رد: لكل داء دواء يستطب به = إلا الحماقة أعيت من يداويها
كُتب : [ 31 - 05 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
احــــــــذر الأحمق :-
( عدو عاقل خير من صديق جاهل ) هكذا نقول في أمثالنا فالعدو العاقل يمكن التفاهم والتعامل معه على أساس من العقل الذي يجنب الطرفين الكثير من الكوارث أما الصديق الجاهل أو الأحمق فهو يضرك من حيث أراد نفعك، أو أنه من المستحيل التعامل معه طالما كان أساس التعامل الثابت مفقودا حين يتحدث الطرفان بلغة مختلفة فينتفي التفاهم في النهاية . فقد قال ابن الأعرابي :-
الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي، فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور والحمق غريزة لا تنفع فيها الحيلة وهو داء دواؤه الموت .
قال الشاعر :-
لكل داء دواء يستطب به
= إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقد قال الحكماء في صفات الأحمق : أنه ضال مضل, سريع الغضب بدون معنى أو سبب, يرغي ويزبد وينذر ويتهم بدون حجة, ويهدد ويتوعد, ويكاد من غيظه أن ينفجر كما ينفجر المرجل, يعطي في غير محل العطاء, ويبخل في محل العطاء, يتكلم في غير نفع ومنفعة, وحتى بدون تفكير وبكل ما هب ودب, يتبع كلامه قسما وحلفا وغير أهل للثقة, يضع السر عند من ليس أهلا له, ويفشي السر بدون سبب, ومتوهم أنه أعقل الناس, وربما توهم أنه نبي إذا تكلم عجل, وإذا حدث وهل, وإذا استنزل عن رأيه نزل, إذا استغنى بطر, وإن افتقر قنط, وإن مزح فحش, وإن سئل بخل, وإن سأل ألح, وإن ضحك بكى وخار, لا يفقه قولا ولا يحسن القول, إن أونس تكبر, وإن أوحش تكدر, وإن أستنطق تخلف, وإن ترك تكلف, مجالسته مهينة, ومعاتبته محنة, ومحاورته تغر, وموالاته تضر, ومقاربته عمى, ومقارنته شقا إذا قربته تكبر, وإذا أقبلت عليه اغتر, وإذا أحسنت إليه أساء إليك, وإذا أبعدته تكدر, وإذا أعرضت عنه اغتم, وكلما رفعت من قدره درجة انحط من قدرك عنده درجة وإذا ظلمته انتصف منك, وإذا أنصفته ظلمك, وهذا منتهى الحمق . يقول الشاعر :-
تجنب الأحمق ذا الفضيحة
= وإن بدت منه لك النصيحة
قرة عين الأحمق الحماقة
= كل فتى ملائم أخلاقــــــه
وينبغي للعاقل أن يحذر من صديق أحمق قال / صالح عبد القدوس :-
المرء يجمع والزمــــــــان يفرق
= ويظل يرقع والخطـــــوب تمزق
ولأن يعادي عاقل خير لــــــــه
= من أن يكون لـــــه صديق أحمق
فأربأ بنفسك أن تصادق أحمقـا
= إن الصديق على الصديق مصدق
وزن الكلام إذا نطقت فإنمــــا
= يبدي عقـــول ذوي العقل المنطق
ومن الرجال إذا استوت أخلاقهم
= من يستشار إذا أستشـــــير فيطرق
أحــــــــذر الأحمق أن تصحبه
= إنمـــــا الأحـمق كالثوب الخـرق
كلمــــا رقعته من جـــــــــانب
= حركته الريــــــح وهنا فانخرق
كحمــــار السوق إن أقضمته
= رمح النــــاس وإن جـــاع نهق
وإذا جالســــته فــي مجـلس
= أفســد المجــلس منه بالخــرق
وإذا عــاتبته كي يرعــــوي
= زاد شـرا وتمادى في الحـمق
عجبــا للنــاس في أرزاقهم
= ذاك عطشان وهذا قد غـرق
قال الإمام / أبو حامد الغزالي رحمه الله :-
وهو يعدد الشروط التي بنبغي أ ن يتحلى بها الصديق أن يكون عاقلاً حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت . قال / علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه :-
فلا تصحب أخا الجهل
= وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
= حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء
= إذا ما المرء ماشاه
وللشيء من الشيء
= مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب
= دليل حين يلقاه
كيف والأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري ولذلك قال الشاعر :-
إني لآمن من عدو عاقل
= وأخاف خلاً يعتريه جنون
فالعقل فن واحد وطريقه
= أدرى فأرصد والجنون فنون
ولذلك قيل :-
مقاطعة الأحمق قربان إلى الله . وقال الثوري : النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتوبة، ونعني بالعاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه إما بنفسه وإما إذا فهم وأما حسن الخلق فلا بد منه إذ رب عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه ولكن إذا غلبه غضب أو شهوة أو بخل أو جبن أطاع هواه وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه فلا خير في صحبته . ومن صفات الصديق الأحمق أنه لا يكتم السر بل يضيق بالسر ذرعا ولا يحتمله قال الإمام / أبو حامد الغزالي : قيل لبعض الأدباء : كيف حفظك للسر ؟ قال : أنا أقبره . وقد قيل : صدور الأحرار قبور الأسرار . وقيل : إن قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه، أي لا يستطيع الأحمق إخفاء ما في نفسه فيبديه من حيث لا يدري به . فمن هذا يجب مقاطعة الحمقى والتوقي عن صحبتهم بل عن مشاهدتهم . وقد قيل لآخر : كيف تحفظ السر ؟ قال : أجحد المخبر وأحلف للمستخبر . وقال آخر : استره وأستر أني أستره . وعبر عنه ابن المعتز فقال :-
ومستودعي سراً تبوأت كتمه
= فأودعته صدري فصار له قبرا
قال آخر وأراد الزيادة عليه :-
وما السر في صدري كثاو بقبره
= لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني
= بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السر بيني وبينه
= عن السر والأحشاء لم تعلم السرا
وأفشى بعضهم سراً له إلى أخيه ثم قال له : حفظت ؟ فقال : بل نسيت . وكان أبو سعيد الثوري يقول : إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيراً وكتم سرك فاصحبه . وقيل لأبي يزيد : من تصحب من الناس ؟ قال : من يعلم منك ما يعلم الله ثم يستر عليك كما يستره الله . وقال ذو النون : لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصوماً ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها . وقد قال بعض الحكماء : لا تصحب من يتغير عليك عند أربع : عند غضبه ورضاه، وعند طمعه وهواه . بل ينبغي أن يكون صدق الأخوة ثابتاً على اختلاف هذه الأحوال ولذلك قيل :-
وترى الكريم إذا تصرم وصله
= يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تقضى وصله
= يخفي الجميل ويظهر البهتانا
واعلم أن الناس ثلاثة : رجل تنتفع بصحبته، ورجل تقدر على أن تنفعه ولا تتضرر به ولكن لا تنتفع به . ورجل لا تقدر أيضاً على أن تنفعه وتتضرر به وهو الأحمق أو السيء الخلق فهذا الثالث ينبغي أن تتجنبه، فأما الثاني فلا تجتنبه لأنك تنتفع في الآخرة بشفاعته وبدعائه وبثوابك على القيام به، وقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : إن أطعتني فما أكثر إخوانك أي إن واسيتهم واحتملت منهم ولم تحسدهم . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : عَدَاوَةُ الْعَاقِلِ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ مَوَدَّةِ الْأَحْمَقِ؛ لِأَنَّ الْأَحْمَقَ رُبَّمَا ضَرَّ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَنْفَعَ، وَالْعَاقِلُ لَا يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِي مَضَرَّتِهِ، فَمَضَرَّتُهُ لَهَا حَدٌّ يَقِفُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، وَمَضَرَّةُ الْجَاهِلِ لَيْسَتْ بِذَاتِ حَدٍّ وَالْمَحْدُودُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ .
المراجع :-
1- إحياء علوم الدين
2- اللطائف
3- خزانة الأدب
4- الأخلاق والسير
5- مواعظ ابن الجوزي
6- بداية الهداية
7- المستطرف في كل فن مستظرف . منقول وتقبلوا تحياتي والسلام .
|