رد: من اّداب الكلام وسوء كثرته
كُتب : [ 05 - 06 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
آفات اللسان :-
يقول الله عز وجل : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17-18 ].
أيها الإخوة في الله إن : في هذه الآية تذكير للمؤمنين برقابة الله عز وجل التي لا تتركه لحظة من اللحظات، ولا تغفل عنه في حال من الأحوال، حتى فيما يصدر عنه من أقوال، وما يخرج من فمه من كلمات؛ كل قول محسوب له أو عليه، وكل كلمة مرصودة في سجل أعماله : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17-18 ]. يسجله الملكان في الدنيا ويوم القيامة ينكشف الحساب ويكون الجزاء .
روى الإمام / أحمد والترمذي عن / بلال بن الحارث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه ).
ولذلك كان علقمة رحمه الله وهو أحد رواة هذا الحديث يقول : ( كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ) فكان يمتنع عن كثير من الكلام حتى لا يسجل عليه قول أو ترصد عليه كلمة من اللغو الذي لا فائدة فيه : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون ) [ المؤمنون : 1-3 ].
ومن هنا أيها الإخوة كان حرياً بالمسلم أن يضبط لسانه، ويسائل نفسه قبل أن يتحدث عن جدوى الحديث وفائدته ؟
فإن كان خيراً تكلم وإلا سكت والسكوت في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها، وصدق رسول الله إذ يقول : ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) رواه البخاري ومسلم .
واللسان هو ترجمان القلب، وقد كلفنا الله عز وجل أن نحافظ على استقامة قلوبنا واستقامة القلب مرتبطة باستقامة اللسان، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد : ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ).
وروى الترمذي عن رسول الله قال : ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا ).
أيها الإخوة في الله : إن كثيراً من الأمراض التي تصيب العلاقات الاجتماعية من غيبة، ونميمة، وسب، وشتم، وقذف، وخصام، وكذب، وزور وغيرها … فللسان فيها أكبر النصيب، وإذا سمح الإنسان للسانه أن يلغو في هذه الأعراض وغيرها كان عرضة للنهاية التعيسة والإفلاس في الآخرة، وشتان بين إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة .
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال : المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ).
وروى الترمذي عن / معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ( ثكلتك أمك يا معاذ . وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ ) أي جزاء ما تكلموا به من الحرام .
وبالمقابل أيها الإخوة فإن ضبط المؤمن للسانه ومحافظته عليه وسيلة لضمان الجنة بإذن الله، وهذا وعد رسول الله : ( من يضمن لى ما بين لحييه ( يعني لسانه ) وما بين رجليه ( يعني فرجه ) أضمن له الجنة ) أخرجه البخاري .
قال الله تعالى : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقال الله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ).
بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم وعليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة وتسقط شهادته وإن كان عدلا وفي الصحيحين أن رسول الله قال : اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ومن فعل ذلك وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك والبينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه وكذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال : من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا والآخرة ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال : إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب فقال له معاذ بن جبل : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وفي الحديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) وقال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقال / عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة قال : ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك وإن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي ) وقال : ( إن أبغض الناس إلى الله الفاحش البذي ) الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام وقانا الله وإياكم شر ألسنتنا بمنه وكرمه إنه جواد كريم .
أيها الإخوة في الله : لقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيماً فهذا / عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول : ( وما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ) وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تكلم به .
وقال / عمر رضي الله عنه : ( من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به ).
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول : ( ويحك قل خيرا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم ).
فاتقوا الله عباد الله واضبطوا ألسنتكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تتلفظوا، فما كان خيراً فتكلموا به، وما كان سوءاً فدعوه، واحذروا من آفات اللسان فإنها لا تزال بالمرء حتى تهلكه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) [ الأحزاب : 70-71 ]. فلتحذروا أيها الإخوة . قال الشافعي :-
احفظ لسانك أيها الإنسان
= لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
= كانت تهاب لقائه الأقران
وقال / علي بن أبي طالب رضي الله عنه :-
وزّن الكلام إذا نطقــــــت ولا تكن
= ثرثارا في كـــل نــــــاد تخطب
واحفظ لسانك واحترز من لفظه
= فالمرء يسلم باللسان ويعطب
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|