مرقاب
17 - 02 - 2008, 11:12
خبرمنقول
للكاتب:احمدعسيري
جريدة الوطن
ناقتي يا ناقتي لا رباع ولا سديس
غضب البعض عندما اتهمتُ القصيدة الفصحى بالعزلة والقطيعة مع زمنها ومرحلتها حين فقدت كثيراً من فورانها واستفاضاتها وغابت العذوبة المتأججة في دلالاتها واحتداماتها مما جعل القصيدة الشعبية تندفع ريانة باسقة منثالة بعواطفها وتلقائيتها من خلال الوهج المخبوء والمضمر في أصوات شعرائها المميزين والمبدعين والمتسلحين بالوعي والخبرة والذاكرة المتدفقة والمستجيبة لنداء الحياة.
لقد حرثوا الأبجدية وجابوا فضاءها المفتوح عبر لعبة فنية جاذبة وبناء نصي أكثر التصاقاً بالوجدان والواقع، والحفر فيما وراء اللغة وكثافة الحضور والمغامرة الكتابية المدهشة.
وبالأمس أبصرت شاعراً تقف له الجماهير في احتفالية أسطورية مبهجة أشبه بالهاجس والحلم. كان مدججاً بالموهبة وثراء الإحساس واليقظة واندماج الواقع بالمتخيل. لقد كان ناصر الفراعنة يدرك ما يقول؛ فقصيدته محاطة بالتكوين الشعري الحاد والمكثف متأرجحة بين انكسار الأمس وهزيمته وبين احتفاء الغد ومنعطفه التاريخي. فقصيدته مفتوحة على أكثر من قراءة ما بين الهادئة والضاجة. فهو يتنقل عبر صور ذهنية معادلة للواقع تتمثل في توظيفه للدلالات القادحة لشرارة التأمل الموحي واللغة المفعمة بالتأويل والحدث الماضوي - البسوس - عيطموس - دختنوس - المجوس - لويس - جديس - أدونيس - كعب أخيل - وغيرها من التوليدات عميقة الظلال والفرار إلى الماورائي في إنشاد نغمي مموسق، وفي تناغم خفي وإيقاعات حسية غير مسبوقة ألهبت حدود المكان وحركت السكون في تكرار لفظي صارخ.
لقد استمد الفراعنة لغته من قيعان اللاوعي والمفردة المنحبسة في دهاليز المعجم وطعوس البيد، مما سهل اتهامه بمصاهرة الجن وطرائد العفاريت. وفي هذا المعنى يقول الدكتور عز الدين إسماعيل: مهما بلغت القصيدة من التجريد إلى الحد الذي يوهمنا باستقلالها عن الشاعر نفسه فهي تمثل رؤيته الخاصة مهما استخفى وراء الرمز والاستعارة والعلاقات اللغوية المبتكرة التي تنتمي إلى العالم الشعري. فإنه يظل حاضراً ويظل لحضوره فعالية خاصة. واستبعاده من إطار رؤيتنا يفوت علينا بعداً من أهم أبعاد القصيدة. أتراني بذلك أرفض فكرة الشعر المطلق؟ أجل بكل تأكيد، فنحن لا نصادف في حياتنا شيئاً اسمه الشعر وإنما نصادف العمل الشعري، القصيدة مثلاً عمل ينتمي إلى العالم الشعري الذي نعرفه، إننا بعبارة موجزة لا نرتاح للفكرة التي تجعل للشعر عالماً خاصاً به مستقلاً عن عالمنا وعن واقعنا.
ولذا فالدكتور عز الدين إسماعيل يؤكد على ثقافة الشاعر ومعرفته التحصيلية وتجربته ومعاناته وانخراطه في الحياة وانهماكه في قضايا عصره. لقد أربك بعض شعراء العامية الشعبيين ومنهم ناصر الفراعنة وخلخلوا بعض المفاهيم التي استقرت في الذاكرة الجمعية بأن الشعر الشعبي سرطان الشعر العربي وأنه يمثل العقم والخراب والاستلاب والإفلاس وانهيار اللغة الفصحى والهذيان والفراغ وانحدار الذائقة وضعف الأمة والانحطاط الثقافي، فكيف يصار إلى تعميمه وتكريسه وتقعيده ونشره مرئياً ومقروءاً ومدوناً.
وهل هو عودة إلى دعوة أولئك المبشرين باللهجة المحكية عندما أعلنوا مناهضتهم للفصحى وإصرارهم على تقديم العامية بديلاً يناسب التجربة المستعارة من الشعرية الغربية؟، وهل اللغة العربية الفصحى هي القاصرة والمتخلفة والميتة أم إن العقل العربي الفصيح هو القاصر والمتخلف؟
كل هذه نقاشات مشروعة وجدل محمود اقتطع من أعمارنا سنوات. وبقيت لغة الوحي سيدة الحياة وثغر الزمان الطهور. ولكني أدعو إلى الوقوف أمام مثل هذه التجربة واستقراء مرحلتها التي منحها عصرها ولماذا لم تعد معزولة عن واقعها المعاش؟ وهل لطغيان الأمية أم لتشابكها والتحامها مع راهنها التاريخي؟ أم لاقترابها من هموم الناس وعفويتها وتجلياتها الفاتنة؟ أم لحمولتها الشعبية المستجيبة والمتلامسة مع الألم البشري حين رفضت المساحيق والحيل الشعرية وتكيفت مع الفردوس الأرضي الذي ثبتت استحالته؟
****
الله درك يا ناصر الفراعنه انك تستحق كل هذه الاشاده
شاعركبيروتستحق ان يدرس شعرك وانك في عصر غير عصر
لكن من حظ هذا الجيل ان تكون به
اننا نقف لك احترامآونصفق لك بكل حراره
وانت في قلوبنا بغظ النظر فزت بالبيرق ام لم تفز
فأنت على رائس الهرم الشعري الجديد
للكاتب:احمدعسيري
جريدة الوطن
ناقتي يا ناقتي لا رباع ولا سديس
غضب البعض عندما اتهمتُ القصيدة الفصحى بالعزلة والقطيعة مع زمنها ومرحلتها حين فقدت كثيراً من فورانها واستفاضاتها وغابت العذوبة المتأججة في دلالاتها واحتداماتها مما جعل القصيدة الشعبية تندفع ريانة باسقة منثالة بعواطفها وتلقائيتها من خلال الوهج المخبوء والمضمر في أصوات شعرائها المميزين والمبدعين والمتسلحين بالوعي والخبرة والذاكرة المتدفقة والمستجيبة لنداء الحياة.
لقد حرثوا الأبجدية وجابوا فضاءها المفتوح عبر لعبة فنية جاذبة وبناء نصي أكثر التصاقاً بالوجدان والواقع، والحفر فيما وراء اللغة وكثافة الحضور والمغامرة الكتابية المدهشة.
وبالأمس أبصرت شاعراً تقف له الجماهير في احتفالية أسطورية مبهجة أشبه بالهاجس والحلم. كان مدججاً بالموهبة وثراء الإحساس واليقظة واندماج الواقع بالمتخيل. لقد كان ناصر الفراعنة يدرك ما يقول؛ فقصيدته محاطة بالتكوين الشعري الحاد والمكثف متأرجحة بين انكسار الأمس وهزيمته وبين احتفاء الغد ومنعطفه التاريخي. فقصيدته مفتوحة على أكثر من قراءة ما بين الهادئة والضاجة. فهو يتنقل عبر صور ذهنية معادلة للواقع تتمثل في توظيفه للدلالات القادحة لشرارة التأمل الموحي واللغة المفعمة بالتأويل والحدث الماضوي - البسوس - عيطموس - دختنوس - المجوس - لويس - جديس - أدونيس - كعب أخيل - وغيرها من التوليدات عميقة الظلال والفرار إلى الماورائي في إنشاد نغمي مموسق، وفي تناغم خفي وإيقاعات حسية غير مسبوقة ألهبت حدود المكان وحركت السكون في تكرار لفظي صارخ.
لقد استمد الفراعنة لغته من قيعان اللاوعي والمفردة المنحبسة في دهاليز المعجم وطعوس البيد، مما سهل اتهامه بمصاهرة الجن وطرائد العفاريت. وفي هذا المعنى يقول الدكتور عز الدين إسماعيل: مهما بلغت القصيدة من التجريد إلى الحد الذي يوهمنا باستقلالها عن الشاعر نفسه فهي تمثل رؤيته الخاصة مهما استخفى وراء الرمز والاستعارة والعلاقات اللغوية المبتكرة التي تنتمي إلى العالم الشعري. فإنه يظل حاضراً ويظل لحضوره فعالية خاصة. واستبعاده من إطار رؤيتنا يفوت علينا بعداً من أهم أبعاد القصيدة. أتراني بذلك أرفض فكرة الشعر المطلق؟ أجل بكل تأكيد، فنحن لا نصادف في حياتنا شيئاً اسمه الشعر وإنما نصادف العمل الشعري، القصيدة مثلاً عمل ينتمي إلى العالم الشعري الذي نعرفه، إننا بعبارة موجزة لا نرتاح للفكرة التي تجعل للشعر عالماً خاصاً به مستقلاً عن عالمنا وعن واقعنا.
ولذا فالدكتور عز الدين إسماعيل يؤكد على ثقافة الشاعر ومعرفته التحصيلية وتجربته ومعاناته وانخراطه في الحياة وانهماكه في قضايا عصره. لقد أربك بعض شعراء العامية الشعبيين ومنهم ناصر الفراعنة وخلخلوا بعض المفاهيم التي استقرت في الذاكرة الجمعية بأن الشعر الشعبي سرطان الشعر العربي وأنه يمثل العقم والخراب والاستلاب والإفلاس وانهيار اللغة الفصحى والهذيان والفراغ وانحدار الذائقة وضعف الأمة والانحطاط الثقافي، فكيف يصار إلى تعميمه وتكريسه وتقعيده ونشره مرئياً ومقروءاً ومدوناً.
وهل هو عودة إلى دعوة أولئك المبشرين باللهجة المحكية عندما أعلنوا مناهضتهم للفصحى وإصرارهم على تقديم العامية بديلاً يناسب التجربة المستعارة من الشعرية الغربية؟، وهل اللغة العربية الفصحى هي القاصرة والمتخلفة والميتة أم إن العقل العربي الفصيح هو القاصر والمتخلف؟
كل هذه نقاشات مشروعة وجدل محمود اقتطع من أعمارنا سنوات. وبقيت لغة الوحي سيدة الحياة وثغر الزمان الطهور. ولكني أدعو إلى الوقوف أمام مثل هذه التجربة واستقراء مرحلتها التي منحها عصرها ولماذا لم تعد معزولة عن واقعها المعاش؟ وهل لطغيان الأمية أم لتشابكها والتحامها مع راهنها التاريخي؟ أم لاقترابها من هموم الناس وعفويتها وتجلياتها الفاتنة؟ أم لحمولتها الشعبية المستجيبة والمتلامسة مع الألم البشري حين رفضت المساحيق والحيل الشعرية وتكيفت مع الفردوس الأرضي الذي ثبتت استحالته؟
****
الله درك يا ناصر الفراعنه انك تستحق كل هذه الاشاده
شاعركبيروتستحق ان يدرس شعرك وانك في عصر غير عصر
لكن من حظ هذا الجيل ان تكون به
اننا نقف لك احترامآونصفق لك بكل حراره
وانت في قلوبنا بغظ النظر فزت بالبيرق ام لم تفز
فأنت على رائس الهرم الشعري الجديد