رد: الغرام والقصير مفاهيم إجتماعية ذات دلالات مختلفة
كُتب : [ 23 - 02 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : كتب أحد الأخوة من أبناء قبيلة قحطان العزيزة عن الجيرة في قبيلته ويشمل ذلك كل القبائل في الجزيرة العربية لأنها تشرب من نفس المعين وقال :-
مدخل :-
الجيرة لم تكن وليدة اللحظة أو حديثة النشأة فقد كانت منذ القدم بين القبائل العربية من عصر الجاهلية وبداية العصر الإسلامي وصدر الإسلام وحتى يومنا هذا وقد وردت قصص كثيرة عن الجيرة عند العربي فكانت القبائل العربية تهتم بأمر الجيرة وهي طلب الأمان بعد الله إما بفعل حادثة إرتكبها العربي أو جناية أدت إلى هذا الجوار .
ولعلنا نأخذ مثالاً وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم : لعل أشهر جوار عرفناه هو جوار / مطعم بن عدي للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عاد من رحلته إلى الطائف وما لقيه من مصاعب في تلك الرحلة عندما عزم الرسول صلى الله عليه وسلم دخول مكة وأرسل في طلب جوار / الأخنس بن شريق فجبن وتعلل بأنه حليف والحليف لا يجير ثم طلب جوار / سهيل بن عمرو فرفض بحجة أن بني عمرو لا تجير على بني كعب وأخيراً أرسل في طلب جوار / مطعم بن عدي فاستجاب لذلك وتهيأ ولبس سلاحه هو وبنوه ودخل المسجد فلما رآه أبو جهل قال : أمجير أم تابع ؟ قال بل مجير قال أجرنا من أجرت ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته ومطعم وأولاده يحيطون به . وقال / حسان بن ثابت رضي الله عنه في ذلك :-
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا
= عبيدك مالبــى مهلّ وأحرمـــا
فلو سلت عنه معدّ بأســــــــرها
= وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفي بخفرة جـــاره
= وذمتــــه يــوما إذا ما تذمــما
الجيرة في اللغة :-
في القاموس المحيط : جار واستجار أي يجار وأجاره : أنقذه وأعاده وفي المصباح المنير : استجاره : طلب منه أن يحفظه فأجاره والمعنى أمنه وفي اصطلاح المفسرين يقول صاحب تفسير ( فتح البيان في مقاصد القرآن ) العلامة القنوجي عن آية ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ......) : أي الناقضين للعهد الذين أمرت بالتعرض لهم استأمنك من القتل فأجره يقال استجرت فلاناً أي طلبت أن يكون جاراً أي محامياً ومحافظاً من أن يظلمني أو يتعرض لي متعرض .
الجيرة عند العرب :-
يسمونها إعطاء الوجه أو ردية الشأن وتعتبر من أبرز ما يميز المجتمعات القبلية وهذه العادة موجودة عند قبائل العرب عامة حيث إنها تميزهم عن غيرهم من الأمم وتجعلهم على قمة أرقى الشعوب لكونها عادة طيبة عرفتها لما فيها من حقن الدماء وخمود نار الفتنة والجوار بالمعنى المعروف هو لجوء المطالب بالثأر إلى أحد أبناء القبيلة يطلب منه الجيرة أو إعطاء الوجه أو رد الشأن وكلها معانٍ متقاربة عندها يصبح في حماية القبيلة كلها إلى أن يفصل في الأمر الذي ألجأه إلى الجوار إما عن طريق الإحتكام إلى الشرع أو الصلح القبلي أو انتهاء مدة الجوار .
مدة الجيرة :-
وللجوار عند العرب أنواع متعددة من الأوجه التي يتحكم فيها نوع الجرم المرتكب فيحدد مدتها ومثال ذلك :-
1ـ جيرة الدم : وهي القتل ومدتها سنة وشهران وأول من حدد هذه الجيرة هم قبائل عبيدة قحطان وأول من سنها وأسس قواعدها في نجد وعند قحطان هو حقيب من آل شريم آل عاطف الجحادر قحطان وكان ذلك في عام 1100 تقريباً لا تحديداً وتعرف الآن هذه الجيرة بجيرة حقيب .
2ـ جيرة الأسود : وهو الشخص الذي يرتكب جرماً مثل قطع طريق أو أي قضية تخل بالشرف ومدتها : من ثلاثة أيام إلى ثمانية أيام .
3ـ جيرة الفعل : وهي جيرة الإصابة الناتجة عن مشاجرة كالكسور والجروح وفيها إسالة دم ومدتها : ستة أشهر .
4ـ جيرة العصا : هي الإعتداء على الخصم بضربه بالعصا أو مد اليد بدون إسالة دم ومدتها : ثلاثة أشهر وفي هذه الجيرة لا يحق له تجديد الجيرة عند نفس القبيلة المجيرة إذا انتهت مدة الجيرة قبل الصلح ومن المعروف عن الجيرة في قبيلة قحطان احترام هذا العرف فلا يمكن أن يتعدى على جوار من أجاره حتى يخرج من جيرته وبعدها يصبح المجير في حل من حماية المستجير به بعد الله وبعدها إما ينتهي الموضوع صلحاً أو شرعاً أو ينتقل بجيرته إلى قبيلة أخرى ويظن البعض أن الجيرة ما هي إلا إخفاء للمجرم وجريمته والصحيح إنما هي منع للثأر وخمود للفتنة وحقن للدماء حتى تحل القضية بالصلح أو تنقل الجيرة .
من أساسيات النزوح من قبيلة إلى قبيلة أخرى :-
يقول المحامي الأستاذ / محمد أبو حسان في البحث العاشر من كتابه : ( تراث البدو القضائي ) تحت عنوان ( تغيير جنسية العشيرة ) إن هناك ثلاث حالات تؤدي إلى تغيير جنسية البدوي من عشيرة إلى أخرى وهي :-
1- حين تتبرأ العشيرة من الفرد بسبب قيامه بما يخالف القيم البدوية فإن هذا الفرد يلجأ إلى عشيرة أخرى طالباً الانضمام لها مع عائلته ومواشيه وإبله .
2- حين يقع فرد من العشيرة في مصيبة ما وتتخلى عنه عشيرته .
3- حين يترك البدوي عشيرته وديرته بسبب القحط أو الاضطرابات القبلية .
إن الفرد الذي ينتقل من عشيرته إلى عشيرة أخرى معلناً انضمامه إلى عشيرة جديدة يسمى ( الداخل بالدم ) كما أن هناك اصطلاحاً آخر هو : ( دموي اسموي ) ويقصد بذلك أن هذا الشخص بعد الانضمام للعشيرة الجديدة يصبح وكأن دمه من دم العشيرة الجديدة .
الشكليات اللازمة :-
1- أن توافق العشيرة الجديدة على انضمامه لها .
2- أن يشهد ذلك الشخص ويودع بأنه ترك عشيرته وانضم للعشيرة الجديدة .
3- أن يرسل من ينادي بين العشائر معلناً أنه أصبح من أفراد العشيرة الجديدة .
4- أن يحرق ثوبه ويبدله بثوب جديد كناية عن إبدال العشيرة القديمة بعشيرة جديدة .
5- أن يذبح شاة تسمى عند البدو ( شاة الخشة ) كما يسمونها ( شاة الروكة ) أو ( شات الحلف ) دليلاً على قطع علاقته بالعشيرة القديمة .
6- يعين أحد الشيوخ كفيلاً على الداخل بالدم يكفل قيامه بالالتزامات المترتبة على نتيجة انتسابه للعشيرة الجديدة .
واجبات الداخل بالدم :-
1- أن يستعمل وسم العشيرة الجديدة وأن يحرف وسم إبله من وسم العشيرة القديمة إلى وسم العشيرة الجديدة .
2- أن يتقل خيمته وأفراد عائلته ومواشيه وجميع أمواله إلى ديرة العشيرة الجديدة .
3- أن يحمل هو وأفراد عائلته اسم العشيرة الجديدة بدلاً من القديمة .
4- أن يشترك مع العشيرة الجديدة بالطرد والإجلاء والتأدية لأنه يعتبر قرابة من الدرجة الخامسة للشيخ الذي وافق على انضمامه للعشيرة الجديدة .
واجبات العشيرة الجديدة :-
1- أن تقدم لهذا الشخص وعائلته وأمواله الحماية الكافية .
2- أن تساعده للحصول على حقوقه من أي جهة كانت .
3- أن تقدم له المساعدة التي يحتاجها ضمن إمكانات العشيرة .
4- أن تسمح له باستعمال اسم العشيرة ووسمها وديرتها وغير ذلك باعتبار أنه أصبح من أفرادها .
منقول من كتاب : ( تراث البدو القضائي ) للمحامي الأستاذ / محمد أبو حسان مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|