ومـن جميـل قـول الشـعراء في وصـف النـاقـة مـا قـالـه الشـاعر بشـامة بن العـذير :
كـأنّ يديهـــا إذا أرقـلت
وقـد حـرن ثـم اهتـدين السـبيلا
يـدا سـابح خـرَّ فـي غمـرة
وقـد شــارف المـوت إلاّ قليـلا
إذا أقبلـت قلـتُ مشـحونـة
أطـاعت لهـا الريـح قلعـا جفـولا
وأن أدبـرت قلـت مـذعـورة
مـن الـرّبـد تتبـع هيقـا ذمـولا
أمـا كيف تأتّـي للشعراء كل هذا الزخم والإلهـام في وصف الإبـل ، وتضمينها في قصائدهم بجملة الخصال والأوصاف التي أوردنـاها في سياق هذا الباب ، فإنّ الشعراء كانوا يعيشون مع قبـائلهم وبين جنبـات أوطـانهم حيث المراعي والآبـار ، وعرفوا عن كثب ، بل عن ممارسة وطول خبرة الكثير عن حياة الإبل ، كما أنّهم عرفوا كل المجالات التي أدت فيها هذه الحيوانات التراثية الحساسة دوراً ونفعاً في حياة العربي من ركوب وحمل ولبن ولحم ودفء وجَمال معـاناة في المـفاوز والقفار ، وهجير الصحراء ولفحها ودفع الديّات وحقن الدمـاء وتزويج الشباب وزفـة العروس والظعائن المرتحلات وجلب الماء من الآبار وصيد الوحش والغزلان مما تزخر به حياة العربي في صحرائه الغنيـة بالخيـال الخصب والشاعرية النادرة ، وقد فتحت لهم هذه الصحراء نوافذ مشـرعة وفضاءات جميلة كي يبدعوا في وصفهم للنـاقة ، فإذا تناولوا موضـوعاً يصفـونه ألمـوا بجميـع أجزائه وجمعوا كل عناصره ، لا يكادون أن يذروا منها شيئاً ، وتسللوا إلى كل المعاني البديعـة خفياً أو ظاهراً ، ومن مجموع الدقائق والأجزاء كونوا له صورة واضحة المعالم ، وكانت كل كلمة أو معنى تضيف مَعلماً من مَعَالِم الصـورة ، ويختارون الألفاظ الدّالة حتى ينظر إلى الصورة وقد بدت ألوانهـا وحركاتها ، ويظهـر هذا في ما عرضنـاه من شعر لاسيما ما قاله شاعر المعلقات طرفة بن العبد في ناقتـه الأثيـرة ، فقد وصفها بالسرعة والقوة والأمـان والضخامة والاحتمـاء بها ، والمتانة كالجمل ووثاقـة الخلق واكتناز اللحم ، والطول كالنعـامة ، وهي زعراء ، ربداء ، تصلح للسباق فتباري عتـاق النـوق ، وهي ناقـة توافر لها الربيع النامي ، والحدائق الخضراء ، فكان ذلك سبب سمنها وضخامتها وألا يعتريها الخـلاء والحران ، وتستجيب بسرعة لصوت الداعي وتأتمـر بأمر الزاجر . كما تناول ابن العبد أذنيها فجعل إحساسهما قوياً تتسـمعان الهمس ، وتحسـان الخطر ، وعينـاها محددتان كالحربـة ، ومن ينظر إليها سيعرف على الفور كرم أصلها ونجابتهـا. وقال الشاعر أبو ذؤيب الهذلي وهو أحد الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وفي الإسـلام في الناقـة :
تغـدو بـه خـوصــاء جريهــا حـلق الرحـالـة فهــي رخـو تمـزع
ووصف الشاعر الأخطل سـلوك ناقتـه عندما يخفيهـا ويعقبهـا بســوطه قائـلاً :
إذا عاقبتهـا الكـف بالسـوط راوحت علـى الابـن والتبغيــل بالخطــران
بـذي خصـل سـبط العسـيب كأنه علـى الحـاذ والانسـاء غصـن أهــان
كـان مقيهــا إذا مـا تحــدرا علـى واضــح مـن ليتهـا وشــلان
أمـا ناقـة الشاعر الحارث بن حِلِـزّة اليشكري فهي سريعـة كالنعامة ، وهي أم تعيش في أرض متراميـة ومرتفعـة فوق الأرض ، وهو يتلهى في الهواجر ويتخلّص من همّـه وبالسـفر ، فيقـول :
أتلهّـى بهـا الهواجـر إذ كـلـ لُ ابن هـمّ بلبـة عميـاء
ونختتم هذا الفصـل بما قـاله الشاعر مهيـار الديملي عن الإبل ويبـاعد بينها وبين الأذى بعصى الرعـاة لأنهـا إبل مكرمـة عليه ، ويكفي أن تجرّ شـأن الحرَّ الذي تكفيه الإشـارة فهي إبل كالسـادة ، فيقول وقد كتب بها إلى أبـي سعيد عبدالرحيم الذي رجع من الحج :
رعـت بيـن حاجـزوا لنعـف شـهراً
جميمـاً وعبـت شـآبيب غــزرا
مراحـاً مجلـلة عُقـلهــا
تـرى الخصب أوسـع من أن تجـرا
مكـرمة عـن عصـي الرعـاة
فـان كـان لابـد روع فـزجــرا
ولا ظعـن ثـم مرحــولة
تجـرّ الجنـوب ولا ضـيف يقــرى