Untitled 1
 
  تريد فيو (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 352 )           »          كيفية شراء الاسهم الامريكية الحلال (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 455 )           »          افضل شركة توزع أرباح في السوق السعودي (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 593 )           »          حساب سعر الصرف (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 800 )           »          قصيدة رثاء في حمد الحضبي السبيعي (اخر مشاركة : عبدالله الحضبي - عددالردود : 0 - عددالزوار : 691 )           »          قمصان نوم تركي (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 601 )           »          فستان مناسبات (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 615 )           »          جلابيات مغربية (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 634 )           »          ايشارب حرير (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 550 )           »          رسوم الحساب الاستثماري في تداول الراجحي (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 965 )           »         
 

 
العودة   منتديات سبيع الغلباء > منتدى تاريخ الجزيرة العربية > تاريخ القبائل العربية
 

تاريخ القبائل العربية كل ما يخص القبائل العربية التي تسكن في الجزيرة العربية او تعود اصولها لها


التاريخ الجاهلي

كل ما يخص القبائل العربية التي تسكن في الجزيرة العربية او تعود اصولها لها


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 01 - 05 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

التاريخ الجاهلي :

اعتاد الناس أن يسموا تاًريخ العرب قبل الإسلام " التاريخ الجاهلي "، أو " تأريخ الجاهلية "، وأن يذهبوا إلى أن العرب كانت تغلب عليهم البداوة ، وأنهم كانوا قد تخلفوا عمن حولهم في الحضارة ، فعاش أكثرهم عيشة قبائل رحل ، في جهل وغفلة ، لم تكن لهم صلات بالعالم الخارجي ، ولم يكن للعلم الخارجي اتصال بهم ، أميوّن ، عبدة أصنام ، ليس لهم تاريخ حافل ، لذلك عرفت تلك الحقبة التي سبقت الإسلام عندهم ب " الجاهلية ".

و " الجاهلية " اصطلاح مستحدث ، ظهر بظهور الإسلام ، وقد أطلق على الحالة قبل الإسلام تمييزا وتفريقاً لها عن الحالة التي صار عليها العرب بظهور الرسالة ، على النحو الذي حدث عندتا وعند غيرنا من الأمم من إطلاق تسميات جديدة للعهود القائمة ، والكيانات الموجودة بعد ظهور أحداث تزلزلها وتتمكن منها ، وذلك لتمييزها وتفريقها عن العهود التي قد سمتها أيضاً بتسميات جديدة . وفي التسميات التي تطلق على العهود السابقة ، ما يدل ضمناً على شيء من الازدراء والاستهجان للأوضاع السابقة في غالب الأحيان .

وقد سبق للنصارى وهم أهل كتاب أن أطلقوا على العصور التي سبقت المسيح والنصرانية " الجاهلية "، أي " أيام الجاهلية "، أو " زمان الجاهلية "، استهجاناً لأمر تلك الأيام ، وإزدراءَ بجهل أصحابها لحالة الوثنية التي كانوا عليها ، ولجهالة الناس إذ ذاك وإرتكابهم الخطايا التي أبعدتهم ، في نظر النصرانية ، عن العلم ، وعن ملكوت الله . " وقد أغش الله عن أزمنة هذا الجهل فيبشر الآن جميع الناس في كل مكان إلى أن يتوبوا ".

وقد وردت لفظة " الجاهلية "، في القرآن الكريم ، وردت في السور المدنية ، دون السور المكية ، فدل ذلك على أن ظهورها كان بعد هجرة الرسول إلى المدينة ، وأن إطلاقها بهذا المعنى كان بعد الهجرة ، وأن المسلمين استعملوها منذ هذا العهد فما بعده .

وقد فهم جمهور من الناس أن الجاهلية من الجهل الذي هو ضد العلم أو عدم اتباع العلم ، ومن الجهل بالقراءة والكتابة ، ولهذا ترجمت اللفظة في الإنكليزية ب " The Time of Ignorance "، وفي ا لألمانية ب " Zeit der Unwissenheit " وفهمها آخرون أنها من الجهل بالله وبرسوله وبشرائع الدين وباتباع الوثنية والتعبد لغير الله ، وذهب آخرون إلى أنها من المفاخرة بالأنساب والتباهي بالأحساب والكبر والتجبر وغر ذلك من الخلال التي كانت من أبرز صفات الجاهلين . ويرى المستشرق " كولدتزهير " " Goldziher " أن المقصود الأول من الكلمة " السفه " الذي هو ضد الحلم ، والأنفة والخفة والغضب وما إلى ذلك من معان ، وهي أمور كانت جد واضحة في حياة الجاهليين ، ويقابلها الإسلام ، الذي هو مصطلح مستحدث أيضاً ظهر بظهور الإسلام ، وعمادة الخضوع لله والانقياد له ونبذ التفاخر بالأحساب والأنساب والكبر وما إلى ذلك من صفات نهى عنها القرآن الكريم والحديث الشريف .

وقد وردت الكلمة في القرآن الكريم في مواضع منه ، منها آية سورة الفرقان : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاماً ) ، وآية سورة البقرة : ( قالوا أتخذَنا هزواً ? قال : أعوذ بالله إن أكون من الجاهلين ) ، وآية سورة الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )، وآية هود : ( أني أعظك أن تكون من الجاهلين ). وفي كل هذه المواضع ما ينم على أخلاق الجاهلية . وقد ورد في الحديث : ( إذا كان أحدكم صائماً ، فلا يرفث ولا يجهل ) ، وورد أيضاً : " إنك امرؤ فيك جاهلية " وبهذا المعنى تقريباً وردت الكلمة في قول عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علـينـا
= فنجهل فوق جهل الجاهلينا

أي : لا يسفه أحد علينا ، فنسفه عليهم فوق سفههم ، أي نجازيهم جزاء يربي عليه . واستعمال هذا اللفظ بهذا المعنى كثير .

وجاء في سورة المائدة : " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " أي أحكام الملة الجاهلية وما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام والتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة .

وأطلقوا على " الجاهلية الجهلاء "، والجهلاء صفة للأولى يراد بها التوكيد ، وتعني " الجاهلية القديمة ". وكانوا إذا عابوا شيئاً واستبشعوه ، قالوا : " كان ذلك في الجاهلية الجهلاء ". و " الجاهلية الجهلاء " هي الوثنية التي حاربها الإسلام . وقد أنب القرآن المشركين على حميتهم الوثنية ، فقال : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) .

عندما تم ذكر الإسلام في صدد الحديث عن تأريخ العصر الجاهلي . وتم إعتباره على أنه مستحدث ، فلم يكن استحداثه هنا منسوبا لتأريخ الحالة العقائدية ، التي تنفي حالة استحداثه . إنما تم ذكر إستحداثها على الحالة التي نحن بصددها .

ولو عدنا للفظ الجاهلية ، كما لها من مدلول عملي ، فهي تعني عدم الحلم وعدم الإدراك والسفه والصبيانية . ففي العراق إلى الآن يطلق على الطفل ( جاهل ) . ويجمعونه ب ( جهال ) .

ومن المدلولات المعنوية ، للبلاغة في التسفيه في حالة المقارنة ، فإن العهد الذي يسبق عهد ذوي الخطاب السائد ، سيطلق عليهم ـ دون أدنى شك ـ ألفاظا تبرر حالة التغيير ، لإعطاء الخطاب الراهن أهميته وأهمية مبرراته ، ففي عهدنا الحالي ، ما أن يجري تغيير سياسي في منطقة أو دولة حتى ينهال الراهنون في الخطاب بكيل الصفات التي توحي للآخرين بأهمية التغيير ، فينعتوه بالعهد البائد والعهد الظالم الخ .. ونحن إذ نتتبع تطور الحالة العربية ، لا بد من الإفصاح عن غاياتنا من تناول هذا الموضوع وما يصب في نفس غاياته من مواضيع أخرى . منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .



رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
الباهلي
عضو نشط
رقم العضوية : 15625
تاريخ التسجيل : 07 - 09 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 32 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الباهلي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 02 - 05 - 2008 ]

الغالي / خيال الغلبا



كعادتك دائما تتحفنا بما يستحق القراءة


موضوع المصطلحات و اللعب عليها موضوع مهم للغاية ، لا سيما و أن له بعداً تحريضياً عانى منه العرب منذ مئات السنين و ما زالوا يعانون منه


فالكل يعلم بأن الشعوبيين و أعداء العنصر العربي قد تشبثوا كثيراً بهذا المصطلح (( جاهلية )) دون إدراك لمعناه الحقيقي وذلك إما جهلاً منهم أو تجاهلا


فوصوفوا العرب بأنهم عنصر همجي لم تقم له حضارة مادية قط و نسجو الكثير من الخرافات حولهم و حاولو إلصاق المثالب فيهم حتى ألفو في ذلك كتباً و مؤلفات

وقد كان الدافع من هذه التصرفات في العصر العباسي و ما بعده التخلص من عقدة النقص لدى يعض الشعوبيين من الشعوب التي دخلت الأسلام و اختلطت بالقبائل العربية، والتي أحست بالحقد اتجاه العنصر العربي الذي رأت فيه غازياً و مقوضاً لحضارتها و ملكها ، و لمواجهة العنصرية التي مورست عليهم من وجهة نظرهم من قبل بعض العرب لا سيما في العصر الأموي .

ولكن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك ، فقد اتخذ الحقَدة على ديننا الأسلامي - الغربيين و الشعوبيين و المنافقين من أبناء جلدتنا اليوم - من الطعن في الجنس العربي أداة للوصول إلى مآربهم ، فبإسقاطهم لحامل الدين و كاتب نصوصه تسهل عليهم مهمة التطاول على الدين ذاته ، ويصبح الطعن في العرب ليس إلا مدخلاً للهجوم على ديننا الأسلامي الحنيف .



إنما نقول لكل لاعبٍ بالمصطلحات أن للعرب قبل الإسلام حضارات مادية لا ينكرها سوى جاهل ، سواءا ً كانت في بابل أو في سبأ أو في غيرها ، ومع ذلك فإن الحضارة المادية مهما بلغت في تقدمها ليست دليلاً على حضارة شعوبها الفكرية ، فمصر القديمة بحضارتها المادية التى بنت الأهرام على جثث العبيد تبقى جاهلية، و مثلها حضارة الغرب المادية اليوم ستبقى دون نور الإسلام جاهلية مهما بلغت في تنظيمها المزعزم الذي يظهر الإنسانية و التقدمية و يبطن البطش و القتل و الجاهلية الفكرية و الثقافية .





أعتذر لهذا الإسهاب أيها الكريم




لك مني خالص الود و التحية




البــاهلــي

رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 3 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 02 - 05 - 2008 ]

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الباهلي مشاهدة المشاركة
الغالي / خيال الغلبا

كعادتك دائما تتحفنا بما يستحق القراءة

موضوع المصطلحات و اللعب عليها موضوع مهم للغاية ، لا سيما و أن له بعداً تحريضياً عانى منه العرب منذ مئات السنين و ما زالوا يعانون منه

فالكل يعلم بأن الشعوبيين و أعداء العنصر العربي قد تشبثوا كثيراً بهذا المصطلح (( جاهلية )) دون إدراك لمعناه الحقيقي وذلك إما جهلاً منهم أو تجاهلا

فوصوفوا العرب بأنهم عنصر همجي لم تقم له حضارة مادية قط و نسجو الكثير من الخرافات حولهم و حاولو إلصاق المثالب فيهم حتى ألفو في ذلك كتباً و مؤلفات

وقد كان الدافع من هذه التصرفات في العصر العباسي و ما بعده التخلص من عقدة النقص لدى يعض الشعوبيين من الشعوب التي دخلت الأسلام و اختلطت بالقبائل العربية، والتي أحست بالحقد اتجاه العنصر العربي الذي رأت فيه غازياً و مقوضاً لحضارتها و ملكها ، و لمواجهة العنصرية التي مورست عليهم من وجهة نظرهم من قبل بعض العرب لا سيما في العصر الأموي .

ولكن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك ، فقد اتخذ الحقَدة على ديننا الأسلامي - الغربيين و الشعوبيين و المنافقين من أبناء جلدتنا اليوم - من الطعن في الجنس العربي أداة للوصول إلى مآربهم ، فبإسقاطهم لحامل الدين و كاتب نصوصه تسهل عليهم مهمة التطاول على الدين ذاته ، ويصبح الطعن في العرب ليس إلا مدخلاً للهجوم على ديننا الأسلامي الحنيف .

إنما نقول لكل لاعبٍ بالمصطلحات أن للعرب قبل الإسلام حضارات مادية لا ينكرها سوى جاهل ، سواءا ً كانت في بابل أو في سبأ أو في غيرها ، ومع ذلك فإن الحضارة المادية مهما بلغت في تقدمها ليست دليلاً على حضارة شعوبها الفكرية ، فمصر القديمة بحضارتها المادية التى بنت الأهرام على جثث العبيد تبقى جاهلية، و مثلها حضارة الغرب المادية اليوم ستبقى دون نور الإسلام جاهلية مهما بلغت في تنظيمها المزعزم الذي يظهر الإنسانية و التقدمية و يبطن البطش و القتل و الجاهلية الفكرية و الثقافية .

أعتذر لهذا الإسهاب أيها الكريم

لك مني خالص الود و التحية

البــاهلــي
أخي الكريم الأغلى / الباهلي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على هذا التعقيب الثري على موضوع الجاهلية والجاهلية العربية جاهلية عقيدة وليست جاهلية حضارة وليس العنصر العربي بهمجي لأنه لم ينتك المحارم مثلما فعلوا ويكفي دليلا على ذلك قول الشاعر الجاهلي / عنترة بن شداد العبسي

وأغض طرفي حين تبدوا جارتي
= حتى يواري جارتي مأواها

ولابن ابن المقفع وهو من غير العرب كلام جميل حول العرب وتميزهم على العناصر الأخرى قبل الإسلام فلهم من الحضارة في جاهليتهم الشيئ الكثير ولقد أقر الإسلام ما كان منها حسنا مثل الضيافة ثلاثا والعاقلة وغيرها ومن حضارتهم الطب والقيافة وصفاء الأذهان واللغة لعدم مخالطتهم الأمم المجاورة والشعوبيون أعداء لديننا ألبسوا عداءهم ثوب الأدب في الدولة العباسية لما تمكنوا كما تفضلت والسبب في ذلك كرههم لكل ما هو عربي لأن المجاهدين العرب المسلمين هم الذين أسقوا حضاراتهم المزعومة الكسروية والقيصرية فارس والروم ولكن علماء الإسلام تصدوا لهم ولمؤلفاتهم في مثالب العرب وغيرها والحديث ذو شجون وفي المنتدى مقال جميل عن الشعوبية بثوبها الجديد حبذا لو اطلعت عليه لأن الشعوبيين الجدد شككوا في الشعر الجاهلي ليصلوا بذلك مع أساتذتهم من المستشرقين والمستغربين للتشكيك بثوابت الإسلام والتي بلغتنا بالتواتر ينقلها جيل عن جيل يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب والفيصل للأمة العربية الإسلامية هو قول الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة بغيره أذله الله هذا وتقبل فائق الشكر والإمتنان مقرونا بجزيل المحبة والإحترام مع أطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .


رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 4 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 02 - 05 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم / الباهلي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : روى ابن الكلبي قال : كانت في العرب خاصة عشر خصال , لم تكن في أمة من الأمم , خمس في الرأس , وخمس في الجسد , فأما التي في الرأس : الفرق , والسواك , والمضمضة والإستنثار وقص الشارب , وأما التي في الجسد : فتقليم الأظافر , ونتف الأبط , وحلق العانة , والختان , والإستنجاء , وكانت في العرب خاصة القيافة , لم يكن في جميع الأمم أحد ينظر إلى رجلين أحدهما قصير والآخر طويل , أو أحدهما أسود والآخر أبيض فيقول : هذا القصير ابن هذا الطويل , وهذا الأسود ابن هذا الأبيض إلا في العرب . العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي 0/209-210 . وعن شبيب بن شيبة قال : كنا وقوفاً بالمربد , وكان المربد مألف الأشراف , إذ أقبل ابن المقفع , فبششنا به وبدأناه السلام , ثم قال : لو ملتم إلى دار نيروز وظلها الظليل , ونسيمها فعودتم , أبداناكم تمهيد الأرض , وأرحتم دوابكم من جهد الثقيل , فعن الذي تطلبونه لن تفاتوه , ومهما قضى الله لكم من شيء تناوله , فقبلناها وملنا , فلما استقر بنا المكان , قال لنا : أي الأمم أعقل ؟ فنظر بعضنا الى بعض , فقلنا : لعله أراد أصله من فارس , قلنا فارس . فقال : ليسوا كذلك , إنهم ملكوا كثيرا من الأرض , ووجدوا عظيما من الملك وغلبوا على كثير من الخلق , ولبث فيهم عقد الأمر , فما استنبطوا شيئا بعقولهم , ولا ابتدعوا باقي حكم بنفوسهم , قلنا : الروم , قال : أصحاب صنعة . قلنا الصين : قال أصحاب طرفة . قلنا الهند : قال : أصحاب فلسفة . قلنا : قل ؟ , قال العرب , قال : فضحكنا , قال : أما إني ما أردت موافقتكم , ولكن إذا فاتني حظي من النسبة فلا يفوتن حظي من المعرفة : إن العرب حكمت على غير مثال مثل لها , ولا آثار أثرت , أصحاب إبل وغنم وسكان شعر وأدم , يجود أحدهم بقوته , ويتفضل بمجهوده , ويشارك في ميسوره ومعسوره , ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة , وبفضله فيصير حجة , ويحسن ما شاء فيحس , ويقبح ما شاء فيقبح , أدبتهم أنفسهم , ورفعتهم هممهم , وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم , فلم يزل حياء الله فيهم , وحبائهم في أنفسهم حتى رفع الله لهم الفخر وبلغ بهم اشرف الذكر فختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر , وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر , على الخير فيهم دلهم , فمن وضع حقهم خسر , ومن أنكر فضلهم خصم , ورفع الحق باللسان أكبت للجنان . / العقد الفريد , لابن عبد ربه الأندلسي 2/210 . ومما خص الله عزوجل العرب به : طهارتهم , ونزاهتهم عن الأدناس التي استباحها غيرهم من مخالطة ذوات المحارم وهي منقبة تعلو بجمالها كل مأثرة . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد جنس العرب أفضل من جنس العجم ، عبرانيهم وسريانيهم ، رومهم وفرسهم ، وغيرهم ، وأن قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم ، فهو أفضل الخلق نفسا ، وأفضلهم نسبا ، وليس فضل العرب ، ثم قريش ، ثم بني هاشم ، بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وإن كان هذا من الفضل ، بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا ، وإلا لزم الدور . ولله تعالى الحكمة البالغة في أن إختار لهذه الرسالة رجلا عربيا ، وليس هذا موضع بيان ما بلغ إليه العلم من تلك الحكم ، وقد قال الله تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) . بيد أنا نقول : إن الرسول لما كان عربيا ، كان بحكم الضرورة يتكلم بلسان العرب ، فلزم أن يكون المتلقون منه الشريعة بادئ ذي بدء عربا ، فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها ، وهم من جملتهم ، واختارهم الله لهذه الأمانة ، لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم ، وتلك هي : جودة الأذهان . وقوة الحوافظ . وبساطة الحضارة والتشريع . والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم . فهم بالوصف الأول : أهل لفهم الدين وتلقيه . وبالوصف الثاني : أهل لحفظه ، وعدم الإضطراب في تلقيه . وبالوصف الثالث : أهل لسرعة التخلق بأخلاقه ، إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة ، ولم يكونوا على شريعة معتد بها متماثلة حتى يصمموا على نصرها . وبالوصف الرابع : أهل لمعاشرة بقية الأمم ، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى ، فإن حزازات العرب ما كانت إلا بين قبائلهم ، بخلاف مثل الفرس مع الروم ، ومثل القبط مع الإسرائيليين . ولا عبرة بما جرى بين بعض قبائل العرب وبين الفرس والروم في نحو يوم ذي قار ، ويوم حليمة ، لأنها حوادث نادرة ، على أن العرب كانوا فيها يقاتلون انتصارا لغيرهم من الفرس أو الروم ، فإحنهم معهم محجوبة بإحن من قاتلوا وهم وراءهم . ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني ، صاحب الإمام أحمد ، في وصفه للسنة التي قال فيها : ( وهذا مذهب أهل العلم ، وأصحاب الأثر ، وأهل السنة المعروفين بها ، المقتدى بهم فيها ، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها ، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب ، أو طعن فيها ، أو عاب قائلها ، فهو مبتدع ، خارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ، وهو مذهب أحمد ، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وعبد الله الحميدي ، وسعيد بن منصور ، وغيرهم ، ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم ). منقول بتصرف وأنت سالم وغانم والسلام .

http://www.sobe3.com/vb/showthread.p...DA%E6%C8%ED%C9



التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 02 - 05 - 2008 الساعة 19:09
رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 5 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 17 - 07 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمــية التــاريـــخ :

أمة لا تعرف تاريخها .... لا تحسن صياغة مستقبلها ..... صنف العلماء التاريخ ضمن العلوم التي تخدم الشريعة الإسلامية ، إذ أن َصِلَته بعلم الحديث لا تخفى ولذلك قيل ( لم يُستعَن على الكذابين بمثل التاريخ )، وقال سفيان الثوري رحمه الله : " لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ " لذلك صارت منزلة التاريخ منزلة عظيمة يقول ابن الأثير رحمه الله : " ومن رزقه الله طبعاً سليماً وهداه صراطاً مستقيماً علم أن فوائدها ـ أي فوائد دراسة التاريخ ـ كثيرة ومنافعها الدنوية والأخروية جمة غزيرة " لما كان التاريخ مرآة الأمم ، يعكس ماضيها ، ويترجم حاضرها ، وتستلهم من خلاله مستقبلها ، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به ، والحفاظ عليه ، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً ، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهم ومستقبلهم . فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوام الأمم ، تحيى بوجوده وتموت بانعدامه . ونظراً لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة - فيما لجؤوا إليه - إلى تاريخ هذه الأمة ، لتفريق جمعها ، وتشتيت أمرها ، وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيراً من الحقائق ، وقلب كثيراً من الوقائع ، وأقاموا تاريخاً يوافق أغراضهم ، ويخدم مآربهم ، ويحقق ما يصبون إليه . وهذا المقال سيكون بمثابة مدخل بسيط لهذا الموضوع نقصر القول فيه على بيان أهمية التاريخ في حياة الأمم عموماً وحياة المسلمين خصوصاً فنقول :

1- التاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس ، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ حال تشابه الأسماء والاشتراك فيها .

2- التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها ، كما حصل في كتاب أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة معاوية وسعد بن معاذ ، وعند التحقيق والتدقيق يتبين لنا أن معاوية أسلم بعد الفتح ، وسعد قد مات يوم بني قريظة ، قبل خيبر بسنتين ، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر .

3- التاريخ يعين على معرفة تاريخ الرواة ، من جهة وقت الطلب واللقاء ، والرحلة في طلب العلم، والاختلاط والتغير ، وسنة الوفاة ، وحال الراوي من جهة الصدق والعدالة

4- التاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ ، إذ عن طريقه ، ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر .

5- التاريخ تُعرف به الأحداث والوقائع وتاريخ وقوعها ، وما صاحبها من تغيرات ومجريات .

6- التاريخ يعين على معرفة حال الأمم والشعوب ، من حيث القوة والضعف، والعلم والجهل، والنشاط والركود ، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها .

7- التاريخ الإسلامي صورة حية للواقع الذي طُبق فيه الإسلام ، وبمعرفته نقف على الجوانب المشرقة في تاريخنا فنقتفي أثرها ، ونقف أيضاً على الجوانب السلبية فيه فنحاول تجنبها والابتعاد عنها .

8- التاريخ فيه عظات وعبر ، وآيات ودلائل ، قال تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } ( الأنعام :11).

9- التاريخ فيه استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا .

10- التاريخ فيه شحذ للهمم ، وبعث للروح من جديد ، وتنافس في الخير والصلاح والعطاء

11- التاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ، وتركت صفحات بيضاء ناصعة ، لا تُنسى على مر الأيام والسنين .

12- ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين ، والحذر من المزالق التي تم الوقوع فيها عبر التاريخ ، أخذاً بالهدي النبوي فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) متفق عليه . منقول وانتم سالمون وغانمون والسلام .


رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 6 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 19 - 08 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

من ميزات الإسلام أنه استطاع صهر المجموعات البدوية والحضرية في نسق واحد ووجههم في خط الرسالة

بقلم الكاتب السوري / عبد الرحمن حللي :

تعتبر البيئة التي شهدت ختم النبوة ذات دلالة هامة حول علاقة الرسالة بالواقع والسياق الجغرافي والتاريخي الذي بدأت فيه ، كما أن معرفتها مهمة في فهم طبيعة الرسالة الخاتمة وخصائصها ، والإلمام بهذه البيئة يكتنفه الكثير من الصعوبات والغموض , لا سيما فيما يخص الواقع الديني الذي كان سائداً آنذاك ، إذ المراجع التاريخية حول هذه المرحلة وفي الجانب الديني بالخصوص قليلة جداً ، وما وجد منها لا يفيد في الموضوع , إلا إشارات ودلالات عامة لا تفسر العقلية والتفكير الديني الذي كان سائداً , بخلاف مناطق ومراحل تاريخية أخرى , إذ توجد حولها نصوص ونقوش مفصلة أحياناً ، وهذا ما عانى منه مختلف المؤرخين الذين اشتغلوا في الموضوع (1) .

أما النص القرآني فأسلوبه بشكل عام يبتعد عن التفصيل في المواضيع التاريخية , إذ يأتي بذكرها لتحقيق هدف خاص هو العبرة والنقد والتوجيه نحو المستقبل , واكتشاف السنة الإلهية ، لذلك فهو غير صريح في الدلالة على ما كان سائداً ، لكن ما ورد فيه من نقد متواتر لما كان سائداً من عادات وتقاليد وأفكار يمكن أن يكون مرجعاً غير مباشر لاكتشاف تلك البيئة المثيرة (2) .

وهذا ما سنتتبعه في هذه المقاربة مستأنسين ببعض ما ورد في الدراسات التاريخية المتخصصة في تلك المرحلة ، وقد لوحظ أن القرآن يقدم عن الدين الجاهلي صورة تختلف تماماً عما تقدمه كتب التاريخ والأدب (3)، لا سيما وأن تلك المصادر سعت إلى تقليل شأن عصر النبي وبيئته قبل البعثة من الناحية المادية والأدبية , والمدارك العقلية حيث تصفها بصفات الجهل والانحطاط والغلظة .. ، وهي نظرة تخالف ما تلهمه نصوص القرآن عن تلك الفترة (4) .

المجتمع بين البدو والحضر :

من الصعوبات التي نود أن نشير إليها والتي لم يسعف فيها النص القرآني ولا الدراسات التاريخية الخلط في المصادر بين البيئة الحضرية المكية التي بعث فيها الرسول وبين عادات وتقاليد أهل البدو والمناطق غير الحضرية ، فما ورد عن العرب في الجزيرة العربية يتم تداوله مجملاً من غير تفصيل (5)، فهل ما ورد كان خاصاً بأهل مكة من العرب , أم يشمل ما جاورهم في أصقاع الجزيرة العربية من بواد وحواضر أخرى غير مكة وهي غير قليلة وعلى صلة مباشرة بأهل مكة ، وما يدعو إلى إثارة هذا التساؤل ما يمكن ملاحظته من تناقض في العادات (6)، والقيم الواردة عنهم مجملة دون تفصيل ، بل إن بعض المستشرقين شكك في مدينة مكة باعتبارها محطة للقوافل (7) .

وإذا تأملنا في القرآن نجد إشارات خاصة إلى الأعراب (8) الذين يكونون عادة حول القرى (9)، وبينت الآيات بعض أخلاقهم وعاداتهم وكيفية تعاملهم مع الرسول مشيرة إلى كونهم أشد كفراً وغلظة من أهل الحضر (10)، مما يدل على تفاوت في قيم التعامل مع الرسالة بين أهل القرى وأهل البادية ، كما أن الأعراب أنفسهم - كما تشير الآيات - لم يكونوا على درجة واحدة في تلقي الرسالة وتعاملهم معها (11)، ومما يلح على ضرورة التمييز بين البدو الحضر هو ظاهرة تعميم حال البدو الرُّحَّل , واعتبارهم مقياساً للثقافة العربية فيما قبل الإسلام (12).

لكن بعض الباحثين لاحظ ضرورة إعادة الاعتبار للقرشيين الذين كانوا أكثر وعياً وذكاء وإنسانية من الجموع البدوية ، وأنه كانت لهم قدرات أخلاقية وفكرية استثنائية ، لا يستبعد أنها تكرست عبر تحول الشخصية لأناس كانوا بدواً في الماضي , وذلك بفضل الاستقرار الذي ساعد عليه توطد التجارة في مكة (13).

وأن هذا الوضع الجديد للقرشيين في مكة أدى إلى دخول قيم جديدة بفضل الثروة , ومن هذه القيم النزعة الفردية , وروح المنافسة مقابل المثل الجماعية التي كانت طاغية , ويحاول هذا التفسير إبراز حاجة المجتمع إلى قيم جديدة تحافظ على القبيلة (14) .

أياً يكن الأمر فيما يخص الاختلاف بين أهل القرى وأهل البادية وما كان سائداً بين كل من نظُمٍ وقيمٍ ، فإن من ميزات الإسلام أنه استطاع صهر المجموعات البدوية والحضرية في نسق واحد ووجههم في خط الرسالة (15)، والأهم هو فهم هذا المنهج القرآني من خلال الأفكار التي نقدها القرآن مجملة من غير تفصيل بيئتها وخلفيتها وأصحابها ، كما هو الشأن في الكثير من القصص القرآني .

فما لم يكن التاريخ مؤثراً في العبرة والدلالة يهمل ، والذي يمكن تلمسه من خلال هذا العموم القرآني في الحديث عما كان سائداً قبل البعثة هو الثراء والتنوع والتناقض في القيم والأديان والعادات التي كانت سائدة قبل البعثة ، حتى اعتبرت الجزيرة العربية مختزلة لأديان ومعتقدات العالم السماوي منها والأرضي (16).

وفي هذا الإطلاق والتنوع في بيئة جغرافية مركزية تشهد حركية منقطعة النظير بين مختلف المناطق من العالم دلالة على الحكمة من كون الرسالة الخاتمة تنطلق من هذه البيئة إلى العالم , إذ ستأخذ طابع البيئة التي انطلقت منها وهو العالمية ، وهذا ما يدعونا إلى اكتشاف مكة في عصر ما قبل البعثة , وما أهَّلها لاحتضان مبعث النبوة الخاتمة .

مكة قبل البعثة :

إذا ذكرت مكة تعود الذاكرة إلى إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ورفعهما القواعد من البيت , ونداء إبراهيم في الناس بالحج ، ودعاء إبراهيم لأهل هذا البيت (17)، وفي هذه الإشارة والعلاقة بين إسماعيل وذريته والبيت الحرام دلالة على التقابل مع إسحق , وتوالي الأنبياء من ذريته ، فكانت ذرية إبراهيم قد شرفت بالتاريخ الرسالي والجغرافية المقدسة والمحرمة ، فلئن اختص نسل إسحق بالأنبياء فإن نسل إسماعيل ارتبط بالمكان الذي أصبح مركزاً ومآلاً للرسالات التي ختمت به ؛ لتنطلق إلى العالم بصيغة نهائية تناسب الكونية التي غدت تحتلها مكة وبيتها الحرام ، أول بيت وضع للناس (18)، الذي سيصبح مركز التاريخ الإنساني (19) .

هذه المركزية والعمق التاريخي لمكة الذي يشير إليه القرآن يدعو لمعرفة أحوالها , وذلك لفهم الأساس الذي قام عليه الإسلام (20).

يطلق القرآن على مكة اسم أم القرى (21) مما يحمل دلالة على محوريتها بين القرى الأخرى التي ترجع إليها , وتقلدها كعاصمة توجه المنطقة (22)، فموقفها من أي قضية يؤثر بموقف المناطق الأخرى حتى إذا فتحت ودانت بالإسلام تبعها الناس (23)، ومما لا يحتاج إلى تأكيد أن وجود الكعبة ومناسك الحج فيها كان العامل الأكبر في مكانة مكة , والمركز المعنوي الذي تتمتع به (24).

إضافة إلى ما كانت تتمتع به من حركية تجارية بفضل موقعها على الطريق التجاري البري بين اليمن وبلاد الهلال الخصيب ، وممارسة أهلها للتجارة مع مختلف بقاع العالم براً وبحراً ، وكذلك المهن المرتبطة بالتجارة (25)، والقرآن يحفل بالآيات الدالة على ذلك .

فالقرآن يستعمل تعابير مالية وتجارية لا بد كانت مفهومة ومتداولة مثل : الحساب والميزان والقسطاس والذرة والمثقال والقرض ، كما ذُكرت السفن والجواري والمنشآت في البحر ، وتردد فيه ذكر تجارة البحر ، كما كانت ظاهرة الاستثمار بالربا والقرض ظاهرة منتشرة كما تدل آيات الربا في القرآن ، وسورة قريش (26) واضحة الدلالة على الرحلات التجارية البرية , وما كان يعقد فيها من اتفاقيات وعلاقات ، والسور المكية تحفل بما يدل على ثرواتهم الطائلة (27).

كما أن عاداتهم في استقبال القوافل التجارية بقيت مستمرة لما بعد الإسلام (28)، كل ذلك يدل على المكانة التجارية التي كانت تحتلها مكة قبل البعثة ، ويستتبع هذه المكانة مستوى من الوعي الضروري الذي أهَّلهم للقيام بهذا الدور .

هذا والمكانة الدينية التي تحتلها مكة منذ القديم (29) هي العامل الأساسي في نجاحها التجاري , إذ شكل موسم الحج فيها سوقاً تجارياً سنوياً ، والأهم من ذلك ما وفره الحرم من أمن لمكة , تلك المدينة التي لا تمتلك عوامل الأمن الطبيعية فجاء أمنها من قدسيتها واحترامها عند الناس , وقد أشار القرآن إلى هذا الجانب في قوله تعالى : " وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا , أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ " [ القصص : 57 ].

بل هناك آية قرآنية صريحة في كثرة خيراته , وهي" يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ " وقد أشار اللَّهُ إلى العلاقة بين الكعبة وموسم الحج وبين التجارة التي فيها قوام الحياة في قوله تعالى : " جعل الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ " [ المائدة : 97 ] (30).

قدسية مكة ومكانتها هذه فرضت بعض الوظائف الدينية والاجتماعية لدى أهل مكة الذين شرفوا بها ، وهي وظائف متداخلة ، فهي اجتماعية باعتبار علاقة الأقوام والقبائل بها , ودينية من حيث ارتباطها بالبيت الحرام ورعايته ، ومن هذه الوظائف التي أشار القرآن إلى قيامهم بها : النسيء وهو تحديد مواعيد الأشهر الحرم من كل عام بما يتناسب مع مصالحهم (31)، والسقاية وعمارة المسجد الحرام ورعايته (32).

هذه الصورة العامة لواقع مدينة مكة تدل على كونها مدينة تمتلك من مقومات النظام ما يؤهلها لقيادة ما حولها من الحواضر ، بل وتنظيم العلاقات واللقاءات بين مختلف القبائل والوفود القادمة إليها ، ولئن كان غامضاً طبيعة النظام الذي كان سائداً فإن هناك إشارات قرآنية عديدة إلى بعض الآليات التي كانت سائدة في إدارة مكة وقيادتها ، من ذلك ظاهرة النوادي التي كان يجتمع فيها الناس ويتداولون الشأن العام , وقد أشار القرآن إلى ذلك (33).

إضافة إلى العديد من المفردات التي تم تداولها في القرآن , والتي تدل على وجود ملامح الشوكة والسلطة والحكم في تلك البيئة ، من ذلك : الجند ، الإثبات والإخراج من مكة ، الملأ ، الحبس ، السجن ، أولو الأمر .. ، كل هذه المفردات تدل على مفهوم السلطة , وقد استعملت في آيات مكية ، ومنها ما هو مباشر يخص أهل مكة , ومنها ما يدل السياق على علمهم بمضمونها ومعانيها (34).

ونفس الأمر بالنسبة للقضاء فهناك آيات ومصطلحات – أبرزها مفردة الحكم ومشتقاتها - تدل على وجود نمط من السلطة القضائية تحل النزاعات بين الناس ، وكانت تستند إلى التقليد والعرف ، ويقوم بها الوجهاء ، وتتم بالاختيار (35).

هذا عن المعالم العامة لمكة قبل البعثة ، أما الشرائح السكانية التي كانت تقطن في مكة فهناك آية تشير إلى وجود بعض الأجانب إلى جانب العرب (36)، لكن هناك آيات مكية كثيرة (37) تدل على وجود جالية لا بأس بها من أهل الكتاب يعيشون مع العرب في مكة وأكثرهم من النصارى وفيها بعض اليهود (38).

أما جذور وتاريخ اليهود في الجزيرة العربية فليس هناك من النصوص التاريخية ما يتحدث عن وجودهم قبل الميلاد , أما بعده فقد ثبتت هجرتهم إلى الحجاز إثر ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين (39)، أما النصرانية فقد دخلت الحجاز عن طريق التبشير والنساك والرهبان الذين قدموا إليها (40).

وقد دخل بعض العرب في النصرانية , أما اليهود فقد كانوا أقلية في مكة , وانتشروا في المدينة أكثر , ويدل الخطاب القرآني لهم بـ ( بني إسرائيل ) على الإطلاق على الصلة بين معاصري عصر الرسول وأسلافهم وعلى كونهم طارئين على الحجاز , وأنهم غير عرب (41).

هذه الجالية الأجنبية المقيمة بمكة بما تحمله من أفكار وعادات ، إضافة إلى الوفود السنوية من مختلف المناطق التي تفد إلى مكة في موسم الحج أو القوافل التجارية التي تمر عبر طريقها ، كل ذلك سيكون له دوره في التلاقح الفكري الذي من الطبيعي أن يكون له أثره في أفكار وربما عقائد المكيين ، وفضلاً عن هذا الجانب فإن لحضور هذه الجاليات دلالة على كون مكة فضاء مفتوحاً , وكون المكيين على إحاطة بما يجري في العالم , وعلى اتصال دائم بما حولهم ، كل هذه المعطيات تؤكد المكانة الحضارية التي كانت تمتاز بها مكة مما أهلها لاحتضان الرسالة الخاتمة التي ستنطلق إلى العالم المختزل في عالم مكة الأرخبيلي .

لكن المحور الأهم في حياة المكيين هو الأفكار والعقائد التي كانت سائدة قبل البعثة ، ولئن كان القرآن المكي يشتمل على بيانها فإن السياق القرآني يعالج هذه الأفكار خارج إطار الزمان والمكان ، وليس من الضروري أن تكون الأفكار المطروحة للنقد هي أفكار أهل مكة باعتبار أن الدعوة كانت تنطلق إلى جميع الناس , حتى الوفود الذين يردون إلى مكة أو القاطنين خارجها ، مما يقتضي اتباع السياق القرآني , وتناول تلك الأفكار خارج السياق التاريخي والجغرافي ، ويؤكد أهمية ذلك ما أشرنا إليه سابقاً من تداخل أفكار أهل البدو مع أهل الحضر دون تمييز .

لهذه الاعتبارات سنتناول الأفكار والعقائد التي كانت سائدة قبل البعثة , والتي يشير إليها القرآن , وذلك بغض النظر عمن كان يتبناها ، والمكان والتاريخ الذي كانت منتشرة فيه ، المهم حضورها في عصر الرسول .

الأفكار والعقائد / البيئة الدينية والفكرية قبل البعثة :

يحتل المجتمع الجاهلي مساحة كبيرة من آيات القرآن , إذ بلغت الآيات التي تناولته /1575/آية ، منها /1096/آية مكية و/479/آية مدنية ، وتشكل عقائد المجتمع الجاهلي نسبة 54% من الآيات ، ومعظمها مكي ، وقد توزعت القضايا العقدية فيها على ثلاثة محاور : الشرك = 514، البعث =282، إنكار الوحي =69 (42).

هذه المعطيات العددية إن دلت على شيء فإنما تدل على أهمية تلك المرحلة , وضرورة معرفتها لما لها من أثر في تصور الإضافة التي جاءت بها الرسالة الخاتمة ، والتركيز القرآني على مجموعة من العقائد المركزية , يشير إلى أهميتها في مضمون الرسالة الجديدة .

سنحاول استكشاف المحاور الرئيسية للأفكار والعقائد التي كانت سائدة مستلهمين ذلك من آيات القرآن مع الإحالة على أماكن تفصيلها في كتب اختصت بالموضوع ، وسنركز على ثلاثة محاور : الأفكار والعادات العامة , وسنجمل فيها ما ساد من عادات وتقاليد اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية بشكل عام ، ثم نثني بالعقائد الدينية التي كانت سائدة , ونتبع ذلك بالطقوس الدينية المنتشرة .

1- الأفكار والعادات العامة :

يوصف المجتمع الذي سبق البعثة بالجاهلية , وهو وصف وارد في القرآن على بعض الجوانب في ذلك المجتمع (43)، فهو وصف نسبي ينطبق على الجانب العقدي وما يرتبط به , وبعض العادات الاجتماعية , ولا تصح هذه التسمية من الناحية الثقافية (44)، فلم يكن مجتمع ما قبل البعثة كما تصوره الكثير من المصادر مجتمعاً معزولاً عن العالم , أو لا يعرف من العلوم شيئاً بل العكس ، إذ كان لدى العرب أدب ولغة في غاية التطور ، وكانت لديهم معارف بالأنساب والتاريخ والفلك ، فضلاً عما تقتضيه الحركة التجارية التي كانت سائدة في المنطقة من علم بالاقتصاد والحساب والكتابة ، والدلائل كثيرة على إلمام العرب بالقراءة والكتابة وانتشارها بينهم (45).

هذا التقدم الحضري الذي سبق البعثة يذكرنا بالبيئات التي بعث بها الرسل من قبل , والتي كانت تتميز بكونها مجتمعات حضرية متقدمة , وربما بلغت شأواً في العلم والتقدم المادي ، هذا الجانب المادي عندما يطغى على الجانب الأخلاقي يسود الظلم , ويصل بالمجتمع إلى مأزق روحي ، فيأتي التدخل الإلهي عبر إرسال الأنبياء لتصحيح مسيرة الناس , وردهم إلى فطرتهم , والإيمان بالله الذي يقتضي العدل , وإعارة الجانب الروحي من حياة الإنسان حقه ، فالتقدم المادي لا يستلزم رقياً دينياً أو روحياً , بل ربما كان عائقاً أمام انتشار القيم والمثل التي يحافظ عليها قلة في المجتمع ، وهذا ما كان عليه حال المجتمع الذي سبق بعثة الرسول .

فمن العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر التمييز ضد المرأة المتمثل في مختلف الجوانب المتعلقة بها من طرق النكاح والطلاق إلى الإرث والوأد ، وإن كانت هناك شريحة من النساء في نفس المجتمع تأخذ دوراً اجتماعياً متميزاً ينافس الرجل كالتجارة , والمشاركة في الدفاع عن المجتمع وقيمه ، وقد حكى القرآن مناهضة نماذج من نساء ذلك العصر الدعوةَ الجديدة وإيذائهن الرسول (46).

وهذا التفاوت في دور المرأة المتراوح بين كونها سبَّة وعاراً ومتاعاً , وبين ممارستها لدور قيادي في المجتمع يحمل إحدى دلالتين : إما تنوع الموقف من المرأة واختلافه بين الحضر والبدو , أو بين القبائل , أو بين المناطق , أو بين أصناف من النساء في المجتمع الواحد , وقد حكى القرآن جميع الصور التي كانت موجودة بإجمال دون تفصيل , مع تقويمها وتصحيحها , ودعم ما هو صواب وإيجابي منها .

والدلالة الثانية المحتملة أن المرأة كانت تتعامل مع تلك القيم التي تضطهدها على أنها أمر واقع وقانون اجتماعي ينبغي الرضا به وقبوله دون أن يمنعها من ممارسة دور ما يسمح به المجتمع ، وهذه العادات المتعلقة بالأحوال الشخصية والعلاقة مع المرأة إنما هي عادات اجتماعية لا ترتبط بالدين الجاهلي إلا في بعض الجوانب منها , سنشير إليها لاحقاً .

الجانب الآخر الذي كان سائداً من العادات , والذي كان يحمل أكثر من وجه من الناحية القيمية هو ظاهرة الولاء والعصبية بين أفراد القبيلة ومن يدخل في حلفهم ، وكان هذا الجانب يمثل رابطة العقد السياسي الذي ينظم المجتمع , ويقوده ويضمن فيه الأمن والحفاظ على الحوزة ووحدة القبيلة ، وقد أورثت هذه العادة بعض الجوانب الإيجابية التي استثمرها الإسلام ورعاها مثل : التآلف والتآزر ومساعدة الضعيف والجوار ..

لكن الجانب الخطير لهذه العادات هو ما تورثه العصبية العمياء من ظلم واعتداء وسفك للدماء , وذلك بالثأر ومناصرة القبيلة , سواء كانت على حق أو باطل ، فجاء الإسلام يصحح هذه المظاهر ويقومها (47).

إضافة إلى هذه العادات كانت ظاهرة الطبقية والرق منتشرة عندهم ، لكن العتق كان مكرمة يمتدح بها ممارسوها , وقد حارب الإسلام هذه الظاهرة , وشجع على مكرمة العتق التي كانت منتشرة كفضيلة بين الناس(48).

هذه هي أهم العادات التي كانت سائدة , أوردنا مجملها من غير تفصيل ؛ لأن تفاصيلها كثيرة وما أحلنا عليه من مراجع يغني عن التكرار , إنما أردنا الإشارة إلى الطابع المزدوج من الناحية القيمية لهذه العادات ، وكيف تعامل القرآن معها مستثمراً الإيجابي منها , ومصححاً للجانب المظلم منها ، وهذا المسلك القرآني مع العادات سيتكرر مع الجانب الديني الذي سنتناوله في الفقرة التالية .

2 - الفكر الديني قبل البعثة :

تطالعنا آيات القرآن بأسماء أديان كانت معروفة ومتداولة لها معتنقوها في ذلك العصر وهم : اليهود والنصارى والصابئون والمجوس والمشركون (49)، وقد كان لهذه الأديان حضور وتواصل بين أتباعها ، مما يجعل من الطبيعي أن يكون بينهم حوار وتأثر متبادل ، وسنعرِّف بكل فريق منهم في إطاره الزماني والمكاني .

اليهود والنصارى :

أشرنا قبل قليل إلى وجود جالية من اليهود والنصارى في مكة ، وكان لهم حضور أكبر في المدينة ، وقد اعتنق بعض العرب النصرانية ، وكان لبعضهم مكانة متميزة في المجتمع ، وكانت تجري بينهم وبين المشركين حوارات وجدل في قضايا مختلفة ، وقد تأثر بهم العرب , وتعلموا منهم بعض الفنون والقصص وأخبار الأنبياء والأمم الغابرة , فكان لعلمهم بالكتاب تميز على العرب الذين كانوا ينتظرون نبياً يبعث فيهم , بينما كان أهل الكتاب يدَّعون أن النبي سيبعث منهم (50).

وكان لهم تأثير في أفكار العرب الدينية لكن دون أن يتمكنوا من اكتساح الوثنية الجاهلية ؛ ففضلاً عن كون اليهودية ديانة قومية لا تسعى لإدخال الناس فيها فإن أفكارها لا تناسب بيئة العربي الذي يسعى للحصول على الغنائم من الحروب بينما تحرم اليهودية الانتفاع بها ، وكذلك المسيحية لم تكن لتقنع العربي الذي يحب الثأر أن يدير خده الأيسر لمن ضربه على خده الأيمن كما تدعو المسيحية (51).

لكن ذلك لم يمنع من انتشار النصرانية بين بعض القبائل العربية (52)، وقد كان لأفكار اليهود والنصارى أثر في تطور الفكر الديني العربي الذي تقدم عليهم أحياناً كما سيتم الإشارة إليه ، هذا ويتميز النصارى على اليهود بحسن علاقتهم مع المسلمين وتعاملهم السلمي مع الدعوة الجديدة , بخلاف اليهود الذين قاوموا الدعوة ومارسوا مختلف ألوان المكر والدس في محاربة الرسول والدعوة (53).

ورغم ذلك كان هناك فريق من اليهود والنصارى آمنوا واتبعوا الرسول (54)، ويحفل القرآن بما جرى من جدل بين الرسول واليهود والنصارى , وذلك في إطار أداء الرسول مهمته في التصديق والهيمنة لما بين يديه من الكتاب (55).

المجوس :

يقصد الأخباريون بالمجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة ، وقد وردت لفظة المجوس في القرآن علَماً لدين (56)، فدل على وقوف أهل الحجاز على خبرهم ومعرفتهم بهم ، ولا يستبعد وجود نفر منهم في مكة والمدينة والطائف وغيرها ، ربما وجدوا عن طريق التجارة أو الرقيق ، ولم يرد دخول قبائل عربية في المجوسية , ولهذا كان معظم مجوس جزيرة العرب من الفرس المقيمين في البحرين واليمن وعمان (57)، ويروى أن المجوسية كانت في تميم (58)، وأياً يكن الأمر ففي ذكرهم دلالة على صلة العرب بالأديان الشرقية مما سيكون له أثر في أفكارهم وعقائدهم .

الصابئون :

ذُكِر الصابئون في القرآن ثلاث مرات ، وقد اتجه معظم المفسرين إلى جعل المقصود بهم ديانة الصابئة المختلف في عقائد أصحابها بين قائل إنهم من المجوس أو إنهم عُبَّاد الملائكة أو الكواكب أو الشمس ، أو إنهم فريق جمع بين مختلف الأديان ، ومن هذه العقائد ما طرأ بعد الإسلام (59).

وكل هذه التفسيرات مستبعدة نظراً لذكرهم مع المجوس , وتصنيفهم مع اليهود والنصارى ذوي الأصل التوحيدي , مما يرجح كونهم أقرب إلى التوحيد ، إضافة إلى أن الكلمة متداولة بين العرب بكثرة ، وتدل لغوياً على الميل والانحراف (60)، وقد استعملها العرب لمن انحرف عن دين القوم وعقائدهم ، وبهذا المعنى أطلقوها على من أسلم واتبع الدين الجديد ، وكانت تطلق على من ترك عبادة الأصنام ، كما كانت تستعمل في مقام الحنفاء .

وقد أطلقت على الرسول وأصحابه ، مما يرجح إطلاقها في عرفهم على الموحدين الذين نبذوا الأصنام قبل البعثة وانحرفوا عن دين قومهم ، وهم في التعبير القرآني غير المسلمين وغير اليهود والنصارى وغير المجوس , كما إنهم معهودون بين العرب ، وقد سُلِك العرب المسلمون في زمرتهم - رغم اعتراض المسلمين على التسمية - لاشتراكهم في الاعتراض على دين قومهم وانحرافهم عن تقاليده وقولهم بالتوحيد ، ولعلهم هم نفس الحنفاء الذين كانوا في الجاهلية (61).

ولا يزال مفهوم الصابئين من المفاهيم الشائكة التي حيرت المفسرين والباحثين قديماً وحديثاً (62)، وأرى أن هذه التسمية القرآنية ربما لتميز الحنفاء الذين أسلموا من الذين استمروا منهم على ما هم عليه ولم يدخلوا في الإسلام , إذ وصف الحنفاء التحم بوصف الإسلام , بينما الصابئون سلكوا في صنف الأديان ذات الأصل التوحيدي دون أن يعتنقوا الإسلام ، فهم الحنفاء قبل الإسلام ولم يتحولوا إليه ، وهذا يحيلنا على الحنفاء قبل الإسلام .

الحنفاء :

عرف الحنفاء بين المسلمين بأنهم من كانوا على دين إبراهيم من الجاهليين ، فلم يشركوا بربهم أحداً , ولم يدخلوا في يهودية ولا نصرانية ، ولم يقبلوا بعبادة الأصنام ديناً , بل سفهوا تلك العبادة والقائلين بها ، وكانت لهم عادات خاصة تميزوا بها ، وعلى العموم فإن المصادر لا تساعد على رسم صورة واضحة للحنفاء ، فما ورد في القرآن يؤكد أنهم أولئك الذين رفضوا عبادة الأصنام ، فلم يكونوا من المشركين ، بل كانوا يدينون بالتوحيد الخالص ، وهو فوق توحيد اليهود والنصارى ، فلم يكونوا يهوداً ولا نصارى ، وكان قدوتهم إبراهيم .

أما المصادر التاريخية فإن معظم ما ورد فيها عنهم يخص الناحية الأخلاقية أكثر مما يخص الناحية الدينية ، وما يمكن ملاحظته أن الحنفاء كانوا على رأي واحد لا كطائفة واحدة ، فقد كانوا نفراً من قبائل متفرقة لم تجمع بينهم رابطة ، إنما اتفقت فكرتهم في رفض عبادة الأصنام وفي الدعوة إلى الإصلاح (63).

ويرى البعض أن التيار الحنيفي كان يحمل مشروعاً دينياً سياسياً على مستوى الجزيرة العربية لكن الإسلام قام بالطموحين فانتفى الشرط التاريخي لظاهرة الحنفاء (64).

خلصنا مما سبق إلى أن ما يجمع الصابئة والأحناف هو الأصل التوحيدي ونبذ عبادة الأصنام واتباع إبراهيم ، واستمرار الحنفاء عبر الإسلام , وانفراد الصابئين ببقائهم على عاداتهم , وما كونوه من تيار دون الدخول في الإسلام ، وما يشير إليه ذلك التيار هو تطور الذهنية الدينية عند بعض العرب قبل الإسلام , وشعور شريحة منهم بضرورة البحث عن الدين الحق الذي يتلاءم مع العقل والفطرة ، ولم تفلح العقائد السائدة في إقناعهم فطوروا عقيدة خاصة بهم تنسجم مع فطرتهم ، هذا الطابع الذي كان سائداً يحمل الطابع الإبراهيمي , وهو لا يمت بصلة إلى التفكير اليهودي المسيحي الذي نشأ مع الحركة النبوية الإسرائيلية ، ومجرد انتشار الفكر الكتابي بين بعض العرب لا يدل على صبغة يهودية أو مسيحية للحنفاء وإلا لكانوا تهودوا أو تنصروا بل كانوا على مسافة من الكتابيين ومن الدين الجاهلي الذي كان سائداً قبل البعثة إلى أن جاء الإسلام منسجماً مع تطلعاتهم (65).

الدين الجاهلي :

من يتتبع ما ورد عن عقائد الجاهليين في القرآن يجد أنها من التنوع والكثرة والاختلاف ما لا يحيط به اسم دين أو عقيدة ، وهي عقائد متشابهة في بعض الأشياء والرموز , ومختلفة في البعض الآخر ، لكن القرآن يورد مسمى واحداً يتكرر مع ذكر مختلف هذه العقائد , هو مفردة الشرك ومشتقاتها ، بحيث يمكن اعتبار هذه التسمية تعبيراً عن العقيدة العامة التي كانت تسود في بيئة عصر البعثة ، وأنها لا تعني نوعاً محدداً من العقائد ، وأنها كانت عامة يمكن أن ينطوي فيها عقائد متنوعة ، وقد تكون أحياناً مختلطة ومتداخلاً بعضها مع بعض ، يجمع بينها ضابط عام هو إشراك ما دون الله مع الله أياً كان هذا الدون (66).

ولئن كان تعبير الشرك علَماً على الدين الجاهلي العام والمتنوع , فإن الطاغوت كما تشير السياقات هو علم على الآلهة المزيفة لعقيدة الشرك (67)، ونظراً لهذا التنوع في العقائد والعادات والشعائر والطقوس التي تندرج تحت وصف الشرك , والتي أشير إليها في القرآن سنتناولها ضمن تصنيف جملي نستكشف من خلاله التصورات والعقائد التي تشمل: الإله ، الغيب ، الطقوس والشعائر ، المحرمات .

- تصور الإله عند الجاهليين : يحفل القرآن بذكر عدد من أسماء الآلهة الجاهلية التي كانت منتشرة في مكة أو خارجها والتي كان يعبدها العرب ، كما ورد ذكر الأصنام والأوثان والأنصاب والأزلام وغيرها مما كان يعبده الجاهليون ، ولم يقتصر أمر الشرك على المصنوعات المادية فقد ذكر عبادتهم للملائكة والجن والشمس والكواكب والدهر وغير ذلك (68).

ولم تحدد جغرافية هذه الآلهة وأماكن انتشارها وتاريخها إلا أنها تدل فيما تدل عليه من ورودها مجملة على التنوع الذي كان سائداً ، وربما يكون مرده حصول تطور في الفكر الديني العربي أدى إلى الانتقال في تصور الإله من معبودات مادية إلى رؤية تجريدية ، وذلك بفضل الاحتكاك والتعرف على عقائد أهل الكتاب والبيئات المحيطة بهم .

إذ يلاحظ من خلال المصادر التاريخية أن العربي توهم الحياة في كل شيء فكان يرى في الجماد والحيوان شخصية خاصة بها ، ورغم قلة المعلومات فإن هناك إشارات عديدة تذكر عبادة عديد العرب للحيوانات وكذلك الجماد والأحجار والأشجار .. وتحت تأثيرات داخلية وخارجية اتخذ التصور الديني العربي صيغة أكثر تجريداً فبرزت عبادة الكواكب والأجرام السماوية (69), وفي خطوة متقدمة نجد عبادة الملائكة والجن كمخلوقات غيبية غير مدرَكة .

وأياً تكن صورة الشريك فإن الآيات القرآنية (70) تشير إلى قدم إيمان العرب بالله , وأنهم كانوا يعتقدون أنه خالق السماوات والأرض , ومدبر الكون , وأنه الملجأ , وأنه يكشف الضر , وأنه الذي يرسل الأنبياء , وينزل الملائكة , ويوحي بالكتب ، لكنهم رغم تطور هذا الفكر التجريدي لديهم عن الله لم يكونوا قد وصلوا إلى استساغة الاكتفاء بالإيمان بالله إيماناً غيبياً من غير رمز مادي ، لذلك كانوا يعتقدون أنه هو الذي أمرهم بعبادته , والتقرب إليه عن طريق الشركاء أو الشفعاء أو الأولياء أو الشهداء حسب طريقة تصورهم للشريك , ودوره في العلاقة مع الله , وهذه التنويعات في التسميات والأدوار تشير إلى اختلاف وتطور في درجات التفكير الديني بينهم (71)، هذا التنوع يقودنا إلى أرقى ما تطور إليه الفكر الديني العربي وهو الإيمان بالغيب .

- الغيب عند العرب :

كان للفكر الكتابي دور في إدخال أفكار عن عالم الغيب في بيئة كانت تعير المحسوسات أهمية في تفكيرها ، لكن التطور الذي وصل إليه أصحاب هذه البيئة لم يكن ليسمح بتبني تلك الأفكار كما هي , لا سيما ما يخص منها تصور الله ، ولعل المقارنة بين تصور النصارى لبنوة الإنسان لله وما تبناه المشركون العرب من فكرة البنوة لله يشير إلى التأثر من جهة والمحاكمة من جهة أخرى ، فإذ أدرك الجاهليون وجود كائنات غيبية كالجن والملائكة , وهي في تصورهم أقرب إلى الله من حيث طبيعة تصورها التجريدي ، وكان الأنسب في ذهنيتهم أن يكون اتخاذ الله للولد من الملائكة (72).

إذاً كان العرب يؤمنون بوجود الملائكة , ولهم تصور خاص عنهم وعن صلتهم بالله , وأن الله كان ينزلهم أو يرسلهم إلى من يشاء من عباده (73)، وكانوا يتصورونهم بنات , وأن الله اتخذ منهم ولداً - كما أشرنا - وقد عبد بعض العرب الملائكة , وقد ورثوا هذه العقيدة عن الآباء (74)، وربما تطورت لتصبح الملائكة مجرد شفعاء ، وباعتبار الملائكة غير ماديين , ربما اتخذوا من الأصنام رموزاً , وهياكل للملائكة الذين هم في السماء (75).

ولعل ما ورد في القرآن من أوصاف للملائكة وعلاقتهم بالبشر , وبصيغ تقريرية يدل على تبني العرب لهذه التصورات عنهم , فكان السياق القرآني تأكيداً لتصورهم سموَّ الملائكة وغيبية عالمها .

ولا يختلف الأمر كثيراً بشأن تصور العرب للجن إذ جعلوا بينهم وبين الله نسباً (76)، وجعلوا منهم شركاء لله (77)، وكانت عقيدتهم بالجن واسعة النطاق ، كما كانوا يؤمنون بصلات بينهم وبين الإنس ، وعبادتهم للجن كانت بدافع الخوف منهم , إذ يرون فيهم عناصر شر وفزع , بخلاف الملائكة الذين كانوا يرون فيهم عناصر خير وبر يستشفعون بهم (78).

وقد كان للجن في أذهان العرب حيز كبير من حيث قوتهم وقدرتهم على الخوارق , حتى ذكروا في معرض تحدي القرآن وتقرير عجز الإنس ولو استعانوا بالجن (79).

وليس هناك ما يشير إلى تصورهم لماهية الجن , لكن ما ورد في القرآن من وصف المشركين الرسول بأنه مجنون ربما يعني قصدهم كون ما يرد إليه إنما هو من الجن , إذ لا يمكن أن يكون منطقياً في تصورهم وصف الرسول بأنه مجنون بمعنى فقدان العقل , إذ عرف بينهم بالاتزان والحكمة ، فيكون قصدهم أن ما يدعيه من الوحي ليس من الملائكة الخيرين الذين طلبوا منه إثبات إنزالهم عليه ، وما يؤيد هذا المعنى للجنون إجابة القرآن على تهمة الرسول بالجنون بأن القرآن تنزيل من الله بواسطة الملك (80)، لا سيما وأن العرب كانوا يتصورون اتصال الجن مع الإنس , لا سيما الشعراء والكهان والسحرة (81)، هذا ومعظم ما ورد في القرآن عن الجن وإبليس والشيطان لا سيما ما ورد بأسلوب تقريري في سياق العبرة والعظة والتذكير يشير إلى كونه مما هو معلوم عند العرب (82).

هذا ولعالم الجن دور هام في حياة العرب إذ كانوا في تصورهم هم مصدر التنبؤ والكهانة والسحر والشعر ، ونظراً لما يحتله من يمارس هذه الأشياء من مكانة فقد كانت مصدر تنافس بين القبائل مما ساعد على انتشار هذه الظاهرة (83)، وهذا الجانب من الحياة العربية كان كأي جانب آخر عرضة للتطور والتغير ، وما كان عليه الحال قبل البعثة هو نتيجة لتطور مستمر دام آلاف السنين , قام به رجال من أهل الجاهلية , إما بشعور ذاتي أو بتأثر خارجي من خلال الاتصال متعدد الأشكال مع العالم الخارجي .

وهذه المقاربة العربية للغيب ومحاولات المتنبئين تذكرنا بتاريخ النبوة عند العرب وما ذكرهم به القرآن من نبوة هود وصالح باعتبارهم معروفين من قبلهم (84).

هذا وما يحمله العرب من تصور للنبوة والنبي , وما ينبغي أن يكون عليه من تأييد وقدرات خارقة كان مما دعاهم لرفض نبوة محمد التي لم تأت بالخوارق التي سمعوا عنها مما جاء به الأنبياء من قبل (85).

هذه التصورات للآلهة وللغيب على ما ينطوي عليه من تنوع أورثت عندهم تطلعاً لإرضائها والتقرب إليها خوفاً أو رغبة ، فكانت لديهم بعض الطقوس والعادات والمحرمات .

- الطقوس والمحرمات : كل عقيدة تفرض على معتنقيها طقوساً وتعاليم تميزها عن غيرها يفرضها مصدر الدين أو يتم تشكلها عبر الزمن , وقد تتأثر بالعقائد الأخرى أو الموروث الاجتماعي كما يمكن أن تتطور العادات والمواسم لتصبح طقساً دينياً .

تشير الآيات القرآنية (86) إلى وجود طقس الصلاة بين الجاهلين لكن ليس هناك ما يدل على طريقة هذه الصلاة (87)، وتشير أية فرض الصوم إلى قدم هذه الفريضة على من سبق من أهل الكتاب , ولا يستبعد بعض المؤرخين وجودها بين العرب أو كونها من بقايا شريعة إبراهيم (88)، وكذلك الاعتكاف كعبادة دينية ورياضة روحية كان ممارساً قبل البعثة وقد أشار القرآن إلى الاعتكاف في البيت الحرام (89).

واسم يوم الجمعة يدل على اجتماعهم فيه , وربما اعتباره مشتملاً على خصوصية دينية (90)، أما عبادة الحج فلا توجد أخبار مدونة عن مناسكه وشعائره عند الجاهلين (91) لكن الآيات القرآنية (92) صريحة في كونها من العبادات التي كانت سائدة قبل البعثة ومنذ عهد إبراهيم (93).

بل إن مكة ارتبطت بفريضة الحج التي أصبحت مقوماً من مقومات مكانة مكة ، أما عن كيفية الحج عندهم فقد أشارت الآيات إلى وجود أشهر خاصة بالحج , وكانوا يتلاعبون بها ، ولعل يوم الحج الأكبر الذي وردت فيه البراءة من المشركين هو يوم عرفة , إذ التسمية معروفة عندهم , وقد جاءت البراءة في نفس اليوم ، وكذلك شبه القرآن بعث الجاهلين بعد الموت بالتزامهم النصب مما يشير إلى كونهم يلتزمونها أثناء طوافهم (94).

كما أمروا بترك ما كان في الجاهلية والإفاضة من حيث أفاض الناس ، وكذلك السعي والهدي والقلائد وحرمة الصيد مما كان سائداً في مراسم الحج في الجاهلية ، وبهذه الصورة يكون الإسلام قد صحح الحج الذي كان وخلصه من شوائب الشرك والوثنية وما لا يتلاءم مع قيم الإسلام (95)، هذا ومن الشعائر التي كانت سائدة في الجاهلية كما هو الشأن في سائر الأديان تقليد القربان سواء ما كان متصلاً بهدي الحج أو مستقلاً عنه (96).

وقد وصل ببعضهم تقديم القربان البشري وهو أحد أسباب وأد البنات عندهم وتشير بعض الآيات إلى اقتران ذلك بالشرك (97)، وبذلك تكون هذه الشعيرة من بقايا الشعائر الدينية التي كانت سائدة في القديم (98).

هذا وبالإضافة للشعائر كانت لدى الجاهلين بعض المحرمات , منها ما هو مرتبط بالحج كما أشرنا فيما يخص الأشهر الحرم , ومنها ما هو مرتبط بالقربان أو أنواع الحيوان , وما يؤكل منها وما لا يؤكل , وقد أشار القرآن إلى ما ابتدعوه من هذه المحرمات (99) وما أطلقوه عليها من أسماء كالسائبة والحام والوصيلة والبحيرة (100).

وقد اختلف كثيراً في تفسير هذه الأسماء , ولا يمكن الجزم بمعناها لكن الأهم هو ما تشير إليه من أن الجاهليين كانوا يراعون هذه الأمور مراعاة شديدة , ولهم فيها قواعد وأحكام ترجع إلى تقاليد قديمة حافظوا عليها إلى أن منعها الإسلام (101).

إن ما أوردناه من كيفية إشارة القرآن لما كان سائداً من أفكار وعقائد وأعراف وعادات , وتصحيحه لها وإقرار ما كان صحيحاً منها ، بل واستعماله لمصطلحات كانت سائدة وتطويرها ، حتى إن أهم مصطلحات الدين الحلال والحرام كانت سائدة قبل الإسلام ، يدل على وجود فكر ديني وقانوني كان يحكم مسيرة العرب قبل الإسلام (102)، وعلى الصعيد الأخلاقي فقد كانت المروءة عند الجاهليين كالدين عند المسلمين فهي أقصى ما يكون من أخلاق في الرجل , فكان لها دور في تكريس الشجاعة والمساواة والأريحية والكرم وغيرها من القيم الأخلاقية التي أقرها الإسلام (103).

خاتمة :

هذه التفاصيل القرآنية التي أوردناها حول المجتمع العربي قبل الإسلام لاسيما فيما يخص الجانب الديني تدل على أن العرب لم يكونوا متفقين على عبادة موحدة , ولم يكونوا يعبدون إلهاً واحداً أو أصناماً معينة , كما لم يكونوا جميعاً على سوية واحدة في التفكير الديني ، فلم يكن الانحطاط الديني عاماً للجميع (104)، فقد كانت الجزيرة العربية تمثل اختزالاً لما كان يسود الكون من أفكار وأديان في العالم آنذاك , وذلك ما أهَّلها لتكون مهداً لرسالة عالمية تخاطب العالم , وتخرج من وسط تجمُّع له صلة بما يسود الفكر الديني في عصرها .

هذه المقاربة إن بدت موغلة في التاريخ فإن جوهرها وما طرحته من رؤية حول تلك الفترة له صلة بحاضر العالم اليوم، فلئن ساد في الفكر الإحيائي في القرن الماضي وصف العالم بالجاهلية ، وبدا ذلك متناقضاً من ناحيتين : المفارقة في المقارنة بين زمنين مختلفين ومفارقة مضمون المفهوم ، فإن ما تفيده مقاربتنا أن الإنسان أحوج ما يكون للدين عندما يكون متقدماً وعالماً ومتطوراً ، والأنبياء إنما كانوا يبعثون في بيئة حضرية متقدمة ، والقيم الأخلاقية يحتاجها الغني أكثر من الفقير , والقوي أكثر من الضعيف .

لذلك فإن عالم اليوم المتقدم والدول المتعملقة على أكتاف الضعفاء إنما تحتاج إلى بعث جديد يحيي فيها قيم الإنسانية التي جاء بها الأنبياء , ويفتح أفق الإنسان لتصحيح التاريخ وتوجيهه نحو التي هي أقوم , كما وجهته الرسالة الخاتمة عندما بعث محمد صلى الله عليه وسلم في أم القرى ، فتحول الكون إلى قرية اليوم يشبه أحوال مكة أم القرى عند البعثة , حيث امتزاج الأفكار والأديان والأعراق ومحوريتها بين القرى .

ويبقى التاريخ مصدراً حضارياً وملهماً أساسياً لمن يبتغي رؤية المستقبل رؤية بعيدة ، فحاضر اليوم " وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً " ليس إلا نتيجة ما فعل بالأمس , والغد ليس إلا نتيجة ما نفعله اليوم . منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .


رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 7 )
حمد ع ح
عضو مميز
رقم العضوية : 7915
تاريخ التسجيل : 06 - 06 - 2006
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1,204 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : حمد ع ح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 26 - 11 - 2008 ]

جزاك الله خيرا

رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 8 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 04 - 12 - 2008 ]

أخي الكريم / حمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالتاريخ الجاهلي وجعل الله مرورك في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وكل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا ويبيض وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه هذا وتقبل فائق الشكر والإمتنان مقرونا بجزيل المحبة والاحترام والله يحفظكم ويرعاكم مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .


رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 9 )
lion1430
وسام التميز
رقم العضوية : 33225
تاريخ التسجيل : 12 - 12 - 2008
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,430 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 24
قوة الترشيح : lion1430 is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 13 - 01 - 2009 ]

جزاك الله خيرا

[size=4][align=center]يقول أبو زيد الهلالي سلامه = أدعى سو بقعاء مقدم الراس شايب
أخاطر بعمري في ذرى كل هيه = مر (ن) سلامات (ن) ومر (ن) مصايب
الإجهاد عدّى اللايمات عن الفتى = والأرزاق ما تأتي الفتى بالغصايب
رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 10 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: التاريخ الجاهلي

كُتب : [ 18 - 01 - 2009 ]

أخي الكريم / الأسد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالتاريخ الجاهلي وجعل الله مرورك في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وكل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا ويبيض وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه هذا وتقبل فائق الشكر والإمتنان مقرونا بجزيل المحبة والاحترام والله يحفظكم ويرعاكم مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .


رد مع اقتباس
 
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سؤال يا أهل التاريخ ؟ الدارمي منتدى التاريخ والأنساب 18 28 - 07 - 2010 08:09
سبيع الغلباء وتدوين التاريخ ... ؟!! سبيعي جدة منتدى التاريخ والأنساب 4 24 - 05 - 2009 22:14
رجل سطره التاريخ بماءِ من ذهب ابن الاجرب منتديات الـمـشـاهـيـر والقصص البطولية 20 16 - 04 - 2009 23:51
الشعر الجاهلي مصدرا تاريخيا مهما للتاريخ وافي السبـيعي منتدى التاريخ والأنساب 4 18 - 09 - 2008 01:23
آلة طبع التاريخ على المنتجات عوض السبيعي منتدى المال والأعمال 2 29 - 07 - 2007 18:21


الساعة الآن 14:15.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها