بسم الله الرحمن الرحيم
نشر في جريدة الجزيرة بعض الوثائق المهمة والتي تنشر لآول مرة وفيها ذكر القبائل التي شاركت مع الموحد في فتح القصيم وهذا هو رابط التحقيق :-
http://www.al-jazirah.com/249638/th1d.htm
التجهيزات العسكرية والاقتصادية أثناء ضم منطقة القصيم لحكم الملك عبدالعزيز في عام 1321- 1322هـ
د . محمد بن عبدالله آل زلفة
انضمام منطقة القصيم تحت حكم الملك عبدالعزيز التي بدأ محاولاتها الأولى في عام 1321هـ؛ يأتي في درجة عالية من الأهمية بعد أهمية استعادة الرياض عاصمة البلاد في عام 1319هـ، حيث تشكل منطقة القصيم منطقة تماس مع خصوم الملك عبدالعزيز المتمثل في بيت آل رشيد في حائل ومن يقف إلى جانبهم حليفتهم الدولة العثمانية ذات التاريخ الطويل من المواقف العدائية مع آل سعود، التي سارعت إلى دعم ابن رشيد من خلال ولاياتها في بغداد والحجاز والبصرة أثناء المواجهات بين الملك عبدالعزيز وخصومه آل رشيد .
لن يكون تركيزنا في هذه الورقة على الظروف السياسية لهذا الصراع بين الطرفين. كما لن ندخل في التفاصيل العسكرية لسير المعارك التي انتهت في معظم أحوالها لصالح الملك عبدالعزيز، توج من خلالها ضم القصيم لحكمه .. إنما سينصب جل تركيزنا في هذه الورقة على الجوانب (اللوجستية) العسكرية والاقتصادية لجيش الملك عبدالعزيز حيث كشفت لنا الوثائق السعودية الرسمية التي يُكشف عنها لأول مرة وتوظف في هذا البحث تفاصيل عن القوة السعودية المحاربة، وكذلك تفاصيل عن التموين ومصادره، وهذان الجانبان مع أهميتهما القصوى كثيراً ما نلحظ غيابهما وعدم الإشارة إليهما وبشكل دقيق في معظم ما كتب عن تاريخ المملكة العربية السعودية أثناء فترة حروب التوحيد .
آمل من خلال هذا البحث ومصادره الجديدة أن نفتح باباً أمام الباحثين الجدد في توجيه أبحاثهم في مجالات ظلت أبوابها شبه موصدة، وألا تكل عزائمهم في الاستمرار الدائم في طرق تلك الأبواب الموصدة للبحث عن المصادر الجديدة لإثراء أبحاثنا ودراساتنا في تاريخنا الوطني وفي جوانبه كافة .
منذ أن بدأ انشغالي بتاريخ بلادنا، المملكة العربية السعودية، في أدوارها الثلاثة اكتشفت أن هناك نقصاً واضحاً في الاهتمام بتوظيف المصادر الوثائقية، خاصة المحلية، أو الوطنية منها. أما ما يتعلق بالوثائق المعنية بتاريخنا الوطني في دور الأرشيفات العالمية، فإنه حتى مع أهميتها جاء الاهتمام بها متأخراً، والاستفادة منها إلى الآن لا ترقى إلى ما يؤمل منها، أو إن شئنا قلنا لا ترقى إلى مستوى أهميتها .
ولأن لقاء الجمعية التاريخية السعودية السابع الذي يعقد هذه السنة في القصيم، وهي فكرة حميدة تبنتها الجمعية؛ وهي عقد كل لقاء من لقاءاتها في مدينة، أو منطقة من المناطق . وفي هذا الإجراء ما فيه من فائدة لمعرفة تاريخ مناطق بلادنا عن قرب. وبما أن وثائقنا الوطنية قد تعرضت لكثير من الإهمال، وكثير من العبث رغم الجهود المتواضعة التي تبذلها دارة الملك عبدالعزيز مؤخراً وللجهود غير الملموسة التي يقوم بها مركز الوثائق الوطني . ولا يجب أن نعفي الجمعية التاريخية السعودية من الاشتراك في مسؤولية الإهمال، أو عدم الاكتراث، كون الجمعية ينضوي في عضويتها كثير من الباحثين المتخصصين في تاريخنا الوطني الحديث والمعاصر منه، وعلى عواتقهم تقع مسؤولية ممارسة الضغط على المؤسسات المعنية، ورفع شعار دعونا جميعا نعمل يداً واحدة على الحفاظ على وثائقنا الوطنية . لأن الحفاظ عليها، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها مرهون بجهود أبناء هذا الجيل؛ وإن لم نقم بواجبنا فسوف نكون مقصرين في نظر الأجيال القادمة التي ستحملنا المسؤولية كاملة .
بعد هذه المقدمة أعود إلى موضوع ورقتي هذه التي تصب في مجرى ما كنت أقصده، وهو أن هناك ثغرات في تاريخنا الوطني ما زلنا نجهل تفاصيلها في غياب مصادرنا الوثائقية الوطنية التي لا يغني عنها أي مصادر أخرى مثل الوثائق الأجنبية التي لم يتمكن معدوها من متابعة الأحداث، إما لبعدهم عن مكان الحدث أو لعدم أهميته بالنسبة لهم . ومعظم الأحداث التي صاحبت مسيرة تكوين وحدتنا الوطنية لم تجد لها مكاناً في تقارير راصدي الأحداث من خارج المنطقة، خاصة أن كثيراً من تلك القوى المحيطة بها لم تكن طرفاً فيها، حتى تلك الأحداث التي قد يكونون طرفاً فيها، أو وصل إليهم شيء من أخبارها، فإنها إن لم تكن متحيزة فإنها أيضاً تفتقر إلى الدقة .
والحكم في معرفة تفاصيل الأحداث التي أفضت إلى قيام وحدتنا الوطنية هي وثائقنا الوطنية التي لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل المراكز المعنية بحفظ تلك الوثائق كما سبق توضيحه، ولا باهتمام الباحثين والدارسين لتاريخنا الوطني . واكتفينا فيما نعلمه لأبنائنا عن تاريخنا الوطني بمعلومات مختصرة، كثيرها مبني على معلومات قل ما يكون من بينها مصادر وثائقية، وظلت تلك المعلومات غير الموثقة تنقل بنصها من مؤلف إلى آخر، وظلت جامدة على مدى عدة عقود. وكأننا بذلك نرسخ الانطباع السائد لدى الكثيرين، بمن فيهم الباحثون الأجانب بأننا لم نكن نعتمد في كتابة تاريخنا على نصوص موثقة مكتوبة أثناء مسيرة بناء وحدتنا الوطنية، وترسيخ قواعد بناء هذه الدولة الحديثة، وإنما كانت الأوامر تصدر مشافهة من القائد المؤسس إلى قادته وحكام مقاطعاته. وقد آن الأوان أن ندحض هذا الانطباع الخاطئ، وذلك من خلال إنقاذ وثائقنا الوطنية وإنشاء المراكز المعتبرة لحفظها، وتمكين الباحثين من الاطلاع عليها .
ما أقدمه في ورقتي هذه هو إلقاء أضواء جديدة على تاريخ مرحلة مهمة في تاريخ بناء وحدتنا الوطنية، مرحلة ضم منطقة القصيم إلى حكم الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - في عامي 1321 و1322هـ، وهما العامان اللذان تناولت أحداثهما هذه الوثائق التي تكشف لأول مرة. تتناول هذه الوثائق الجانبين العسكري والاقتصادي، متضمنة أسماء القوة المحاربة من أبناء القبائل، وكذلك أسماء المحاربين من المناطق الحضرية وأسماء المناطق والبلدات التي ينتمون إليها، مثل الرياض، والدرعية، وضرما، والخرج، وبعض بلدات سدير .
كما تبين هذه الوثائق مصادر تمويل هذه القوى المحاربة، وأسماء الأشخاص والبلدات القصيمية التي أسهمت بمد القوى المحاربة بكل احتياجاتهم من الغذاء، خاصة ما ينتج منه في القصيم من الحبوب والتمور، موضحة أنواع الحبوب خاصة القمح، بالإضافة إلى ما مد به أعيان وتجار القصيم الملك عبدالعزيز من أموال .
كما توضح هذه الوثائق الأعطيات التي كانت تعطى لقادة المحاربين، منها ما هو نقود، ومنها ما هو أعطيات عينية، مثل القهوة، والدهن، والذبائح وغيرها، ومنها منح القادة أنواعاً من الملابس، مثل البشوت، والثياب، والغتر .
كما توضح أيضاً ما وزع على قادة المحاربين من الفشك أو الفشق. وكان المحاربون دائماً في تلك السنوات المبكرة من توحيد البلاد يمتلك غالبيتهم سلاحه الخاص به، مثل البنادق والسيوف، والخناجر، وبعضهم توزع عليهم أسلحتهم من قبل الملك عبدالعزيز، خاصة البنادق. كما تبين هذه الوثائق أسماء القادة الفرسان، وعدد الفرسان الذين يتبعونهم، وعدد خيولهم .
كما تبيّن الوثائق أسماء القادة من آل سعود أشقاء الملك عبدالعزيز، مثل الأمراء سعد بن عبدالرحمن، ومحمد بن عبدالرحمن، وسعود بن عبدالرحمن وأبناء عمومته، مثل عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، وكبار قادته مثل محمد بن أحمد السديري، ومن يتبعهم من مشاهير المحاربين من أتباع الملك عبدالعزيز منذ بداية استعادته للرياض . كما تبين هذه الوثائق المشاركين في هذه الحرب من آل الشيخ .
أما الغالبية العظمى من المقاتلين فهم من أبناء القبائل؛ وقد أوردت هذه الوثائق أسماءهم مفصلة . وقد يقتصر ذكر الأسماء - في كثير من الأحيان - على الاسم الأول من أولئك المحاربين، بعد ذكر اسم القبيلة التابعين لها، واسم شيخ القبيلة . وقد وزع المقاتلون إلى خُبر من خبرة؛ والخبرة تتكون من خمسة أشخاص، وقد يكونون أحياناً 6 أو 7 والقبائل المشاركة في هذه الحرب - كما ورد في هذه الوثائق التي بين أيدينا - هم من القبائل الآتية :-
1 - قبيلة مطير .
2 - قبيلة حرب .
3 - قبيلة عتيبة .
4 - قبيلة سبيع .
5 - قبيلة العجمان .
6 - قبيلة السهول .
وقد أوردت هذه الوثائق - كما سبقت الإشارة إليه - أسماء مشايخ هذه القبائل؛ وستأتي مفصلة كما وردت في تلك الوثائق حين الانتهاء من هذا البحث بشكل نهائي. لم تغفل هذه الوثائق إيراد أنواع الفرش الذي كان يفترشه ويتلحف به الملك عبدالعزيز، وإخوانه، وأفراد أسرته، وكان نصيب الملك مثل نصيب أي فرد من أفراد أسرته .
كما وردت أسماء القدور، والصحون الكبار المعدة للطعام . أما أنواع السلاح - خاصة البنادق - فلم يرد في الوثائق إشارة إلى أنواعها، عدا إشارة إلى البندق أم أصبع، وربما كان هذا النوع من البنادق هو الأكثر شهرة في تلك المرحلة .
وأحب أن أشير إلى أن البشوت، والثياب، والغتر كانت ترسل للملك عبدالعزيز من الإحساء بكميات كبيرة كان يرسلها إليه وكلاء كان يعتمد عليهم في الإحساء، وهي حينذاك ما زالت تحت الحكم العثماني . وقد اطلعت على مراسلات الملك مع من كان يعتمد عليهم من أهل الإحساء، وهي مراسلات كثيرة ومهمة تتناول كل الجوانب الاقتصادية التي كان يطلبها الملك من الإحساء ومن أهمها البشوت التي كان يكثر من الطلب عليها ليوزعها أعطيات على محاربيه فأبلغه رجاله هناك في بعض ما اطلعت عليه من تلك الرسائل التي لم أتمكن من تصويرها . إن ما يصنع في الإحساء من بشوت لم يعد يكفي لتلبية طلبات الملك، فأمرهم بالبحث عن سد النقص من العراق . ومن أطرف ما زال عالقاً في ذاكرتي حين قراءتي لبعض تلك الرسائل ما ألحقه الملك من لوم شديد اللهجة حين طلب تزويده بعدد من البشوت الخاصة به، لأن ما كان لديه قد تقادم به الزمن، وألح الملك في سرعة إرسالها، فأرسلت إليه بشوت قصيرة جداً لا تناسب قامته السامقة، ووصف في رسالته حالة تلك البشوت حينما جرب لباسها وأبدى غضبه الشديد . وكان الملك يبعث برسائله إلى مدير ماليته في الرياض محمد بن شلهوب، أو من كان يقوم مقامه حينما كان شلهوب يرافق الملك للإشراف على تصريف الشؤون المالية أثناء هذه الأحداث .
أما الجانب الآخر من هذه الوثائق فيتمثل في عدد من الرسائل المرسلة للملك عبدالعزيز من قبل عدد من رجالات وأعيان القصيم، مثل رسالة من إبراهيم العلي الرشودي يلبي طلب الملك في 600 ريال . ورسالة من محمد بن فاهد بن نوفل الرسالة بدون تاريخ يبلغه فيها ابن نوفل بأنه بعث إليه بما طلب منه من أموال الجهاد، وكذلك عدد من الرسائل المتبادلة بين عدد من أعيان وتجار القصيم، ووزير مالية الملك محمد بن صالح بن شلهوب؛ كل مضامينها تدور حول المسائل الاقتصادية المتعلقة بظروف الحرب .
ومن هذه الرسائل رسالة من محمد بن عبدالله المسفر إلى ابن شلهوب بتاريخ 3 ربيع الأول 1322هـ، تضمنت العديد من القضايا، منها مباركته للملك على زواجه الذي تم في المكان الذي كان يقيم فيه خارج بريدة . يقول : (الله يجعله زواجاً مباركاً ومقدمة للنصر) ويذكر أن أهل بريدة ينتظرون قدوم الملك إلى بلدتهم بفارغ من الصبر، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساؤهم، وعلى رأسهم إبراهيم الربدي الأشد حرصاً على قدوم الملك . ويقول المسفر : (إن ساعة مشاهدة الناس للإمام أحب إليهم من عيالهم وحلالهم)
سنوضح تفاصيل ما ورد في هذه الوثائق في البحث عند اكتماله حيث نورد هذه الوثائق، وكذلك الرسائل بكامل نصوصها .
ويجب الإشارة إلى الصعوبة البالغة التي واجهتني أثناء قراءة هذه الوثائق، كونها كتبت بخطوط مختلفة، وبأخطاء إملائية كثيرة، وما ورد فيها من المفردات العامية، والمصطلحات المحلية . ثم الصعوبة الأخرى التي واجهتني هي قراءة أسماء الأشخاص، خاصة أسماء أهل البادية منهم؛ ومعلوم أن غرابة الأسماء ظاهرة جديرة بالدراسة .
آمل أن أكون بهذه المشاركة قد أسهمت بجهد المقل في إلقاء الضوء على جانب من تفاصيل هذه الأحداث، ودور الفاعلين فيها وفاء لكل من أسهم في مسيرة بناء هذا الوطن ووحدته المباركة، وعرفاناً لهم بالجميل، وقيامنا بما يفرضه الواجب علينا نحن المؤرخين تجاههم . منقول وتقبلوا تحياتي .
غير متصل
في ضوء وثائق تنشر لأول مرة
