5- ابو براء ملاعب الاسنة :
واسمه عامر - على المشهور - وقيل عمرو بن مالك بن جعفر بن كلاب فارس العرب مجمع على فروسيته ادرك الاسلام واسلم على المشهور وقيل : لم يسلم . وهو الذي اجار اصحاب رسول الله (ص) فغدر بهم عامر بن الطفيل يوم بئر معونة فمات ابو براء كمدا وحزنا وينبغي ان تكون ترجمته اوسع مما ذكرناه
لكثرة اثاره واشتماله على سبب تسميته ملاعب الاسنة واخفار ابن اخيه ذمته وما يتعلق باسلامه وفروسيته وشرفه عند عرب الجاهلية .
قال العسقلاني في الاصابة : ابو براء المعروف بملاعب الاسنة ذكره خليفة والبغوي وابن البرقي والعسكري وابن قانع البارودي وابن شاهين وابن السكن في الصحابة ، وقال الدار قطني : له صحبة .
وروى ابن الاعرابي في معجمه من طريق مسعر ابن خرشم بن حسان عن عامر ابن مالك قال : بعثت الى رسول الله (ص) التمس منه دواء فبعث الي بعكة من عسل .
ورواه ابن مندة بهذا الوجه ثم ذكر له طرقا كثيرة وذكر ما ينافيها وذكر عقده لاصحاب رسول الله (ص) الذمام حتى اخرجهم فقتلوا في بئر معونة واشار الى القصة اشارة ولم يذكرها مفصلة .
ثم قال ذكر عمر بن شبة في الصحابة له باسناده عن مشيخة بني عامر قالوا : قدم على رسول الله (ص) خمسة وعشرون رجلا من بني جعفر ومن بني ابي بكر فيهم عامر بن مالك الجعفري فنظر اليهم فقال : قد استعملت عليكم هذا - واشار الى الضحاك بن سفيان الكلابي - وقال لعامر بن مالك : انت على بني جعفر . وقال للضحاك : استوص به خيرا .
فهذا يدل على انه وفد بعد ذلك مسلما .
واول من لقبه ملاعب الاسنة ضرار بن عمرو القيسي ولقبه الرويم وذلك في يوم السوبان ثم ذكره ما سنورده عن غيره .
قال ابن قتيبة في الشعراء : ملاعب الاسنة هو عم لبيد وهو عامر بن مالك ،وسمي ملاعب الاسنة بقول اوس بن حجر فيه :
ولاعب اطراف الاسنة عامر فراح له حظ الكتيبة أجمع
وكان ملاعب الاسنة اخذ اربعين مرباعا في الجاهلية .
وقال محمد بن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم : هو عامر بن مالك بن جعفر من بني صعصعة المعروف بملاعب الاسنة ، ويكنى ابا براء وامه ام البنين أنجب امرأة في العرب فذكر اخوته ولكنه ذكر نزار بدل سلمى وذكر مثل قول ابن قتيبة ، وقال : وقيل لقول اخر وقد فر عنه اخوه في الحرب :
فررت وأسلمت ابن أمك عــــامرا يلاعب اطراف الاسنة الوشيج المزعزع
وقيل لقول حسان بن نمير وقد رآه بين فرسان اطافوا به يقاتلهم : ما هذا الا ملاعب الاسنة .
وقال ابن عبد ربة في العقد الفريد : قال ابو عبيدة : اغارت بنو عامر على تميم وضبة ورئيس ضبة حسان بن ضبة وهو اخو النعمان لامه فاسره يزيد بن الصعق وانهزمت تميم فلما رأى ذلك عامر بن مالك بن جعفر حسده فشد على درار بن عمرو القيسي وهو الرويم فقال لابنه ادهم : أغنه عني فشد عليه فطعنه فتحول من سرجه الى جنب ابدانه ثم لحقه فقال لاحد ابنيه : اغنه عني ، ففعل مثل ذلك ثم لحقه فقال لابن له اخر : اغنه عني ففعل مثل ذلك فقال : ما هذا الا ملاعب الاسنة ، فسمي يومئذ ملاعب الاسنة فلما دنا منه قال درار - نسخة : ضرار - : اني لا اعلم ما تريد ، اتريد اللبن قال : نعم .
قال : انك لن تصل الي من هؤلاء عين تطرف كلهم بنوه .
قال له عامر : فاحلني لى غيرك .
فدله على حبش ابن الدلف ، قال : عليك بذاك الفارس فشد عليه فأسره فلما رأى سواده وقصره جعل يتفكر وخاف ابن دلف ان يقتله ، فقال : ألست تريد اللبن ؟
قال : بلى .
قال : فإني لك به .
وفادى حسان بن وبرة نفسه من يزيد بن الصعق بالف بعير فداء الملوك فكثر مال يزيد ونما ثم اغار بعد ذلك يزيد بن الصعق على عصافير النعمان بذي ليان ، وذو ليان عن يمين العرنين .
وقال(1) : قال ابو عبيدة : تجمعت قبائل مذحج واكثرها بنو الحارث بن كعب وقبائل من مراد وجعفي وزبيد وخثفم وعليهم انس بن مدركة وعلي بن الحارث الحصين فاغاروا على بني عامر بن صعصعة بفيف الريح وعلى بني عامر بن مالك ملاعب الاسنة . . . الخ .
وذكر في حروب الفجار بعد ان ذكر مقتل عروة الرحال الكلابي وبلغ قريشا خبر البراض بسوق عكاض فخلصوا نجيا واتبعتهم قيس لما بلغهم ان البراض قتل عروة الرحال على قيس ابو براء عامر بن مالك فادركوهم وقد دخلوا الحرم فنادوهم يا معشر قريش انا نعاهد الله ان لا نبطل دم عروة الرحال ابدا او نقتل به
عظيما منكم وميعادنا واياكم هذه الليالي من العام المقبل . . . الخ .
وفي هذا يقول خداش بن زهير العامري وهو الذي شهر قريشا بالسخينة :
يا شدة ما شددنا غيــر خائبة على سيخينة لولا الليل والحرم
فعيرهم بالسخينة ، وتلاه كعب بن مالك الانصاري شاعر النبي (ص) يعيبهم بذلك لما حاربوا رسول الله (ص) مجدين :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغـــــالب الغلاب
أما عقد ابي براء الذمام لاصحاب رسول الله (ص) وان عامر ابن الطفيل أخبره فقد ذكر ذلك ابن اسحاق وغيره من اهل السير والتاريخ ونحن نورد ما قاله ابن نباتة في شرح الرسالة وابن اسحاق ولفظه من السيرة الهاشمية عن جماعة من اهل العلم قالوا :
قدم ابو براء عامر بنة مالك بن جعفر ملاعب الاسنة على رسول الله (ص) المدينة فعرض عليه الاسلام ودعاه اليه فلم يسلم ولم يبعد من الاسلام ، وقال : يا محمد ، لو بعثت رجالا من اصحابك الى اهل نجد فدعوهم الى امرك رجوت ان يستجيبوا لك .
فقال رسول الله (ص) اني اخشى عليهم اهل نجد .
فقال له ابو براء : انا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس الى امرك .
فبعث رسول الله (ص) المنذر بن عمرو اخا بني ساعدة المعتق ليموت في اربعين رجلا من اصحابه من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان اخو عدي بن النجار وعروة بن اسماء بن الصلت السلمي ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى ابي بكر في رجال مسلمين من
خيار المسلمين فساروا حتى زلوا بئر معونة - وهي بين ارض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي الى حرة بني سليم اقرب - فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله (ص) الى عدو الله عامر بن الطفيل فلم اتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بنو عامر فابوا ان يجيبوهم الى ما دعوهم اليه وقالوا : لن نخفر ابا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليمهم قبائل من سليم عصية ورعل وذكوان فاجابوه الى ذلك . ثم ذكر مقتل الصحابة رضي الله عنهم ، وقال : فقال حسان بن ثابت يحرض بني ابي براء على عامر بن الطفيل :
بني ام البنين الم يـــرعكم وانتم من دوائب اهل نجـد
تهكم عامر بأبي بــــراء ليفخره وما خطأ كعمـــد
ألا ابلغ ربيعة ذا المســاعي فما احدثت في الحدثان بعدي
أبوك ابو الحروب ابو بــراء وخالك ماجد حكم ابن سعـد
قال ابن اسحاق : فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فاشواه ووقع عن فرسه ، فقال : هذا عمل ابي براء ان مت بدمي لعمي فلا يتبعن به وان اعش فسأرى رأيي فيما أتى الي . . . انتهى .
والذي في الاصابة : انه استشار رسول الله (ص) في ان يطعن عامر بن الطفيل او يظربه .
وفي السيرة الحلبية : ولما بلغ ابا براء ان عامر ابن الطفيل ولد اخيه ازال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما اصاب اصحاب رسول الله (ص) بسببه ، ثم ذكر ما صنع ابنه ربيعة بابن عامر بن الطفيل .
وذكر ابن نباتة في شرح الرسالة ان ابا برا ء لم يكن حاضرا حين قتل ابن الطفيل اصحاب رسول الله (ص) فقال: قالوا : وقد كان عامر بن مالك خرج قبل القوم الى ناحية نجد وأخبرهم ان اجار اصحاب محمد (ص) فلا تعرضوا لهم ، ثم نقل ما يشاكل قول ابن اسحاق .
وقال : ثم أقبل أبو براء سائرا - هو شيخ كبير هرم - فاخبر بما فعل عامر بن الطفيل فشق ذلك عليه ولا حركة به من الضعف ، وقال : أخفرني ابن اخي مرتين ، وسار حتى لحق ابن الطفيل فطعنه بالرمح فاخأ مقتله ، وقيل : كان الطاعن ربيعة ولده ، فتصايح الناس فقال ابن الطفيل : انها لم تضرني وقد وهبتها لعمي ، وانصرف ونزل عامر بن مالك بقومه فدعاهم الى الارتحال الى النبي (ص) وطلب ثار القتلى الذين كانوا في جواره ، فتثاقلوا عليه وقال له بعض بنو اخيه انهم يقولون : انه حدث لك عارض في عقلك فدعا ابن اخيه لبيدا وقينة له فشرب وقال لها غني وقال : يا لبيد ، لو حدث بعمك حدث ما كنت قائلا فان قومك يزعمون ان عقله ذهب والموت خير من ذهاب العقل . وقال : يا لبيد ، اسمع :
قوما تنوحان مع الانواح فأبنا ملاعب الرمـــاح
أبا براء مدره الشيــاح ان غياث المرمل الممتاح
وهي من ابيات ثم شرب الخمر صرفا حتى مات وهو يقول : لا خير في العيش وقد عصتني بنو عامر وبنو جعفر يزعمون انه مات مسلما . . . الخ .
وهذا رأي من زعم انه مات مشركا فيجعل موته في شربة الخمر صرفا ، وقد ذكر هذا القول في الاصابة عن كتاب المعمرين لابي حاتم عن هشام بن الكلبي ان عامر بن الطفيل لما اخفر ذمةعمه عامر بن مالك ، عمد عمه عامر بن مالك الى الخمر فشربها صرفا حتى مات ولم يبلغنا ان احدا من العرب فعل ذلك الا هو وزهير بن جناب وعمرو بن كلثوم . . . انتهى .
ولفظ ابي حاتم في المهمرين في ترجمة زهير بن جناب الكلبي : ثم شرب زهير بن جناب الخمر صرفا حتى مات وشربها عمرو بن كلثوم التغلبي صرفا حتى مات ولم يبلغنا ان احدا من العرب فعل ذلك الا هؤلاء . . . انتهى .
وكان ابو براء مع البطولة والقيادة والسيادة شاعرا مجيدا . قال ابن نباته في شرح الرسالة : يزعمون انه لما تنافر ابن اخيه عامر ابن الطفيل مع علقمة بن علاثة سأل عمه الاعانة فاعطاه نعليه وقال : استعن بهما في مفخرتك فاني ربعت فيهما اربعين مرباعا مع انه كان كارها للمنافرة ، ومن احسن ما سمعت من شعره :
لحى الله إن آنا عن الضيف بالقرى وألئمنا عن عرض والده ذبــا
وأدخلنا للبيت من قبل أستــــه إذ القور أبدى من جوانبه ركبـا
6- براء بن أبي براء :
ملاعب الاسنة عامر بن جعفر بن كلاب الكلابي كان فارسا شاعرا بطلا من ابطال بني كلاب في العصر الجاهلي ، قتل يوم النتأة قال ابن الاثير الجزري المؤرخ في تاريخ الكامل في سياق قصة يوم النتأة(1) : وقتل من اشرافهم البراء بن عامر بن مالك بن جعفر وبه كان يكنى وقتل معه من اشرافهم نهشل وانس ونزار بنو مرة بن انس بن خالد بن جعفر وعبد الله بن الطفيل اخو عامر بن الطفيل قتله الربيع بن زياد العبسي ، قال : وغيرهم كثير ، وتمت الهزيمة على بني عامر وفر عامر بن الطفيل على فرسه المزنوق ، القصة بطولها في تاريخ الكامل .
7- ربيعة بن ابي براء :
ملاعب الاسنة اخو المتقدم كان صحابيا فارسا من فرسان بني كلاب وبطلا من ابطال العرب .
قال الحافظ العسقلاني في كتاب الاصابة : ربيعة بن ملاعب الاسنة ابي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب الكلابي ثم الجعفري لم ار من ذكره في الصحابة الا ما قرأت في ديوان ضبيعة لابي سعيد السكري روايته عن ابي جعفر بن حبيب ، قال : قال حسان ربيعة بن عامر بن مالك وهو ملاعب الاسنة في قصة الرجيع يحرض ربيعة بن عامر على عامر بن الطفيل باخفاره ذمه ابي براء :
الا من مبلغ عني ربيعا
الابيات المتقدمة . وقال : فلما بلغ ربيعة هذا الشعر جاء الى النبي (ص) وقال : يا رسول الله ، ايغسل عن أبي هذه الغدرة ان اضرب عامر بن الطفيل بضربة او طعنة ؟
قال : نعم .
فرجع ربيعة فضرب عامر ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه ، فقالوا لعامر : اقتص . فقال : قد عفوت .
قلت : فذكر غير واحد من اهل المغازي انه اهدى لرسول الله (ص) بغلة او ناقة . ورأيت له رواية عن ابي الدرداء من طريق حبيب بن عبيد عنه فليعلم ذلك .
وقال الديار بكري في تاريخ الخميس في افراس النبي (ص) : واللحيف كامير وزبير فرس لرسول الله (ص) لانه كان يحلف الارض بيديه اهداه له ربيعة بن ابي براء فاثابه عليه من نعم بني كلاب .
أورد اللحيف في القاموس بالحاء المهملة والجيم وفي المنتفى بالجيم وقال : من قولهم سهم لجيف اذا كان سريع المر .
وفي المواهب اللدنية : اهداه له ربيعة بن ابي براء . . . الخ .
وذكر ابو جعفر الطبري المؤرخ في تاريخه ابيان حسان في تحريض ربيعة على ابن الطفيل من رواية ابن اسحاق بني ام البنين الابيات ، وقال : قال كعب بن مالك ايضا :
لقد طارت شعاعا كل وجــه خفارة ما أجار أبو بــراء
فمثل مسهب وبني ابيــــه بجنب الرده من كنفي سواء
بني أم البنين أما سمعتـــم دعاء المستغيث مع المساء
تنوبه الصريخ بلى ولـــكن عرفتم انه صدق اللقـــاء
فما صفرت عياب بني كـلاب ولا القرطاء من ذم الوفـاء
أعامر عامر السوات قدما فلا بالعقل فزت ولا السناء
أأخفرت النبي وكنت قدما الى السوآت تجري بالعراء
فما كنتم كجـار ابي داود ولا الاسدي جار ابي العلاء
ولكن عادكم داء قديــم وداء الغدر فاعلم شـر داء
فلما بلغ ربيعة بن عامر ابي براء قول حسان وقول كعب حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فشطب الرمح عن مقتله فخر ، فقال : هذا عمل ابي براء ان مت فدمي لعمي . . . الخ .
وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشامفي قصة اصحاب الرجيع : ثم ان النبي (ص) لقى ربيعة بن ملاعب الاسنة فقال له : ما فعلت ذمة أبيك؟
فقال : نقضتها بضربة سيف او بطعنة رمح .
فقال له : نعم .
فخرج ربيعة فاخبر اباه فشق عليه ما فعل عامر بن الطفيل وما صنع ولا حركة به من الكبر والضعف وقال : اخفرني ابن اخي من بين بني عامر فسار حتى كانوا على ماء من مياه بيلي يقال له الهدم فركب ربيعة فرسا له وتحلق عامرا وهو على حجل له فطعنه بالرمح فأخطأ مقتله وتصايح الناس .
فقال عامر ابن الطفيل انها لم تضربني .
فقال ربيعة : نقضت ذمة ابي براء .
فقال ابن الطفيل : قد عفوت عن عمي هذا فعله ، وقال رسول الله (ص) : واطلب خفرتي من عامر بن الطفيل ثم ذكر قول حسان : الاابلغ ربيعة الابيات وذكر ابياتا اخرى لحسان يعير بها بني كلاب وهي قوله
ألا ابلغ جميع بني هــلال وعامرها وكعبا أجمعينــا
بأن الغدر عم بني كــلاب وخص به بني أم البنينــا
فلو مدوا بحبل من عقيــل لألفوا حبلهم صلبا متينــا
أو القرطاء ما ان اخفروهم وقدما ما وفوا إذ لا يغونـا