رد : رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
كُتب : [ 14 - 06 - 2008 ]
. ../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
. بعكس الترتيب في قوله تعالى:{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قريش و التي وكأنها تبين مراحل تطور القوة لدى الفرد والجماعة وحتى الدولة وكذلك مراحل بناء الحضارة. كما أنها تشير إلى التلازم بين الاستقرار الأمني وتوفر الأمن الغذائي في تكوين وبناء الفرد والجماعة والدولة والحضارة.
وأما قوله تعالى:{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} فعلى ما كان من رَدة فعل فالبشارة وعد بالجزاء الحسن إذا تحقق تجاوز الذات والآخر إلى ترسيخ العلاقة بالله، لأن الأصل في الصبر، الصبر على إتيان الأمر، والصبر على الابتعاد عن النهي، والصبر قيمة خلقية مكتسبة برياضة النفس من تفعيل العقل لأجل الالتزام بالشرع، و هو انعكاس لمدى احتواء الظروف المحيطة في أوقات مختلفة ليست دائمة، و به يتم الانتقال إلى مرحلة الرضا، و الوصول إلى استيعاب الواقع بمختلف أشكاله، و من نتائجه التحكم في الحال بفراستها، و اكتساب الرؤية المستقبلية لما قد يكون من الحال. لهدف تحقيق الإسلام على أنه دين وعلم. ولا تتحقق البشارة الإلهية إلاّ بالرجوع إلى الله تعالى، ولا يكون الرجوع إلى الله تعالى إلاّ بإتباع ما جاء في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وذلك في قوله تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}فشرط الإصابة من غير أن تكون للـمُصاب فيه إرادة فهو من شأن الله تعالى، وأما اللفظ قَالُوا دلالة على ما كان من الاعتقاد القلبي والإدراك العقلي الـمُبَين قولا الـمُصَدق بالعمل، وتحقيق إِنَّا لِلَّهِ لا يكون إلاّ بتحقيق العبادة الحق بالحق للحق قال تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} أي تحقيق الوظيفة الخَلقية الموكلة للإنسان بالعلم. وقوله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ففيه بيان لرجوع إيماني ليتم العدل الرباني الجزاء من جنس العمل "ورحمة الله وسعت كل شيء" أي ما كان من إيمان باليوم الآخر و القضاء والقدر خيره وشره و................. والشطر الثاني الرجوع العملي باعتماد القرآن والسنة مصدرين للفكر والنظام والممارسة.
وقوله تعالى:{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} فالصابرين المحتسبين الراجعين إلى الله تعالى في كل شيء، المتمسكين بالحضور الإلهي الرباني معهم بأسمائه وصفاته، في خلجاتهم وحركاتهم وسكناتهم في قيامهم وقعودهم وعلى أيمانهم وشمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ " على حرف جر يفيد الاستعلاء، أي أن الله تعالى يرفعهم ويعليهم فيرتقون بصبرهم رحمة من الله تعالى إلى مغفرة الله لهم، وما أعظم أن يبشر الصابر بمغفرة الله تعالى. والرحمة منه تجاوز عما صدر من الصابر ما لم يكن فيه شرك أو شرك بعينه، ثم إن الله تعالى يضفي صفة الاهتداء على الصابر الراجع إلى الله في دنياه المصدق بالرجوع إليه في اليوم الآخر. فكانت الهداية إدراك حقيقة الحق وفق ما تقتضيه سبيل القلوب الفطرية، لتكوِّن الممارسة المبنية على مدى المعرفة بقوانين الحق.
و الهداية ما انطبع على قلب الإنسان من معرفته الحق، أي أن الهداية ممارسة للقوانين الشرعية بعد تأملها و فهمها و إدراكها.
قال تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17)} الكهف، فالآيات الخَلقية واجبة التأمل فيها، في حين أنها تعطي العقل مبررات التفكير. ولتتبين الممارسة الوظيفية لمهمته الخَلقية وفق ما يقتضيه التشريع الرباني، لتتم من هذا عملية التسخير، فهذه الآية زاوجت بين فهم قوانين الخَلق الكونية، وممارسة القوانين الشرعية، ففهم القوانين الخَلقية هو الذي بدوره يكون للإنسان داعما ودافعا للوصول بفكره إلى ممارسة القوانين الشرعية من استقامة الفكر والنظام ، فالعلم بمهام المخلوقات ووظائفها يوحي بالتوازنات الكونية في السماوات و الأرض، وكذلك العلم بما يحكمها من قوانين، يزيد المسلم إيمانا و ترسيخا لأدائه الوظيفي.
و قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} الزمر،
فالهداية هي في ممارسة الإنسان وفق ما تقتضيه القوانين التي تحكم الكون و الإنسان، تفاعلا معها و تعاملا بها فمن اتبع طريق الحق بإتباع أحكام الشارع الحكيم فقد اهتدى ومن خالفه فقد ضل ولن يعرف الحق إلا بالرجوع إلى قوانين الحق.
و قال تعالى: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) } الشورى. الذي يتبع سبيل الضلال بعد العلم بسبيل الحق فإنه قد ظلم نفسه من ابتعاده عما كان من التنزيل علما وعملا. وفي هذا تحمل مسؤولية الاختيار الحر.
و قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً(13)} الكهف.
و قال تعالى: { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً و َالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) } مريم.
و قال تعالى:{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) } محمد، والاهتداء متعلق بالعلم والعمل.
و قال: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ و سَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) } الكهف، فحرية الاختيار المطلق الإلهية مكمن الهداية.
و قال: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) }البقرة
وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)}الأحزاب، و الإتباع هو إتيان التشريع الرباني الإلهي على أكمل وجه من غير تحريف أو تزييف.
و الوكيل من يستعان به في قضاء الحاجات و المصالح. لنقول إن الإنسان مسئول عما يفكر به و فيه و ما يظهر من ممارسته، و قد لا ينطبق الفكر مع الممارسة و ذلك راجع إلى أخطاء في المنهج العملي من حيث الترتيب للمعطيات الموجودة و المتاحة. و فهمنا لهذا من أصل الآية من سورة البلد إذ يقول الله سبحانه و تعالى فيها: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ 10}، الإيمان و الكفر.
إذ من هذا نستدل إلى أن سبحانه و تعالى قد خَلَقَ الخَلقَ و بث فيه القوانين، و أعطى الإنسان حقا معلوما، وحقلا محدودا، يمارس فيه فكره، لترسيخ القناعات الحاصلة من العمل العقلي، و التي تعطي له تصورا لما تكون عليه حياته، و لا تكون الهداية إلا مِن إتباع نداء الفطرة، على أساس مبدأ الحرية في الاختيار، والاختيار ملزم في الفكر والنظام والممارسة، فهي تتحقق برجاء الإنسان العون والتوفيق من الله، لتتحقق له المعرفة التامة به و يكون العمل بالقوانين الشرعية اهتداء، إذ يحقق منها أصل الخَلق ''العبادة''، فهي بقاء مسؤولية الإنسان عن ممارسته حاصلة منه ''له أو عليه'' إلاّ في ما لا يستطيع إليه سبيلا أي فيما لم يرد له حصولا أو ما لم يكن مسئولا عن حصوله،بمعنى ما كان مسيرا فيه لا مخيرا فيه كما خيّر بين الإيمان والكفر وهو مسير في كثير من الأشياء.فالهداية خالصة لإرادة الإنسان وما العون و التوفيق إلا بالله.وهكذا تكون هداية الدلالة. فالمسلم عملي حسب قدرته واستطاعته في أداء العبادة واما في معاملاته كذلك حسب قدرته واستطاعته وفق معرفته بالواقع من ظروف موضوعية وتاريخية ويترك النتيجة لله لعدم تحكمه في ما هو حاصل في المستقبل من الزمن ليكون منها التوفيق من الله عز وجل والدعاء أن اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان.
قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) }سورة الليل، و إرادة الله حق، و مشيئته حق، و قدرته حق، وكل أسمائه وصفاته حق، ورحمة الله سبحانه و تعالى شأنه، إن شاء عذّب و إن شاء غفر و الجنة و النار حق ويغفر الله لنا إن شاء الله .فالاهتداء للحق من الحق من خلال ما أنزله على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، والجزاء من جنس العمل ليتم العدل الإلهي.
قال الله تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) } سورة النجم
وأما أن يبعث الله تعالى الإيمان في قلب عبده فهو نفحة من نفحاته و يفعل ما يريد. وهذا من التوفيق
اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
|