|
رد: الشاعر المجدد / محمد بن لعبون رحمه الله
كُتب : [ 22 - 04 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة الشاعر الكبير / محمد بن لـــعبـــون
نسبه :
ذكر النسابة المؤرخ الشيخ / حمد بن محمد بن لعبون نسب قبيلته فقال : " أول من سمي لنا من أجدادنا حسين أبو علي، وهو من بني وائل، ثم من بني وهب من الحسنة، وكان لوهب ولدان وهما منبه وعلي، ولمنبه ولدان وهما حسن جد الحسنة، وصاعد جد المصاليخ ".
أما نسب الشاعر ابن لعبون فهو / محمد بن حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان ( الملقب لعبون ) بن ناصر بن حمد بن ابراهيم بن حسين بن مدلج الوائلي البكري العنزي .
نــشـــأته :
ذكر / خالد بن محمد الفرج صاحب ( ديوان النبط مجموعة الشعر العامي في نجد ) عند ترجمته حياة ابن لعبون ما نصه : ( ولد شاعرنا في حَرْمَة ولا نعرف سنة ميلاده ) وحدد سنة وفاته بعام 1247هـ، وذكر أن ابن لعبون بلغ ستاً وأربعين سنة وبذلك تكون سنة ميلاده حسب هذه المعلومات هي سنة
كما ذكروأشار / عبداللطيف بن سعود البابطين صاحب ( طرائف الكلام في شعر العوام ) أن ابن لعبون ولد في بلدة ( حَرْمَة ) من مقاطعة سدير ولم يأت على ذكر سنة ميلاده، إلا أنه ذكر وفاته بالكويت سنة 1247 هـ .
وأشار / عبدالرزاق محمد العدساني إلى أن ابن لعبون ولد في حَرْمَة سنة 1204هـ وذكر أن جميع الكتب والمؤلفات التي تخص الشاعر / محمد بن حمد بن لعبون اتفقت على أن مولده مدينة حَرْمَه بمنطقة نجد، وعن وفاته أنه مضى عليها ما يقارب 163سنة ولما كانت سنة ميلاده هي سنة 1205 هـ ووفاته سنة 1247هـ، فعليه يكون قد مضى على وفاته 171 سنة .
تجلي شاعريته :
تجلت شاعرية ابن لعبون قبل ولادته فقد ذكر أن والده الشيخ / حمد من لعبون رأى حلماً رواه لزوجته - وكانت حاملاً - وفسر ذلك الحلم بأن الله سيرزقهم ولداً وسيكون شاعراً وجاء ذلك الولد وسمّي محمداً تيمناً باسم جده ومرة ثانية تأكدت شاعرية الطفل محمد عندما رأى في المنام بحراً يشرب منه وجاء لأبيه يحكي قصة ذلك الحلم ففسره والده بأنه إما علم غزير أو شعر، وصدقت نبوءة الأب فكان البحر شعراً ينهل منه الابن .
ربما لا نغالي إذا قلنا إن الشعر ولد مع ابن لعبون، فقد قرضه تلقائياً ومنذ صغره، ولم يردنا من شعره وهو في نجد شيئ يذكر وربما كان ذلك لأسباب منها :
1 - عدم اكتراث الكبار ممن حوله بتدوين شعره .
2 - مكانة والده الشيخ حمد العلمية والوظيفية جعلته لا يذكر من أشعار ابنه إلا أبياتاً مدح بها علية القوم، أما الأشعار الأخرى كالهجاء والغزل فربما ظن أنها مشينة ولا داعي لتشجيع الابن عليها ونشرها .
3 - إدراك الولد الشاعر محمد لمكانة أبيه والبينة المحافظة من حوله، ما جعله يحجم عن نشر أشعاره والبوح بها .
ومما يرجح ما ذكرنا أنه ليس من المعقول أن تتفتح شاعرية ابن لعبون وبهذه الجزالة والمتانة وسبك المعاني فجأة ولمجرد وصوله إلى الزبير إن البيئة العلمية للزبير واحتكاك ابن لعبون بالعلماء والأدباء والشعراء الذين تعج بهم هذه البلدة، صقلت شخصيته وفتحت مواهبه وجعلته ينطلق وبكل قوة، ويقارع فحول الشعراء ويطرق أبواب الشعر ومعانيه ويجدد ويبدع ويبتكر ويكوًن مدرسة جديدة قائمة بذاتها .
انطلاقته :
إن من أوائل ما ذكر عن شعره وهو صغير ربما في الرابعة أو الخامسة من عمره عندما ارتجل أبياتاً من شعر كرد فعل لتمنع أمه أن تعطيه تمراً، فقد عاد الولد ظهراً من الدرس وكان جائعاً فطلب من أمه تمراً فتمنعت بحجة أن المفتاح قد ضاع، وربما كان ذلك تعذراً من الوالدة حتى يأتي والده وتجتمع العائلة كلها للغداء لم يقتنع محمد بهذا العذر فصعد إلى السطح وركب الجدار وأخذ ينادي بأعلى صوته بحثا عن المفتاح أو إحراجاً لوالدته لتفتح له مخزن التمر ويقول :
يا من عين المفتاح
= من فوق وركي طاح
بطني كما الردّاح
= يبغي غـــداً لــه
وربما كانت هذه أول أبيات قالها، وصادف وصول الأب ورأى ابنه على الجدار يصيح بهذه الأبيات فتحقق للوالد صحة تفسيره بأن ابنه سيكون شاعراً .
نمت موهبة الشعر عند ابن لعبون ورعاها والده الشيخ حمد الذي كان لا يترك فرصة لصقل مواهب ابنه وتعليمه وزرع الثقة في نفسه إلا وينتهزها، فقد كان يأخذه إلى مجالس الرجال والأمراء من آل سعود وغيرهم ليسلم عليهم وليتعلم كيف يتصرف الكبار ويتحدثون، وخير دليل على ذلك ما ذكره الشيخ حمد أن ابنه محمد قال شعراً في الأمراء ومنهم عمر بن عبدالعزبز آل سعود ومدحهم بقصائد كثيرة ولم يصلنا من شعر الصبي ابن لعبون سوى أبيات قليلة منها هذا البيت :
صغيرهم يربى على الشيب بالطيب
= لو كان طفل يحمل فوق الأكتاف
ويذكر أن ابن لعبون عند خروجه من ثادق مهاجراً إلى الزبير وهو في السابعة عشر من عمره، أشارت إليه امرأة قائلة : « هذا أبو قذيلة اللي يقصد » ( أي يقول الشعر ) فأجابها مرتجلاً بقوله :
أبو قذيله ما وقف عند بابك
= ولا فصخ واحد من ثيابك
أنتِ حصاة الدرب كل وطابك
= حتى الأجانب يدلون بابك
وما أن سمعت ذلك الهجاء منه، حتى بادرت لإرضائه بهدية تريد بها العافية .
أسفاره وتنقلاته :
لم يستقر بابن لعبون القرار في بلد معين، فما أن بلغ السابعة عشرة حتى ترك « حرمه » مسقط رأسه في سدير من نجد في تنقل وترحال إما رغبة منه أو رغماً عنه، ففي هذه السن المبكرة هاجر إلى الزبير، ومنها نفي أو بالأحرى خرج إلى الكويت، وهنالك قول بأن ابن لعبون خرج من ثادق إلى البحرين وبعدها ذهب إلى الزبير وربما تفسر بعض قصانده بما يعزز هذا القول وسواء قصد ابن لعبون البحرين بعد خروجه من نجد أم قصد الزبير رأساً، فقد زار البحرين أكثر من مرة وقد ورد في شعره ذكر للقطيف، مما يشير إلى أنه ذهب إليها وإلى الأحساء كما ذكر أنه ذهب إلى الهند لزيارة ابن عمه / ضاحي بن عون في مدينة بومباي، وكان الشيخ ضاحي رجل العرب في الهند علماً وغنى ويذكر / خالد بن محمد الفرج أن ابن لعبون لم يطب له المقام في الهند لكونه غريب الوجه واليد واللسان، فغادرها معرجاً على البحربن وفيها أمضى وقتاً يسيراً هذا ولم يردنا مما يلقي الضوء على سيرة ابن لعبون وتنقلاته في هذه البلدان إلا النزر اليسير .
إن هذه الأسفار والتنقلات وما واكبها وتخللها من ظروف وأحداث، أكسبت ابن لعبون ميزة يكاد ينفرد بها عمن سواه من الشعراء، ولا نقصد بها ميزة السفر والترحال، بل ميزة ما اكتسبه منها من خبرة انعكست متانة في شعره وصقلاً لشخصيته واعتداداً بنفسه لقد وفر السفر للشاعر ابن لعبون الفرصة ليس للتعرف على بلدان مختلفة فحسب، وإنما للتعايش والتكيف مع بيئات تختلف إلى حد ما في لهجاتها وعاداتها وثقافاتها ومبادئها مع ما ألفه في مجتمع نجدي شبه مغلق، ولد فيه وترعرع .
انطلق ابن لعبون من مجتمع نجدي في قلب جزيرة العرب إلى مجتمع نجدي آخر في الزبير الحر انفتاحاً وتأثراً بالساحل، وسافر إلى مجتمعات أكثر بعداً عن مجتمعات نجد والزبير، فقد سافر إلى الكويت وبلدان الساحل والبحرين والهند، ووجد في مجتمع الكويت وسطاً بين هذه وتلك، فاستقر بها ليقضي أواخر أيامه .
ابن لعبون تزوج ولم يعقب ؟
إن من الشائع لدى الناس أن ابن لعبون لم يتزوج إلا أن مما أذكره وأنا في مقتبل العمر أنني سمعت من أحد شيوخ العائلة قوله إن الشاعر قد تزوج بابنة خاله، غير أنني لم استوثق من هذه المعلومة وقتذاك ولكنني وجدت في ما ذكره / محمد بن أحمد الثميري والراوية / محمد بن عيد الضويحي ما يعزز خبر زواج ابن لعبون من ابنة خاله في معرض ذكره لمناسبة قصيدة توبته، وما ذكره أن ابن لعبون تزوج ابنة خاله في الكويت وأنها أحبته وأحبها .
ومما يعزز صحة خبر زواج ابن لعبون ما ذكره والده المؤرخ النسابة الشيخ / حمد بن محمد بن لعبون من معلومات مقتضبة عن ابنه الشاعر / محمد بن لعبون بقوله : إن عمره وقت وفاته كان 42 سنة وليس له عقب، وكلمة الشيخ حمد وليس له عقب تعني أنه لم يترك ذرية، ومنها يفهم أن الشاعر ابن لعبون قد تزوج ولكن لم يرزق بذرية تعقبه و إلا لذكر والده أنه لم يتزوج واكتفى بذلك ولم يأت على ذكر العقب .
حنينه إلى نجد :
خرج ابن لعبون من نجد وظل قلبه معلقا بها وبأحبته فيها ونظم في ذلك شعراً بثه حنينه وشوقه لهم ولديارهم ودعاءه لبلده ثادق وسكانها بالخير العميم والغيوم المرناة، ومن ذلك قوله :
فَيا نَادِبِي سِر فِي قرَاها وَمَسْنَدِي
= إلى حَيْ بَينَ أطلاَلْ نَجْدٍ جثُومَهَا
إلىَ سِرْتها مِنْ دَار ميّ وَغَربتْ
= ونَابَاكْ مِنْ طُفَّاحْ نَجْدٍ خشُومهَا
أوَّلْ موارِي دَارهُمْ لِكْ جلاَلَهْ
= حَاشَا الإلهْ وَبَاقِي الدَّارْ زُومهَا
علمي بهم قطن على جوْ ثَادِقْ
= سِقاهَا مِرنَّات الْغَوادِي ركُومهَا
مَرَابيع لَذَّاتِي وَغَايَاتْ مَطْلبِي
= وَمَخْصُوصْ رَاحاتِي بهَا في عمُومهَا
ألاَ يا خَبِيرٍ بَالْمَصادِيرْ حثها
= وَسِرْهَا أمَامَ الدَّارْ تلْقَى علُومها
إلىَ جِيتْ فَي وَادِي سدَيرٍ فخَلهَا
= تِذبَّ الْعَفا مَا فَوقها إلاَ وسُومهَا
إلىَ لاَحْ بَرْقٍ مِنْ حَيا نَجد حَنَّتْ
= مِنْ الْوَجدْ حَنَّةْ وَالِدين رحُومهَا
علاقاته :
ساعدت عبقرية ابن لعبون الشعرية وشخصيته المرحة الطربة في توطيد علاقاته مع كثير من وجهاء وأعيان نجد والزبير والكويت والأحساء والبحرين والهند وورد في شعره ذكر كبار شخصيات عصره، وفي صغره مدح آل سعود ومنهم / عمر بن سعود بن عبدالعزيز بقصائد كثيرة، ومدح شيخ الزبير / محمد بن إبراهيم بن ثاقب والشيخ / ضاحي بن عون وابنه أحمد، والأمير / أحمد السديري، والشيخ / جابر العبدالله الصباح، وكانت له علاقات ومراسلات مع عدد من وجهاه المنطقة، كالحاج / يوسف اليعقوب البدر والشاعر / عبدالجليل الطباطبائي وغيرهما .
ثقافته :
إن المتفحص لشعر ابن لعبون يجده ينحو فيه منحى الشعر العربي الفصيح في كل أساليبه ومعاييره ومعانيه وقوافيه وتضميناته واقتباساته، وتجد في شعر ابن لعبون الصور البلاغية وبديعها .
يبدأ ابن لعبون قصائده كما بدأها الأوائل بالنسيب والغزل، ويعرج على ذكر الركائب والظعائن، ويصف ما تمر به من القفار والفلاة والبلدان، وكأني به يهيئ السامع له، ويحفزه لسماع ما يريد قوله ومتى ما تم له ذلك وضمن التعاطف والاستحسان والثناء، خلص إلى مراده من القصيدة بسلاسة، ثم ختمها في معظم الأحيان بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله مليه وسلم .
ويلاحظ القارئ أو السامع لشعر ابن لعبون حسن مطالع قصائده وحسن ختامها، وبين هذه وتلك دقة وصفه، ورقة غزله، وبلاغة مدحه، وعنف هجائه، ومعاناة رثائه .
يتميز شعر ابن لعبون عن شعر معظم شعراء النبط بثرائه اللغوي، فلقد كان للبيئة التي عاش فيها، والظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت به، أثر كبير في صقل شخصيته وشاعريته، فقد جمع ابن لعبون بين خلفية عربية نقشت في نفسيته ووجدانه منذ نعومة أظافره وبينة عامية متباينة من نجد إلى الزبير وبلدان الساحل عندما كان ابن لعبون في رعاية أبيه العلامة الشيخ / حمد بن لعبون، حفظ القرآن وتعلم الخط وبرع فيه وقال الشعر في صغره إن نشأة ابن لعبون في بيئة علم وأدب مكنته من الإطلاع على أمهات الكتب في لغة العرب وآدابها، مما صقل لغته العربية، وفتح أفاق مداركه الأدبية وعندما تنقل بين مناطق نجد والساحل ألم بتراثها الشعبي ومفرداتها المحلية وبهذا الرصيد العلمي وهذه الخلفية الثقافية، اقتحم ميادين الشعر فنبغ فيها، مازجاً فصيحه العربي بعاميه النبطي، فجاء شعره رصيناً قوياً تجد فيه الكثير من البلاغة اللغوية، واللفتات الذهنية، والمحسنات اللفظية، والاستعارات البديعية، والاقتباسات الأدبية .
انتماؤه السياسي :
بدا انتماء ابن لعبون السياسي واضحا وثابتاً في أكثر من جانب من جوانب حياته وشعره، وكما ذكرنا أن ابن لعبون قدم إلى إمارة الزبير والتنافس على أشده بين حمائل أهلها على السلطة، وما كان لابن لعبون إلا أن يأخذ موقفاً حيال هذه الفئة أو تلك وعندما حدد ابن لعبون موقفا ثبت عليه حتى النهاية رغم قناعته بما سيدفعه من اجل ذلك من ثمن، لقد وقف ابن لعبون بجانب أبناء عمومته وجماعته ومدح زعماءهم وأطلق العنان لهجاء خصومهم، ووقف موقفاً معادياً لشيخ الزبير / علي بن زهير وهجاه هجاء مقذعاً .
لقد دفع ابن لعبون ثمن مواقفه غالياً وتمثل ذلك بخروجه من الزبير التي عشقها وتغني بها واضطر لفراق ديار من تعلق بها قلبع وغادر مرابعها .
وصيته بن الحقيقة والخيال :
مات ابن لعبون في مدينة الكويت ودفن فيها، وهذا لا غبار عليه، ولكن أين يقع قبره رحمه الله ؟ لقد أثار هذا الموضوع اهتمام عدد من الناس ونسجت حول قبر ابن لعبون روايات اختلطت فيها الحقيقة بالخيال، ومن ذلك قول بعضهم إن ابن لعبون أوصى أن يدفن على قارعة الطريق التي تمر بها النساء عند ذهابهن وإيابهن إلى البحر، ومثلها ما يشاع عن أبيات تنسب إلى ابن لعبون في تحديد مواعيد لقائه بالنساء على السَّيف، ربما تكون شيئاً من الأساطير الكثيرة التي حيكت حوله .
وصايا الشعراء :
فقد أوصى عدد من الشعراء وخاصة أولئك الذين أضناهم العشق أن يدفنوا بجانب من أحبوا ومثال ذلك قول الشاعر أبي محجن الثقفي :
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
= تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإنني
= أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
فهل نفذت وصية هذا الشاعر وهل يعقل أنه كان صادقاً في كلامه ؟!
وهل نفذت وصية الشاعر الأخطل الصغير الذي قال :
بلغوها إذا أتيتم حماها
= إنني مت في الغرام فداها
واذكروني لها بكل جميل
= فعساها أن تبكي علي عساها
واصحبوها لتربتي فعظامي
= تشتهي أن تدوسها قدماها
وليست وصية ابن لعبون - إن كان فعلاً قد أوصى بها - عن هذه الأمثلة ببعيد .
قبر ابن لعبون في مقبرة :
سبق وأن أبدينا تحفظاً حول ما ذكر عن وصية نسبت إلى ابن لعبون بدفنه في طريق النساء إلى البحر، فمع عدم وجود ما يثبتها سوى ما يتندر به العوام، نقول وعلى فرض أن ابن لعبون فعلاً قد أوصى أن يدفن على طريق النساء، وهذا من باب المبالغات التي اعتاد عليها الشعراء في وصف هيامهم وعشقهم، فمن ذا الذي سينفذ وصيته ؟ إذ ليس من المعقول أن يسمح أهل الكويت وحكامها وعلماؤها وأصدقاء ابن لعبون ومعارفه ووجهاء الكويت، كالحاج / يوسف اليعقوب البدر وعائلته، أن يدفن مسلم خارج مقابر المسلمين حتى ولو أوصى بذلك، لتنافيها ومبادئ الشرع المطهر وعرف المجتمع السليم، وهل كل من أوصى تنفذ وصيته ؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى مات ابن لعبون في وباء الطاعون وفي وقت لا يجد الموتى من يدفنهم وأحياناً يدفن الميت في قبور جماعية فمن ذا الذي سيلتفت إلى ابن لعبون لينفذ وصيته ( إن كان قد أوصى ) ويدفنه في طريق النساء ؟ إنها من الأساطير التي حيكت حول ابن لعبون .
ومما يعزز ما ذكرنا ما أورده الدكتور / يعقوب الغنيم بأن ابن لعبون دفن في مقبرة الرشايدة إذن، دفن ابن لعبون في مقابر المسلمين وليس كما يشاع ويصدق تلك الشائعات العوام .
موقع قبره :
هناك الكثيرون ممن اهتم بالبحث والتحقق عن موضع قبر ابن لعبون، فمن قائل إنه دفن في اليسرة ومن قائل في الوطية، ومنهم من قال إنه دفن في " منطقة سحيلة في القبلة بناء على وصيته " ربما تكون اليسرة والوطية وسحيلة تسميات محلية لمنطقة واحدة أو قريبة من بعضها الآخر وعموماً فالمنطقة المذكورة تقع قرب مبنى مجلس الأمة الحالي ومتحف الكويت الوطني .
وقد ذكر لي الأديب / عبدالعزيز بن سعود البابطين الذي قام ومنذ مدة طويلة بالاتصال بكبار السن والمهتمن بابن لعبون وشعره من أهل الكويت، وخاصة أولئك الذين يظن أن لهم دراية وعلماً بالمكان الذي دفن فيه، أن / أحمد الجارالله أخبره أن / سليمان الجراح كان قد دله على المكان الذي دفن فيه ابن لعبون كما أن / عبداللطيف الثويني ومنصور الخرقاوي أيضاً يعرفان موقع قبر ابن لعبون، وأنه يقع في منطقة الجسرة ( اليسرة ) بالكويت التي كانت تعرف بنقعة البحر على ساحل السيف وهي اليوم حديقة متحف / حمود بن يوسف البدر .
وحول موقع قبر ابن لعبون يذكر الشيخ / عبدالله بن محمد الفاخري عن عمه / أحمد بن عبدالله الفاخري الذي عاش في الكويت خلال الفترة ما بين 1325هـ إلى 1369هـ، أن ابن لعبون دفن في براحة ابن بحر جنوبي مسجد ابن بحر .
ويذكر الأديب / خالد سعود الزيد أن ابن لعبون دفن في مقبرة في تلك المنطقة ويحدد الدكتور / يعقوب بن يوسف الغنيم موقع قبر ابن لعبون « ونقعة الصقر بين اليسرة الواقعة غرباً وبيت البدر، وقبر ابن لعبون يقع في المقبرة المزالة في الزاوية الشمالية الغربية منها ويعادل زاوية مدرسة / عمر بن الخطاب الشرقية الجنوبية التي هدمت وأدخلت ضمن موقع مجلس الأمة وكانت هذه المقبرة تسمى مقبرة الرشايدة » .
هذا وقد قمنا وبصحبة الأخ / أحمد الجارالله وأخيه الشاعر / سليمان الجارالله والشاعر / فواز بن عبدالعزيز اللعبون بزيارة ديوانية البدر التي ذكر / عبدالله بن خالد الحاتم أن ابن لعبون سكن فيها عند قدومه للكويت أول مرة، وتجولنا في المنطقة التي ذكر أن ابن لعبون دفن فيها ديوانية البدر ما زالت قانمة يجاورها بيوت أعيان الكويت مثل الصقر والغانم والعثمان، قبل إزالتها منذ عقود مع بداية تحديث الكويت .
لقد تحفظت في كتابي الأول " أمير شعراء النبط / محمد بن لعبون : مدخل لدراسة سيرته وشعره " حول ما ذكر عن قبر ابن لعبون ووصيته وأكرر تحفظي على هذه المعلومة وأذكر ما يفند مقولة أن قبر ابن لعبون كان متمزاً وعليه قبة وكان مزاراً بالنقاط التالية :
1 - عدم وجود دليل مادي يؤكد وجود القبة .
2 - عدم وجود إثبات أو ذكر تاريخي موثق لوجود مثر هذه القبة .
3 - ليس من دين وشيمة أهل الكويت أن يبنوا على القبور قباباً، ويجعلوها مزارات ولن يرضى حكامهم وعلماؤهم بمثل ذلك .
4 - إن تبني أهل الكويت لمبادئ الدعوة السلفية وقرب عهدهم بها وقتذاك يجعلهم يحاربون البدع وبناء القباب على القبور وجعلها مزارات .
5 - مات ابن لعبون رحمه الله في فترة كثر فيها الموتى بسبب الطاعون لدرجة أنه في حالات عديدة كان يدفن العشرات في قبور جماعية، وربما لم يجد بعض الموتى من يدفنهم، وليس من المعقول وفي مثل هذه الظروف أن أحداً يفكر في تمييز ابن لعبون ودفنه بقبر لوحده وعلى قارعة الطريق ويبني عليه قبة . منقول وتقبلوا تحياتي .
|
غير متصل
