ابن خليف الأجود
10 - 08 - 2009, 18:52
حبيت أكتب هذه القصة وأتمنا أن تنال إعجابكم وتحوز على رضاكم.
يوم رحرحان:
هو أحد أيام العرب المشهورة في الجاهلية وكانت النصرة فيه لبني عامر بن صعصعه على بني دارم من تميم.
ورحرحان: اسم جبل قريب من عكاظ خلف عرفات.
وكانت الأحداث كتالي:
لما قتل (الحارث بن ظالم المرى) (خالد بن جعفر الكلابي) غدرا عند (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة تشاءم قومه به، ولاموه، فكره أن يكون لهم عليه منه، فهرب ونبت به البلاد.
ثم لحق (بتميم) واستجار بهم فأجاروه، وأبو أن يسلموه أو يخرجوه من عندهم، وعلم بهذا بنو (عامر)، فخرجوا إليه، وفيهم كثير من وجوههم يزعمهم (الأحوص بن جعفر الكلابي) أخو (خالد بن جعفر)؛ ولما صاروا بأدنى مياه (بني دارم) رأوا إمرأة منهم تجني الكمأة، ومعها جمل لها، فأخذها رجل منهم وسألها عن الخبر، فأخبرته بمكان (الحارث بن ظالم) عند (حاجب بن زرارة)، وما وعده بنصره ومنعه.
فلما كان الليل نام، وقامت المرأة إلى جملها فركبته، وسارت حتى صبحت (بني دارم)، وقصدت سيدهم (حاجب بن زرارة بن عدس)، فأخبرته الخبر، وقالت: أخذني أمس قوم لا يريدون غيرك ولا أعرفهم. قال:أخبريني، أي قوم هم؟
قالت: قوم يقبلون بوجوه الظباء، ويدبرون بأعجاز النساء.
قال:أولئك بنو عامر، فصفيهم لي.
قالت:رأيت رجلا قد سقط حاجباه فهو يرفعهما بخرقه، صغير العينين، وعن أمره يصدرون.
قال:ذاك الأحوص؛ وهو سيد القوم.
قالت:ورأيت رجلا قليل المنطق، إذا تكلم اجتمع القوم كما تجتمع الإبل لفحلها؛ أحسن الناس وجها، ومعه ابنان له يلازمانه.
قال:ذاك مالك بن جعفر وابناه عامر وطفيل.
قالت:ورأيت رجلا جسيما كأن لحيته معصفرة.
قال:ذاك عوف بن الأحوص.
قالت:ورأيت رجلا هلقاما(1) جسيما.
قال:ذاك ربيعة بن عبدالله.
قالت ورأيت رجلا أخنس(2) قصيرا.
قال:هذا ربيعة بن قرط.
قالت:ورأيت رجلا أقرن الحاجبين، كثير شعر السبلة(3)، يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم.
قال:ذاك حندج بن البكاء.
قالت:ورأيت رجل صغير العينين ضيق الجبه، يقود فرسا له، معه جفير(4)له لا يكاد يفارق يده.
قال:ذاك ربيعة بن كعب.
قالت:ورأيت رجلا معه ابنان أصهبان، إذا أقبلا رماهما الناس بأبصارهم، وإذا أدبرا كانا كذلك.
قال:ذاك الصعق بن عمرو بن خويلد، وابناه يزيد وزرعه.
قالت:ورأيت رجلا لا يقول كلمة إلا وهي أحد من الشفرة(5).
قال:ذاك عبدالله بن جعدة بن كعب.
ثم أمرها (حاجب) فدخلت بيتها.
ودعا (حاجب) (الحارث بن ظالم) فأخبره خبر القوم، وقال: يابن ظالم؛ هؤلاء بنو عامر قد أتوك، فما أنت صانع؟
قال الحارث:ذاك إليك؛ فإن شئت أقمت فقاتلت القوم وإن شئت تنحيت.
قال حاجب:تنح عني غير ملوم!
فغضب الحارث من ذلك وقال:
لعمري لقد جاورت في حي وائـل=ومن وائل جاورت في حي تغلـب
فأصبحت في حي الأراقم(6)لم يقللي= القوم ياحار بن ظالـم اذهـب
وقد كان ظنـي إذا عدلـت إليكـم=بني عدس ظني بأصحاب يثـرب
غـداة أتاهـم تبـع فـي جنـوده=فلم يسلموا المرأين من حي يحصب
فإن تك في عليا هـوازن شوكـة=تخاف ففيكم حـد نـاب ومخـاب
وإن يسلم المرء الـزرار جـاره=فأعجب بها من حاجب ثم أعجـب
فغضب حاجب وقال:
لعمري أبيك الخير ياحـر إنـي=لأمنع جارا من كليب بن وائـل
وقد علـم الحـي المعـدى أننـا=على ذاك كنا في الخطوب الأوائل
وأنا إذا ماخـاف جـار ظلامـة=نبسنا له ثوبـى وفـاء ونائـل
وأن تميما لـم تحـارب قبيلـة=من الناس إلا أولعـت بالكواهـل
ولو حاربتنا عامر يابـن ظالـم=لعضت علينا عامـر بالأنامـل
ولا ستيقنت عليا هـوازن أننـا=سنوطئها فـي دارهـا بالقبائـل
ولكني لا أبعث الحـرب ظالمـا=ولو هجتها لم ألف شحمـة آكـل
فتنحى (الحارث) عن (بني تميم)، ولحق بعروض اليمامة.
ثم أرسل (حاجب) إلى الرعاء يأمرهم بإحضار الإبل ففعلوا، وأمرهم فحملوا الأهل والأثقال وساروا نحو بلاد (بني بغيض)، ولبث هو مع بعض القوم ينتظر (بني عامر).
وأصبح (بنو عامر)- وقد علموا حال المرأة وخبرها وهربها- فسقط في أيديهم، واجتمعوا يديرون الرأي.
قال بعضهم:كأني بالمرأة أتت قومها، فأخبرتهم الخبر، فحذروا وأرسلوا أهليهم وأموالهم إلى بلاد (بني بغيض)، وباتوا معدين لكم في السلاح.
فركبوا بنا في طلب ظعن (بني تميم).
فلما أبطأ (بنو عامر) عن (حاجب) قال لقومه: إن القوم قد توجهوا إلى ظعنكم وأموالكم، فسيروا إليهم؛ فساروا مجدين حتى التقوا (برحرحان)؛ فاقتتلوا قتالا شديدا، وانهزمت (بنو تميم)، وأسر(معبد بن زرارة)، وأسره (عامر والطفيل ابناء مالك بن جعفر الكلابي).
فوفد (لقيط بن زرارة) في فدائه فقال لهما:لكما عندي مائتا بعير.
فقالا:يا أبا نهشل؛ أنت سيد الناس، وأخوك معبد سيد مضر، فلا تقبل فيه إلا دية ملك.
فأبا أن يزيدهما.
وقال لهم:إن أبانا أوصانا ألا نزيد أحدا في ديته على مائتي بعير.
فقال معبد للقيط:لا تدعني يالقيط، فوالله لئن تركتني لا تراني بعدها أبدا.
فقال لقيط:صبرا أبا القعقاع؛ فأين وصاة أبينا:لا تو أكلوا العرب أنفسكم، ولا تزيدوا بفدائكم على فداء رجل منكم فتذؤب(7) بكم ذؤبان العرب.ورحل (لقيط) عن القوم؛ وأبى (معبد) أن يطعم شيئا أو يشرب حتى مات هزالا.
وعير (شريح بن الأحوص) (لقيط ) بتهاونه عن فداء أخيه فقال:
لقيط وأنت امـرؤ ماجـد=ولكـن حلمـك لايهتـدي
ألما أسن وساغ الشـراب=واحتل بيتك في ثهمـد(8)
رفعت برجلك فوق الفراش=تهدي القصائد فـي معبـد
وأسلمته عند جـد القتـال=وتبخل بالمـل ألا تفتـدى
إنتها....
يوم رحرحان:
هو أحد أيام العرب المشهورة في الجاهلية وكانت النصرة فيه لبني عامر بن صعصعه على بني دارم من تميم.
ورحرحان: اسم جبل قريب من عكاظ خلف عرفات.
وكانت الأحداث كتالي:
لما قتل (الحارث بن ظالم المرى) (خالد بن جعفر الكلابي) غدرا عند (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة تشاءم قومه به، ولاموه، فكره أن يكون لهم عليه منه، فهرب ونبت به البلاد.
ثم لحق (بتميم) واستجار بهم فأجاروه، وأبو أن يسلموه أو يخرجوه من عندهم، وعلم بهذا بنو (عامر)، فخرجوا إليه، وفيهم كثير من وجوههم يزعمهم (الأحوص بن جعفر الكلابي) أخو (خالد بن جعفر)؛ ولما صاروا بأدنى مياه (بني دارم) رأوا إمرأة منهم تجني الكمأة، ومعها جمل لها، فأخذها رجل منهم وسألها عن الخبر، فأخبرته بمكان (الحارث بن ظالم) عند (حاجب بن زرارة)، وما وعده بنصره ومنعه.
فلما كان الليل نام، وقامت المرأة إلى جملها فركبته، وسارت حتى صبحت (بني دارم)، وقصدت سيدهم (حاجب بن زرارة بن عدس)، فأخبرته الخبر، وقالت: أخذني أمس قوم لا يريدون غيرك ولا أعرفهم. قال:أخبريني، أي قوم هم؟
قالت: قوم يقبلون بوجوه الظباء، ويدبرون بأعجاز النساء.
قال:أولئك بنو عامر، فصفيهم لي.
قالت:رأيت رجلا قد سقط حاجباه فهو يرفعهما بخرقه، صغير العينين، وعن أمره يصدرون.
قال:ذاك الأحوص؛ وهو سيد القوم.
قالت:ورأيت رجلا قليل المنطق، إذا تكلم اجتمع القوم كما تجتمع الإبل لفحلها؛ أحسن الناس وجها، ومعه ابنان له يلازمانه.
قال:ذاك مالك بن جعفر وابناه عامر وطفيل.
قالت:ورأيت رجلا جسيما كأن لحيته معصفرة.
قال:ذاك عوف بن الأحوص.
قالت:ورأيت رجلا هلقاما(1) جسيما.
قال:ذاك ربيعة بن عبدالله.
قالت ورأيت رجلا أخنس(2) قصيرا.
قال:هذا ربيعة بن قرط.
قالت:ورأيت رجلا أقرن الحاجبين، كثير شعر السبلة(3)، يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم.
قال:ذاك حندج بن البكاء.
قالت:ورأيت رجل صغير العينين ضيق الجبه، يقود فرسا له، معه جفير(4)له لا يكاد يفارق يده.
قال:ذاك ربيعة بن كعب.
قالت:ورأيت رجلا معه ابنان أصهبان، إذا أقبلا رماهما الناس بأبصارهم، وإذا أدبرا كانا كذلك.
قال:ذاك الصعق بن عمرو بن خويلد، وابناه يزيد وزرعه.
قالت:ورأيت رجلا لا يقول كلمة إلا وهي أحد من الشفرة(5).
قال:ذاك عبدالله بن جعدة بن كعب.
ثم أمرها (حاجب) فدخلت بيتها.
ودعا (حاجب) (الحارث بن ظالم) فأخبره خبر القوم، وقال: يابن ظالم؛ هؤلاء بنو عامر قد أتوك، فما أنت صانع؟
قال الحارث:ذاك إليك؛ فإن شئت أقمت فقاتلت القوم وإن شئت تنحيت.
قال حاجب:تنح عني غير ملوم!
فغضب الحارث من ذلك وقال:
لعمري لقد جاورت في حي وائـل=ومن وائل جاورت في حي تغلـب
فأصبحت في حي الأراقم(6)لم يقللي= القوم ياحار بن ظالـم اذهـب
وقد كان ظنـي إذا عدلـت إليكـم=بني عدس ظني بأصحاب يثـرب
غـداة أتاهـم تبـع فـي جنـوده=فلم يسلموا المرأين من حي يحصب
فإن تك في عليا هـوازن شوكـة=تخاف ففيكم حـد نـاب ومخـاب
وإن يسلم المرء الـزرار جـاره=فأعجب بها من حاجب ثم أعجـب
فغضب حاجب وقال:
لعمري أبيك الخير ياحـر إنـي=لأمنع جارا من كليب بن وائـل
وقد علـم الحـي المعـدى أننـا=على ذاك كنا في الخطوب الأوائل
وأنا إذا ماخـاف جـار ظلامـة=نبسنا له ثوبـى وفـاء ونائـل
وأن تميما لـم تحـارب قبيلـة=من الناس إلا أولعـت بالكواهـل
ولو حاربتنا عامر يابـن ظالـم=لعضت علينا عامـر بالأنامـل
ولا ستيقنت عليا هـوازن أننـا=سنوطئها فـي دارهـا بالقبائـل
ولكني لا أبعث الحـرب ظالمـا=ولو هجتها لم ألف شحمـة آكـل
فتنحى (الحارث) عن (بني تميم)، ولحق بعروض اليمامة.
ثم أرسل (حاجب) إلى الرعاء يأمرهم بإحضار الإبل ففعلوا، وأمرهم فحملوا الأهل والأثقال وساروا نحو بلاد (بني بغيض)، ولبث هو مع بعض القوم ينتظر (بني عامر).
وأصبح (بنو عامر)- وقد علموا حال المرأة وخبرها وهربها- فسقط في أيديهم، واجتمعوا يديرون الرأي.
قال بعضهم:كأني بالمرأة أتت قومها، فأخبرتهم الخبر، فحذروا وأرسلوا أهليهم وأموالهم إلى بلاد (بني بغيض)، وباتوا معدين لكم في السلاح.
فركبوا بنا في طلب ظعن (بني تميم).
فلما أبطأ (بنو عامر) عن (حاجب) قال لقومه: إن القوم قد توجهوا إلى ظعنكم وأموالكم، فسيروا إليهم؛ فساروا مجدين حتى التقوا (برحرحان)؛ فاقتتلوا قتالا شديدا، وانهزمت (بنو تميم)، وأسر(معبد بن زرارة)، وأسره (عامر والطفيل ابناء مالك بن جعفر الكلابي).
فوفد (لقيط بن زرارة) في فدائه فقال لهما:لكما عندي مائتا بعير.
فقالا:يا أبا نهشل؛ أنت سيد الناس، وأخوك معبد سيد مضر، فلا تقبل فيه إلا دية ملك.
فأبا أن يزيدهما.
وقال لهم:إن أبانا أوصانا ألا نزيد أحدا في ديته على مائتي بعير.
فقال معبد للقيط:لا تدعني يالقيط، فوالله لئن تركتني لا تراني بعدها أبدا.
فقال لقيط:صبرا أبا القعقاع؛ فأين وصاة أبينا:لا تو أكلوا العرب أنفسكم، ولا تزيدوا بفدائكم على فداء رجل منكم فتذؤب(7) بكم ذؤبان العرب.ورحل (لقيط) عن القوم؛ وأبى (معبد) أن يطعم شيئا أو يشرب حتى مات هزالا.
وعير (شريح بن الأحوص) (لقيط ) بتهاونه عن فداء أخيه فقال:
لقيط وأنت امـرؤ ماجـد=ولكـن حلمـك لايهتـدي
ألما أسن وساغ الشـراب=واحتل بيتك في ثهمـد(8)
رفعت برجلك فوق الفراش=تهدي القصائد فـي معبـد
وأسلمته عند جـد القتـال=وتبخل بالمـل ألا تفتـدى
إنتها....