رد : رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
كُتب : [ 14 - 06 - 2008 ]
.../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
وفي هذا يحضرني قوله تعالى من سورة النصر: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) }. لفظ الفتح مصدقا لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ واحدة آتية لا محالة ولا شك في ذلك فتح رومية، ثم لا فتح بعدها والله أعلم إلاّ ما يكون من الفتح العلمي، أي أن يتحقق الدين وتصير قوانينه قوانين علمية ثابتة بالمنهج العلمي من تجريب أو غيره غير قابلة للتكذيب حتى يأتي أمر الله تعالى. وعلى هذا فأن العلم بكمال الإسلام اعتقادا، ليتبعه العقل إدراكا منه له بموافقته الفطرة ليخدم البدن، ونقيضه حاصل من توهم العقل بمعرفة قوانين الأشياء لخدمة البدن فيصير بهذا إلى الشقاء والغم والضنك لخلوه من شقه الأول واعتماد الشق الثاني منه اعتقادا، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} البقرة. ونقول إن في هذه الآية بيان لما ذكرناه والذي قد استنبطناه من الألفاظ 01ـ جعلنا،02ـ وسطا،03ـ شهداء . فاللفظ جعل متعلق بمجموع القوانين العلمية والمعرفية كما ذكرنا سابقا. واللفظ وسطا يأخذ معنى التموقع التشريعي، بمعنى أنه موقع تشريعي توسط ما قبله من التشريعات التي سبقته يلغي الزمان والمكان في تعامل الإنسان معهما، مع أنه لم يخرج عن المعقول والمألوف أي لم يخرج عن الفطرة، فلم يكن الأمر والنهي فيه معجزا في الأداء كما العلم كذلك بكل أنواعه وتفصيلاته. وأما لفظ شهداء فإنما أخذ معنى الشهادة على البلاغ والبيان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم:" ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته الدجال أنذره نوح و النبيون من بعده و إنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور و إنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ألا إن الله حرم عليكم دماءكم و أموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت : اللهم اشهد ثلاثا ويحكم ! انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". فقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اشهد" على ما كان من البلاغ والبيان. ومن هذا فإن ما هو في القرآن والسنة لنا القدرة على أدائه والتعامل معه وفق النواميس الكونية. ومن هذا التقديم وإن كنا قد أطلنا الكلام فيه نرجع إلى ما نحن في صدد الحديث عنه وهو قوله تعالى: :{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة.
إن الله قد خلق كل شيء وجعل فيه القوانين الفاعلة والضابطة والمنظمة له ،الملزمة له وظيفيا، ومنها أن جعل أن الشيء لا يعرف إلاّ بنقيضه المستقيم يقابله المعوج ، والليل يقابله النهار ، والذكر يقابله الأنثى و.................، لكن الله تعالى جعل الأصل في خلقه الخير والجمال والحسن والاستقامة و الصواب والسداد و............. ، و بعث في الإنسيان مسلمات خلقية ومن أهمها المسلمتين الخلقيتين أولا الفصل:وهو القضاء بين الحقّ والباطل من تغليب الفطرة ليتم منه الاعتقاد القلبي والإدراك العقلي، وذلك لبيان الحق وجلائه و الانقطاع العملي له، الحاصل من علم يقيني بفعل القراءة.
ثانيا التمييز: والتمييز متعلق بالفصل ليكون حاصله الفرز بين المتشابهات لرفع الإبهام الوارد ليتم منه التمكن من الشيء بالعلم اليقيني للحق من الحق، وليكون للإنسان القدرة والتحكم في أدائه الوظيفي المتعلق بالأمر والنهي المتحقق بالإرادة. وبالمعنى المختصر أن الفصل يكون بين الحق والباطل عمليا، والتمييز يكون بين قوانين الحق وقوانين الباطل ليتم الفصل. ولذلك كان الجزاء من جنس العمل،والله تعالى خلق الإنسان، وبعث فيه هاتين المسلمتين الخلقيتين، وجعل سن التمييز سنا للتكليف بفعل ظهور الشهوة و... من التغير الحاصل من إفرازات الغدد الجنسية التي بدورها تُفعِّل " الفصل والتمييز"، وما خلق الله الجنة والنار إلاّ لتحقيق العدل الإلهي و بهذا تتحقق القاعدة الجزاء من جنس العمل .و للملاحظة ما انتقال الإنسان من دين إلى دين ببعيد. وعلى هذا فقول الله سبحانه وتعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} أولا البلاء من الله مهما كان في شدته أو رخائه ففيه خير،وقد يقول قائل وما القول في قوله تعالى:{ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} النساء فنقول له إن قول الله تعالى:{ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّه } متعلق بالخلق وأذكر القاعدة القائلة لا يعرف الشيء إلاّ بنقيضه لتكون لنا الحرية في الاعتقاد والعمل ويتم بذلك حصول الجزاء من جنس العمل بالحق من الحق. ويبين الله تعالى هذا في البقية من الآية قال تعالى:{ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} فأمر الله ما كان من حسنة، وللإنسان الحرية في الاعتقاد والعمل ومنه تحمل الإنسان المسؤولية في شقيها. بمعنى أن الحسنة والسيئة من الله من حيث الخَلق ، وأما الإصابة فمن حيث ما كان من التعامل والتفاعل مع الحسنة أو السيئة، فمن تعامل وتفاعل مع الإصابة بالحسنة رجوعا منه إلى الله فإنما أمره كله فيه خير، وأما من تعامل وتفاعل مع الإصابة بتوهمه العقلي بأن فهم وأدرك الشيء بما انعكس عليه على أساس حصول السيئة فإن أمره كله فيه شر. وللمثال ما كان من ردة فعل إبليس حينما خلق الله تعالى آدم عليه السلام، بأن رأى توهما منه أن هذا الخلق الجديد "آدم عليه السلام " فُضِّل عنه في طبيعة الخلق "الطين والنار" كان منه العصيان الذي منه الكفر بالخالق وتحديه، و سبحانه وتعالى المنزه عما يصفون.
.../... يتبع
|