الرزيني
13 - 04 - 2008, 19:25
نجيب الزامل
ناصر الفراعنة فائزا أم بطلا؟
نجيب الزامل
(علمتني تجاربُ الحياة، أن الناسَ تغيظهم المزايا)- العقاد.
.. ناصر الفراعنة لم يفز بالبيرق في مسابقة شاعر المليون الضبيانية.. وعندي أنه لم يتغير شيء، بل ربما تغيرٌ إلى الأفضل، ربما الانتقالُ من الفوز المؤقت إلى البطولة الباقية، تحول من التصويت الإعلامي إلى الرمز الشعبي.. الفراعنة ليس من الشعراء الذين يفوزون في المسابقات الدورية ثم يُنسَوْن، إنه من الشعراء الذين يمرون في الذاكرة ثم يبقون.
ناصر الفراعنة يرسم مدرسة جديدة للشعر الشعبي، شعرٌ يرتقي إلى مرتبة الفصيح، ويجاور تخومَ الحكمة، وينطلق في آفاق الثقافة.. حباهُ الله بما حبى أكبر الشعراء المنشدين، من أيام ذي الجروح قيس، إلى المتنبي، وغنائيات شكسبير، وإلقاءات الشعراء العراقيين الأنوفين كالرصافي والزهاوي والجواهري والنواب.. غير أنه شكل عنصرا جديدا، إنه أضاف للخلطة الشعرية لونا قزحيا لم نعهده من قبل، وعززه بالإلقاء بصوت رخيم، ومخارج ناصعة للحروف، وحُنجرة مليئة بالنبرات الفخمة والاستيحاءات الصوتية الأخاذة.. وبهباتٍ أخرى منها الطلة الرجولية، والجاذبية الشخصية، وميلٌ بالفم تقول عنه مدرسة لمبروزو الإيطالية إنها صفة لمن يقودون حركة في الزمن..
بالنسبة لي شخصيا، الفراعنة جعلني لأول مرة في حياتي أتابع ما لا أتخيل نفسي ولا تخيلا أني سأتابعه في يومٍ من الأيام، إلا أن شعبيته الجارفة في الأسواق، وفي المجالس وفي المدارس والجامعات، وبين مختلف الأعمار ومختلف الطبقات، أجبرني إجبارا بما أنا لست مجبرا عليه إلا بمحض الفضول والاختيار.
تعلمت من متابعة الشعراء الجدد أن كل شيءٍ يتطور، وبتطورٍ مذهلٍ حتى الفلكلور والفنون الشعبية، وأيقظني وأنا الذي كنت أظن أني من أتباع التسامح والمتسامحين، أني كنت متعصبا في انحيازي للأدب العربي الفصيح، وأن التعصب مهما كان – حتى ولو في الأمور الحميدة- إنما ينقل معه بذور الجهل.. الجهلُ بالشيء المقابل. وربما بفضل هؤلاء الشعراء تخلصت من آخر تعصباتي.. مع تحفظي الشديد ضد النعرات القبلية، والمبالغة في المديح.
هل كان فوز الشبرمي مخططا له؟ ربما نعم، ربما لا.. لا أدري، ولا يهمني أن أعلم. الشبرمي شاعر أعجبت به، فهو رزين رصين هادئ الأركان، مكين الأسلوب، يختار قوافيه وأوزانه كاختيار الصائغ في نظم حُليِّه، ويميل إلى الحكمة والعبارة العميقة الوجدانية.. ولكن الشبرمي كشاعرٍ فذ، وكرجل فيه صفات النبلاء يعلم أن الفراعنة شاعر من أفق آخر، من عالم لا يقطنه إلا مجانين عباقرة الشعراء، والجنون العبقري له تفسير في وادي العباقرة حيث يلتحم الجمالُ مع الذكاءِ مع القدرةِ على إتيان ما لا يتوقـَع من التعابير والأوزان صعباً وسهلاً مما يدهش العاديين وقبلهم المتميزين. وأظن أن الشبرمي يعرف ذلك في قرارة نفسه، وأظنه عبر عنه علنا بطريقة من الطرائق.
ليس (البيرق) هو المعلـَمُ للشاعر، ولا هو القياس، إنه ما نشاهده ونرى بين الناس ويدور في مسارح الحياة.
وأول لقائي بالفراعنة وأنا قادم مع أخي من الرياض بالسيارة، وعند محطة من المحطات رأينا طابورا يزدحم حول محل بيع تسجيلات، وعرفنا أن المحل يعرض آخر قصائد الشاعر ناصر الفراعنة، فعجبت.. إزدحام وسط الصحراء؟! من يوقِفُ طابورا في البراري.. إلا الفراعنة؟. وعندما أدرنا التسجيل لم تكن إلا قصيدة واحدة هي (ناقتي يا ناقتي)، والباقي فراغ.. إذن دخل الفراعنة سوق أهم المنتجات، وأول صفات هذه المنتجات أنها تُغـَش!
سيبقى الفراعنة شاعرا أثيلا، في ذاكرة الأطفال الذين وصلهم الفراعنة بدهاء العارف لحنا، وبذاكرة الناس الذين وصلهم إلقاء وجزالة، وذاكرة الصفوة الذين وصلهم معنى وفلسفة وعمقا..
لا، ليس الفراعنة من طينة الفائزين، إنه من عنصر الأبطال، استنهاضُ أسطورةٍ ستبقى، أفلم يقل بعضهم إنه يتداول مع الجن؟
ولكنه ليس إلا:
(شاعر ضابط مظلي مهندس ملـي بملـي أعبـد المولـى وأصلـي ولا طلبـت الجـن
جت بي امي في رماده وارضعتني في حماده يا نميـر بن عبـاده جـدي الشاعـر لبيـد
لا ورب العاديات الضبـح رب النازعـات الغـرق رب الناشطـات النشـط رب السابقـات
والله لو عندي فراغ ان قد رسمت الشعر صاغ وجبت ما لا جابه اهل العصورالماضيـات
نفخ صور ثم نشور من قبور ثم سعادة او دبـور المسعـد اللـي ذلـك اليـوم سعيـد..)
.. صح لسانك يا ناصر!
najeeb@sahara.com
http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12720&I=575649
ناصر الفراعنة فائزا أم بطلا؟
نجيب الزامل
(علمتني تجاربُ الحياة، أن الناسَ تغيظهم المزايا)- العقاد.
.. ناصر الفراعنة لم يفز بالبيرق في مسابقة شاعر المليون الضبيانية.. وعندي أنه لم يتغير شيء، بل ربما تغيرٌ إلى الأفضل، ربما الانتقالُ من الفوز المؤقت إلى البطولة الباقية، تحول من التصويت الإعلامي إلى الرمز الشعبي.. الفراعنة ليس من الشعراء الذين يفوزون في المسابقات الدورية ثم يُنسَوْن، إنه من الشعراء الذين يمرون في الذاكرة ثم يبقون.
ناصر الفراعنة يرسم مدرسة جديدة للشعر الشعبي، شعرٌ يرتقي إلى مرتبة الفصيح، ويجاور تخومَ الحكمة، وينطلق في آفاق الثقافة.. حباهُ الله بما حبى أكبر الشعراء المنشدين، من أيام ذي الجروح قيس، إلى المتنبي، وغنائيات شكسبير، وإلقاءات الشعراء العراقيين الأنوفين كالرصافي والزهاوي والجواهري والنواب.. غير أنه شكل عنصرا جديدا، إنه أضاف للخلطة الشعرية لونا قزحيا لم نعهده من قبل، وعززه بالإلقاء بصوت رخيم، ومخارج ناصعة للحروف، وحُنجرة مليئة بالنبرات الفخمة والاستيحاءات الصوتية الأخاذة.. وبهباتٍ أخرى منها الطلة الرجولية، والجاذبية الشخصية، وميلٌ بالفم تقول عنه مدرسة لمبروزو الإيطالية إنها صفة لمن يقودون حركة في الزمن..
بالنسبة لي شخصيا، الفراعنة جعلني لأول مرة في حياتي أتابع ما لا أتخيل نفسي ولا تخيلا أني سأتابعه في يومٍ من الأيام، إلا أن شعبيته الجارفة في الأسواق، وفي المجالس وفي المدارس والجامعات، وبين مختلف الأعمار ومختلف الطبقات، أجبرني إجبارا بما أنا لست مجبرا عليه إلا بمحض الفضول والاختيار.
تعلمت من متابعة الشعراء الجدد أن كل شيءٍ يتطور، وبتطورٍ مذهلٍ حتى الفلكلور والفنون الشعبية، وأيقظني وأنا الذي كنت أظن أني من أتباع التسامح والمتسامحين، أني كنت متعصبا في انحيازي للأدب العربي الفصيح، وأن التعصب مهما كان – حتى ولو في الأمور الحميدة- إنما ينقل معه بذور الجهل.. الجهلُ بالشيء المقابل. وربما بفضل هؤلاء الشعراء تخلصت من آخر تعصباتي.. مع تحفظي الشديد ضد النعرات القبلية، والمبالغة في المديح.
هل كان فوز الشبرمي مخططا له؟ ربما نعم، ربما لا.. لا أدري، ولا يهمني أن أعلم. الشبرمي شاعر أعجبت به، فهو رزين رصين هادئ الأركان، مكين الأسلوب، يختار قوافيه وأوزانه كاختيار الصائغ في نظم حُليِّه، ويميل إلى الحكمة والعبارة العميقة الوجدانية.. ولكن الشبرمي كشاعرٍ فذ، وكرجل فيه صفات النبلاء يعلم أن الفراعنة شاعر من أفق آخر، من عالم لا يقطنه إلا مجانين عباقرة الشعراء، والجنون العبقري له تفسير في وادي العباقرة حيث يلتحم الجمالُ مع الذكاءِ مع القدرةِ على إتيان ما لا يتوقـَع من التعابير والأوزان صعباً وسهلاً مما يدهش العاديين وقبلهم المتميزين. وأظن أن الشبرمي يعرف ذلك في قرارة نفسه، وأظنه عبر عنه علنا بطريقة من الطرائق.
ليس (البيرق) هو المعلـَمُ للشاعر، ولا هو القياس، إنه ما نشاهده ونرى بين الناس ويدور في مسارح الحياة.
وأول لقائي بالفراعنة وأنا قادم مع أخي من الرياض بالسيارة، وعند محطة من المحطات رأينا طابورا يزدحم حول محل بيع تسجيلات، وعرفنا أن المحل يعرض آخر قصائد الشاعر ناصر الفراعنة، فعجبت.. إزدحام وسط الصحراء؟! من يوقِفُ طابورا في البراري.. إلا الفراعنة؟. وعندما أدرنا التسجيل لم تكن إلا قصيدة واحدة هي (ناقتي يا ناقتي)، والباقي فراغ.. إذن دخل الفراعنة سوق أهم المنتجات، وأول صفات هذه المنتجات أنها تُغـَش!
سيبقى الفراعنة شاعرا أثيلا، في ذاكرة الأطفال الذين وصلهم الفراعنة بدهاء العارف لحنا، وبذاكرة الناس الذين وصلهم إلقاء وجزالة، وذاكرة الصفوة الذين وصلهم معنى وفلسفة وعمقا..
لا، ليس الفراعنة من طينة الفائزين، إنه من عنصر الأبطال، استنهاضُ أسطورةٍ ستبقى، أفلم يقل بعضهم إنه يتداول مع الجن؟
ولكنه ليس إلا:
(شاعر ضابط مظلي مهندس ملـي بملـي أعبـد المولـى وأصلـي ولا طلبـت الجـن
جت بي امي في رماده وارضعتني في حماده يا نميـر بن عبـاده جـدي الشاعـر لبيـد
لا ورب العاديات الضبـح رب النازعـات الغـرق رب الناشطـات النشـط رب السابقـات
والله لو عندي فراغ ان قد رسمت الشعر صاغ وجبت ما لا جابه اهل العصورالماضيـات
نفخ صور ثم نشور من قبور ثم سعادة او دبـور المسعـد اللـي ذلـك اليـوم سعيـد..)
.. صح لسانك يا ناصر!
najeeb@sahara.com
http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12720&I=575649