تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أقل ما يُقال - نقل ملكية القصيدة


نهار
05 - 06 - 2009, 00:04
أقل ما يُقال

نقل ملكية القصيدة


بداح فهد السبيعي

مهما بلغت موهبة الشاعر المُبدع، ومهما أوتي من إلهام ومقدرة شعرية، فلا بُد أن تمر عليه أبيات أو قصيدة خلابة لا يمكنه إخفاء إعجابه الشديد بها، ورغبته القوية في امتلاكها؛ بل واستعداده لمُقايضتها بمُعظم قصائده التي ضحّى من أجلها بالكثير من وقته وجهده العقلي؛ ويأخذ تعبير الشعراء عن إعجابهم أشكالاً مُتعددة أكثرها شيوعاً قيام الشاعر بمُجاراة تلك الأبيات أو القصيدة بأبيات أخرى على نفس القافية والبحر.
وفي الماضي كان الشعراء يعبرون عن إعجابهم بأبيات شاعر آخر بطرق غريبة، من بينها ما كان يفعله بعض الشعراء (كالفرزدق مثلاً)، حيث يقوم عند إعجابه بأبيات معينة بطلب غريب يمُكن أن نُسميه طلب (نقل ملكية القصيدة) باسمه، سواء أكان النقل برغبة الشاعر صاحب الأبيات أو رُغماً عنه، فمما يُروى أنه قال للشمردل اليربوعي حين أنشده بيتاً له:"والله لتدعنّهُ، أو لتدعن عِرضك، فقال الشمردل: خُذهُ، لا بارك الله لك فيه". !
وعندما أسمع ذو الرمة الفرزدق إحدى قصائده، قال له الفرزدق: "إياك إياك، لا تعودنَّ فيها، فأنا أحقُ بها منك. قال: واللهِ لا أعود فيها ولا أنشدها أبداً إلا لك".
ويُسمي ابن رشيق هذه العملية (الغصب)، لأن الشاعر يغتصب أبيات شاعر آخر لأنه (أحق) بها بحسب زعمه؛ وثمة عملية أخرى شبيهة للغصب ولكنها تختلف في كيفيتها، فعندما استمع أبو نواس لأبيات الحسين بن الضحاك الخليع التي منها:

كأنما نُصبَ كأسِهِ قمرٌ
يكرعُ في بعضِ أنجُم الفلكِ

قال: هذا معنىً مليح، وأنا أحقُ به، وسترى لمن يروى، ثم أنشد بعدها:

إذا عبَّ فيها شاربُ القومِ خلتهُ
يُقبِّلُ في داجٍ من الليلِ كوكبا
وبعد ذلك شاعت أبيات أبو نواس على حساب أبيات الضحاك، وقد رأى الضحاك في هذه العملية نوعاً من (المُصالتة)، والمصالتة بالسيوف تعني (التضارب بها)، أما المصطلح فيقصد به أن يأخذ الشاعر معنى أبيات غيره.
ونجد أن الشاعر المبدع ضيدان بن قضعان قد قام بممارسة شبيهة لما قام به أبو نواس مع الضحاك، حيث أبدع قصيدة طويلة يُعبر فيها بصراحة عن إعجابه ببيت الشاعر المبدع مسلط بن شعيفان أبو ثنين الذي يقول فيه:

قالوا هبيل وجايزٍ لي هبالي
هبال طيب ولا صحاوة رخامه

يقول ضيدان بن قضعان في بعض أبياتها مُعبراً عن رغبته في تملُك هذا البيت:

بيتٍ تمنيته وهو ما ينالي
ودامه خطف قبلي فلا لي سلامه
أنا أتهم إنه خاطفه من خيالي
في غفلةٍ قلبي غرق في منامه
لو كان نومي من قديم الليالي
نوم الغريم اللي خصومه عمامه
وجدي على أنه لي ويا وجد حالي
وجد العليل اللي هزالٍ عظامه
حيثه يناسبني بفعلي ومالي
لا قلّ جم البير تسعين قامه

فابن قضعان هنا لا يغتصب بيت بن شعيفان، وإنما يُحمِّل أبياته حزنه ورغبته الضمنية في امتلاك البيت الذي (خُطف) من خياله، لأن ذلك البيت (يُناسبه) وهو أحق به، فهو هنا يُكرر عبارة الاستحقاق التي قالها كل من الفرزدق وأبو نواس "أنا أحق به" باختلاف يسير، ويختم قصيدته ببيت قد يكون شكلاً من (المصالتة) التي أشار لها الضحاك في الحادثة السالفة، يقول ابن قضعان في ختام قصيدته:
حي مهبولٍ صاملٍ ما يمالي
ولا صاحيٍ وقت الشدايد هلامه

وقد كان بوسع ابن قضعان الاكتفاء بإبداء إعجابه من خلال القصيدة كما يفعل معظم الشعراء الشعبيين عادةً، لكن إعجابه الشديد دفعه للتلميح برغبته في نقل ملكية البيت (المخطوف) له!


جريدة الرياض

خيَّال الغلباء
06 - 06 - 2009, 21:17
نهار جزاك الله خيرا ولا هنت