خيَّال الغلباء
12 - 03 - 2008, 13:48
بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : لقد ندب الله عباده إلى العفو فقال : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199]. وقال تعالى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه ، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه ، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه . يقول الله تعالى : { وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النور :22].
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ألا ينفق على مِسْطَح رضي الله عنه وأرضاه لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك ، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح ، فأرشد الله إلى العفو بقوله : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا }.
ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه : { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }.
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه وأرضاه أنه قال : " بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي : مَن كان له عند الله شيء فليقم ، فيقوم أهل العفو ، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس ".
الدعوة بالأخلاق الحميدة :
إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا على المستوى الشخصي : { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ الجاثـية :14].
ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم ، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقول : " كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ".
إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول : " كل أمتي مني في حِلٍّ ".
ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه حين جلس في السوق يشتري طعامًا ، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت ، فجعل الناس يدعون على من أخذها ، فقال عبد الله بن مسعود : " اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها ، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه ".
العفو أولى :
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل ، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم . قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ الشورى : 39 - 43].
فقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي ، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه .
ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم ، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا ، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية ، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }.
وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً ، فيه إبداع بياني عجيب ، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس ، باللمسات الرفيقة ، والتوجيهات الرقيقة ، مع مراعاة آلام المجني عليهم ، والنظر بعنف وشدة إلى البغاة الظالمين ، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق ، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة ، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان .
ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن الناس من الأجر : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 133، 134].
العفو دليل كرم النفس :
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه ، وعلت همته وعظم حلمه وصبره ، قال معاوية رضي الله عنه وأرضاه : " عليكم بالحلم والإحتمال حتى تمكنكم الفرصة ، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال ".
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة : ماذا ترى ؟ قال : إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو ، فعفا عنهم .
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا .
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب الإنتصار من الظالم لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } قال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا .
العفو يورث صاحبه العزة :
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته . عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " [ رواه مسلم ].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم ، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التغابن:14].
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده ، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل ، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح .
أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : كم نعفو عن الخادم ؟ فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : " اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ]. فيا أخي :
إذا ما الذنب وافى باعتذار
= فقابله بعفو وابتسام
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين . منقول بتصرف وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
اخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : لقد ندب الله عباده إلى العفو فقال : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199]. وقال تعالى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه ، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه ، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه . يقول الله تعالى : { وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النور :22].
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ألا ينفق على مِسْطَح رضي الله عنه وأرضاه لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك ، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح ، فأرشد الله إلى العفو بقوله : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا }.
ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه : { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }.
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه وأرضاه أنه قال : " بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي : مَن كان له عند الله شيء فليقم ، فيقوم أهل العفو ، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس ".
الدعوة بالأخلاق الحميدة :
إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا على المستوى الشخصي : { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ الجاثـية :14].
ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم ، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقول : " كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ".
إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول : " كل أمتي مني في حِلٍّ ".
ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه حين جلس في السوق يشتري طعامًا ، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت ، فجعل الناس يدعون على من أخذها ، فقال عبد الله بن مسعود : " اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها ، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه ".
العفو أولى :
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل ، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم . قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ الشورى : 39 - 43].
فقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي ، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه .
ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم ، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا ، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية ، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }.
وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً ، فيه إبداع بياني عجيب ، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس ، باللمسات الرفيقة ، والتوجيهات الرقيقة ، مع مراعاة آلام المجني عليهم ، والنظر بعنف وشدة إلى البغاة الظالمين ، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق ، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة ، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان .
ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن الناس من الأجر : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 133، 134].
العفو دليل كرم النفس :
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه ، وعلت همته وعظم حلمه وصبره ، قال معاوية رضي الله عنه وأرضاه : " عليكم بالحلم والإحتمال حتى تمكنكم الفرصة ، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال ".
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة : ماذا ترى ؟ قال : إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو ، فعفا عنهم .
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا .
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب الإنتصار من الظالم لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } قال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا .
العفو يورث صاحبه العزة :
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته . عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " [ رواه مسلم ].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم ، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التغابن:14].
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده ، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل ، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح .
أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : كم نعفو عن الخادم ؟ فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : " اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ]. فيا أخي :
إذا ما الذنب وافى باعتذار
= فقابله بعفو وابتسام
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين . منقول بتصرف وأنتم سالمون وغانمون والسلام .