فقه النوازل 000
كُتب : [ 27 - 07 - 2008 ]
تعريف فقه النوازل، نبدأ أولا بتعريف الفقه
فالفقه معناه في لغة العرب: الفهم: "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي" يعني يفهموا قولي، فمادة الفقه في لغة العرب تدور حول معنى الفهم: "فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُون يَفْقَهُونَ حَدِيثًا يعني يفهمون حديثا". ومعناه شرعا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
والفقه من أشرف العلوم وأنفعها لطالب العلم، وهو العلم الذي يحتاج الناس إليه في حياتهم العملية، وأضرب لهذا مثلا، لو أنك استمعت إلى أي برنامج إفتاء، انظر إلى أسئلة الناس ستجد أن ما لا يقل عن تسعين في المائة منها أو أكثر فقهية، وهذا لا يقلل من شأن العلوم الأخرى، لكن علم العقيدة والفقه هما أهم علمين يحتاج لهما طالب العلم، وبقية العلوم قد يحتاج الإنسان إليها بقدر معين، بقدر معين، لكن الفقه إذا ضبطه الإنسان فإنه ينتفع وينفع.
ولا بد من ربط الفقه عند دراسته بالحديث، ولا يمكن لطالب العلم أن يحقق المسائل الفقهية، وليس له عناية بالحديث، فمن أنفع الطرق ربط الفقه بالحديث، فلا يستغني طالب العلم بالفقه عن الحديث ولا بالحديث عن الفقه، ولكن من أنفع الطرق التي رأيتها للتفقه هو أن ينطلق طالب العلم من كتب الفقه ويرتبط بالحديث، فمثلا يعني يأخذ هذا الباب لو قلنا باب المعاملات يأخذ كل باب من كتب الفقهاء، ثم ينظر ما في هذا الباب من الأدلة يرجع مثلا للصحيحين يرجع للبلوغ، يرجع لكتب الحديث، ويربطها بهذه المسائل الفقهية.
أما لو عكس انطلق من كتب الحديث، ولم يكن له عناية بكتب الفقه، فتفوته مسائل كثيرة مبناها على النظر، لأن هناك بعض الأبواب قد لا تجد فيه إلا حديثا واحدا، وربما بعضها ليس فيها ولا حديث، لو أخذت مثلا باب الشركة في كتب الفقه فيها مسائل كثيرة جدا، بينما كتب الحديث قد لا تجد فيها إلا حديثا واحدا أو حديثين، فمن اقتصر على كتب الحديث وأهمل كتب الفقه يفوته علم كثير، فلا بد من الجمع بين العلمين، والانطلاق في التفقه من كتب الفقه وربطها مع كتب الحديث.
وأما النوازل فمعناها لغة: النوازل جمع نازلة وهي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، يقال نزلت بهم نازلة.
ولرب نازلـة يضيـق بها الفتى *** ذرعـا وعند الله منـها المخرج
ومنه القنوت في النوازل يعني في الشدائد التي تحل بالمسلمين.
والنوازل معناها اصطلاحا: الحوادث المستجدة التي تتطلب اجتهادا وبيانا للحكم الشرعي، ومن ذلك كلام الحافظ ابن عبد البر في كتابه القيم جامع بيان العلم وفضله، قال: باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة، باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة، وقال النووي في شرحه على مسلم: قال: وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول. وابن القيم يقول في إعلام الموقعين: فصل قد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدون في النوازل.
وإنما نقلت هذه النقولات لأن هناك من المعاصرين من قال: إن مصطلح النوازل عند الأقدمين إنه يطلق على جميع الحوادث التي تحتاج إلى فتيا، سواء كانت قديمة أو جديدة، وهذا محل نظر؛ إذ أننا بالتأمل في كتب المتقدمين نجد أنهم يطلقون النوازل على المسائل المستجدة التي تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، تطلق النوازل على الحوادث المستجدة التي تتطلب اجتهادا وبيانا للحكم الشرعي فيها.
حكم الاجتهاد في النوازل:
الاجتهاد في النوازل فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن بقية العلماء، ويدل لذلك قول الله - تعالى -: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ" وإنما كان فرض كفاية لأنه يتعلق بالعمل وليس بالعامل.
أهمية العناية بفقه النوازل:
أقول: إن فقه النوازل من العلوم المهمة التي ينبغي أن يعنى بها طالب العلم، ويلحظ أن مناهج الفقه التي يدرسها طلاب الكليات الشرعية، ومعظم الدروس في المساجد، تقتصر على الكتب التي صنفت في قرون ماضية، وهي لم تكن قديمة حين وضعها واضعوها، وفيها فائدة عظيمة بل لا يستغني عنها طالب العلم، لكنها لا تغني عن معرفة طالب العلم وعنايته بالنوازل بمعرفة الحكم الشرعي في النوازل، أما اقتصاره على تلك الكتب، وعدم عنايته بفقه النوازل، فهذا كما ذكرت في مقدمة هذا الدرس فيه خلل، ولهذا تجد أن بعض طلاب العلم ليس له عناية بهذه النوازل، ومع أن الناس محتاجون إليها، وسنبين إن شاء الله - تعالى -المنهج الصحيح لدراسة هذه النوازل ومعرفة الحكم الشرعي فيها.
وقد كان السلف على جانب كبير من العناية بالنوازل مع أنهم كانوا يكرهون التسرع في الفتيا، ويود كل واحد منهم أن يكفيه أخوه، قال ابن أبي ليلى، أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه، ولا مفتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كل من أفتى الناس عن كل ما يسألونه إنه لمجنون، وروي مثل ذلك عن ابن مسعود، وابن عيينة كان إذا سئل عن مسائل الطلاق قال: من يحسن هذا؟! وقال عبد الله بن الإمام أحمد قال: كنت أسمع أبي يسأل عن المسائل، فيقول: لا أدري، كنت أسمعه كثيرا يسأل عن المسائل، فيقول: لا أدري، وقال سحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما عندما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه، وهذه المقولة: أن أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما نقلها ابن القيم في إعلام الموقعين وعلق عليها، وقال: إن الجرأة على الفتيا إما أن تكون من قلة العلم، وإما أن تكون من غزارة العلم وسعته، إما أن تكون من قلة العلم، وإما أن تكون من غزارة العلم وسعته، فإذا قل علم إنسان أفتى ما يسأل عنه بغير علم، خاصة إذا كان عنده جرأة وقلة ورع، قال وإذا اتسع علم إنسان واتسعت فتياه أيضا كان عنده سعة في الفتيا، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الناس في الفتيا.
أقول مع كراهة السلف للتسرع في الفتيا، ومحبة كل واحد منهم أن أخاه قد كفاه، إلا أنهم كانوا يجتهدون في النوازل، بل حصل الاجتهاد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض الصحابة، كما في قصة بني قريظة في الصحيحين، لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر اختلفوا في فهم المقصود من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصد الحث على المسير، ولم يقصد أننا نؤخر صلاة العصر إلى أن نصل إلى بني قريظة ولو خرج الوقت، وقال آخرون: لا، بل نلتزم بظاهر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصلوا صلاة العصر إلا بعدما وصلوا بني قريظة، بعد خروج وقتها، قال ابن عمر ولم يعنف النبي - صلى الله عليه وسلم - أيا من الطائفتين.
يتبع -
|