المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة تعالج سرّ العلاقة بين الحمار وذاكرتنا الثقافيّة !


الشامل
04 - 02 - 2004, 19:01
مقال: الحمار في الذاكرة العربية / سعود الصاعدي








قراءة تعالج سرّ العلاقة بين الحمار وذاكرتنا الثقافيّة !
أهديهـا : للزمـن القـادم بعد الانقراض !

( 1 )

.. في البدء صرخ شاعرٌ قديم :
لقد ذهب الحمار بأمّ عمرٍ
.... فلا رجعت ، ولا رجــع الحمار !
ومن يومها ، أعني من الأمس البعيد ، والحمار الذي لم يرجع ، لا يزال في ذاكرتنا الثقافيّة ، حيث الحضور المكثّف لمفردته ، منذ أن عرف العربيّ معنى أن تكون غبيّاً ، أو أن تتغابى فتصبح سيّد قومك الأذكياء ، ومن خلال محاولة متواضعة تجوّلت فيها بصحبة "الحمار" بين أروقة الذاكرة العربيّة ، واتّخذت من استقرائي لمفردة الحمار الدلاليّة ، والنفسيّة ، والصوتيّة ، مركباً أمتطيه ويمتطيه معي حماري سعيد "الحظّ" ، الذي لم يكن هذه المرّة مركوباً ، فكلانا ، أنا والحمار ، ركبنا مطيّة التّأمّل في هذه "المفردة" المشحونة بطاقةٍ من الدلالات ذات التأثير النفسيّ ، على المرسل والمتلقّي معاً ، حيث وجدت ، بعد الفراغ من تكرار مفردة " حمار " ، عندما ملأت بها فمي : أنّها ذات جرسٍ مختلف وغريب ، ربما في طريقة نطقها سرٌّ من أسرار هذه "السيرورة " في اللسان العربيّ : لاحظوا معي صوتيم المفردة ( حــ ) ، حينما يأتي من أقصى الحلق ، أي من الأعماق ! ، ومن ثمّ الصوتيم ( مــ ) ، حيث تنطبق الشفتان استعداداً لإلقاء القنبلة الموقوتة ، لتأتي بعد ذلك ساعة تدوّي فيها مؤخّرة هذه المفردة بحرفين / صوتيمين : ار ، مع ملاحظة الشظايا التي تبعثرهـا أطراف الرّاء لطبيعة هذا الحرف الصوتيّة بحسب ما قرّره علم الأصوات اللغويّ
أعود –الآن – إلى حمار أمّ عمرو ، حيث جاء توظيفه في سياق البيت بالتساوي على شطريه ، مع الحرص على أن تكون المفردة في خاتمته لتبقى عالقةً باللسان ، كما هي عالقة بالذاكرة ، ولعلّ أهمّ مايلاحظ في توظيف هذه المفردة في الشعر ، أنّها كثيرة الورود في ذيل النصّ ، بمعنى أنّها تكون مشحونةً بطاقتها الدلاليّة والنفسيّة حينما ترد في مؤخّرة الكلام ، وهذه من إحدى مصائب الحمار في ثقافتنا العربيّة !

( 2 )


.. شاعرٌ آخر يستدعي هذه المفردة ، ويوظّفها التوظيف السابق ، حيث تقبع في مكانها اللائق بها ، وهي برهانٌ آخر على صحّة ماذهبتُ إليه من حساسيّة المفردة عند العربيّ ، حينما يصرّ على أن تكون في ذيل البيت المتهكّم ، رغم اللباس الذي لم يشفع للحمار بإخفاء ملامحه الحقيقيّة :
ولو لبس الحمار ثيـاب خزٍّ /// لقال النّاس يـا لك من حمـار !
تأمّلوا معي الشعور باللذّة والارتياح أثناء تفريغ "الفم" من هذه المفردة ، وهو ما جعل الشاعرين ، الاوّل والثاني ، يستأثران بهذه "المفردة" ويكرّرانها في بيتٍ واحدٍ مرّتين !

( 3 )

لندع الشعر جانباً – الآن – ثم نعود إليه حينما نفرغ من هذه الرحلة الشائقة ، ولنقرأ معاً موقف : الأخوة الأشقّاء حينما حجبهم "الجدّ" عن الميراث ، وورث معه الأخوة لأمّ مع الزوج في المسألة "الحماريّة" ، حيث قالوا لعمر رضي الله عنه : هَـب أنّ أبانـا حمــار !
هنا : تساؤلٌ يرد : إذا كان هؤلاء الفتية يريدون إقناع الفاروق بالوجود الذي يشبه العدم ، ولم يكونوا يقصدون "البلادة" ، ولا " عدم الفهم " كما هو معلوم فَلِم لم يرد إلى أذهانهم شيٌ آخر غير "الحمار" ؟ هل ضاق الفضاء كلّه ، وانزوت الأرض كلّها ، حتّى لم يبق فيها سوى هذه المفردة ؟
إذن ، هذه الأسئلة تقودنا إلى أنّ مفردة "الحمار" لا ترد – فحسب- كإسقاط على حالة الغباء ، كما هو شائعٌ بين النّاس ، أعني بذلك أنّ الطاقة الشعوريّة التي تحملها هذه "المفردة" أكبر من أن تكون لوصف حالةٍ واحدةٍ فحسب، والحمار – كما هو معلومٌ – فيه صفةٌ ملازمة ، بل تكاد تكون ألصق به من صفة الغباء التي يقال أنّها تهمة في حقّ الحمار ! ، والصفة اللازمة للحمار هي صفة الجلد ! ( وما بوش عنّا ببعيد ! )

( 4 )

..ولأنّ القرآن نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين ، يخاطب به الله عباده وفق النفسيّة العربيّة ، فقد جاء وصف اليهود الذين يعلمون ولا يعملون ، تبكيتاً لهم وتحقيرا ، بصورةٍ تنفر منها النفس العربيّة الأصيلة ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ، والمتأمّل في الآية يجد أنّ صفة الغباء غير موجودة في هذا السياق ، فالغبيّ لا يعلم ولا يتعلّم ، والعقل اليهوديّ ذكيٌّ غير زكيّ ، وإنما المقصود هنا الإشارة إلى عدم انتفاعهم بما يحملون كالحمير تماماً ! تقريعاً لهم وتبكيتا ، وهذا ممّا يؤكّد على أنّ استدعاء مفردة " حمار " تجيء أحياناً لدلالاتٍ أخرى غير الغباء وعدم الفهم ، وقد جاءت هنا – والله أعلم – لتدلّ على بلاغة القرآن ومخاطبته للنفس البشريّة وفق نوازعها الشعوريّة ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، إذ إنّ الجمل – أيضاً – قد يحمل أسفاراً ، وهو يشارك الحمار في عدم الانتفاع بما يحمل، بيد أنّه يخالفه في منزلته عند العربيّ ، فهو – أي الجمل – من نفائس أموال العرب ، والخلاصة : أنّ في مفردة الحمار كمٌّاً هائلاً من الإيحاءات الرادعة الموجعة !

( 5 )

.. يتّضح ممّا سبق مدى ما تتمتّع به هذه المفردة من ( حصانة ) ضدّ الضياع في الذاكرة العربيّة ، لهذا نجد كتب التراث والطرائف زاخرة بالمواقف والقصص التي يكون فيها ( الحمار) بطلاً من أبطالها ، فجحا الضاحك المضحك لا يفارقه حماره ، حيث صار من أهله وخاصّته :
- جاءه رجلٌ ذات يوم وطلب منه أن يعيره الحمار
- فقال له : غير موجودٍ الآن
- فنهق الحمار وقال الرجل : وهذا ؟ !
- فأجابه جحا : أتكذّبني وتصدّق الحمار ؟!
وحينما سئل بشّار بن برد عن مفردة غريبة وردت في أحد أبياته التي كتبها على لسان حمار ، أجاب : هذه من غريب الحمار !
فقد حظي الحمار بشيءٍ غير يسير من الاهتمام ، وصار في طليعة الحيوانات التي وردت في الأدب العربيّ ، قديمه وحديثه ، فالشاعر والكاتب إبراهيم المازني أحد شعراء العصر الحديث : تحدّث في كتابه ( صندوق الدنيا ) عن فروسيّته على ظهر حمار ، والشيخ الأديب علي الطنطاوي استلهم في كتاباته الرائعة سخريته اللاذعة من مادّة "الحمار" ، ففي إحدى جولاته في حديقة الحيوان : رأى الحمر الأهليّة وتساءل – بعد أن صارت الحمير مادّةً للسياحة – عمّا إذا كانت الحمير تغضب حينما تُنادى : يا بشـر ! ، أولسنا نغضب مثلها حينما يقال لنا : يا حمير !
أظنّ أنّ الزمن الذي ستتحقّق فيه هذه المعادلة أوشك يا شيخي ووالدي الأديب

اخو شما
05 - 02 - 2004, 15:50
من مظاهر احترام الحمار عندما حمله جحا وابنه على ظهريهما في السوق امام الناس

ومن مظاهر احتقار الحمار عندما يضع ابناء الباديه في حوافره قواطي الصلصه:eek:

ولكن انا عندي وجهة نظر وهي:

















جعل الحمار مايقوم
يحمد ربه بعد انه تحسن نسله وصار بغل:D

الشامل
05 - 02 - 2004, 22:31
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكور على الاضافه اخوووو شماااا