خيَّال الغلباء
25 - 01 - 2009, 19:55
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث منشور في " مجلة العرب " ج 11 ، 12 س 18 ـ جماديان 1404هـ
للأستاذ / فهيد بن عبدالله بن تركي السبيعي
جاء في " معجم البلدان " لياقوت الحموي قوله : الذهاب : بضم أوله وآخره باءً موحده .
وقرأت بخط أبن نباته السعدي الشاعر في شعر / لبيد بن ربيعة العامري : الذهاب : بكسر أوله والضم أكثر . هو غائط من أرض بني الحارث بن كعب ، أغار عليهم فيه عامر بن الطفيل وعلى أحلافهم من اليمن .
قال / لبيد بن ربيعة :
حتى تهجر في الرواح وهاجها
= طلب المعقب حقه المظلوم
إني أمرؤ منعت أرومة عامر
= ضيمي وقد حنقت علي خصوم
منها حوي والذهاب وقبله
= يوم ببرقة رحرحان كريم
وقال عامر بن الطفيل :
ونعد أياماً لنا ومآثرا
= قدما تبذ البدو والأمصارا
منها حوي والذهاب وبالصفا
= يوم تمهد مجد ذاك فسارا
وقال / النابغة الجعدي :
أتاهن أن مياه الذهاب
= فالأوق فالملح فالميثب
وقال / أبو ذواد الرواسي الكلابي :
لمن طلل كعنوان الكتاب
= ببطن أفاق أو بطن الذهاب
وقال / النابغة الجعدي ايضاً :
فذهاب الكور أمسى أهله
= كل موشي شواه ذي رمل
دار قومي قبل أن يدركهم
= عنت الدهر وعيش ذو خبل
وهنا نرى تكرار الذهاب ومواضعه كثيراً في أشعار بني عامر ومنهم من نسبه إلى الكور كالجعدي وهي نسبة صحيحة ، يثبتها الواقع الآن ، وسنوضحه فيما بعد ، وهذا الكور هو ما دعاه الهمداني كور عامر تيم ، فهو ذكره وفرق بينه وبين الكور جبل رنيه .
قال / أوس بن مدرك :
تبالة والعرضان ترج وبيشة
= وقومي تيم اللات والإسم خثعم
وقال / النابغة الجعدي :
ونحن أزلنا مذحجاً عن ديارها
= فزالوا وكانوا أهل ترج وعثرا
ولعل هذه الأكوار جبل رنيه وكور أثال والكور هذا الذي نحن بصدده هي التي عناها / النابغة الجعدي حين قال :
جلبنا من الأكوار والسي والقفا
= وبيشة جيشاً ذا زوائد جحفلا
وقد قال ذلك الجعدي أيام تماسك قومه بني عامر ونزولهم في أسافل أودية السراة الشرقية ، وما حولها وفي عالية نجد . وكما هو معروف لما لهذه القبيلة من قوة وكثرة قبل تفرقها أيام الفتوحات الإسلامية .
قال / حميد بن ثور الهلالي :
ليالي دنيانا علينا رحيبة
= وإذ عامر في أول الدهر عامر
ولعل / العجير السلولي وهو من سكان بيشة عنى كور عامر تيم حين خاطب بعض قومه وقد جنى جناية فلجأ إلى هذا الكور قال :
أمن أجل شاة بتُما بقذالة
= من الكور تجتابان سود الأراقم
وهذا الكور يعرف اليوم ـ بكور ( بريهه ) أو كور آل عمير نسبة لسكانه هؤلاء من سبيع أهل رنيه ، ويقع الكور من مدينة بيشة ناحية الشمال الغربي بحوالي 68 كيلاً تقريباً ، وهو على ضفة وادي رنيه من الجنوب ، حينما يكون وادي رنيه في الموضع الواقع بين أبيده وتباله في الطرف الجنوبي الغربي من حرة بني هلال . وهو عبارة عن سلاسل جبليه عظيمة ، ويبدر منه جنوباً حيث إمتداده أكمة حمراء عظيمة ، يفصل بينها وبين الكور ريع يدعى ( ريع اللثيماء ) وتسمى الأكمة ( بالكوير ) تصغير كور ، فيقال : الكور والكوير . وهو يقع من الكور جبل رنيه مسافة 175 كيلاً تقريباً . وقد اشتبه الأمر على المرحوم / محمد بن عبدالله بن بليهد حينما ذكر أن الكور جبل رنيه لقبائل من سبيع يقال لهم ( بريهه ) وفيه كانت حروب بين سبيع أهل رنيه ، الزكور وبين ( بريهه )، وقال : فيه نخل يقال لها الأملح ، ثم عاد وذكر ثانية أن الكور جبل رنيه ، جبل يطل على رنيه من الناحية الغربية الجنوبية ، وفيه من يسميه جبل المجامعة من سبيع .
ونقول : إن كور بريهه هو ما ذكرناه سابقاً ، وأن الذي أكثر ذكره / ابن بليهد وفيه قامت الحروب وفيه نخل الأملح هو الكور جبل رنيه ، والأملح يقع منه غرباً ، وهو سلسلة جبلية عظيمة تمتد من الشمال إلى الجنوب 75 كيلاً ، وفي نهايته الشمالية الغربية يقع كور اًثال ، ويقابله غرباً جبل بضيع ، ونهايته الجنوبية تقابل نهاية نفود حنجران ، ومنقع الجاهليه في حقف الرمله مما يلي نهاية الجبل . والجاهلية بئر تقع في نهاية الكور ، مما يلي الرمل ، وفي المنقع تنتهي سيول كل الأودية والشعاب الآتية :
حوي ـ ( الحاوي ) وخدان :
وهذان الواديان يكتنفان سوادة آل عمير الواقعة شرقي كورهم ، فالحاوي يأتي من تلقي شعابها المنحدره جنوباً ، ثم يتجه شرقاً حتى يخلف معظمها شمالاً منه ، ثم يحويها مسيله متجهاً شمالاً تماماً ، وقد أصبحت منه كلها غرباً حتى يلتقي بـ ( خدان ) وخدان ينحدر من شعاب السواده المتجهه شمالاً ، ويستقبلها ويذهب محاذياً السوادة من الشمال حتى يلتقي بالحاوي عند ( الحصاة ) على الطريق العامه إلى بيشه ورنيه فيصبحان وادياً يذهب حتى يقطع العرقوب ، ويصب في المنقع المذكور ، كما أن المنقع أيضاً يستقبل سيل وادي السليل الذي يأتي من الغرب مستقبلاً هو أيضاً سيول وادي المياه ، الذي ينحدر من كور بريهه جهة الشرق ، فتلتقي هذه الأودية في المنقع مابين نفود حنجران ونهاية الكور ، وإذا زادت سيول تلك الأودية على المنقع فإنها تذهب مابين الرمال والجبل حتى تصب في نهايات ( الحمان ) وهي برقة تقع في حقف رملة حنجران من الشمال ، جنوبي مدينة رنيه على بعد 15كيلاً ، وتشاهد من نفس المدينة .
ونقول : إن الذهاب كما هو معروف اليوم ـ بكسر أوله ـ هو منخفض من الأرض واسع وفي أصله واد عظيم ، يأخذ سيله الناس إذا سال على غرة منهم . وسيله يأتي من الغرب ، ويذهب شرقاً مسافات طويله وعندما يقرب من جبال الجفر ، يأخذ إتجاهه نحو الجنوب ، حتى يصب في مجرى وادي بيشة المعروف في الغرب من مورد ( عقيلان ) الواقع في بطن وادي بيشه .
وفروع وادي الذهاب يأتي أهمها من جبال الكور ـ كور آل عمير ـ الواقعة على ضفة وادي رنيه من جنوب ، ومن غائط الذهاب جهة الشمال الغربي ، وله فروع أخرى تأتي من جبال تقابل جبال الكور من الجنوب والجنوب الغربي ، مثل جبال الأسد وجبل صدعه . فمن جبال الكور تأتي هذه الفروع ( الدهثمي ) و ( النهملي ) و ( مذاريه ) و ( شجعة ) و ( المطريه ) وغير ذلك من الشعاب ، وفي كل ذلك مياه للبادية عادية وحديثة ، ومن جبال الأسد يأتي كل من وادي ( الحمى ) و ( الرشاه ) ومن جبال صدعه يأتي وادي ( قرواح ) و ( النعجه ) و ( خارب ) وغير ذلك من الشعاب .
ثم تلتقي جميع الروافد المذكوره الآتيه من الشمال الغربي والأخرى من الجنوب الغربي وتنحدر في غائط الذهاب وهي أصله الأول ومنابعه الدائمة .
والذهاب يقطعه طريق المسافر من رنيه إلى بيشه وهو إلى الأخيره أقرب .
والحاوي يقع منه جهة الشمال غير بعيد وكثيراً ما يقرن أسميهما في ناحيتهما ، وذلك لقربهما من بعضهما وهما يقعان في منطقة من أفضل المناطق الرعوية وأكثرها شعاباً ورياضاً ومراعي ، ويمتد الذهاب نحو الشرق أكثر من 140كيلاً حتى نهايته في بيشه ، فهناك موضعان لهما ذكر في أشعار المتقدمين وأخبارهم وهما : ( أسن ) و ( الجفر ) وكلاهما يقعان في وسط الذهاب ، فالأول يقع في بطن الذهاب ، والثاني على الضفة الشمالية مما يلي رنيه .
قال / النابغة الجعدي :
بمغاميد فأعلى أُسن
= فخنانات فأوق فالجبل
وقال / تميم أبن أُبي بن مقبل العجلاني :
زارتك دهماء وهنا بعد ما هجعت
= عنك العيون ببطن القاع من أسن
ولعل أسن الوارد ذكره هنا هو مايعرف اليوم بأسم ( أبو سنون ) وهو جبل متوسط الحجم ، يقع في بطن الذهاب ، يمتد من الغرب إلى الشرق فيه آكام حمر تعلوه الرمال ، وتحيطه في موضعه .
والمشاهد له على البعد يحسبه أبرق ، وشهرة هذا الجبل أكبر من وضعه فهو يتوسط المراعي الجيده ، وهو أيضاً الحد بين الأكلبيه والسبيعيه منذ القدم .
أما الموضع الثاني : فهو الجفار أو الجفر كما يعرف اليوم .
قال / السليك بن السلكه :
لخثعم إن بقيت وإن أبوه
= أوار بين بيشة أو جفار
وقال الشاعر العامي :
يا وراد جفر الذهاب بمواشيك
= تلقى جمام وافره ما تماحي
العقله اللي دايم الدوم تشفيك
= وإن كثروا الوراد ما من نزاحي
ونقول : إن الجفر جبال حمر متداخله لها رؤوس كثيرة عالية ، وتقع على ضفة وادي الذهاب ، ويقابلها من الشمال هضاب الستر ، وفي قاع الجفر من الشمال بئر عادية قديمة ، وجدت في السنوات الماضية وسميت المقيبليه ، وهي كثيرة الماء عذبه ، واسعة القعر ، ولعلها ما يعرف قديماً بأسم ( الخرماء ) ، الوارد ذكرها في شعر أبي ذواد الرواسي في وقعتهم بمذحج أيام فيف الريح قال :
أتانا أن الخرماء منهم
= سوامهم ودون الفيف شاء
وبذكر الفيف : هناك موضع يتوسط المواضع التي ورد ذكرها أيام فيف الريح في أشعار بني عامر ، ويعرف بحزم مريح ، ولعله تحريف فيف الريح ، والمواضع هي على الترتيب من الجنوب إلى الشمال : الذهاب ، حوي ، الفيف ، العرقوب ، كوري أثال وبضيع .
قال أبو عبيدة : كانت وقعة فيف الريح وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكه قال : كانت بنو عامر تطلب الحارث بن كعب بأوتار كثيره فجمع لهم الحصين بن يزيد الحارثي ، وكان يغزوا بمن يتبعه من قبائل مذحج ، واقبل في بني الحارث ، وجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيره ، ومراد وصداء ونهد ، وأستعانوا بقبائل خثعم ، فخرج شهران وناهس ، وأكلب عليه أنس بن مدرك ، وأقبلوا يريدون بني عامر ، وهم منتجعون ( فيف الريح ) ومع مذحج النساء والذراري ، فأجتمعت بنو عامر كلها إلى عامر بن الطفيل ، ماعدا بنو هلال بن عامر لم يشهدها منهم أحد .
قال : فالتقى القوم فأقتتلوا قتالاً شديداً ثلاثة أيام ، يغادرونهم القتال ، وأسرع القتل في الفريقين جميعاً ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة .
قال / عامر بن الطفيل :
والحي من كعب وجرم كلها
= بالقاع يوم يحثها الجلد
بالكور يوم ثوى الحصين وقد رأى
= عبد المدان خيولها تعدو
الكور هنا : كور اُثال ـ أنظر معجم البكري ـ
وقال / ذو الجوشن أوس بن الأعور الضبابي : يرثي أخاه / الصميل بن الأعور الضبابي وقد أصيب في أثال ، قال :
أمسى بكور أثال لا براح به
= بعد اللقاء وأمسى خائفاً وجلا
وقال / أبو دواد الرؤاسي :
ونحن أهل بضيع يوم واجهنا
= جيش الحصين طلاع الخائف الكزم
ساقوا شعوباُ وعنساُ من ديارهم
= ورجل خثعم من سهل ومن علم
وقال أيضاً :
ظلت يحابر تدعى وسط أرحلنا
= والمستميتون من حاء ومن حكم
حتى تولوا وقد صارت غنيمتهم
= طعناً وضرباً عريضاً غير مقتسم
وقال / عامر بن الطفيل :
أتونا بشهران العريضه كلها
= وأكلبها في مثل بكر بن وائل
وقال أيضاً :
وخثعم حي يعدلون بمذحج
= وهل نحن إلا مثل إحدى القبائل
يحابر : مراد ، حاء : بطن من حكم .
كور أثال وبضيع جبلان .
هضب الأجشر والعرقوب يعتبران موضعاً واحداً لقربهما من بعضهما .
ونقول : إن جميع المواضع التي ورد ذكرها في تلك الأشعار القديمة ـ مازالت تعرف حتى اليوم بتلك الأسماء .
حوي : ويعرف بالحاوي ، وهو وادي تأتي فروعه من سوادة آل عمير ، الواقعة شرقي كورهم ، ثم ينحدر شرقاً ، محاذياً وادي الذهاب من الشمال ، ثم ينعرج إلى جهة الشمال تماماً عندما يقرب من هضاب تسمى مبدا النعام ، ويذهب شمالاً حتى يخلف كل الحشوش والآكام في منطقته ، سالكاً فجاً واسعاً بين تلك المرتفعات ، وبهذا يكون قد حوى معظم الحشوش والسواده منه غرباً ، وهو منها شرقاً ، مستقبلاً كل شعابها وأوديتها النازلة منها جهة الشرق . وعند خروجه شمالاً يلتقي بواد آخر يأتي من الغرب إلى الشرق يماثل الحاوي في شهرته ، هو وادي خدان ، ثم يلتقيان قرب الحصاة المعروفة ( بحصاة خدان ) ، ثم يصبحان وادياً واحداً يذهب شرقاً ، يفرغ في أرض دمثة براح ، تنبت الرمث ، وعندما يصل هذا الوادي إلى أبرق الرمثه ، فإنه ينعرج أيضاً جهة الشمال الشرقي ، ويذهب حتى يقطع عرقوب التليه شرقي جبل خشرم وهضابه ، ثم يذهب حتى ينهي سيله في منقع الجاهليه ، في حقف نهاية نفود حنجران من الشمال ، وفيف الريح إذاً هو الموضع المعروف اليوم بحزم مريح يقع من منعرج الوادي عند أبرق الرمثه ، جنوباً غير بعيد ، وعرقوب التليه وهضاب خشرم منه شمالاً على القرب ، وكل ذلك على الطريق العامة إلى بيشه ، من رنيه جنوباً بـ 58 كيلاً تقريباً . منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
بحث منشور في " مجلة العرب " ج 11 ، 12 س 18 ـ جماديان 1404هـ
للأستاذ / فهيد بن عبدالله بن تركي السبيعي
جاء في " معجم البلدان " لياقوت الحموي قوله : الذهاب : بضم أوله وآخره باءً موحده .
وقرأت بخط أبن نباته السعدي الشاعر في شعر / لبيد بن ربيعة العامري : الذهاب : بكسر أوله والضم أكثر . هو غائط من أرض بني الحارث بن كعب ، أغار عليهم فيه عامر بن الطفيل وعلى أحلافهم من اليمن .
قال / لبيد بن ربيعة :
حتى تهجر في الرواح وهاجها
= طلب المعقب حقه المظلوم
إني أمرؤ منعت أرومة عامر
= ضيمي وقد حنقت علي خصوم
منها حوي والذهاب وقبله
= يوم ببرقة رحرحان كريم
وقال عامر بن الطفيل :
ونعد أياماً لنا ومآثرا
= قدما تبذ البدو والأمصارا
منها حوي والذهاب وبالصفا
= يوم تمهد مجد ذاك فسارا
وقال / النابغة الجعدي :
أتاهن أن مياه الذهاب
= فالأوق فالملح فالميثب
وقال / أبو ذواد الرواسي الكلابي :
لمن طلل كعنوان الكتاب
= ببطن أفاق أو بطن الذهاب
وقال / النابغة الجعدي ايضاً :
فذهاب الكور أمسى أهله
= كل موشي شواه ذي رمل
دار قومي قبل أن يدركهم
= عنت الدهر وعيش ذو خبل
وهنا نرى تكرار الذهاب ومواضعه كثيراً في أشعار بني عامر ومنهم من نسبه إلى الكور كالجعدي وهي نسبة صحيحة ، يثبتها الواقع الآن ، وسنوضحه فيما بعد ، وهذا الكور هو ما دعاه الهمداني كور عامر تيم ، فهو ذكره وفرق بينه وبين الكور جبل رنيه .
قال / أوس بن مدرك :
تبالة والعرضان ترج وبيشة
= وقومي تيم اللات والإسم خثعم
وقال / النابغة الجعدي :
ونحن أزلنا مذحجاً عن ديارها
= فزالوا وكانوا أهل ترج وعثرا
ولعل هذه الأكوار جبل رنيه وكور أثال والكور هذا الذي نحن بصدده هي التي عناها / النابغة الجعدي حين قال :
جلبنا من الأكوار والسي والقفا
= وبيشة جيشاً ذا زوائد جحفلا
وقد قال ذلك الجعدي أيام تماسك قومه بني عامر ونزولهم في أسافل أودية السراة الشرقية ، وما حولها وفي عالية نجد . وكما هو معروف لما لهذه القبيلة من قوة وكثرة قبل تفرقها أيام الفتوحات الإسلامية .
قال / حميد بن ثور الهلالي :
ليالي دنيانا علينا رحيبة
= وإذ عامر في أول الدهر عامر
ولعل / العجير السلولي وهو من سكان بيشة عنى كور عامر تيم حين خاطب بعض قومه وقد جنى جناية فلجأ إلى هذا الكور قال :
أمن أجل شاة بتُما بقذالة
= من الكور تجتابان سود الأراقم
وهذا الكور يعرف اليوم ـ بكور ( بريهه ) أو كور آل عمير نسبة لسكانه هؤلاء من سبيع أهل رنيه ، ويقع الكور من مدينة بيشة ناحية الشمال الغربي بحوالي 68 كيلاً تقريباً ، وهو على ضفة وادي رنيه من الجنوب ، حينما يكون وادي رنيه في الموضع الواقع بين أبيده وتباله في الطرف الجنوبي الغربي من حرة بني هلال . وهو عبارة عن سلاسل جبليه عظيمة ، ويبدر منه جنوباً حيث إمتداده أكمة حمراء عظيمة ، يفصل بينها وبين الكور ريع يدعى ( ريع اللثيماء ) وتسمى الأكمة ( بالكوير ) تصغير كور ، فيقال : الكور والكوير . وهو يقع من الكور جبل رنيه مسافة 175 كيلاً تقريباً . وقد اشتبه الأمر على المرحوم / محمد بن عبدالله بن بليهد حينما ذكر أن الكور جبل رنيه لقبائل من سبيع يقال لهم ( بريهه ) وفيه كانت حروب بين سبيع أهل رنيه ، الزكور وبين ( بريهه )، وقال : فيه نخل يقال لها الأملح ، ثم عاد وذكر ثانية أن الكور جبل رنيه ، جبل يطل على رنيه من الناحية الغربية الجنوبية ، وفيه من يسميه جبل المجامعة من سبيع .
ونقول : إن كور بريهه هو ما ذكرناه سابقاً ، وأن الذي أكثر ذكره / ابن بليهد وفيه قامت الحروب وفيه نخل الأملح هو الكور جبل رنيه ، والأملح يقع منه غرباً ، وهو سلسلة جبلية عظيمة تمتد من الشمال إلى الجنوب 75 كيلاً ، وفي نهايته الشمالية الغربية يقع كور اًثال ، ويقابله غرباً جبل بضيع ، ونهايته الجنوبية تقابل نهاية نفود حنجران ، ومنقع الجاهليه في حقف الرمله مما يلي نهاية الجبل . والجاهلية بئر تقع في نهاية الكور ، مما يلي الرمل ، وفي المنقع تنتهي سيول كل الأودية والشعاب الآتية :
حوي ـ ( الحاوي ) وخدان :
وهذان الواديان يكتنفان سوادة آل عمير الواقعة شرقي كورهم ، فالحاوي يأتي من تلقي شعابها المنحدره جنوباً ، ثم يتجه شرقاً حتى يخلف معظمها شمالاً منه ، ثم يحويها مسيله متجهاً شمالاً تماماً ، وقد أصبحت منه كلها غرباً حتى يلتقي بـ ( خدان ) وخدان ينحدر من شعاب السواده المتجهه شمالاً ، ويستقبلها ويذهب محاذياً السوادة من الشمال حتى يلتقي بالحاوي عند ( الحصاة ) على الطريق العامه إلى بيشه ورنيه فيصبحان وادياً يذهب حتى يقطع العرقوب ، ويصب في المنقع المذكور ، كما أن المنقع أيضاً يستقبل سيل وادي السليل الذي يأتي من الغرب مستقبلاً هو أيضاً سيول وادي المياه ، الذي ينحدر من كور بريهه جهة الشرق ، فتلتقي هذه الأودية في المنقع مابين نفود حنجران ونهاية الكور ، وإذا زادت سيول تلك الأودية على المنقع فإنها تذهب مابين الرمال والجبل حتى تصب في نهايات ( الحمان ) وهي برقة تقع في حقف رملة حنجران من الشمال ، جنوبي مدينة رنيه على بعد 15كيلاً ، وتشاهد من نفس المدينة .
ونقول : إن الذهاب كما هو معروف اليوم ـ بكسر أوله ـ هو منخفض من الأرض واسع وفي أصله واد عظيم ، يأخذ سيله الناس إذا سال على غرة منهم . وسيله يأتي من الغرب ، ويذهب شرقاً مسافات طويله وعندما يقرب من جبال الجفر ، يأخذ إتجاهه نحو الجنوب ، حتى يصب في مجرى وادي بيشة المعروف في الغرب من مورد ( عقيلان ) الواقع في بطن وادي بيشه .
وفروع وادي الذهاب يأتي أهمها من جبال الكور ـ كور آل عمير ـ الواقعة على ضفة وادي رنيه من جنوب ، ومن غائط الذهاب جهة الشمال الغربي ، وله فروع أخرى تأتي من جبال تقابل جبال الكور من الجنوب والجنوب الغربي ، مثل جبال الأسد وجبل صدعه . فمن جبال الكور تأتي هذه الفروع ( الدهثمي ) و ( النهملي ) و ( مذاريه ) و ( شجعة ) و ( المطريه ) وغير ذلك من الشعاب ، وفي كل ذلك مياه للبادية عادية وحديثة ، ومن جبال الأسد يأتي كل من وادي ( الحمى ) و ( الرشاه ) ومن جبال صدعه يأتي وادي ( قرواح ) و ( النعجه ) و ( خارب ) وغير ذلك من الشعاب .
ثم تلتقي جميع الروافد المذكوره الآتيه من الشمال الغربي والأخرى من الجنوب الغربي وتنحدر في غائط الذهاب وهي أصله الأول ومنابعه الدائمة .
والذهاب يقطعه طريق المسافر من رنيه إلى بيشه وهو إلى الأخيره أقرب .
والحاوي يقع منه جهة الشمال غير بعيد وكثيراً ما يقرن أسميهما في ناحيتهما ، وذلك لقربهما من بعضهما وهما يقعان في منطقة من أفضل المناطق الرعوية وأكثرها شعاباً ورياضاً ومراعي ، ويمتد الذهاب نحو الشرق أكثر من 140كيلاً حتى نهايته في بيشه ، فهناك موضعان لهما ذكر في أشعار المتقدمين وأخبارهم وهما : ( أسن ) و ( الجفر ) وكلاهما يقعان في وسط الذهاب ، فالأول يقع في بطن الذهاب ، والثاني على الضفة الشمالية مما يلي رنيه .
قال / النابغة الجعدي :
بمغاميد فأعلى أُسن
= فخنانات فأوق فالجبل
وقال / تميم أبن أُبي بن مقبل العجلاني :
زارتك دهماء وهنا بعد ما هجعت
= عنك العيون ببطن القاع من أسن
ولعل أسن الوارد ذكره هنا هو مايعرف اليوم بأسم ( أبو سنون ) وهو جبل متوسط الحجم ، يقع في بطن الذهاب ، يمتد من الغرب إلى الشرق فيه آكام حمر تعلوه الرمال ، وتحيطه في موضعه .
والمشاهد له على البعد يحسبه أبرق ، وشهرة هذا الجبل أكبر من وضعه فهو يتوسط المراعي الجيده ، وهو أيضاً الحد بين الأكلبيه والسبيعيه منذ القدم .
أما الموضع الثاني : فهو الجفار أو الجفر كما يعرف اليوم .
قال / السليك بن السلكه :
لخثعم إن بقيت وإن أبوه
= أوار بين بيشة أو جفار
وقال الشاعر العامي :
يا وراد جفر الذهاب بمواشيك
= تلقى جمام وافره ما تماحي
العقله اللي دايم الدوم تشفيك
= وإن كثروا الوراد ما من نزاحي
ونقول : إن الجفر جبال حمر متداخله لها رؤوس كثيرة عالية ، وتقع على ضفة وادي الذهاب ، ويقابلها من الشمال هضاب الستر ، وفي قاع الجفر من الشمال بئر عادية قديمة ، وجدت في السنوات الماضية وسميت المقيبليه ، وهي كثيرة الماء عذبه ، واسعة القعر ، ولعلها ما يعرف قديماً بأسم ( الخرماء ) ، الوارد ذكرها في شعر أبي ذواد الرواسي في وقعتهم بمذحج أيام فيف الريح قال :
أتانا أن الخرماء منهم
= سوامهم ودون الفيف شاء
وبذكر الفيف : هناك موضع يتوسط المواضع التي ورد ذكرها أيام فيف الريح في أشعار بني عامر ، ويعرف بحزم مريح ، ولعله تحريف فيف الريح ، والمواضع هي على الترتيب من الجنوب إلى الشمال : الذهاب ، حوي ، الفيف ، العرقوب ، كوري أثال وبضيع .
قال أبو عبيدة : كانت وقعة فيف الريح وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكه قال : كانت بنو عامر تطلب الحارث بن كعب بأوتار كثيره فجمع لهم الحصين بن يزيد الحارثي ، وكان يغزوا بمن يتبعه من قبائل مذحج ، واقبل في بني الحارث ، وجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيره ، ومراد وصداء ونهد ، وأستعانوا بقبائل خثعم ، فخرج شهران وناهس ، وأكلب عليه أنس بن مدرك ، وأقبلوا يريدون بني عامر ، وهم منتجعون ( فيف الريح ) ومع مذحج النساء والذراري ، فأجتمعت بنو عامر كلها إلى عامر بن الطفيل ، ماعدا بنو هلال بن عامر لم يشهدها منهم أحد .
قال : فالتقى القوم فأقتتلوا قتالاً شديداً ثلاثة أيام ، يغادرونهم القتال ، وأسرع القتل في الفريقين جميعاً ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة .
قال / عامر بن الطفيل :
والحي من كعب وجرم كلها
= بالقاع يوم يحثها الجلد
بالكور يوم ثوى الحصين وقد رأى
= عبد المدان خيولها تعدو
الكور هنا : كور اُثال ـ أنظر معجم البكري ـ
وقال / ذو الجوشن أوس بن الأعور الضبابي : يرثي أخاه / الصميل بن الأعور الضبابي وقد أصيب في أثال ، قال :
أمسى بكور أثال لا براح به
= بعد اللقاء وأمسى خائفاً وجلا
وقال / أبو دواد الرؤاسي :
ونحن أهل بضيع يوم واجهنا
= جيش الحصين طلاع الخائف الكزم
ساقوا شعوباُ وعنساُ من ديارهم
= ورجل خثعم من سهل ومن علم
وقال أيضاً :
ظلت يحابر تدعى وسط أرحلنا
= والمستميتون من حاء ومن حكم
حتى تولوا وقد صارت غنيمتهم
= طعناً وضرباً عريضاً غير مقتسم
وقال / عامر بن الطفيل :
أتونا بشهران العريضه كلها
= وأكلبها في مثل بكر بن وائل
وقال أيضاً :
وخثعم حي يعدلون بمذحج
= وهل نحن إلا مثل إحدى القبائل
يحابر : مراد ، حاء : بطن من حكم .
كور أثال وبضيع جبلان .
هضب الأجشر والعرقوب يعتبران موضعاً واحداً لقربهما من بعضهما .
ونقول : إن جميع المواضع التي ورد ذكرها في تلك الأشعار القديمة ـ مازالت تعرف حتى اليوم بتلك الأسماء .
حوي : ويعرف بالحاوي ، وهو وادي تأتي فروعه من سوادة آل عمير ، الواقعة شرقي كورهم ، ثم ينحدر شرقاً ، محاذياً وادي الذهاب من الشمال ، ثم ينعرج إلى جهة الشمال تماماً عندما يقرب من هضاب تسمى مبدا النعام ، ويذهب شمالاً حتى يخلف كل الحشوش والآكام في منطقته ، سالكاً فجاً واسعاً بين تلك المرتفعات ، وبهذا يكون قد حوى معظم الحشوش والسواده منه غرباً ، وهو منها شرقاً ، مستقبلاً كل شعابها وأوديتها النازلة منها جهة الشرق . وعند خروجه شمالاً يلتقي بواد آخر يأتي من الغرب إلى الشرق يماثل الحاوي في شهرته ، هو وادي خدان ، ثم يلتقيان قرب الحصاة المعروفة ( بحصاة خدان ) ، ثم يصبحان وادياً واحداً يذهب شرقاً ، يفرغ في أرض دمثة براح ، تنبت الرمث ، وعندما يصل هذا الوادي إلى أبرق الرمثه ، فإنه ينعرج أيضاً جهة الشمال الشرقي ، ويذهب حتى يقطع عرقوب التليه شرقي جبل خشرم وهضابه ، ثم يذهب حتى ينهي سيله في منقع الجاهليه ، في حقف نهاية نفود حنجران من الشمال ، وفيف الريح إذاً هو الموضع المعروف اليوم بحزم مريح يقع من منعرج الوادي عند أبرق الرمثه ، جنوباً غير بعيد ، وعرقوب التليه وهضاب خشرم منه شمالاً على القرب ، وكل ذلك على الطريق العامة إلى بيشه ، من رنيه جنوباً بـ 58 كيلاً تقريباً . منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .