انفلونزا الاختلاس العام

[الحريق]

{ وحتي لا تشغلنا انفلونزا الطيور طامتنا الكبرى الجديدة نقف اليوم مع انفلونزا أخرى أشد إيلاماً وخطراً ، انها انفلونزا اختلاس الاموال العامة التي يجتاحنا وباؤها كل عام ، ومع فائق الاحترام والتقدير للقائمين علي إعداد هذا التقرير السنوى إلا أننا نحسبه من أدوات التعبير والرفض الرمزي للفساد في أحد أقبح أذرعه وأوجهه ألا وهو الاختلاس والذي يعني خيانة الامانات وهي أموال مودعة لدى بعض اللصوص وضعاف النفوس ولو أن مختلساً صُلب أو شُنق علي رؤوس الأشهاد لكان عظة وعبرة لآكلي أموال شعب يموت من الفاقة والفقر آلاف المرات في الساعة وهو يعجز عن مقابلة متطلبات الحياة اليومية لا لشئ إلا لوجود المختلسين وسارقي المال العام ، وكما الجنون فالسرقة والاختلاس من جنسها فنون ، فكم من مختلس عظيم فعل فعلته دون أن يترك من خلفه أثراً يستطيع أي قصاص بارع أن يتبعه للوصول لفجاج أرضه النجسة ، وكم من مختلس يفعلها أو فعلها وألبس لبوسها القمئ علي آخرين من دونه من صغار المختلسين والسارقين الصغار الأغبياء الذين يضيعون وسط سيقان الحيتان الكبيرة التي تلتهمهم ومعهم كل أطياف الناس والتي تبرع في أكل حقوقهم وتصيّرهم لمتسولين من الدرجة الاولي ، ثم وكم من مختلس يتقدم الصفوف بخداع الآخرين بمكر ودهاء يدفع عنه أى تهمة حوله تحوم ، والقائمة لأنواع المختلصين طويلة ويمتد شرحها وحسبنا منها تقارير المراجع والتي مهما اجتهد وبرع القائمون علي إعدادها فلن يفلحوا في إحصاء كل كبيرة وصغيرة منها في فجاج أرض تموت بالتقلبات والاضطرابات ومن قبل تبدل الأنظمة ، والثابت في رؤوس الناس أن كل من يتصدى لتحمل مسؤوليات الحكم وإدارة شئون الدولة العامة من أصحاب الهوى والغرض ، وأسهل شئ توجيه الاتهام للحاكمين ومن معارضين بالأمس كانوا من الحاكمين وطالتهم ذات الاتهامات والسبب هو انعدام الوضوح وغياب النظام المستدام المتفق عليه لحفظ أموال الناس ولو تقلبت الأنظمة عسكرياً وديمقراطياً أو حتي فوضوياً ! والحكومة الحالية الآن وقبل التطورات التي حدثت والتداعيات التي أفضت لاتفاق السلام وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية غير المرضي عنها درجت علي الابقاء علي سنة وعادة التقرير السنوي للمراجع العام حية حتي لا تموت في المجالس الأحاديث عن سارقي ومختلسي أموال الناس وحتي قوت يومهم ضروري ، والمؤسف ان من انشقوا علي هذه الحكومة بعد الافتراق الشهير الذي أفضى الي وجود مؤتمرين وطني وشعبي سمعنا من انبرى للناس محدثاً من الاخير عن ارتفاع نسبة الفساد ناسياً أو متناسياً أنه الشريك الاساسي ولكن مثله في فجاج ارضنا تعشيه مرارة الخروج من السلطة ليتخبط يمنة ويسرى دون ان يصل وبعد أن يدمر كل الاشياء من حوله ! إن قضية الاختلاس العام أكبر من الاكتفاء بتقديم تقرير سنوى عنها وهو بمثابة العرضحال وأكبر من تبادل الاتهامات بين الحاكمين والمعارضين حول الحلال والنزاهة والحرام والخيانة ، إذ كلما خرج علينا تقرير عام عن المال العام بل عرضحال من الحاكمين خرج علينا معارضون مقهقهون وكأن لسان حالهم يردد مخاطباً الناس : ألم نقل لكم !! لقد مججنا القول واجترار الاشياء والامور ، وتكون الحكومة واهمة لو ظنت ان الاكتفاء بتقديم تقرير سنوى للمراجعة المالية كافياً لارضاء الناس ، وحتي هذا التقرير لن ينجو من الاتهام بأنه أحد وسائل الحاكمين لاثبات مبدأ الصراحة والشفافية ذرا للرماد في العيون ، ان الحديث عن نظام حكم خال من الفساد انما كالسراب ، ونحن وغيرنا نعي أنه من الاستحالة ألا الا يوجد نظام حكم في فجاج الارض مختلسو وسارقو أموال الناس العامة بالباطل ، والفارق بين فج وفج يكون في القانون الرادع والتنفيذ الناجز وكذلك في الوعي العام بالحقوق والواجبات دون تفريط في شئ بفضل نظم وأوجه أحكام الرقابة التي يشارك فيها المجتمع عبر وجود ممثليه في الدوائر المختصة المعنية بالشئون المالية ، ونرجو أن يتطور في فجاج أرضنا نظام الرقابة العامة علي الأموال حتي يكون وقائياً ويمنع وقوع جريمة الاختلاس علي النحو المتصاعد حسب تقارير المراجع العام السنوية ، ولفت انتباهتي أن الاموال المختلسة للعام 2004م تساوت مع رقم مذكور رُصد لمكافحة وباء انفلونزا الطيور الذي اجتاح البلاد وهي في أضعف حالاتها بسبب الحروب وروح التمزق والشتات ، و يبقي خطر انفلونزا اختلاس الاموال العامة أشد فتكاً من وباء فيروس الموت الطائر وهو أبتلاء من عند الله بينما انفلونزا الاختلاس تدبير انساني مالم نقطع شأفته ونستأصلها لن نقضي علي أى من الانفلونزات المعلومة والمجهولة .
جرس أخير : مازلنا ولله الحمد بخير وعافية ، فقد سعدت قبل أيام بالطالب الجامعي المعوق الذي من أجله كررت النداء للخيرين لعونه لاصلاح دراجته البخارية الخاصة بالمعوقين ، سعدت وقد جاءني ممتطياً دراجته فرحاً مسروراً باستجابة أفاضل لدعوة خير وردت في أسطر معدودة فقد هاتفوه علي الرقم المنشور وجاءوه لواذاً وتبرعوا بما جادت به أيديهم الكريمة ثم انصرفوا لوذاً ، وسعدت أكثر أن أمثال هؤلاء يطالعون ما نكتب .
وبالله التوفيق .