رد : رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
كُتب : [ 14 - 06 - 2008 ]
.../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
بأن رأى توهما منه أن هذا الخلق الجديد "آدم عليه السلام " فُضِّل عنه في طبيعة الخلق "الطين والنار" كان منه العصيان الذي منه الكفر بالخالق وتحديه، و سبحانه وتعالى المنزه عما يصفون.
وعلى هذا فقوله تعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) } فحصول البلاء تأكيد من الله على التكليف منه لعباده وفق القوانين الحياتية والمعيشية وانعكاساتها على النفس، فالبلاء اختبار قد يكون شاق فيه من الغم ما يضيق به الإنسان، و الاختبار يكون في مظاهر الخَلق وقد يكون منحة أو كما ذكرنا محنة، وجاء بعده لفظ "الشيء"، والشيء ما كان من الموجود المتحقق في الخارج إذ يصح أن يعلم ويخبر عنه، ثم كان اللفظ "من" الدال على البعضية لا الكل، ليكون جزء من الخوف الذي يصح لنا أن نعلمه ونخبر عنه، والخوف يكون من توقع حصول أو حصول المكروه، والمكروه حصوله قد يكون بأسباب خارجية أو داخلية، كما يكون حصوله على الفرد أو على الجماعة أو على الدولة، وأسبابه كثيرة متعددة قد تعرف وقد لا تعرف، ومما نعرف من الأسباب الحاصل منها الخوف في ما كان نتيجة حصوله منعكسة على الفرد، الوسواس، أو حديث النفس الناتج من خطاب الهواجس من توقع المكروه أو التعامل معه أثناء حصوله أو بعد حصوله، أو من سوء الظن بالله، أو بالناس، عدم الثقة في النفس، والمثال على ذلك الخوف من حدوث الجوع، أو الفقر، أو الموت، وهذه العناصر أغلب ما يكون منها الخوف، وقد يكون من الاعتداء، وأما ما كان منعكسا حصوله على الجماعة فكذلك قد يكون نتيجة الجوع والفقر والموت أو من فتنة داخلية قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) } الحجرات وأما على مستوى الدولة فخارجي أو داخلي كذلك والأعظم منهما الداخلي الحاصل من فقدان الثقة بين القمة والقاعدة، أو ابتعاد القمة عن الالتزام بما أوكل لها من مهمة رقابية على أداء الأفراد والجماعات، وذلك لطبيعة الخلافة من مرجعية إسلامية على أنها رقابية لا تشريعية قال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)}طه، وقد يكون سبب الخوف من عامل خارجي كالزلزال أو البركان أو الإعصار أو الجفاف أو تفشي الأمراض أو غيرها مما لم يتدخل فيه عمل الإنسان. ومما هو حاصل من الخوف أي أن الخوف هو سبب حصوله،الجوع، وذلك لأن الإنسان إن توقع مكروها أو حصل له المكروه ولم يعمل للاحتياط أو القضاء عليه، فإنما يكون من هذا انعكاس سلبي على مظاهر الخلق ومنه الوقوع فيما خاف منه الإنسان. ومنه فالجوع يقول البعض في تعريفه للجوع ، الجوع غلبة الحاجة للغذاء على النفس حتى تبرأ ما لأجله فيما لا يتأمل عاقبته، بمعنى عدم توفر الحاجة اللازمة للغذاء، أي بمعنى عدم توفر الأمن الغذائي الحاصل من عدم الاستقرار الأمني " الخوف". وللملاحظة ارتبط الخوف والجوع في هذا الموضع من الآية بلفظ شيء ، والشيء قلنا في تعريفه: ما كان من الموجود المتحقق في الخارج إذ يصح أن يعلم ويخبر عنه، بمعنى أنه قد يكون وقد لا يكون، أي أن كلا من الخوف والجوع قد يوجد وقد يرفع وقد يعود كل منهما. ثم قول الله تعالى:{ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، نلاحظ ارتباط الألفاظ الأموال والأنفس والثمرات باللفظ نقص، أي أن اللفظ نقص فيه إشارة ودلالة على استمرار الموجود أي المال والأنفس والثمرات بوجود الإنسان، وإنما يحصل فيها نوع من الخسران أي النقص، والنقص من الأموال حاصل مما سبقه، فالجوع حاصل من الخوف،وقد يكون من الجوع الخوف ، وذلك لتلازمهما،ونقص من الأموال حاصل من الجوع أي عدم توفر الأمن الغذائي، وذلك لطبيعة أن الأمن الغذائي متعلق بوسائل الإنتاج ووسائل الإنتاج متعلقة بالصناعة والصناعة متعلقة باليد العاملة و.............، وهذا كله متعلق بالعلم إنتاج وسائل الإنتاج، وغياب هذه المتعلقات بسبب الخوف أي عدم توفر الاستقرار الأمني، يكون منه أن يصير الاستهلاك من غير إنتاج، بمعنى أنه يصير المجتمع مجتمعا مستهلكا لا مجتمعا منتجا، مما يترتب عنه نقص الأموال على المستوى الفردي والجماعي وحتى على مستوى الدولة بكل مؤسساتها، ثم إن هذا كله يترتب عنه غياب التربية والتعليم غياب الصحة غياب القوانين الضابطة للمعاملات ووو............، مما يكون سببا لحول النقص في الأنفس، والأنفس هنا تأخذ معنيين المعنى الأول: الروح وإذا حصل النقص فيعني الموت، والثاني: مجموع المعاملات أي حدوث النقص في مجموع المعاملات العلاقات الإنسانية البشرية الخاضعة في الأصل إلى مجموع من القوانين الضابطة المنظمة الملزمة أحيانا في الممارسة،ومنها التكافل المودة الرحمة وغيرها من مكارم الأخلاق، ليحل محلها مجموع آخر من قيم الرذيلة من تنافر وفرقة و فتنة ونهب وسلب واغتصاب لكرامة الإنسان وهدر لحريته ووو................
وأما لفظ الثمرات فد جمع في معناه كل ما كان قبله، فالاستقرار الأمني ثمرة، والأمن الغذائي ثمرة والأموال ثمرة والأنفس ثمرة، فالثمر كل ما كان فيه نفع بدون استثناء وبالطبع ما لم يكن التعامل معه أو به مما يخالف أمر الله أو نهيه.
ولو نلاحظ ترتيب هذه العناصر في الآية الكريمة السابقة الذكر، إذ ذُكر الخوف ومن الخوف الجوع ومن الجوع نقص من الأموال ومن نقص الأموال نقص من الأنفس ومن هذا كله نقص من الثمرات، وكأن فيها إشارة إلى مراحل تطور الضعف عند الفرد والجماعة والدولة وحتى بيان لمراحل تلاشي واندثار الحضارة. بعكس الترتيب في قوله تعالى:{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قريش و التي وكأنها تبين مراحل تطور القوة لدى الفرد والجماعة وحتى الدولة وكذلك مراحل بناء الحضارة. كما أنها تشير إلى التلازم بين الاستقرار الأمني وتوفر الأمن الغذائي في تكوين وبناء الفرد والجماعة والدولة والحضارة. .../... يتبع
|