوس على علم بأمر المهام التي كانت تقوم بها البارجة؟ هل كانا مدركين تمامًا للثمن الذي كانا يدفعانه حتى يمكن لبونو أن يواصل ممارسة حرب العصابات الخاصة التي يقوم بها ضد رئيسه ذاته؟ '.
منقول
غير متصل
