![]() |
يا باني من غير أساس ( نزف قلم : محمد سنجر )
توقف المصعد فجأة ،
انفتح الباب ، تملكني الرعب ، صرخت صرخة عالية من هول المفاجأة ، دارت الدنيا من حولي ، حاولت السيطرة على أطرافي التي أخذت ترتجف من هول المشهد ، ما هذا ؟ حاولت اتخاذ وضع الاستعداد للدفاع عن نفسي ، ابتسامة قفزت من بين شفتيه ظهرت على إثرها أسنانه الناصعة البياض ، حروف خرجت من بين شفتيه ، حاولت جاهدا لملمتها و لكني فشلت ، ربما من هول المفاجأة ، أحاول استبيان حقيقة ما أرى ، وجه أشبه بوجه القرد و العياذ بالله ، نعم إنه رجل ، حاولت إقناع نفسي بأنه رجل ، سبحان الله ، تشوه فظيع سحق أنفه و أغلبية وجهه ، نظرة ترحيب أطلت من عينه الوحيدة المتبقية ، حاولت السيطرة على تعبيرات وجهي خوفا على مشاعره ، حاولت لملمة ما تبقى من شجاعتي ، بدأت أنفاسي المتلاحقة تهدأ رويدا رويدا ) بادرني قائلا : ـ لا عليك ، إنها ردة فعل كل من يراني للوهلة الأولى . ـ أرجو المعذرة . ( دخل إلى المصعد بينما انغلق الباب علينا ) همس قائلا : ـ لا عليك يا رجل ، لا عليك . ( صمت سيطر على المكان ، تمنيت أن يتوقف المصعد في أي طابق كي أفر من هذا الخجل الذي يلفني ، أخيرا توقف المصعد ، خرجت من صدري تنهيدة ارتياح ، فررت هاربا ، نزلت السلم و إذا بصوت خطوات تلاحقني ، وصل إلى سمعي صوت ينادي ) ـ سيدي ، سيدي . ( التفت و إذا به صاحب الوجه يلاحقني ، هرولت ناجيا بنفسي ، و لكنه أصر على ملاحقتي ، و عندما تيقنت من استحالة الهرب ، التفت إليه رافعا يدي بالقلم محاولا الدفاع عن نفسي ، عندها أخذ يصرخ ) قال مذعورا : ـ حقيبتك ، حقيبتك ....... لقد نسيتها بالمصعد . ـ حقيبتي ؟ ( ناولني حقيبتي ، عندها دارت الدنيا من حولي ، تمنيت أن تنفتح الأرض و تبتلعني ، وجدتني أحتضنه ، أطبع قبلة على رأسه الصلعاء ، حاولت من خلالها التعبير عن عميق أسفي و شكري و تقديري ، دعوته للكافي شوب لتناول العشاء ، حاول بدوره الاعتذار عن الدعوة ، و لكنه تراجع سريعا أمام إلحاحي ، جلسنا إلى إحدى الطاولات ، كانت تدور برأسي الكثير من التساؤلات ، لكنه رفع عني الحرج ) بادرني : ـ هل تصدق أنني أيضا لا أحب النظر إلى وجهي بالمرآة ؟ نعم ، تنتابني حالة من الرعب عندما أشاهد ما فعلوه بي ، تحملني الذكريات الأليمة عندما أتذكر ما حدث ، كنت وقتها ابن الثامنة ، كنت أجلس أنا و أقراني داخل أحد الصفوف بالمدرسة ، سمعنا صوت طائرة ، عندها انطلقنا نحو النافذة ، أظلمت الدنيا عندما حجبت الطائرة قرص الشمس ، فجأة رأينا فطرا ناريا هائلا يخرج بالأفق في اتجاه السماء ، ضوء هائل أضاء الكون من حولنا لم نر شيئا بعدها ، انفجار هائل اغتصب أسماعنا ، أفقت بعدها بأيام لأجدني كما ترى ، بقايا إنسان ، و عندما سألت عما حدث ، علمت أن أمريكا كانت تقوم بتجربة سلاحا جديدا أطلقت عليه ( القنبلة الذرية ) ، آه لو رأيت ما حل ببلدتي ، لقد اختفت من الوجود ، و حتى من نجا من الانفجار لم ينج من الإشعاع ، فلقد حصد التلوث الذري أرواح الكثير و الكثير . ( عندها وجدت صورته تتراقص بعيني ، سالت الدموع تخضب لحيتي ) ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، إنني أحس و أشعر تماما بما تعانيه ، بل إننا شركاء في الهموم و الأحزان ، و لكن ما فجيعتنا بجانب فجيعتكم ؟ ـ من أي البلاد أنت ؟ ـ عربي ، و لكن أرجو المعذرة هناك سؤال ملح . ـ تفضل . ـ كيف نهضتم بعد هذه الكارثة ؟ كيف أصبحتم اليابان أقوى قوة اقتصادية على مستوى العالم ؟ كيف أصبحتم اليابان التي يطلب منهم الأمريكان الآن المساعدة بعد هذا الانهيار الرهيب الذي أصاب اقتصادهم ؟ ـ أولا : بدأنا بالصراع على السلطة و من تكون له الكلمة العليا ، و من منا الذي سيقود البلاد للنهوض بها ، فمن غير المعقول أن نسمح لبلدنا بالنهوض بدون أن يكون لنا نحن و نحن فقط دون غيرنا يكون لنا الفضل الأول و الأخير في نهوضها ، إما أن ننهض نحن بها و إلا فلا نهضت و لا قامت و لا بقيت على وجه الأرض ، و ثانيا : المظاهرات ، خرج الشعب الياباني عن بكرة أبيه للشوارع يندد و يستنكر ما حدث ، أحرقنا ملايين الأعلام الأمريكية و مزقناهم تمزيقا ، ظللنا لسنوات و سنوات نستورد منهم أقمشة و ألوانا و كبريتا و تركنا أعمالنا و مدارسنا و أخذنا نرسم أعلاما لأمريكا و نقوم بتمزيقها و حرقها ، نمزق و نحرق ، تخيل ما الذي كانت ترسله لنا أمريكا كإعانات من أجل ضحايا القنبلة الذرية ؟ ـ أدوية و أطعمة بالطبع . ـ لا لا لا ، لقد كانت ترسل لنا أعلاما سريعة الاشتعال ، ها هاها ، لقد صنعتها خصيصا لنا ، و ثالثا : الهتافات ، بقينا لأيام و ليال نهتف و نهتف و نندد بالعدوان الأمريكي الغاشم على شعبنا ، حتى بحت أصواتنا من كثرة الهتافات ، و لا حياة لمن تنادي ، و رابعا : التصريحات الرنانة ، فما من وزير أو غفير سواء من اليمين أو من اليسار إلا و أدلى بأكثر من خمسون تصريحا يوميا ، كنا نبدأ كل يوم بمجرد أن تشرق الشمس و نبدأ بتصريح من اليمين المعتدل ثم يرد عليه اليسار الملتزم ، يمين معتدل ، يسار ملتزم ، يمين يسار حتى منتصف الليل ، و أخيرا : أخذ اليمين يرددون الدعاء على أمريكا و من عاونها ليل نهار ، بينما أخذ اليسار ينشد و يغني سنوات و سنوات أخذوا يتغنون بقوتنا و أمجادنا و تاريخنا المجيد و انتصار أجدادنا المهول الرهيب على أعدائهم ، تركت النساء منازلها و ترك الصغار مدارسهم و ترك الرجال حقولهم و مصانعهم و أصبحنا و أمسينا ننشد و نتغنى ، ننشد و نتغنى حتى أصبحنا اليــــــــــابان التي تراها الآن ، ها ها ها ها ها ها ي . (أخذ يضحك ، عندها ارتسمت على وجهي علامات الدهشة ، استلقى على قفاه من شدة الضحك ، و فجأة توقف عن الضحك ، نهض ، نظر إلي نظرة حانقة ، لمحت من خلال نظراته الدموع و هي تترقرق بعينه الوحيدة ، أدار ظهره لي و رحل و لم يعقب ) |
الساعة الآن 05:04. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها