قس بن ساعدة الإيادي بين يدي قيصر
كُتب : [ 25 - 10 - 2008 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
قس بن ساعدة الإيادي بين يدي قيصر :
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : حضرت مجلس المأمون ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أحدثك عن الفضل بن يحيى ؟ قال : بلى ! فقلت : دخلت دار الرشيد ، وإذا الفضل بن يحيى وإسماعيل بن صبيح وعبدالملك بن صالح في بعض تلك الأروقة يتحدثون ، فلما بصر بي الفضل ، أومأ إلي وقال : يا إسحاق انتظرناك منذ الغداة لتساعد على ما نحن فيه من المذاكرة . فقلت يا سيدي ، أنا السكيت إذا أجريت الجياد ، وفاز السابق والمصلي ! فقال : عبدالملك - مدحت نفسك ، ولما تكذب . ولما فرغ عبدالملك من حديثه قال الفضل أن لقس حديثا سمعته من / الخليل بن أحمد فهل عند واحد منكم له ذكر ، فسكت القوم ، فقلت : يا سيدي ، ما تعرف له حديثا إلا حديث خطبته بعكاظ ! قال : ذاك شيء قد فهمته العامة واختبرته الخاصة . ثم أطرق ساعة ، فقلنا : إن رأيت أن تحدثنا ؟ فقال : حدثني / الخليل بن أحمد : أن قيصر ملك الروم بعث إليه أسقف نجران قس بن ساعدة - وكان حكيما طبيبا بليغا في منطقه ، فلما دخل عليه ، ومثل بين يديه ، حمد الله وأثنى عليه . فأمره بالجلوس ، فجلس ورحب به ، وأدنى مجلسه وقال . ما زلت مشتاقا إليك لما سمعت من مناظرتك في الطب . فكان أول ما سأله عن الأطعمة ؟ قال : الأطعمة كثيرة مختلفة وجملة ما آمرك به الإمساك عن غاية الإكثار ، فإن ذلك من أفضل ما بلوناه من الأدوية ، ورأس ما نأمر به من الحمية . قال له : عمن حملت الحكمة ؟ قال : عن عدة من الفلاسفة . قال : فما أفضل الحكمة ؟ قال : معرفة المرء بقدره . قال : فما تقول في الحلم ؟ قال : حلم الإنسان ماء وجهه . قال : فما تقول في المال وفضله ؟ قال : أفضل المال ما أعطي منه الحق . قال : فما أفضل العطية ؟ قال : أن تعطي قبل السؤال . قال : فأخبرني عما بلوت من الزمان وتصرفه ، ورأيت من أخلاق أهله ؟ قال : بلونا الزمان فوجدناه صاحبا يخون صاحبه ، ولا يعاتب من عاتبه ، ووجدنا الإنسان صورة من صور الحيوان ، يتفاضلون ، بالعقول ، ووجدنا الأحساب ليست بالآباء والأمهات ، ولكنها في أخلاق محمودة ، وفي ذلك أقول :
لقد حلبت الزمان أشطره
= ثم مخضت الصريح من حلب
فلم أر الفضل والمعالي في
= قول الفتى : إنني من العرب
حتى نرى ساميا إلى خلق
= يذود محموده عن النسب
ما ينفع المرء في فكاهته
= من عقل جد مضى وعقل أب
ما المرء إلا ابن نفسه فبها
= يعرف عند التحصيل للنوب
ووجدنا أبلغ العظات النظر إلى محل الأموات ، وأحمد البلاغة الصمت ، ووجدنا لأهل الحزم حنرا شديدا ، وبذلك نجوا من المكروه ، والكرم حسن الإصطبار ، والعز سرعة الإنتصار ، والتجربة طول الإعتبار . قال : أخبرني هل نظرت في النجوم ؟ قال : ما نظرت فيها إلا في ما أردت به الهداية. ولم أنظر في ما أردت به الكهانة ، وقد قلت في النجوم :
علم النجوم على العقول وبال
= وطلاب شيء لا ينال ضلال
ماذا طلابك علم شي أغلقت
= من دونه الأفلاك ليس ينال
هيهات ما أحد بغامض قدره
= يدري كم الأرزاق والآجال
إلا الذي فوق السماء مكانه
= فلوجهه الإكرام والإجلال
قال : فهل نظرت في زجر الطير ؟ قال : نحن معاشر العرب مولعون بزجر الطير . قال : فما أعجب ما رايته منه ؟ قال : شخصت أنا وصاحب لي من العرب إلى بعض الملوك ، فألقيناه يريد غزو قوم كانوا على دين النصرانية ، فخرج حتى إذا كان على فراسخ من مدينته ، أمر بضرب فساطيطه وأروقته ، لتتوافى إليه جنوده ، وضرب له فساطا على شاطئ نهر ، وأمر بخباء فضرب لي ولصاحبي ، فبينما نحن كذلك إذ أقبل طائران : أسود وأبيض ، وأنا وصاحبي نرمقهما ، حتى إذا كانا على رأسه ، رفرفا ثم غابا . ثم رجعا أيضا ، حتى إذا كانا قريبا منه طوياه ، ثم أقبلا نحونا فوقعا . ثم رتعا . فقال صاحبي : ما رأيت كاليوم طائرين أعجب منهما . فأيهما أنت مختار ؟ فقلت : الأسود ! قال : الأبيض أعجبهما إلي ، فما تأولتهما ؟ قلت : الليل والنهار يطؤيان هذا الرجل في سفره فيموت ، وتأولت إختيارك الأبيض ، انك تنصرف بيد بيضاء . مخفقة من المال . فإذا هو قد غضب . فلما جن الليل ، بعث إلينا الملك لنسمر عنده ، فإذا صاحبي ! قد أختبره ؟ فسألني فأخبرته وصدقته . فغضب وقال : هذه حمية منك لأهل دينك ! فقلت : أما أنا فقد صدقتك . فأمر بحبسي ومضى لوجهه فلم يتجاوز إلا قليلا حتى مات ! فأوصى لي ! بعشرين ناقة وقال : قاتل الله قسا ! لقد محضني النصيحة . فانصرفت من سفري ذلك بعدة من الإبل ، وأنصرف صاحبي مخفقا من المال . قال الملك : وما رأيت أيضا من الزجر أعجب ؟ قلت ما رأيت مرة عند الملك الهمام أبي قابوس ، وقد خرج عليه خارج من مضر يريد ملكه ، وقد حشد له : فبعث إلي بعض عماله في توجيه أربعمائة فارس ، ووجهني مع الرسول ، وأمرنا بالشد على أيديهم في جمع الخيل والرجال . وكان الرسول شاعرا - فبينما نحن نسير إذ سنحت لنا ظباء فيها تيس تقدمها . وكان أبو قابوس يواعد للقائه في يوم كذا وكذا ، فنحن نقول : إن كان الملك خرج في يوم كذا فهو اليوم لي موضع كذا وقد أقبلنا ، ونحن نقود جيشا عرمرما ، فأنشأ الرسول يقول :
ألا ليت شعري ما تقول السوانح
= غاد أبو قابوس أم هو رائح ؟
قال : فنظرت إلى التيس عند فراغه من هذا البيت ، فوجدته قد دخل في مكنسه حتى توارى فـيه ، فداخلني من ذلك ما لم أقدر على أن أمسك نفسي ، حتى استرجعت ، فقال لي رفيقي : ما لك ! قلت : إن صدق الزجر ، فصاحبك قد ثوى في التراب ، والتحفت عليه أطباق الثرى ! قال : كيف ذلك ؟ قلت : وافق فراغك من البيت ، دخول التيس في مكنسه ، فأعرض عني . فلما أصبحت في اليوم الذي واعدنا للقائه لم يواف . ولم يكن بأوشك من أن أتانا الخبر بهلاكه وقعود ابنه . فأكرمه قيصر وأحسن جائزته !
قلنا : أيد الله الوزير ! لقد بلغت ما بلغت باستحقاق ، ولقد حزت قصبة الرهان في كل منقبة . فتبسم وقاك عز الشريف أدبه ، وإذا رسول الرشيد قد وافاه فنهض نحوه ، وتصدع المجلس وانصرفنا . فلما مضى من الليل بعضه ، إذا أنا بطارق قد طرقني ، وبين يديه غلمان على أعناقهم البدر ، وإذا رسول الفضل وقد حمل إلى مائة ألف درهما وقال : الوزير يقرأ عليك السلام . ويقول : ضجرت باستماع الأحاديث ، وأوجبت علي بذلك منة ، وهذا عطاء وتح في جنب قدرك عندي ، فخذه ولا تعتد به . فقلت : سبحان الله الذي خلق هذا الرجل ! وجبله على كرم بز به من مضى ، ومن غبر . وإذا هو قد وجه إلى أصحابي الذين كانوا معي بمثل الذي وجه به الي ، فغدوت إليه ، وأردت أن أشكره . فقال : والله لئن ذهبت تكشف ما ستر الله لأجفونك ! فكأنما ألقمني حجرا واحتبسني عنده . فطعمت وشربت ، ورحت وقد حملني على عدة أفراس ، وبسروج ولجم مذهبة ، ووجه معي بعشره تخوت ثياب ، وعشر بدر . قال : فقال المأمون ويحك يا اسحق ! ثواب حديثك ضعف ما أمر لك به الفضل ، وقد أمرت له بمائة ألف درهم ، فقبضت ذلك وانصرفت !.
قال الشيخ / ابن قيم الجوزية رحمه الله :
أربعة أشياء تمرض الجسم :
النوم الكثير * الكلام الكثير * الأكل الكثير * الجماع الكثير
أربعة أشياء تهدم البدن :
الهم * الحزن * الجوع * السهر
أربعة أشياء تيبس الوجه وتذهب ماءه وبهجته :
الكذب * الوقاحة * كثرة السؤال عن غير علم * كثرة الفجور
أربعة أشياء تزيد ماء الوجه وبهجته :
التقوي * الوفاء * الكرم * المروءة
أربعة أشياء تجلب الرزق :
قيام الليل * كثرة الاستغفار * تعاهد الصدقة * الذكر أول النهار وآخره
أربعة أشياء تمنع الرزق :
نوم الصبحة * قلة الصلاة * الكسل * الخيانة
أربعة تضر بالفهم والذهن :
إدمان أكل الحامض * و الفواكه * والنوم على القفا * والهم والغم
المقصود بنوم الصبحة هي نوم الصباح أي أن البعض يحرص على نوم الصباح وهذا وقت تقسيم الأرزاق فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( بورك لامتي في بكورها البكرة أي الصباح الباكر ) . منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم غانمون والسلام .
|